|
مسار الحراك الاجتماعي المغاربي والعربي
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 3360 - 2011 / 5 / 9 - 09:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
تعرف بلادنا منذ 20 فبراير 2011 حركة جماهيرية عارمة تنشد التغيير متأثرة في ذلك بحركة الشعبين التونسي والمصري الذين استطاعا اسقاط الرئيسين بنعلي ومبارك. ومنذ ظهور هذه الحركة سال مداد غزير من اجل فهم الحركة ووضعها في سياقها التاريخى والعناصر المحركة لها وأهدافها ومدى الأفق الذي يمكن أن تصل اليه.
الكثير من الكتاب حول الحراك الاجتماعي الحالي يستعملون عبارات معينة لوصف ما يجري منها على الخصوص وصف هذه الأحداث بالثورات، فهل بالفعل ترقى هذه الأحداث الى مستوى الثورات؟ وهل التغيرات الجارية حاليا مجرد اصلاحات للانظمة السائدة أم تشكل انقلابا كاملا عليها؟ ان مواكبة الأحداث الجارية بالتحليل والغوص في دلالاتها يشكل ضرورة ملحة من اجل فهم السياق المحلي في اطار السياق الكلي للنظام الرأسمالي الذي لا زال في انحدار لولبي في احتضاره التاريخي. فهل تشكل الأحداث الجارية بداية موت النظام القديم وبروز تدريجي لمعالم النظام الجديد والذي لن يكون سوى نظاما اشتراكيا عالميا؟
القواسم المشتركة بين البلدان المغاربية والعربية
خضعت البلدان المغاربية والعربية لنفس أشكال الأنظمة السياسية العتيقة ولهيمنات استعمارية امبريالية شكلت تاريخها الحديث واضعة الاستقلالات الشكلية بيد البرجوازيات المحلية التي بنت انظمة استبدادية استغلالية حققت من خلالها التراكم الرأسمالي البدائي مخولة للشركات الامبريالية امكانية اقتسام عائدات الاستغلال.
منذ مرحلة الاستقلالات الشكلية والى الآن تعمق التفاوت الطبقي وانقسم المجتمع الى طبقات اجتماعية حسب موقع كل طبقة في عملية الإنتاج. فكانت القيادة للكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية التبعية الرجعية وتشكلت بيروقراطيات وتقنوقراطيين استفادت من مواقعها في دوالب الادارة والجيش والشرطة والطاقم المسير للمؤسسات العمومية والشركات الوطنية.
ومع تعمق الفساد الاداري ونهب المال العام وتعمق ازمة المديونية الخارجية والداخلية تحولت البلدان المغاربية والعربية نحو خوصصة القطتع العمومي استحود التحالف الطبقي الحاكم الى جانب الشركات متعددة الاستيطان على حصة الأسد من رأسمال الشركات المخوصصة باسعار رمزية، وقد تحولت المرافق العمومية المخوصصة من مهمة توفير منتوجاتها وخدماتها بالمجان أو باسعار في متناول الكادحين الى شركات توفر منتوجاتها وخدماتها باسعار مرتفعة وكان ذلك هو شأن النقل وتوزيع الماء والكهرباء على سبيل المثال.
شكلت الميزانية العامة في هذه البلدان وسيلة اضافية لاغتناء التحالف الطبقي الحاكم على حساب الكادحين وذوي الدخل المحدود، فالاقتطاعات الضريبية مثلا توزع بشكل غير عادل تحابي رأس المال على العمل فتعفى المداخيل الفلاحية الكبرى وتطبق معدلات منخفضة على الشركات الرأسمالية ويسمح لها وللمهن الحرة بالتهرب الضريبي عند التصريح بمداخيلها بينما تقتطع المعدلات الضريبية المرتفعة عند المنبع من العمال والموظفين. كما شكل الانفاق العمومي فرصة للنهب عبر الصفقات والمشاريع العمومية أو عن طريق اقتطاع اعتمادات وعلاوات خيالية لتحسين مظاهر السيادة.
تتقاسم التحالفات الطبقية الحاكمة في البلدان المغاربية والعربية ظاهرة الاستفراد بشركات احتكارية تهيمن على مجمل القطاعات الاقتصادية الثلاث وعلى شبكات التجارة والتوزيع والتصدير نحو الخارج.
تتقاسم البلدان المغاربية والعربية أيضا الواقع البئيس لطبقتها العاملة الناشئة ولعموم الكادحين، فانتشرت مدن الصفيح والبطالة وظهرت البروليتارية الهشة والتعاطي للمخدرات والفساد والسرقة والجريمة.
ولأجل ضمان استمرار الأنظمة الاستبدادية تم الحاق مختلف الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية بالجهاز القمعي للدولة، كما تم توظيف الاسلام السياسي المعتدل والمتطرف لاحتلال الفراغ الناجم عن قمع التنظيمات الشيوعية والديموقراطية ووسيلة للضبط الاجتماعي في بيئة تسودها الامية والفقر. استعمال الوهم الايديولوجي والدين لتخدير الطبقة العاملة وعموم الفلاحين الفقراء وضمان استمرار خضوعهم واستغلالهم، ويلعب الأعيان والملاكين الكبار دورا اساسيا في الحفاظ على الوهم الايديولوجي الديني واستمرار طاعة الفلاحين الفقراء لرموز السلطة واضفاء القداسة على الكومبرادور وعائلته.
انتشار ممارسة الاختطاف والتعذيب والتصفيات الجسدية بحيث تعاني العديد من الأسر من تعرض افرادها لقمع الأنظمة الشيء الذي دفع بالعديد منهم الى اختيار الهجرة وممارسة المعارضة السياسية من بعيد بينما فضل البعض الآخر العمل السياسي السري في اطار مجموعات صغيرة بدون القدرة على التوسع والجرأة العلنية.
الحركات الاحتجاجية المشكلة للثقافة السياسية الثورية
تضافرت العديد من الأحداث في البلدان المغاربية والعربية شكلت الثقافة السياسية للجيل الحالي والذي انفتح على مقدمات ثورية جعلته يصمم على السير في الاحتجاجات الجماهيرية الى حين اسقاط الأنظمة الفاسدة. ونجد من بين هذه الأحداث ما هوسياسيي وما هو اقتصادي اجتماعي. فعلى المستوى السياسي نجد ما يلي:
- تبخر أوهام الاستقلال الشكلي وتآكل صورة الزعيم مع تعمق الاستغلال والفساد، فلم تعد الخطابات الطنانة ومظاهر الورع الديني تخفي الطابع الاستبدادي التسلطي للحاكم، فبعد عقد واحد من الاستقلالات الشكلية أو تنصيب الحكام في سدة الحكم حتى انكشفت عورات الحكام كاملة وبدأت هيبتهم المصطنعة تتمرغ في الوحل، فانتشرت في الأوساط الشعبية النكت اللاذعة والقصائد المستهجنة
- ممارسة الخنوع السياسي المطلق للقوى الامبريالية واعتماد قرارات ضد المصالح الوطنية والقومية مع تقديم تبريرات مخادعة مما جعل الاحتجاجات الشعبية تنمو وتتطور ضد القرارات الحكومية.
- التواطؤ الفاحش والمكشوف مع الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية والأوروبية ضدا على القضيتين الفلسطينية والعراقية مما كرس الغضب الشعبي وعمقه.
- تزوير الانتخابات والاعتماد على نخب فاسدة في البرلمان والحكومة لضمان استمرار نفس التوجهات والقمع في المقابل لكل التنظيمات والأشخاص المعارضين زاد من تباعد الطبقة الشعبية ونظام الحكم.
- استعمال القضاء لتصفية الحسابات السياسية وتكميم حرية الرأي والتعبير والغاء الصحافة.
- قدرة الكادحين خاصة الشباب منهم على تتبع ما يجري في البلدان الأخرى ومقارنة وضعيتهم بوضعية اقرانهم في البلدان المجاورة. أما على المستوى الاقتصادي الاجتماعي فنجد ما يلي:
- انتهاك الحقوق الشغلية والنقابية للطبقة العاملة واستعمال الاجهزة القمعية للدولة ضد كل احتجاج عمالي نقابي بل واعتقال العمال والنقابيين وتلفيق التهم لهم وفبركة المحاكمات الصورية.
- الحماية المتواطئة للباطرونا في مواجهة الطبقة العاملة مهما بلغ حجم ضلمها واستغلالها لها ومهما انعدمت شروط العمل السليمة.
- تشجيع الباطرونا على التسريحات الفردية والجماعية من خلال عدم استجابة القضاء وهيئات التفتيش العمومي لتضلمات العمال.
- خوصصة المرافق العمومية خاصة منها قطاعي التعليم والصحة مما رفع كلفة التعليم والعلاج وباقي الخدمات على الطبقتين العاملة والوسطى.
- انغلاق افاق العمل والولوج الى المناصب العمومية امام الشباب حاملي الشهادات العليا مما اتسعت معه نسبة الشباب العاطل حاملي الشهادات.
- انسداد ابواب الهجرة الى الخارج وآفاق العمل في الداخل والقدرة على الاحتجاج من اجل المطالبة بالشغل ادى الى انسداد الأمل امام عيون الشباب.
انطلاق شرارة التمرد
يظل 17 دجنبر 2010 تاريخا محفورا في ذاكرة شعوب البلدان المغاربية والعربية، لان احراق الشاب محمد البوعزيزي لذاته بعدما كسرت السلطات المحلية لعربته التي يبيع عليها الخضار وتعرضه للصفع من طرف شرطية، شكل الشرارة التي ايقضت لهيب الغضب وظهور الاحتجاجات الجماهيرية العارمة وحيث يتم صياغة المطالب الاقتصادية والسياسية والتي جاء على رأسها "الشعب يريد اسقاط النظام". ورغم محاولات الاجهزة القمعية للدكتاتور بنعلي وبلطجيته التصدي بكل وحشية للمحتجين الا ان الخوف تبخر والغضب انتشر في البلاد بكاملها فظلت الجماهير تنزل الى الشارع يوميا رغم سقوط القتلى يوميا.
وفي 14 يناير هرب الدكتاتور بنعلي، وبدأ عهد جديد من الصراع السياسي تحاول فيه البرجوازية تحويل الثورة لصالحها. لكن الشعب التونسي وخصوصا كادحيه ظلوا يقظين وعلى استعداد لافشال محاولات البرجوازية المتربصة لاستعادة زمام الحكم واخراس مطالب الاحتجاج.
في مصر شكل تاريخ 25 يناير يداية اشتعال شرارة الغضب الشعبي والتي حاول معها زبانية الدكتاتور مبارك احباطها بكافة الوسائل القمعية لكن اصرار الطبقة العاملة التي اصابت شرايين الاقتصاد المصري بالشلل ادى الى تنحي مبارك مضطرا عن السلطة. ومباشرة بهد ذلك بدأت الطبقة العاملة المصرية تحارب محاولات الالتفاف على الانتفاظة واعادة هيمنة التحالف الطبقي الحاكم الى وضعه السابق.
ستنتقل شرارة التمرد الى الجزائر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين والمغرب، واختلفت اساليب تعامل كل بلاد على حدة معها. لكن اصرار الطبقة العاملة وعدوى ارادة التغيير الجذري للاوضاع الاستبدادية السابقة لن تتوقف وهناك الكثير من الأمثلة على أن فجرا جديدا سينبثق تدريجيا في مختلف هذه البلدان.
النضالات الاجتماعية العمالية المتواصلة في مصر والجزائر وتونس
استطاع الشارع المصري وتصميم المتظاهرين وارادة الطبقة العاملة منذ انطلاق احتجاجات ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011 أن تتمكن من اسقاط الدكتاتور حسني مبارك. وقد اعتقدت البرجوازية انها قد ربحت الجولة وان ميدان التحرير سيفتح من جديد وينتهي الاحتجاج وتعود ابلجماهير بكل "حرية" للموت جوعا في اكواخها بالمدن المصرية. وبدأت الحكومة المؤقتة والمجلس الاستشاري الأعلى يسترجع شؤون الدولة تدريجيا مع تقديم الوعود باجراء "انتخابات" حرة وديموقراطية. وفي 23 مارس 2011 اصدر عصام شرف الوزير الأول المصري قانونا لتجريم الإضرابات والتظاهرات وفرض دعائر ثقيلة وعقوبات حبسية، فكان ذلك هو جواب البرجوازية المصرية لمواجهة موجة مطالب الطبقة العاملة التي استمر التعبير عنها بعد سقوط الدكتاتور. كما ادى تدخلات الشرطة والجيش ضد المضربين وداخل جامعة القاهرة الى تصاعد التدمر العام. وقد دفع هذا القانون الى موجة من الاحتجاجات والاضرابات. وفي 12 أبريل، أشارت صحيفة "المصري اليوم" إلى استمرار حركة الاحتجاجات والإضرابات في العديد من الجهات المصرية. وتعلقت هذه الاحتجاجات بالأجور وشروط وعقود العمل ... الخ. كما امتدت الى قطاعات جد متنوعة. ففي الإسكندرية مثلا، طالب أساتذة بإلغاء نظامهم المؤقت، كما طالبوا بعقود غير محدودة. وفي القاهرة، طالب موظفي مصالح الإدارة الجبائية بالزيادة في رواتبهم. ورغم غياب التظاهرات الجماهيرية العارمة، الا أن غضب الطبقة العمالة وقتاليتها ظلت قائمة. المطالب المقدمة من طرف العمال تعبر جيدا في نفس الوقت على طابعها العمالي وأوهام الديمقراطية التي يتم التغني بها. وتتلخص مطالب الطبقة العاملة في مصر في ست نقاط:
1 – تحويل عقود العمال الذين اشتغلوا لأكثر من ثلاث سنوات المؤقتة الى عقود عمل غير محدودة المدة؛
2 - اقالة أعضاء المجالس الادارية للمؤسسات العمومية والأبناك المتورطون في قضايا الرشوة ونهب المال العام، والذين لا زالوا يستغلون مناصبهم؛
3 – الغاء العقوبات التعسفية التي اعلنها مسيري المقاولات ضد اطر وعمال ادانوا ممارسات المسيرين، وهي عقوبات تتراوح بين النقل الى مقاولات اخرى وعقوبات مختلفة كما هو الشأن بالنسبة للتسريحات؛
4 – تحديد حد ادنى وسقف بالنسبة للأجور والسهر على تقليص التفاوتات بين المداخيل؛ ضمان مستوى عيش كريم بالنسبة للعمال؛ ضمان علاقة بين الأجور وتطور أسعار المنتجات والخدمات، اضافة الةى المبلغ المتوسط للسداد بالنسبة للتأمينات؛
5 – ضمان حق التنظيم النقابي المستقل عن الدولة؛
6 – تعديل نصوص مدونة الشغل لضمان استقرار العلاقات الشغلية والتوصل الى ضمان الشغل والحد من سلطات المشغل في اللجوء الى التسريحات التعسفية.
نفس الاحتجاج والتدمر نجده في الجزائر. فمنذ عدة أشهر، ظل الاحتجاج متواصلا. ففي 3 أبريل أعلنت صحيفة الوطن : "بان الطلبة لا زالوا غاضبين. كما تحدى الأطباء المقيمين لولد عباس. وهدد حراس الجماعات "بمحاصرة" الرئاسة. وعاودت الفئات الصحية المساعدة الإضراب". في قطاع التعليم، تم خوض اضراب وطني لمدة ثلاث أيام حول قضية التقاعد، بينما تم قمع مستخدمي التربية الوطنية خلال تظاهرة حول شروط العمل.
في تونس دخل عمال القطاع النفطي في شركة SNDP في الإضراب. كما مست حركة الإضراب المستخدمين في شركات المناولة المنتشرة على امتداد البلاد، وهي عبارة عن شركات حقيقية للبؤس. وقد التحقت بإضرابات قطاع التعليم الذي يناضل منذ عدة أسابيع؟
انطلاق الحرب الامبريالية على خلفية التمردات الشعبية في سوريا واليمن والبحرين وليبيا
في اليمن، بينما الناطق الرسمي باسم المعارضة يعلن يوم الاثنين 25 أبريل، عن الموافقة على مخطط الخروج من الأزمة المقترحة من طرف مستشار دول التعاون الخليجي الذي توقع مغادرة الرئيس صالح بعد أسابيع من السلطة التي مكت فيها لأزيد من ثلاثين عاما، جاء جواب الشارع واضحا وصريحا: "نرفض بشكل تام كل مبادرة لا تتوقع مغادرة الرئيس صالح وعائلته"، كما عبر عن ذلك يوم الأحد بيان تنسيقية حركة الشباب التي تؤطر الوقفة الاحتجاجية بساحة جامعة سناء. بعد هذا البيان برز إصرار المتظاهرين على أن "المعارضة لا تمثل الا نفسها" ودعي الى "الامتناع عن أي حوار مع النظام، وطالب بالذهاب المستعجل للدكتاتور صالح ومحاكمته". هنا أيضا، كان الجواب نفسه. في يوم الاثنين وأثناء تظاهرة تعز في لبب والبيضاء، أطلق الجيش النار على المتظاهرين.
وكما هو الشأن بالنسبة للكلب الجريح، عرفت عائلة الأسد كيف تصطف الى جانب طبقتها الحاكمة. فقد انتفضت الجماهير في هذه البلاد منذ 12 مارس الأخير. الأسباب هنا كانت هي نفسها . البؤس المتعاظم والقمع اليومي وهي حصيلة كافة الجماهير المضطهدة. القمع، لكن الاختطاف والاغتيالات شكلت الأجوبة الوحيدة للمجرم الدكتاتور بشار الأسد. وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، ومنذ ان حدثت الانتفاضة، سقط أزيد من 390 قتيل منها 160 قتيل بعد رفع ما يسمى بحالة الطوارئ في 21 أبريل. وفي يوم الاثنين الماضي سقط على الأقل 25 قتيل خلال مواجهة مظاهرات ضرعة، وحيث أن 3000 عسكري مدعمين بمدرعات ودبابات حلت بها عند الفجر.
"جامع ابو بكر الصديق شكل هدفا لقذائف مكثفة، كما تم تثبيت احد الرماة المحترفين فوق مسجد بلال الحبشي. كما تم تثبيت دبابات وتم نشر حواجز عند مداخل المدينة. التبرير المقدم دائما هو نفسه، فكما لو كنا نستمع للقدافي أو أي دكتاتور آخر في مواجهة التمرد والاحتجاج، حيث يتهم بنفاق "عصابات مجرمة مسلحة" تشكل مصدر الشغب الحاصل. وأن الجيش دخل ضرعا "كجواب على دعوات الاستغاثة التي أطلقها السكان للقضاء على عمليات التخريب والتقتيل التي ترتكبها مجموعات إرهابية متطرفة".
كما أن مواقف القوى الكبرى اتسمت بالحقارة والوضاعة. فروما وباريز يقولان بأنهما منشغلان بالوضعية ويدعوان النظام للتوقف عن القمع المفرط"، مثلما صرح بذلك رئيس الحكومة الايطالية سلفيو برلسكوني عقب انتهاء القمة الفرنسية الايطالية. اما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فتقول بأنها تفكر في عقوبات هادفة. أما الرئيس الفرنسي ساركوزي بطل جميع انواع رمي القنابل على الجماهير الليبية، فقد رفض أي تدخل عسكري في سوريا بدون قرار مسبق من مجلس الأمن. وهو القرار الذي يعلم الجميع استحالة الحصول عليه، وهو التدخل العسكري الذي لا يريده أي أحد: الشعب السوري يمكنه ان يموت، سوريا ليست هي ليبيا! سوريا، تضم أكثر من 21 مليون نسمة من السكان، وقوة مسلحة تعتبر اكثر قوة من القوة المسلحة الليبية أو العراقية بالأمس ، وتشكل قوة امبريالية على الخصوص تؤخذ بعين الاعتبار في المنطقة: ولديها حلفاء مهمين في سياستها ضد أمريكا، مثل إيران ولديها دعم دبلوماسي من الصين وروسيا. فاي تدخل عسكري في سوريا سيهز مجموع العالم العربي الإسلامي، ولا أحد يدري الى أين سيقود ذلك. وسيكون على الامبرياليين على العكس مما يحدث في ليبيا، الدفاع عن مصالحهم بأسلوب آخر.
لكن خطرا حقيقيا يتربص الجماهير المنتفضة في سوريا. حكومة بشار الأسد تستند على الأقلية الدينية من بينها الطائفة العلوية، بينما أغلبية 70 في المائة من الجماهير تنتمي للطائفة السنية. وفي غياب طبقة عاملة قوية بما يكفي وواعية، فمن السهولة جر الجماهير المضطهدة التي يتم تجويعها وراء هذا الفصيل البرجوازي أو ذاك. ومع الأسف فإن هذه الوضعية يمكنها ان تؤدي إلى حرب أهلية حقيقية.
في امارة البحرين، وخلال عدة أسابيع، ظلت الجماهير تتظاهر من اجل اسقاط الوزير الأول خليفة بن سلمان آل خليفة، خال الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهي أسرة سنية تحكم هذه المملكة منذ قرنين وحيث اغلبية الشعب من الشيعة. في هذه البلاد، المطالبة بالخبز، والمطالبة بالحق في الكلام لا يمكنه الا ان يتحول بسرعة من طرف الجماهير الفقيرة الى احتجاج مفتوح ضد الملكية السنية الفاسدة. والى جانب قمع الحكومة للجماهير تدخلت القوات المسلحة السعودية، الذي جاء للدفاع عن السلطة السنية. وهكذا استطاعت الدبابات احتلال أزقة العاصمة المنامة. الديكور تم تخطيطه بشكل محكم والتوترات الامبريالية ادخلت ايران وجيرانها من دول التعاون الخليجي (العربية السعودية، البحرين، الامارات العربية المتحدة، الكويت، قطر وعمان) في متاهات ما فتئت تتمدد.
ومنذ أواسط مارس، لم تتوقف ايران عن نقد قمع حركة الاحتجاج الموجهة في الواقع من طرف الشيعة ، الذين يشكلون الأغلبية في البلاد ضد السنيين. النفاق الكبير الفرنسي والانجليزي وللولايات المتحدة الأمريكية، التي ترمي القنابل في هذه الأثناء على ليبيا باسم الإنسانية، يبدوا صارخا هنا. فلا كلمة، ولا أي احتجاج من طرف هذه العصابات الامبريالية. هنا لا ترتجف قلوبهم من الإبادة الجارية. وكمبرر لذلك هو أن حلفائهم الموضوعيين يوجدون في هذه البلاد الى جانب القتلة المجرمين، وهم كل من حكومة البحرين وحكومة العربية السعودية. فالعدو المشترك يسمى إيران. بالنسبة للجماهير التي تتمرد بشجاعة وتصميم، لا وجود لمخرج ايجابي امامها في كل هذا المستنقع الوطني والامبريالي سوى المزيد من النضال.
الانتفاظات متواصلة في مختلف البلدان المغاربية والعربية، وحيث احدث الاضطهاد والاستغلال والأزمة الاقتصادية العالمية تخريبا وشرخا اجتماعيا وسياسيا عميقا وسط الكادحين. فنقص التغذية أصبحت الشغل اليومي للطبقة العاملة. لكن كل هذه الجماهير المضطهدة المنتفضة لا تنخرط في نفس المسار. ويصعب على البرجوازيات المحلية في دول مثل مصر وتونس والجزائر أن تمارس القمع بشكل واسع كما يصعب على القوى الامبريالية الكبرى الدفاع عن مصالحها التافهة بفواهات المدافع فقط. الاختلاف الموجود بين هذه الدول يكمن في مدى وجود طبقة عاملة واعية قادرة على مواجهة عدوها الطبقي وتقود حركات التمرد وتعمل على تغيير الوضع الاجتماعي القائم
في جميع هذه البلدان، مهما بلغ ثمن الذي تدفعه الجماهير المضطهدة، فان التمردات والنضالات العمالية ليست مستعدة للتوقف.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتجاجات حركة 20 فبراير وارتسامات المشاركين
-
تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية
...
-
استراتيجيات خداع الجماهير
-
ميكانيزمات التمرد الشعبي في البلدان المغاربية والعربية ودور
...
-
الوعي الثوري في المغرب
-
من أجل تحرر شعوب البلدان المغاربية والعربية
-
شباب البوعزيزي يواجه الأنظمة المجرمة المجوعة لشعوبها
-
تساقط حكم المافيات المغاربية والعربية الواحدة تلو الأخر
-
الاستغلال الامبريالي – الكومبرادوري والفقر والجوع والتهميش ا
...
-
تبخر وهم الاستقلال الشكلي وحكامة الكومبرادور في بلدان الشرق
...
-
أية آفاق للانتفاضات المغاربية؟
-
شعوب البلدان المغاربية تنتفض بعد سنين من المعاناة
-
في كل مكان من العالم، تتحرك ردود فعل قوية للطبقة العاملة ضد
...
-
عبد السلام أديب في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الصرا
...
-
الاختفاء القسري في المغرب
-
الهجوم البرجوازي أمام صمود وتحمل الكادحين
-
مشروع القانون المالي لسنة 2011 وتطلعات الطبقة الكادحة
-
في اليوم الدولي للنضال ضد الفقر أزمة الرأسمالية تجر الإنساني
...
-
الدخول الاجتماعي وتصفية القوت اليومي للكادحين
-
خصائص الصراع الطبقي في المغرب
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|