كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 14:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعب الشباب المتعلم والمدرك لمشكلات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في مصر والمتطلع للخلاص من هذا الواقع المزري وتكريس مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتوفير فرص عمل للعاطلين ومكافحة الفساد السائد دوراً طليعياً ومقداماً في تفجير وقيادة الانتفاضة الشعبية, سواء أكان باستخدام التقنيات الحديثة وممارستها بوعي ومقدرة لتحقيق شبكة واسعة من الصلات عبر أدوات التواصل الاجتماعي وتبادل المعلومات وتطوير العلاقات وبلورة الأهداف والمهمات والاستفادة من تجارب شعوب أخرى, أم بتعبئة القوى الشبابية لتنظيم التجمع والتظاهر في يوم 25/1/2011 من أجل خوض عملية التغيير. لم يكن في بال منظمو هذه العملية أن يتحقق ما تحقق لهم, ولكن سلوك النظام وتداعيات الوضع هي التي سمحت بهذا التصعيد الثوري الناجح. وبهذا الصدد صرح الناشط السياسي وائل غنيم قائلاً بـ "إنه لم يكن يتصور هو ومن معه أنّ الأمر سيصل إلى إسقاط الحكومة بالفعل وتنحى الرئيس. فقط أرادوا أن يضغطوا على الحكومة ليتفاوضوا ويحسنوا أداءهم. لكن الإقبال الشعبى دفع الشارع إلى الارتفاع بسقف مطالبه". (راجع: صحيفة شروق آخر تحديث: الاحد 24 ابريل 2011. القاهرة).
لم تخرج تلك المظاهرات عن الشعارات التي أشرنا إليها في المقدمة وعن طابعها السلمي, بل حافظت عليه بقوة, ولكنها أبدت استعداداً عالياً للدفاع عن نفسها وعن المهمات التي خرجت من أجلها. كان المتظاهرون في الغالب الأعم من النساء والرجال الشباب الذين نصبوا الخيام في ميدان التحرير والذي أُطلق عليه أخيراً اسماً مرادفاً هو "ساحة الشهداء" لكثرة المناضلين الذين سقطوا برصاص الشرطة القناصة والبلطجية. ووفق المعلومات التي توفرت لدى لجنة تقصي الحقائق المصرية فأن الأوامر باستخدام العتاد الحيَّ وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين وإبعادهم عن ميدان التحرير قد صدرت عن أعلى سلطة في البلاد, عن رئيس الجمهورية, محمد حسني مبارك, ووزير الداخلية حبيب العادلي. (راجع: تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث ثورة 25 يناير. جريدة الوفد, الأربعاء المصادف 20 أبريل 2011, ص 5). وقد مورس هذا الفعل الإجرامي من جانب قناصة أجهزة الأمن القمعية والشرطة بصورة متوحشة من على سطوح العمارات المحيطة بالميدان ومن شِرف البيوت المطلة على ميدان التحرير والشوارع الفرعية ومن على جسر 6 أكتوبر الذي يمر بميدان التحرير. ونتيجة ذلك أُجبر المتظاهرون والمتجمعون على مغادرة ميدان التحرير في تلك الليلة ليعودوا لاحقاً بزخم أكبر وأروع.
والمتتبع لهذه الأحداث يدرك تماماً بأن ليلة الخامس والعشرين على السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير 2011 كانت في واقع الحال:
** بداية النهاية والعد التنازلي المتسارع لرأس النظام وحاشيته وحكومته.
** إذ بعدها مباشرة رُفع شعار "أرحل .. أرحل يا مبارك" و كذلك شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
** التفاف متعاظم لفئات الشعب حول المتظاهرين لإدراكهم كون النظام لم يعد قابلاً للإصلاح ولم يعد مؤهلاً للبقاء وأنه يستهدف المتظاهرين فرددوا بقوة وبجوقة إنسانية رائعة وصوت هادر ذات الشعارات التي رفعها المتظاهرون "أرحل...أرحل .." مضافاً إليها شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الحديث وحقوق الإنسان وضد الفساد ...الخ.
فما أن نزف الدم في شوارع مصر حتى هبَّ الشعب المصري كله فكان الثامن والعشرون من شهر كان الثاني/يناير 2011 حيث تَجمعَ المحتجون ضد أساليب العنف والقمع التي مورست ضدهم. لم يكن النظام قادراً على استيعاب تجربة تونس واعتقد بأن الشعب المصري يختلف عن الشعب التونسي وأن محمد حسني مبارك يختلف عن زين العابدين بن علي وكذلك الاختلاف في الأجهزة القمعية, إذ سارع إلى استخدام أساليب القمع المعتادة, فزج بقوات الأمن وجماعات البلطجة المتفسخة في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به لتفريق المتظاهرين بكل قسوة, كما فعل زاهدي وقوام السلطنة في إيران بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا في العام 1953 حين أنزلوا جماعات البلطجة ليفرقوا المتظاهرين ويسقطوا حكومة الدكتور محمد مصدق.
في هذه الليلة كان السقوط الفعلي لرأس النظام المصري والحكم الاستبدادي في مصر, لقد داست قوى النظام بغطرستها واستعلائها المشينين على العصب السحري الحساس للإنسان المصري, على كرامة المصريين في تلك الليلة التي أُطلق عليها "موقعة الجمل" إذ لم يُنزف الدم المصري مدراراً فحسب, بل وأهينت كرامة الإنسان المصري الذي لم قادراً على تحملها, فكانت الحرائق في أكثر من 80 مركزاً للشرطة في القاهرة وأكثر من 1200 مركزاً في جميع أنحاء مصر, وكان الغضب قد تفجر ولم تنفع مسكّنات النظام في تهدئة الشعب, فكان بعدها السقوط والتداعيات المستمرة حتى الآن, كما فشلت مؤامرة سحب الشرطة من المدن لنشر الفوضى في البلاد مما يستوجب زج الجيش ضد الشعب المنتفض.
وفي الوقت الذي كان الشباب المصري الذي فجر الانتفاضة الشعبية يسعى لتحويلها إلى ثورة شعبية جذرية, كانت قوى النظام المنهارة تسعى في الوقت ذاته إلى إعاقة هذه العملية وإجهاض جهود الشباب أو إيقاف زخم الثورة وجعلها تسير على طريقة "خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء" من أجل سرقة الثورة بثورة ردة غير مباشرة, خاصة وإن قوى الردة كانت ما تزال تمتلك قوى غير قليلة معششة في أجهزة الدولة. إنه الصراع الراهن المحتدم حقاً والذي سيستغرق وقتاً غير قصير. إلا إن هذا الصراع لا يجري بين قوى محلية مؤيدة ومعارضة فحسب, بل وتشارك فيه قوى وحكومات عربية وإقليمية غير قليلة تخشى على نظمها الجائرة من ذات المصير, إضافة إلى قوى دولية غير قليلة.
والسؤال المهم الذي يواجه المتتبع لما جرى في مصر هو: من هم هؤلاء الشباب الذين فجروا هذه الثورة الشعبية الجديدة في قواها وأساليب وأدوات فعلها؟
قوى الانتفاضة
تؤكد المعطيات التي تحت تصرف الكاتب حتى الآن إن الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع والتقوا في ميدان التحرير وفي شوارع وميادين أخرى في القاهرة وفي عموم المدن المصرية هم من الشباب المستقل الذي في غالبيته العظمى لم ينتم أو يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بحزب سياسي أو منظمة سياسية. لقد تشكلت عبر السنوات الأخيرة مجموعات شبابية ترتبط في ما بينها عبر شبكات الإنترنيت وما يطلق عليه بالتواصل الاجتماعي (الفيسبوك والتويتر) ومن خلالها كانت تتبادل المعلومات والأخبار وتتحدث عن المشكلات وتعلق عليها وتنشرها على نطاق واسع. وبمرور الأيام اقتربت هذه الشبكات من بعضها لتشكل مجموعات كبيرة ذات وجهات نظر متقاربة ولكنها لا ترتبط بالأحزاب والكتل السياسية بأيديولوجياتها المتعددة. وهذا الاستنتاج لا يعني غياب كلي لشبيبة هذا الحزب أو ذاك, ولكن التحرك كان من حيث المبدأ مستقلاً عن الأحزاب وعبر أهداف ومهمات وطموحات مشتركة بلورها الشباب أنفسهم. وغالباً ما كانت المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع هي المحرك لكل ذلك مثل: البطالة الواسعة وبطالة الخريجين على نحو خاص والرواتب القليلة وأزمة السكن وعدم القدرة على الزواج بسبب متطلباته غير المتوفرة لهم, ومشكلات الفقر والحرمان والفجوة المتسعة في مستويات معيشة الفئات الاجتماعية والأجور والرواتب الشهرية البائسة لغالبية صغار ومتوسطي الموظفين والعاملين في القطاع الخاص ومساومة الاتحاد العام للعمال الرسمي لصالح الحكومة وابتعاده عن جماهير العمال, إضافة إلى مشكلات الفساد والرشوة التي يفرضها الموظفون على أصحاب المعاملات في الدوائر الحكومية... الخ. وكذلك الشكوى المرة والمديدة من عمليات الاعتقال الكيفي أو الاعتباطي دون قرارات من قضاة تحقيق أو ممارسة أسوأ وأقسى أساليب التعذيب في المعتقلات والسجون أو حتى الموت تحت التعذيب بسبب غياب الحريات العامة وما يعانيه الإنسان من تعسف المسؤولين في مختلف المستويات وقسوة أجهزة القمع وساديتها المرضية.
إن المعطيات التي تحت تصرف الكاتب تشير إلى أن أغلب الداعين والمشاركين في التجمع والتظاهر في يوم 25/1/2011 هم:
** من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16-35 سنة, أي من الطلبة والمتعلمين والخريجين وصغار الموظفين والمستخدمين والقادرين من الناحية المالية أو الوظيفية على استخدام الكومبيوتر والإنترنيت وأدوات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر وغيرها من وسائل الاتصال ونقل المعلومات الحديثة.
** كما إن أغلبهم من الفئات الوسطى والصغيرة في المجتمع, سواء أكانوا من أبناء وبنات الموظفين أم من صغار المنتجين والكسبة والحرفيين. ولا يخل في هذا الاستنتاج وجود طلبة وعمال ومجموعات من بنات وأبناء فئات ميسورة كانت تشعر بالكارثة المحدقة بالمجتمع المصري والدولة المصرية وتساهم في إيقافها.
** وشارك في هذه الفعاليات في البداية عدد قليل من العمال الواعين الذين تركوا قيادات نقاباتهم المساومة مع السلطة في غير صالح الشعب. وتشير المعلومات المدققة إلى أن قادة النقابات الرسمية نزلوا في يوم 25/1/2011 بشعارات ودعاية مضادة تدعو المشاركين في التظاهرة إلى ترك التظاهر وميدان التحرير والعودة إلى بيوتهم بأمر من أسيادهم الحكام.
** ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قوى حركة "كفاية", التي تأسست في العام 2004 والتي كانت ضد التمديد والتوريث لانتخابات رئاسة الجمهورية, قد شاركت أيضاً إلى جانب قوى حركة 6 أبريل 2006 التي جسدت مطالب عمال النسيج, كما شاركت جماعة حركة 19 مارس.
** وإذ كانت هذه الانتفاضة قد بدأت واستمرت في المدن المصرية الكبيرة, فأن الريف وقوى الفلاحين, وبشكل خاص في الصعيد, لم تشارك فيها بشكل عام, في حين كانت هناك مشاركة وصدامات في الوجه البحري. ومن هنا يمكن القول بأن هذه الانتفاضة كانت وما تزال مدينية بامتياز.
وإذ اقتصرت الفترة الأولى من المظاهرات على مشاركة الجماعات المشار إليها في أعلاه, فأن التطور المتسارع للأحداث قد جرَّ إليه المزيد من الناس من مختلف الفئات الاجتماعية التي كانت تعاني من عنت وجور وموبقات النظام السياسي الحاكم حينذاك. فكثرة من الطلبة والمثقفين والمعلمين وأساتذة الجامعات والمعاهد والمهندسين والأطباء والاقتصاديين والفنانين والصحفيين وجمهرة من العمال قد شاركوا في هذه التظاهرات المليونية التي هزت النظام من جذوره المتعفنة والمهزوزة وأسقطته. كما شارك في ما بعد أعضاء من بعض الأحزاب السياسية مثل حزب الوفد وحزب التجمع. أما الأخوان المسلمون فقد شارك الشباب منهم بصفة فردية وبعيداً عن قياداتهم التي لم تكن ترغب بالتورط بمشكلات إضافية مع الحكومة المصرية فانتظرت لترى وجهة تطور الأحداث. وكان الموقف انتهازياً بامتياز. ومع ذلك فقد كان لدخول الأخوان في 28/1/2011 تعزيزاً لقوى الانتفاضة خاصة وأنهم أكثر تنظيماً وأكثر استعداداً لمواجهة قوى الشرطة وأجهزة الأمن بعنف.
انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة بعنوان: " مستوى ومدى التغيير".
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟