|
واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي: صورة في قبضة البرواز
ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية
(Yasser Qtaishat)
الحوار المتمدن-العدد: 3356 - 2011 / 5 / 5 - 09:18
المحور:
حقوق الانسان
تعددت تعاريف مفهوم الحرية الدينية من مجتمع لآخر ومن ديانة لأخرى ، على أن التعريف الذي يرتضيه الكاتب لمنهجية مقالته هو أن الحرية الدينية تمثل " الشعور بالحرية في اعتناق المعتقدات والأديان دون جبر أو إكراه" ، انطلاقاً من تفسير دلالة كلمتي "الحرية والدين" من جهة ، ومن جهة أخرى من النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل أبداً والذي حدد أهمية هذه الحرية منذ البداية بقول الله تعالى في سورة البقرة :"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" . ولأنه لا يوجد مقياس عملي لتحديد شكل وواقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإٍسلامي سوى التقارير الدولية "المؤدلجة" في أغلبها ، فان تلك التقارير ليس بالضرورة أن تعكس صورة وواقع الحرية الدينية في المجتمعات العربية والإسلامية كما هي بالفعل ، وإنما على الأرجح تعطي إشارات محددة لواقع تلك الحرية الدينية ، لا سيما أنه لا يجوز بأي شكل القبول دوما بتعميم نموذج واحد من نماذج الحرية الدينية الواردة في التقارير الأمريكية السنوية على جميع بلاد العالم . فهذا ضرب من ضروب العولمة السياسية المرفوضة . والدراسات التي أنجزتها اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية المستقلة التي أسسها الكونغرس الأمريكي عام 1998 لرفد الحكومة الأمريكية بالمشورة حول أفضل السبل لتحسين حق حرية الفكر والدين وأوضاع الحرية الدينية في البلدان العربية والإسلامية، تشير في كل تقرير سنوي إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية الدين في بلدان إسلامية وعربية معينة وتحسن لتلك الحرية في بلدان أخرى ، وهو ما يتناقض مع الوثائق الدولية التي تنص على ضرورة حماية هذا الحق في الحرية الدينية والابتعاد عن سياسة التمييز والاضطهاد الديني . وبينت إحدى دراسات هذه اللجنة والمتعلقة بالفصل بين الدين والدولة والحريات الدينية ، أن عدد الدول التي يسود فيها الإسلام هي 44 دولة وبعضها من الدول العلمانية التي لا تسمح للدين التدخل بشؤون الدولة ولا بالسياسة والبعض الأخر لم يفصح عن إن الإسلام دين الدولة الرسمي ، بينما تتبنى 15 دولة منها القانون الإسلامي كمصدر للتشريع . ومن المفارقات أن يكون أكثر من نصف المسلمين في العالم يعيشون في بلدان غير إسلامية يتمتعون بحق الحرية الدينية، بينما لا يتمتع بمثل هذه الحرية أتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين في كثير من البلدان الإسلامية . وبعض النصوص الدستورية في الدول العربية والإسلامية لم تذكر صراحة حرية الدين والمعتقد والمذاهب كما أشارت إلى ذلك المؤسسات الدولية ، رغم اعتراف بعض تلك النصوص بان بلدانها متعددة القوميات والأديان والمذاهب . وفي التقرير الجديد الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية مطلع عام 2009م عن حالة حقوق الإنسان والحريات الدينية في العالم للعام 2008م، لاحظ التقرير وجود ثلاثة محاور رئيسية لممارسات حقوق الإنسان وحرية الأديان في العالمين العربي والإسلامي في العام 2008م، وهي: 1. تزايد الاهتمام بـ"الطلب العالمي" على قدرٍ أكبر من الحريات الفردية والسياسية. 2. وجود جهود حكومية أكبر من سابقتها في العام 2008م لدفع هذه الحريات إلى الخلف. 3. التأكيد على "حقيقة تاريخية أمريكية"، وهي أنَّ حقوق الإنسان والدين "تزدهر على أفضل وجه" في الديمقراطيات التي تشارك في عملها منظمات المجتمعات المدني. وركَّز التقرير في تقييمه السلبي على أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي أو ما تسمى منطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"؛ حيث أكد التقرير أنه لا يزال هناك تحديات جدية مستمرة لترويج الحريات في هذه المنطقة، خاصة الحريات السياسية والدينية ، إلا أنه أشار إلى وجود بعض التقدم في بعض الدول كما في العراق ومصر. وانتقد التقرير بعض الدول العربية والإسلامية ، خاصة مصر وقطر والسودان وسوريا وإيران وباكستان وموريتانيا وتونس وأوزباكستان ، لوجود المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في التعبير عن رأيه ، والاستمرار في اعتقال الناشطين الحقوقيين والسياسيين، وكذلك الصحفيين بسبب أفكارهم. وجود قيود على الحريات الدينية؛ في إشارة إلى الأقباط والمسيحيين في مصر والسودان. كما سلط التقرير الضوء على قيام السلطات الإيرانية باعتقال سبعة من زعماء المذهب البهائي في البلاد، كما ركَّز على إنكار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وجودَ الكيان الصهيوني، وكأن هذا لوناً من ألوان انتهاك الحرية الدينية !! فيما أشار تقرير وزارة الخارجية الخاص بالحرية الدينية والصادر عام 2003م إلى حدوث تحسن بالنسبة لاحترام الحكومات للحرية الدينية في كل من مصر، وقطر والإمارات العربية المتحدة، ونوه بالإجراءات الأولية التي اتخذتها السلطات السعودية لتشجيع تسامح ديني أعظم في المملكة العربية السعودية. وفي حالة مصر، التي تصنف بين الدول التي "تهمل مشكلة التمييز ضد الأقلية أو الديانات غير المعتمدة"، فقد أشار التقرير إلى أن هناك احتراما وتسامحا عظيمين لأقلية مصر القبطية المسيحية. وقد وجد تقرير عام 2003 تحسنا في احترام الحرية الدينية في قطر أيضا مشيرا إلى أن دولة قطر تبنت دستورا من شأنه توفير حرية العبادة بشكل واضح الأمر الذي منح عددا من الكنائس الوضع القانوني. وقد أقامت قطر علاقات ديبلوماسية مع الفاتيكان وشاركت في حوار التفاهم الإسلامي المسيحي. إلا أن التقرير أشار إلى أن الحكومة تضع قيودا قانونية على الدعوة والتبشير وأيضا على نشر واستيراد النصوص الدينية غير الإسلامية. وعلق التقرير أنه لا يوجد موظفون كبار في مناصب حساسة في الأمن القومي من الشيعة بالرغم من وجود أقلية شيعة كبيرة تقدر بين 7 إلى 12 في المئة من عدد السكان. ولم يجد التقرير تغييرا بالنسبة لوضع الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية والتي تصنف على إنها من الدول المعادية للأقليات أو للأديان غير المعتمدة، لكنه نوه بأن الحكومة "بدأت حملة محدودة لتشجيع الاعتدال والتسامح حيال التنوع الديني." ومع ذلك، فقد استشهد التقرير "بحالات متكررة استخدم فيها خطباء المساجد الذين تدفع الحكومة مرتباتهم لغة معادية لليهود والمسيحيين في خطبهم بشكل عنيف." والواقع أن تقارير الخارجية الأمريكية تناست –عن قصد- ما تعرض له أتباع الديانات المعتقدات من غير المسلمين وأتباع المذاهب من المسلمين بعد احتلال العراق عام 2003م من سلسلة من الانتهاكات والجرائم التي كانت بعضها بمثابة إبادة للجنس البشري وفقا لوصف القانون الدولي الإنساني، وكاد العراق أن يصل إلى شفا حفرة الحرب الأهلية بسبب سياسة الثأر والانتقام وردود الأفعال وغياب القانون وضعف مؤسسات الدولة. وتشير اغلب التقارير الصادرة من الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بشؤون الحريات الدينية بان أكثر المناطق التي تتصدر قائمة الدول القامعة لكل دين ما عدا الإسلام، هي المنطقة العربية والإسلامية بالتحديد "السعودية والسودان وإيران والعراق" . ولعل أهم ما يسئ للحرية الدينية ولحرية التفكير والتعبير في العالمين العربي والإسلامي هو انعدام وجود مفردات ضرورية في المناهج التعليمية في جميع المراحل الدراسية العربية والإسلامية تحترم حق الاختلاف وحق الحوار والمجادلة والاعتراف بالأخر والتسامح ونبذ الغلو، إذ إن مراجعة بسيطة إلى هذه المناهج تكشف عن حقيقة التربية والتعليم في المجتمعات العربية والإسلامية، حيث نجد مثلا في كتب التربية الإسلامية أو الثقافة الإسلامية مفردات الجهاد والقتال والغزوات والحروب وقيم إلغاء الأخر فضلا عن التكفير والعبادة الأحادية الدين دون أية إشارة للديانات والمعتقدات الأخرى ، وهو ما يعني تكفير غير المسلم وهذا خطأ كبير، إذ يجب أن تكون ثقافة المسلم ثقافة متنوعة وشاملة تستوعب الحوار والتسامح والوسطية والاعتراف بالحرية الدينية أو المعتقد ضمن منهاج جديد للتربية الإسلامية التي لا تقتصر على الدين الإسلامي فقط ، وتؤسس للتربية الحديثة البعيدة عن المغالاة . ولا شك أن ظاهرة واقع الحرية الدينية الحالية لها أسباب عديدة أهمها على الإطلاق ممارسة منهجية سياسة وطنية تكبت الحريات بالعموم، فالأنظمة المستبدة تمارس القمع السياسي على جميع النشاطات الدينية، والتجويع الاقتصادي مما يعزز وسائل القمع السياسية التي تحارب كل حرية يمكن أن يفكر فيها الإنسان . ولكن ما يميز واقع الحرية الدينية في الدول العربية والإسلامية انه لم يترجم نتيجة لوجود أيديولوجية معادية للدين الإٍسلامي ، مثلما في ممارسات حدثت في دول عربية سابقا، وإنما لممارسة بعض الدول العربية والإسلامية البعد الديني كمصدر لقمع الحرية والتعبير بشكل عام ، وخاصة الحرية الدينية ، بمعنى الانطلاق من أدبيات وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة لتبرير تقييد الحريات السياسية والدينية والفكرية ، ما يؤدي إلى كبت الحريات الدينية بأدوات من نفس الجنس (باسم الدين) . يبقى القول أن واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي صورة مؤطرة ومقيّدة في قبضة برواز كبير ، يبدي للعيان أن ثمة حرية دينية تفسح المجال للإنسان العربي والمسلم ممارسة مطلق حريته الدينية كيفما يشاء ، مقابل تقارير تشكك في ذلك ، فالحرية الدينية المفترضة لم تخرج من إطار البرواز المزعوم ، والتقارير الدولية تحافظ على واقع تلك الصورة كما هي ، كبر البرواز أم صغر .
#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)
Yasser_Qtaishat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة عندما تكون زائدة عن الحاجة- : -إسرائيل نموذجاً-
-
الشخصية اليهودية في الميزان !!
-
مستقبل توازن القوى الإقليمي في منطقة الخليج العربي
-
واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2)
-
واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (1-2)
-
الرئيس الراحل ياسر عرفات ... زعيم ثورة وقائد دولة
-
الأردن وفلسطين .. قصة توأمة ووحدة شعبين
-
-لغز- وجود النفط في الأردن: أحجية عصية على الفهم
-
-الجبهة الشرقية ومكونات الصراع مع إسرائيل-: أسئلة جوهرية وإج
...
-
الإخوان المسلمين والدولة: أزمة الحوار وعقدة الإصلاح!!
-
-الإخوان المسلمين- وفن المراوغة والانتهازية !!
-
المواطنة في العالم العربي وعقلية الرعية !!
-
شباب اليمن الثائر ونظام العقيد الجائر !!
-
اما أن الاقتصاد الاردني -معجزة- أو أن علم الاقتصاد بحاجة للت
...
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (الجزء الأخير)
-
أزمة البحرين وتداعياتها بين قلق الخليج وطمع إيران
-
الولايات المتحدة وثورة ليبيا: عين على المصالح وأخرى على الإص
...
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (6)
-
ليبيا: مفترق طرق خطر .. ومرحلة خيارات ضيقة
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (5)
المزيد.....
-
عضو بالكنيست الإسرائيلي: مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت
...
-
إسرائيل تدرس الاستئناف على قرار المحكمة الجنائية الدولية الص
...
-
وزير الخارجية الأردني: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت رسالة لو
...
-
هيومن رايتس ووتش: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية تفند التصو
...
-
الاتحاد الأوروبي والأردن يُعلنان موقفهما من مذكرتي الاعتقال
...
-
العفو الدولية:لا احد فوق القانون الدولي سواء كان مسؤولا منتخ
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: نحترم استقلالية المحكمة الجن
...
-
المفوضية الاممية لحقوق الانسان: ندعم عمل الجنائية الدولية من
...
-
مفوضية حقوق الانسان: على الدول الاعضاء ان تحترم وتنفذ قرارات
...
-
أول تعليق من -إدارة ترامب- على مذكرة اعتقال نتانياهو
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|