أحمد عيسى - شيروان شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 08:59
المحور:
المجتمع المدني
عاش الإنسان البدائي في بيئة ذات سلوكيات وغرائز حيوانية بحتة ولكن مع تطوره أكتشف الزراعة, وبتطوير الزراعة أدرك الإنسان أهمية الإنتاج وتطلعه إلى زيادته, وتثبيت الملكية لكي يحافظ وحده دون الآخرين على الإنتاج والأرض, ومن هنا بدأت تتبلور فكرة الاستغلال التي أنتجت بدورها أبشع نظام اجتماعي
عرفه الإنسان آلا وهو العبودية, وكانت ثورة الزراعة بحاجة إلى منظومة قيم أخلاقية لتنظيم الواقع الجديد وإعادة ترتيب موازين القوى, فبدأت مجموعة من الذكور باستعباد مجموعة من الإناث وبذلك بدأ عصر حكم الرجل – بعد أن كانت المرأة هي الحاكمة – معتمداً على النصوص الدينية الذكورية, وفي هذه الحالة تكون العبودية أخذت معنى جديد ضمن إطار النوع, لاحظ بأن هناك رجل مُسَتعبَد من قبل رجل آخر وفي نفس الوقت هذا المُستَعبَد يستعبد امرأة (زوجاته), والرجل السيد مُستَعبَد من قبل الآلهة, أذن الكل في استعباد والاستعباد في شكل عبادة. وهناك سؤال أثار جدل كبيراَ وهو هل العبد هو عبد من نشأته وتركيبته؟
أن العبد لم يصبح عبدا إلا بسبب الظروف الاجتماعية التي أحاطت بالإنسان كما ذكرناها سابقا , فثورة العبيد في روما أكبر دليل على أن العبد هو بالأصل حر ومن نفس حرة, تلك الثورة انطلقت من بيئة مضطهدة ووقفت في وجه المفاهيم السائدة آنذاك, وأجبرت المفكرين على أعادة النظر في الآراء المتبناة سابقا بحق تلك الشريحة. فعصر العبودية كان الفكر فيه محدودا ولم يكن للشعب تصور لأي نظام اجتماعي, فكان الشعب يخاف الحاكم لأنه كان يعتقد بأنه من طبيعة إلاهية أو يستمد شرعيته من الإله وقد حافظ الحاكم على هذه الصفة بإخفاء ذاته في قصر أو مملكة لا يراه أحد من العامة وهذا ما كان يدفعهم إلى تخيلات ترى أن الحاكم ليس بشراَ مثلهم وبالتالي لا سبيل في التفكير في معارضته لذلك كان الحاكم يستمد جوهر سلطته من كونه غائبا عن الأنظار وأي معارضة لهذه الحقيقة كان يواجه صاحبها بالقمع الشديد لأنه يشكل خرقا لكمالية الحاكم, وكانت هذه الكمالية نقطة التقاء لصفة واحدة يجمع عليها كل أفراد العامة وبالمقابل يرى الحاكم نفسه من خلال الصورة التي تعكسها العامة فتغيب عنه صورته الحقيقية والإنسانية فكل منهما يرى كماليته في الآخر, وأما اليوم فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يستمر الشعب في الانصياع والإذعان لنفس العقلية رغم أنه كائن واعي؟
كيف يمكن لشعب أن يعطي الشرعية لطاغية يستغله ويأسر حريته ويجره إلى حروب وقتل ودمار فقط من أجل مصالحه الضيقة, والعامة في تصوره ليسوا أكثر من خدم, لماذا يقبل أفراد الشعب كل هذا من شخص يدين لهم بوجوده في الحكم, فهذا تناقض واضح فأفراد الشعب يكفي أن يحجبوا السلطة التي وكلوها له حتى يصبح عاريا من الشرعية, أن هذه الشعوب مدفوعة باتجاه ظالمها وهذا نوع من العبودية (عبودية مختارة) فلماذا هذه العبودية مع أن الإنسان ولد حراَ, فعندما ينصب شعب ما قائداَ أو حاكما ماذا يرجو منه فمجرد التطلع إلى قائد أو حاكم مخلص هو عبودية مختارة, وهنا بيت القصيد فشعوبنا لا تستطيع العيش من دون إطار الرموز والزعامات! فنلاحظ في أكثر الفترات أن الشعب يبحث عن القائد, فبمجرد العودة إلى التاريخ نرى بأن منطقتنا كانت مسرح لفوضى وغزوات خارجية هذا مما عطل عملية النهضة و التطور, والشعب كان همه البحث عن مخلص له. هذا من جهة, ومن جهة أخرى كانت منطقتنا مركز لأكثر الأديان – التي شكلت نقلة نوعية في حياة الشعوب إلى فترة ما – حيث كانت القيادة مطلقة لبعض الأفراد (أنبياء- أئمة) على حساب المجموع العام معتمدين على النصوص الدينية التي تحولت فيما بعد إلى قوى ممانعة لتطوير الفكر ومنافية للحرية, ومحددة نهاية التاريخ, ومن هنا تشكلت ثقافة رُسخت في ذهن المجتمع تقوم على البحث عن القائد أو المخلص (المهدي, أليسوع), كما أن دار العبادة غدت أيضا مركزاَ للمعرفة والسياسة, وحتى أن أغلب المفكرين كانوا نتاج هذه الثقافة فكتاباتهم كانت ضمن تلك القوقعة تقوم على رسم صورة الزعيم ومكانته وشرح أخلاقه, متناسين بأن توعية الشعب وتطويره سينتج أفراد (قادة) يقومون على خدمة المجموع العام. فالشعب هو الذي ملك الخيار بين الحرية والعبودية فأختار الثاني فالتحرر من العبودية يحتاج إلى ثورة فكرية لكي تلاءم حركة الطبيعة التي أعطت الحرية لكل الكائنات فكثير من الحيوانات لا تكاد تبدي استسلامها للأسر حتى تبدي أشد المقاومة وبعضها الآخر لا يكاد يقع في الأسر حتى يقتل نفسه, فالبلبل لا يحوك عشاً في القفص لكي لا يورث العبودية لأبنائه, فهذه الحيوانات مدفوعة إلى الحرية لأن الحرية أحد غرائزها الأساسية فكيف لو كانت تفكر! فالحرية هي الشكل السليم للحياة وتجسدت هذه الحقيقة مرة أخرى في الثورة الفرنسية عندما قام متعطشوا الحرية بإسقاط الملكية المستبدة وآذن وقتها ولادة عصر الجمهورية والتحرر والإنسانية, فوعي الثوار لحقيقة الاستبداد والاضطهاد فجر ثورة الحرية من أعماق قلوبهم وبدأت تتصدر مفاهيم الحرية وشعارات تحرر العبيد إلى كل أنحاء العالم “أنهضوا أيها العبيد أنكم ترونهم كباراَ لأنكم ساجدون”, وأصبح مفهوم العبودية ليس أن نحكم من قبل شخص ما فقط وإنما تقيدنا هو عبودية, وللتقيد معنيين: الأول أننا غالبا نفهم بمعناه الواسع فندل به على كل نظرية ترى أن أعمال الإنسان تقيدها سوابقها سواء كانت نفسية أو طبيعية, والمعنى الثاني وهو ما يهمنا بالدرجة الأولى التقيد النفسي وهو أن الإنسان مقيد بسوابقه النفسية سواء كانت عقلية أو عاطفية (طقوس العبادة), وهناك عدة نظريات تُظهر حقيقة التقيد ومنها نظرية التقيد الإلهي: وترى أن مصير الإنسان قد حُدد من قَََبل بقدرة الله وما كتبه الله لا بد له أن يحدث إذا فكل ما نفعله مرسوم وجاهز من قَبل, لذلك فالتقيد الإلهي ينفي حرية الإنسان إذ إن الإنسان متى ما كان حراً كان مستقلاً عن الله ومتى ما كان مستقلاً عنه فقد الله إلوهيته إذن فالإنسان ليس حراَ إلا إذا كان مستقلا عن الله, و إن الإنسان منذ نشأته ناضل من أجل كسر الحواجز والعقبات التي اجتاحت سبيله فالتحرر من التقيد الإلهي يعد مقياساً للتحرر, حيث لا يوجد سبيل للتخلص من التقيد إلا بالتشخيص الموضوعي لها أي استيعاب وجود الإله على إنه فكرة, ووعي الحرية وتطبيقها حتى ولو لم تكن تلك حرية مطلقة وهذا ما أكد عليه هيغل بأن وعي العبد لعبوديته بوصفه لحظة ضرورية من لحظات الحرية وتحول وعيه من وعي دنيء إلى وعي نبيل, ولكن السؤال الهام هل للحرية وجود حقا؟ قد نشعر بالحرية ولكن هل شعورنا بشيء من الأشياء هو دليل على وجوده؟ قد نلاحظ أن الشعور بالحرية وحده لا يكفي, فقد يكون شعورنا زائف وهذا ينطبق على الحرية فنشعر بأننا أحرار من دون أن تكون أحرار بالفعل. وهناك أربعة براهين على وجود الحرية ثلاث منها هي النفسي والأخلاقي والاجتماعي أما الرابع فهو الميتافيزيقي وهو الذي يعد برهاناَ حقيقياَ لأنه يجتاز التجربة ويبحث ما وراءها في حقيقة الإرادة لفهم الأساس الذي يقوم عليه ولكن هذا لا يعني أن نستغني عن التجربة, وترى هذه النظرية أن الإرادة يجذبها الخير ولكن جذب الخير للإرادة يختلف من الخير الكامل إلى الخير الناقص, فإذا كان الخير كاملاً كان تأثيره في الإرادة مطلقا بحيث يكون اندفاعها نحوه تلقائيا وضرورياً ولكن الخير قد يكون ناقصا عندئذ تكون الرغبة فيه ناقصة إذ أن بعض جوانبه تجعلنا نغظ النظر عنه, ولما كانت الأشياء المختلفة التي تعرض لاختباراتنا هي كلها أشياء ناقصة تتفق مع بعض رغباتنا وتتعارض مع بعضها الآخر وفقا لوجهات نظرنا إليها, فقد كان اندفاعنا نحوها غير ضروري وغير تلقائي وكنا أحرار في التوجه نحوها أو غظ النظر عنها, أن تصرفنا نحو الخيرات الناقصة دليل على وجود الحرية فينا.
وقد حاول الفلاسفة تفسير الحرية وفهمها فوضعوا عدة نظريات مختلفة ذهب كل منهم إلى أن نظريته قد فهمت المعنى الحقيقي للحرية, ومن هذه النظريات النظرية الماركسية في الحرية: ويرى الماركسيون أن الأمر الهام بالنسبة للإنسان تطوير العالم لا تفسيره ولهذا هم يناضلون من أجل نوعين من الحرية وهي: المدنية والسياسية وتحرير الإنسان من قسوة الطبيعة عن طريق العلم والمعرفة والحقيقة, فإنك عندما تعرف القوانين التي تحكم الطبيعة ستستطيع التحكم بها وتضعها في خدمتك, فعندما توصل أينشتاين إلى النسبية وضع أجوبة لكم هائل من الأسئلة حول طبيعة المادة, أذن فمعرفة الضرورة هي السبيل للتحرر من الضرورة.النظرية الليبرالية: وتقوم على أساس تقديس حرية الفرد, وأن الحرية حق طبيعي للإنسان أي لصيقة به ومرتبطة بشخصه باعتباره إنسانا, ولم يقرها بشر ولم يمنحها حاكم, وإنما جاءت وفق ما جرت به الطبيعة ومن ثم لا يجوز المساس بها أو التنازل عنها, بالإضافة إلى أن حق التمتع بها مكفول للجميع.
إن الشعوب كانت في نضال مستمر لنيل حريتها من حكامها وكانت العبودية إحدى المراحل التي مر بها الإنسان وهي ليست خياراً طبيعيا للإنسان وإنما وجودها أفرز منظومة مضادة ناضلت في سبيل حقوق الإنسان عبر التاريخ في وقت كانت فيه الرسالات غافلة عن ذلك إلى أن جاء أبراهام لنكولن وأنهى عصر العبودية بسن أول قانون في تاريخ البشرية بمنع الاستعباد والرق ومن ثم تتوجت بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان “يولد الإنسان حراً متساوياً مع باقي البشر في الحقوق والكرامة” – التي تبنته الأمم المتحدة – أحد ثمار ثورة الفكر الحر التي أفرزت منظمات مكلفة بمهمة تحرير الإنسان وهذا أعلى شكل توصل إليه الإنسان وهو يعني أن إنسان القرن الحالي يدرك الحرية وخطورة فقدانها حيث أعطت المرأة حقها الطبيعي كانسان في المساواة الكاملة مع الرجل, و قدست النزعة الإنسانية على حساب أية نزعة أخرى والتي ترفض أن يكون الإنسان أسير لحظته الحاضرة والمستقبلية وترفض أن يُفضَل الإنسان على أخيه الإنسان.
المراجع
1- كتاب مقال في العبودية لإتين دي لابوسيه. ترجمة: أ. مصطفى صفوان.
2- النظم السياسية. أ.د. عبد المجيد عبد الحفيظ سليمان.
3- النظرة العلمية. برتراند رسل. ترجمة. عثمان نويه.
4- مقدمة في التنوير – العلمانية – الدولة – الحرية – د. أحمد برقاوي.
5- الأنثى هي الأصل: د. نوال سعداوي.
6- الحرية – فصل من كتاب الفلسفة- منهاج الدراسي ثالث ثانوي 1980 سوريا.
#أحمد_عيسى_-_شيروان_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟