|
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية..... ( الجزء الأول)
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3360 - 2011 / 5 / 9 - 21:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
انهارت تجربة الاشتراكية الأولى في روسيا ، وها نحن على بعد عقدين من السنين منذ ذلك التاريخ. ويوما بعد يوم تتوارى مآثرها عن ذاكرة الناس ، ويدفع بملفاتها بعيدا عن متناول متصفحي الكتب والوثائق التاريخية ، ويتراكم غبار النسيان على انجازاتها في خزائن الكتب ، وتختفي مع مرور الأيام عن الساحات والشوارع أسماء الرجال والنساء الذين أطلقت عليها تخليدا لذكراهم ، ولما قدموه من تضحيات من أجل انتصار ثورة أكتوبر وبناء وتعزيز وحماية الاشتراكية من أعدائها. لقد كتب كثيرون عن الاشتراكية توثيقا لما حققته من منجزات اقتصادية للشعوب السوفييتية ، وانصافا لدورها التاريخي في دحر النازية والفاشية وانقاذ شعوب العالم من شرورها تعزيزا للسلم العالمي. كتابا آخرون كتبوا ونشروا بحوثا انتقدوا بموضوعية أداءها في مجال الاقتصاد والحريات السياسية من منطلق الحرص ولصالح تطويرها. لكن آخرون شنوا حربا عليها مندفعين تحت تأثير الدعاية المضادة لتشويه صورة النظام الاشتراكي التي كانت تغذيها أجهزة اعلام الدول الغربية ، ودولا أخرى تدور في فلكها في الشمال والجنوب ممن ملئوا الدنيا صخبا حول انتهاك حرية التعبد والشعوذة ، وحقوق الانسان المفقودة. بنفس الوقت الذي كانت تمارس فيه وسائل اعلام الدول الرأسمالية التهريج من المنطلقات الأيديولوجية ذاتها التي روجها وما يزال يروجها منظرو حرية النهب والاستحواذ على ثروات الشعوب ، تحت اقنعة حرية التجارة وانتقال السلع ورؤوس الأموال. وفي بلداننا العربية والاسلامية التي كانت أكثر حكوماتها تتلقى دعما سياسيا وعسكريا واقتصاديا من الدول الاشتراكية ، لم تشعر بالحرج ولم تتوانى عن ممارسة سياسة معاداة الشيوعية ، بحظر نشاط الأحزاب الشيوعية واضطهاد منتسبيها والمتعاطفين معها. وبينما كانت المواقف الشعبية والرسمية للدول الاشتراكية مساندة لحق تقرير المصير والتحرر من الهيمنة الاستعمارية التي كانت بعض بلداننا خاضعة لها ، وللموقف العربي من الصراع العربي الاسرائيلي ، كانت الحشود الرثة من الرعاع البلداء تنعق في تظاهراتها في العواصم العربية بالشعار المقيت " فلسطين عربية ، فلتسقط الشيوعية. " كانت أغلب تلك التظاهرات تتم بتحريض ودعم واشراف الجماعات الدينية والقومية الرجعية المتخلفة. الاعلام المعادي للاشتراكية والشيوعية لم يضعف أو يتلاشى مع غياب النظام الاشتراكي ، فما يزال له كتابه وممولوه يمارسون التشويه ويختلقون الأكاذيب بين مختلف الأوساط السياسية والثقافية والدينية وبخاصة في البلدان الاسلامية ،وقد ألحقوا بالفعل ضررا كبيرا بالفكرالاشتراكي ومنظوره لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مجتمعات تلك البلدان. لكن الأشد ضررا من ذلك كله على الفكر الاشتراكي هي حالة الانقسام والتشظي التي تعاني منها الحركة الشيوعية العالمية في عالم اليوم ، حيث لا يوجد بلدا واحدا في أيامنا هذه الا وانقسم شيوعييه بين يسار الشيوعية ويمينها، وأصبح من الأمور العادية جدا ، أن نرى أحزابا شيوعية قد تخلت طواعية عن اسمها وهويتها الماركسية ، وتحولت إلى حركات هي أقرب إلى نواد ثقافية يجمعها بالأحزاب البرجوازية أكثرمما يربطها بقضية الطبقة العاملة والنضال من أجل بناء الاشتراكية.
هذا في حين أن عددا محدودا من الاحزاب الشيوعية في العالم استمرت تنشط تحت اسمها القديم ، لكنها لم تعد أحزابا للطبقة العاملة ، بل لكل الطبقات ، انطلاقا من قناعتها بأن مستوى التطور الاقتصادي ( قوى الانتاج وعلاقات الانتاج ) السائد في البلد المعني لم يؤهل الطبقة العاملة بعد للاضطلاع بدورها كقوة تغيير تقدمية. فلا وعيها الطبقي ، ولا كفاءتها التنظيمية من النضوج بحيث يمكناها من اطاحة النظام الرأسمالي واقامة سلطتها الاشتراكية على أنقاضه. ولهذه الأسباب مجتمعة اختارت هذه الأحزاب أن لا تضع الثورة الاشتراكية بقيادة البروليتاريا على جدول نضالها للأمد المنظور، وهي تسعى بدلا عن ذلك إلى اقامة الدولة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على أسس النظام البرلماني الذي تعمل من خلاله على تطوير الاقتصاد الوطني. وتسعى بما أوتي لها من أدوات للضغط من أجل تنمية موارد البلاد الاقتصادية المادية والبشرية على أسس حديثة ، ولاتاحة فرص العمل للأجيال الشابة من القادرين على العمل ، ليأخذوا دورهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي الذي بفضله تتحسن نوعية حياة الناس. واقع الحال في الحركة الشيوعية العالمية يؤشر بوضوح إلى وجود جناحان متمايزان ينشطان باسمها ، اليسار واليمين الشيوعي ، اللذان احتلا مساحة واسعة في كتابات فلاديمير لينين الذي تناول بالنقد دورهما الضار على حركة الطبقة العاملة وانتصار الثورة الاشتراكية. الجناح اليساري في الشيوعية ، وهو الأعلى صخبا من بقية التيارات الناطقة باسم الشيوعية ، منذ ظهوره نهاية القرن التاسع عشر، كان قد استقطب قلوب الناقمين على سياسات أحزابهم الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية في بلدان كثيرة في أوربا خاصة. جل أحزاب وتنظيمات اليسار الشيوعي كانت قد انسلخت عن أحزابها الأم ، ونشطت تحت أسماء مثل: الحزب الشيوعي اليساري ، وحزب العمال الشيوعي ، والحزب الشيوعي العمالي اليساري . وبنتيجة ذلك أصبح من النادر أن نجد بلدا له حزبا شيوعيا أو عماليا واحدا ، بل أن بلدا مثل الهند له في الوقت الحالي عددا من الأحزاب الشيوعية المنشقة عن الحزب الشيوعي الهندي الأم ، و تمييزا لها عن بعضها البعض أصبح من الشائع أن يشار لها بأسماء رؤسائها أو سكرتيريها العامين ، وبدا من الصعب أمام هذا العدد من الأحزاب تحديد طبيعة الاختلافات بينها ، ومدى واقعيتها في حين أن قاسمها المشترك هو الشيوعية.
ولم يشذ العراق عن هذه الحقيقة ، حيث تشهد الساحة السياسية فيه عدة احزاب شيوعية إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي الأم ، حيث لا تختلف عن بعضها البعض سوى بالأسماء و الشعارات. التبرير المعلن لوجود هذه التشكيلة التي تنشط بأسماء شيوعية يسارية وعمالية في العراق ، هو ما تعتبره نهجا يمينيا تصفويا اتبعه الحزب الشيوعي العراقي ، شارك على أساسه في العملية السياسية التي بدأ بتنفيذها بعد أطاحة النظام السابق. لقد كان واضحا أن قيادة الحزب أرادت أن تلعب دورا مؤثرا في السياسة العراقية ، فاختارت أن لا تتيح للأحزاب البرجوازية الرجعية وسلطات الاحتلال ، الانفراد في رسم مستقبل العراق ما بعد الديكتاتورية. وانطلاقا من هذا كرس كل قدراته لتطوير مسار التطور السياسي والاقتصادي بالاتجاه الذي يرسخ المبادئ الديمقراطية ، ويعزز الجهود للتعجيل في عملية التنمية الاقتصادية لصالح الجماهير الشعبية ، وبما يكفل تحسين نوعية حياة الشغيلة من العمال والفلاحين ، وهم الأكثر تضررا من سياسات النظام السابق والحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول الامبريالية على بلادنا خلال العقد الأخير من القرن الماضي. وبصرف النظرعن حجم وسعة الرأي المعارض لسياسة الحزب الراهنة تجاه العملية السياسية ، وهي بالتأكيد محدودة جدا في أوساط جماهير الشعب العراقي ، فان الأسباب الحقيقية للتشرذم الحالي في الحركة الشيوعية العراقية لا يكمن في الموقف من العملية السياسية ، بل في أسباب أخرى ، لها صلة مباشرة أو غيرمباشرة بالاتجاهات الفكرية والتنظيمات المتطرفة العاملة في أوربا الغربية ، بدليل أن بعض التنظيمات اليسارية العاملة في الساحة السياسية العراقية كانت موجودة قبل 2003. تعدد التيارات الفكرية المدعية بالشيوعية داخل كل بلد أو على مستوى العالم ليس مؤشرا على شعبية الشيوعية ، بل على أزمة فكرية حقيقية ينبغي معالجتها. اهمال وتجاهل الحالة الراهنة في الحركة الشيوعية يفاقم شرذمتها ، وسيكون من الصعب اذا لم يكن من المستحيل اعادة الوحدة الفكرية اليها من دون قيام مرجعية شيوعية دولية مركزية ، يكون لها القوة المعنوية والتنظيمية لدعم الروابط الأخوية بين الأحزاب الشيوعية والعمالية ، والحث على احترام المبادئ الأساسية للشيوعية. و لهذا الغرض يكون ضروريا تشكيل لجنة تحضيرية يمثل فيها أحزاب مختلف البلدان ، تكون مهمتها عقد لقاءات ثنائية واقليمية ، ثم عالمية ، تبحث في السبل الكفيلة لتوحيد الحركة الشيوعية ، وقبل ذلك تنقيتها مما لحق بها من اتجاهات غريبة ، ومنافية للمبادئ الماركسية/ اللنينية. واذا ما جرى الاتفاق على تلك المبادئ يهيئ لعقد مؤتمرا يحضره ممثلوا الأحزاب الشيوعية في العالم ، تقر فيه المبادئ الأساسية التي يجب على الجميع احترامها. مهمة المركز الأممي الذي من الضروري الاتفاق على مكان مقره الدائم ، هي صياغة خطة للعمل يجري على ضوئها اعادة تنظيم علاقات الأحزاب الشيوعية ببعضها البعض ، وبالأممية الدولية الجديدة تقوم على مبادئ المساواة الكاملة ، واحترام استقلالية كل حزب شيوعي ، بصرف النظر عن دوره في بلده وعدد أعضائه ، وتاريخ تأسيسه ومنشأه القومي أو الاثني . يقول لينين بهذا الصدد ، أن " من الضروري أن ندرك بجلاء أن مثل هذا المركز القيادي لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نوجده على أساس قولبة القواعد التكتيكية للنضال وتسويتها وتوحيدها بصورة جامدة . فما دامت الفوارق من حيث القوميات والدول موجودة بين الشعوب والبلدان ، وهذه الفوارق ستبقى زمنا طويلا وطويلا جدا ، حتى بعد تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا في النطاق العالمي ، فان وحدة التكتيك العالمي للحركة العمالية الشيوعية في جميع البلدان لا تتطلب ازالة هذا التنوع ولا استئصال الفوارق القومية ( الأمر الذي ليس في اللحظة الراهنة إلا أضغاث أحلام) ، بل تتطلب تطبيق المبدأين الأساسيين للشيوعية ( السلطة السوفييتية وديكتاتورية البروليتاريا ) بشكل يعدل بصورة صحيحة هذين المبدأين في الجزئيات ويجعلهما يتلاءمان وينسجمان بصورة صحيحة مع الفوارق القومية والفوارق بين الدول. أن الواجب الرئيسي في اللحظة التاريخية التي تجتازها جميع البلدان المتقدمة هو استقصاء ودراسة وتمحيص واستقراء واستيعاب المميزات القومية والخصائص القومية في الأساليب الملموسة التي يتخذها كل بلد لحل المهمة الأممية الواحدة ، وللانتصارعلى الانتهازية والعقائدية اليسارية في داخل الحركة العمالية ولاسقاط البرجوازية وتأسيس الجمهورية السوفييتية وديكتاتورية البرليتاريا ".(1) علي ألأسدي يتبع
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليبيا بعد العراق .. تعود إلى ما قبل الثورة الصناعية ... ؛؛
-
من سيحمي المدنيين الليبيين .. من صواريخ توما هوك .. ... ؟؟
-
قطر وحلف الناتو.... لا يصدران الديمقراطية الى ليبيا...؛؛؛
-
هل تتجه ليبيا القذافي ... نحو التقسيم..؟؟
-
ليبيا ... في الذكرى الثامنة لغزو العراق..
-
هل أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقذافي .. لإبادة شعبه.. ؟؟
-
الوجه الآخر ... الحقيقي لرئيس وزراء العراق...؛؛
-
أيها الليبيون .. اسألوا العراقيين عن الإحسان الأمريكي.. .؛؛
-
المرجعيات الدينية العراقية .. خيبت آمال الشعب..؛
-
ما وراء صمت أوباما ... عن حمامات الدم في ليبيا ….؟؟
-
قلوب العراقيين معكم ... أيها الليبيون الأبطال ..
-
هل تنحني حكومة بغداد ...لثورة العبيد... ؟
-
العراقيون .... لو ثاروا....؟؟
-
العراق .. بعد تونس ومصر ... يرفع من الديوانية راية ثورته..
-
العراق على طريق الديكتاتورية من جديد.. ..؛
-
ثورة التونسيين ... لا تدق ناقوس الخطر في العراق…… ؛؛
-
ملاحظات حول مقال - لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية - .
...
-
ملاحظات حول مقال - لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية -..
...
-
الحرب الباردة ... وانهيار التجربة الاشتراكية ... ( السادس وا
...
-
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية ...(الجزء الخامس
...
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|