|
ماذا عن ثعالب الغابة الأخرى؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3359 - 2011 / 5 / 8 - 08:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
قُتل الطوطم الأكبر (أسامة بن لادن) في الأمس.. فماذا عن ثعالب الغابة الأخرى؟
وماذا حقق الإرهابيون من مكاسب، وانجازات حضارية، منذ عشر سنوات حتى الآن؟
سؤالان مهمان، يجب التفكير بهما جيداً هذه الأيام، بعد أن تسارعت الأحداث في العالم العربي، على هذا النحو الذي نشاهده اليوم. وهما سؤالان موجهان للعقل العربي، وليس للإيديولوجيا الدينية، أو السياسية، أو القومية، أو الطائفية، التي تنهش بالعرب منذ زمن طويل.
-2-
فقتلُ ابن لادن في الأمس، خلاص من طوطم كبير للإرهاب في العالم العربي، والعالم كله.
ولكن ماذا عن فكر هذا الإرهابي؟
ماذا عن أتباع هذا الإرهابي؟
لقد قُتلَ هتلر النازي الإرهابي، بعد الحرب العالمية الثانية، وأُعدم الفاشي الإرهابي موسوليني في ساحة "دونجو" في ميلانو، فهل انتهت النازية من ألمانيا، والفاشية من إيطاليا بزوالهما؟
لم تتخلص ألمانيا من النازية، ولم تتخلص ايطاليا من الفاشية، إلا بعد أن زالت النازية والفاشية من رؤوس مناصريها ودعاتها، الذين بلغوا في الأربعينات من القرن الماضي 80% في ألمانيا، و60% في ايطاليا. وهذا لم يتم إلا بالتعليم، وبالثقافة السياسية، والأدبية.
-3-
وهناك مثال آخر، قريب منا في العالم العربي، وهو مقتل حسن البنا عام 1949، رداً على مقتل النقراشي باشا، الذي قتله "التنظيم السري" للإخوان المسلمين عام 1948. وقد اعتبرت الدولة المصرية آنذاك، أنها بقتل البنا المؤسس، سوف تقضي على حركة "الإخوان المسلمين"، وإيديولوجيتهم الدينية. ولكن ما تمَّ هو العكس تماماً، حيث لم تقم الدولة المصرية آنذاك، بجهد تعليمي وثقافي حداثي، ومعارض لفكر جماعة الإخوان المسلمين، وإنما ركنت واطمأنت إلى القضاء على حركة "الإخوان المسلمين"، بمجرد مقتل البنا المؤسس. وشاهدنا بعد ذلك، كيف أنه رغم مقتل البنا المؤسس، إلا أن فكر "الإخوان المسلمين"، انتشر بعد مقتله في معظم أنحاء العالم العربي، وأصبح لجماعة "الإخوان المسلمين" تياراً ومراكز في كثير من البلدان العربية. بل إن بعض الأحزاب السياسية/الدينية، في بعض البلدان العربية، خرجت من عباءة الإخوان المسلمين بأسماء جديدة ("حزب العدالة والتنمية" المغربي، و"حزب الدعوة" العراقي، و"حزب التحرير" الكويتي، و"حركة حماس" في غزة، ومجموعة من الأحزاب الدينية المصرية، وغيرها) وزاد عدد عناصر جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، وفي بعض البلدان العربية. ونجحوا في الحصول على 88 مقعداً في مجلس الشعب المصري عام 2005. وها هم الآن، قد أسسوا حزباً سياسياً جديداً (الحرية والعدالة) استعداداً لدخول الانتخابات التشريعية القادمة في سبتمبر، من هذا العام. واستطاعوا جني أكثر ثمار ثورة 25 يناير حتى الآن. فقد فازوا بالعلانية بعد التخفي، وبالاعتراف بعد الإجحاف. وفازوا برئاسة وعضوية لجنة تعديل الدستور (طارق البشري رئيساً، وعاكف البنا، وصبحي صالح، عضوان من سبعة أعضاء). وفازوا بتعديل مواد الدستور التي طرحت للاستفتاء في إبريل الماضي. وفازوا برضا ومباركة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية. وفازوا في إدانة مقتل بن لادن (انظر بيانهم على موقعهم في الانترنت) وفي إجبار شيخ الأزهر (أحمد الطيب) على إدانة مقتل ابن لادن بشكل غير مباشر (إدانة الدفن في البحر). وفازوا في دفع "حركة حماس" لاعتبار الإرهابي ابن لادن شهيداً! وقال حسن الترابي زعيم "الإخوان المسلمين" في السودان، في اليوم الأول لخروجه من السجن، في الخرطوم لفضائية "الجزيرة"، بأن "الشهيد" ابن لادن قُتل "فداءً للإسلام" وأن حركته الإرهابية "مستمرة"! وأشاروا على عناصرهم في فضائية "الجزيرة" إلى إعلان الحداد على مقتل الإرهابي ابن لادن. فارتدي بعض مذيعي الأخبار في "الجزيرة" ربطة عنق سوداء، كإعلان للحداد! وهناك مراحل فوز قادمة لجماعة الإخوان المسلمين، ما دام المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية (حاكم مصر الآن) قد أعطاهم الضوء الأخضر للتقدم، ولتحقيق ما يريدون، كما فعل السادات، في مطلع السبعينات، من القرن الماضي.
-4-
نعم، قُتل الإرهابي الأكبر، والطوطم الأشهر ابن لادن، فهل انتهى الإرهاب، بعد هذا؟
المرحلة القادمة، ستكون أصعب مما مضى. حيث ستتطلب جهداً كبيراً، ووقتاً طويلاً، ولن تتم في عشر سنوات فقط، كما تمَّ تعقُّب ومقتل الإرهابي ابن لادن، طوال هذه الفترة (2001-2011).
وهذه المرحلة تقتضي السير قدماً وحثيثاً، وبشجاعة، ودون تردد أو مخافة، في فتح المزيد من نوافذ الحداثة وأفكار العصر الجديد، الذي يعيشه الآن العالم كله، بما فيه العالم العربي، الذي يحاول بعض حكامه عدم النظر إليه، وتجاهله، بل ورميه باتهامات كثيرة.
والتعليم العلمي المدني الحديث، في المرحلة القادمة، سيكون حجر الزاوية الرئيسي في التخفيف من فكر وثقافة وموجات الإرهاب، التي بدأت في السنوات العشر الأخيرة، تسيطر على عقول بعض الناس، والشباب منهم خاصة، للخروج من المآزق التي تحاصرهم، ولا يجدون منها مخرجاً، غير مخرج الانضواء تحت عباءات الإرهاب القاتل والأسود. ولكن ما حدث في نهاية عام 2010 وفي مطلع 2011 في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، كان بشارة مهمة لبدء التفكير الواقعي للشباب العربي، القادر على التغيير من الداخل، بعيداً عن الإرهاب، والفكر التكفيري التدميري.
-5-
ولو سألنا أنفسنا الآن، وبعد عشر سنوات من جرائم الإرهابيين، وقتلهم لآلاف الأبرياء، وتدميرهم لمنشآت حيوية عدة، في كافة أنحاء العالم، غرباً وشرقاً، ماذا أنجزوا؟ وماذا قدموا للحضارة الإنسانية المعاصرة؟ فلن نجد غير القتل، والدمار، والدماء البريئة، والصراع العبثي المجاني، الذي لا طائل منه، غير النحر والانتحار المجاني المجنون، لمواكب الشباب المُغرَّر بهم، والمدفوع إلى أهداف ظاهرها المُضلِل الحق، ولكن باطنها الحقيقي الباطل. فتكون النتيجة ما شاهدناه، وما سمعناه، وما قرأناه، في السنوات العشر الأخيرة من هذا القرن، وهو العدم، ولا شيء غير العدم.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من مظاهر غباء الدكتاتوريات العربية
-
لماذا تخلو بعض الثورات من المفكرين والفلاسفة؟
-
لماذا تخلو بعض الثوؤات من المفكرين والفلاسفة؟
-
عندما ترتدي الدكتاتورية جلود الحملان وتستعطف!
-
أسئلة المستقبل المصري بعد ثورة 25 يناير
-
الثورات والمفكرون والحريات
-
ليبيا: من ثورة بيضاء الى حرب دموية!
-
ما مستقبل الديمقراطية في مصر؟
-
عسل الدكتاتوريات المُرّ!
-
الدكتاتوريون الكاريكاتوريون
-
الإعلام المصري قبل وبعد 25 يناير
-
في التحليل النفسي لظاهرة شباب الثورة
-
ضباع الدكتاتورية والفساد في سوريا والعراق
-
متى؟ وكيف؟ ولماذا تندلع الثورات؟
-
ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟
-
التنوير الفكري في الحالة العربية
-
الشاويش صالح: الى الخلف دُرْ!
-
سوريا -بيضة قبّان- الثورة العربية
-
لا هوان لمصر في يوم الامتحان
-
لماذا يتعفف الإخوان حتى الآن عن الحكم؟
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|