|
إبداعٌ وإجتهادْ .. في النهبِ والفسادْ
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3356 - 2011 / 5 / 5 - 02:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عملية [ المُساطَحة ] جارية على قدمَين وساقَيْن ... وما أدراكَ ما المُساطحة ؟ هي في الأساس ، طريقة أو إسلوب لتشجيع الإستثمار ، ووسيلة مُغرية لجلب أصحاب الأموال ، لإقامة مشاريع ، من المفروض أن تخدم المجتمع من ناحية ، وتَدُر الربح على المُستثمر ، من ناحية اُخرى . وكمفهوم وفكرةٍ عامة ، إذا طُبِقتْ حسب الشروط وتبعاً للقوانين المرعية ، فأن لها فوائد جّمة .. خصوصاً ، انها تُساهم في تخفيف العبء عن الحكومة ، وأيضاً تمتص جزءاً مهماً من البطالة ، من خلال تشغيل العمالة المحلية ، وتحريك مُجمل المفاصل الاقتصادية ... هذا كله ، من الناحية النظرية ، والذي من المفروض ان يكون ... لكن الواقع شيء آخر تماماً مع الأسف . - إنتفاضة 1991 شهدَتْ في الأقليم ، حرق الكثير من الدوائر الحكومية والممتلكات العامة ونهبها وتحطيمها ، كما حدث في معظم مدن العراق . ولعجز إدارة اقليم كردستان ، الفَتِية .. حينها على إعادة بناء او ترميم هذه المنشآت .. فلقد لجأتْ الى نوعٍ من " المُساطحة " ، حيث إتفقتْ مع بعض المتنفذين والوجهاء ، على قيامهم بترميم هذه الممتلكات وتحويلها الى محلات تجارية ، وتأجيرها لحسابهم الخاص لمدة عشرة سنوات ، تعود بعد ذلك تحت سيطرة الحكومة . وفعلاً تم ذلك ... ولكن في الحقيقة ، كانت هذه هي الخطوات الاولى لتكريس الفساد ، في الأقليم ، وتدريباً عملياً على تجاوز القانون ، وجّساً لنبض الشارع ومدى إنتباههِ لهذا التحايل ، وحجم الإعتراض والممانعة مِنْ قِبل الجماهير . حيث انه كان " الإعلان " شكلياً ، ورُتبتْ عقود المساطحة مع مجموعةٍ محدودة ، وبشروط مطاطة ، لم تأخذ مصلحة المواطن الذي سوف يشغل المحلات ، بنظر الإعتبار ... فقام هؤلاء المساطحون بصرف مئة دينار على سبيل المثال ، على ترميم المحل .. ثم يأخذون " سرقفلية " أو " خِلو رِجل " ، من المواطن ثلاثمئة دينار نقداً ، اي ثلاثة أضعاف ما صرفوه فعلاً ، وبعد ذلك يستوفون منه الإيجار لمدة عشرة سنوات !. كانتْ هذه التجربة " الصغيرة " مفتاحاً ذهبياً لآلة الفساد التي عمَلتْ بعدها ، كالمنشار ، تأكلُ من الإتجاهَين !. - بعد ذلك ، تطورتْ الامور ، وإزدادتْ " خبرة " القائمين عليها ، وإكتشفوا وإخترعوا ، دهاليز كثيرة ، من أجل تمرير هذه العقود المفبركة ، تحت مُسميات الإستثمارات والمُساطحة .. وبدلاً من عشرة سنين ، أصبحتْ المُدد خمسة وعشرين سنة وحتى خمسين سنة .. ويا ليت ، كانتْ الشروط عادلة وتُراعي المصلحة العامة أو حتى مصلحة طَرَفي العقد بالتساوي ... فخلال السنوات الماضية ، قامت الحكومة ، بعقد مجموعة من عقود إنشاء مجمعات سكنية في المدن ، فقدمتْ الأراضي الى " المُستثمرين " ( وغالبيتهم من الشركات التركية ) ، لإقامة عمارات سكنية عليها ، وبيع الشقق ( التي من المفروض ان تكون بأسعار معقولة ) الى المواطنين ... ومرةً اُخرى ، فأن المفهوم والفكرة المُجردة ، جّيدة ومُهمة ، من أجل حلحلة مشكلة السكن المتفشية ، وتوفير الشقق بأسعار وشروط متهاودة للمواطن ، وتشغيل جزء من العمالة المحلية ... لكن ومرة اُخرى ، فأن الأمور ، لم تسِر على هذا المنوال ... بل ان معظم المواصفات والشروط الواردة في العقود والتي هي في صالح المُستهلك أي المواطن الذي سوف يشتري ويسكن في هذه الشقق ، جرى الإلتفاف عليها ، وعدم تنفيذها .... فعلى سبيل المثال ، هنالك فقرة تُلزم الشركة المُنَفِذة ، بعمل كذا متر مربع من " المساحات الخضراء " المحيطة بالعمارات ، مُقابل كذا متر مُربع من البناء ... لكن ذلك لم يتم ، بل ان هذه المساحات الخضراء المُفتَرضَة ، جرى تحويلها من قِبَل المُستثمِرين الى منشآت اُخرى يدرُون منها أرباحاً إضافية !. كذلك تم تجاهل عمل فتحات القمامة في المطابخ ، بكل بساطة ، مما يجبر ساكني الشقق على دفع أجور إضافية لعمال نقل القمامة يدوياً الى تحت .. ناهيك عن العطلات المتكررة للمصاعد ، وإنطفاء المولدات الكهربائية في أحيان كثيرة ... كُل هذه الأشياء ، كانتْ ضمن الوعود المبدئية التي قدمتها الحكومة والمستثمرين في بداية المشروع ... لكن لم يتم الإلتزام بها . ومن المتوقع ، ان الشركات المستثمرة ، لم تكن لتستطيع ، القفز من فوق القانون ، لو كانت الجهات الحكومية المُشرِفة عليها والمُتابعة لها.. نزيهة ومُحايدة وبعيدة عن الفساد . - نتيجة إهمال المنشآت السياحية ، فلقد قام الأهالي بالإستيلاء عليها وإشغالها ، طيلة سنوات التسعينيات وبعدها ، وسط الفوضى والتسيب وغياب القانون ... وأخيراً خصصتْ الحكومة مبالغ كبيرة ، في السنوات الاخيرة ، لتعويض شاغلي هذه الدور السياحية وإخلاءها ، بُغية إعادة بناءها وتأهيلها ، ونفخ الروح في السياحة .. ومرةً ثالثة .. نظرياً ان الأمر جيد وضروري .. فإخلاء المنشآت الحكومية من شاغليها غير الشرعيين ، وإنصافهم من خلال إيجاد بدائل لهم وتعويضهم .. شيءٌ معقول وصحيح ... كذلك الإستعانة بمستثمرين إكفاء لإعادة تعميرها وتأهيلها ، أمرٌ ممتاز ومطلوب ... لكن للمرة الثالثة .. فان الامور لم تجرِ بهذهِ الطريقة !... فالحكومة خسرت الأموال التي دفعتها لشاغلي هذه المنشآت ، ووفرتْ الكثير من التسهيلات المجانية للمستثمرين .. والمستثمرون بعد ان قاموا بالعمل ، لم يُشّغِلوها كمشاريع سياحية متكاملة ، لمدة الخمسة وعشرين او الخمسين سنة الموجودة في العقد .. بل ببساطة ، باعوا معظم هذه الدور وبأسعارٍ تدرُ أرباحا هائلة عليهم ، لأثرياء ، لإستخدامها لأعمالهم أو نزواتهم او في المناسبات فقط ... بحيث فقدتْ هذه المناطق السياحية التقليدية ، صِفتها السياحية التكاملية ، وغَدَتْ مُجرد ضواحي وبيوت لطبقة من الأغنياء المحليين ، الذين يشغلونها لأيام فقط ، وتبقى فارغة معظم الوقت !. - ظاهرة اُخرى ، مُتعلقة بالفساد و" إبداعاتهِ " ! .. فكَم من شخصٍ قام في السنوات العشرين الاخيرة ، بالإستيلاء على أراضي شاسعة للدولة ، وزرع بضع شُجيرات فيها ، ثم تسييجها ، والإدعاء إنها أرضه أباً عن جد ، بعد ترتيب بعض الأوراق في دائرة الزراعة ! ... فإخترعتْ حلقات الفساد ، مَخرجاً قانونياً لهؤلاء ، تحت يافطة قانون قديمٍ ، يُسمى [ الإطفاء ] .. فتقوم الحكومة بالإستيلاء على الأرض لتحويلها الى منطقة سكنية مثلاً ، التي " يّدَعي " أحدهم انها مُفّوضة له ،... فتُعّوضه بقطعة أرض 200 متر مربع ، مُقابل كُل دونم ... فمثلاً الذي يُسيطر على خمسين دونم ، تعطيه الحكومة كتعويض ، خمسين قطعة او عشرة آلاف متر مُربع ، طابو صرف ... ويبيعها صاحبنا بمبالغ خيالية في اليوم التالي ! ... هذهِ الظاهرة الخطيرة تفشتْ خلال السنوات الاخيرة ، بحيث ان جانِبَي الشوارع بين الاقضية والنواحي والمُدن ، سُيِجتْ وتم الاستيلاء عليها ، بل ويتم التداول في بيعها وشراءها ، حتى قبل " الإطفاء " ! . - وصلَ الأمر ، في السنوات القليلة الماضية ، الى حد انه ، تّمَ التصرف في كثيرٍ من المناطق الخضراء ، داخل المُدن " هذه الاراضي البالغة الأهمية للبيئة والصحة العامة والتوازن المناخي والجمالية " ، وإعطاءها الى مُتنفذين بأسعار رمزية ، أو " مُساطحة " ، تحت عنوان ، إقامة مشاريع سياحية أو إسكانية ... ويقوم المتنفذ ( بعد ان يحولها ـ ببساطة ـ الى قطع سكنية ) ، ببيعها نقداً ، وبأسعار عالية ، كونها تقع في اماكن ممتازة ، بحيث يجمع خلال أيام ملايين الدولارات ... ويقوم المُشترون بتحويلها الى محلات تجارية أو قصور ... فتكون النتيجة ، ان لاشيء يُذكَر يدخل في خزينة الدولة ، ولا مشاريع فعلية .. ويخسر المجتمع هذه المتنفسات الخضراء ، التي كان من المُفتَرض ، ان تُوّفِر الاوكسجين والهواء النقي ، وملاعب ومتنزهات للأطفال ... والرابح هم مجموعة صغيرة من المنتفعين الطُفَيليين !. .............................................. ان إستخدام " الأرض " و" المُساطحة " و " الإستثمارات " ... وِفق أساليب تفتقر الى الشفافية ، والعدالة وتكافؤ الفُرص ... والتفريط في مصلحة المجتمع والدولة ، وإهمال التفكير بمستقبل الاجيال القادمة ... وتجاوز القوانين أو تفسيرها حسب الأهواء والخضوع الى مصالح فئةٍ من المنتفعين الجَشِعين ... كُل ذلك ، يُشّكِل مظهراً بارزاً من مظاهر الفساد المستشري في الأقليم .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- هند النعيمي - قائدة المُستقبَل
-
المالكي وتحالفاته الشيعية
-
أمريكا صنعتْ بن لادن .. أمريكا قتلتْ بن لادن
-
الثورة في مصر والتغيير في العراق
-
هل يستقبل العراق لاجئين من سوريا ؟
-
حكومتنا .. وعُقدة مصطفى الشكرجي !
-
المسؤولون .. بأي دينٍ يدينون ؟
-
إختلاف الآراء
-
الحدود
-
لَمْ أرى بِعيني . لكني سمعتُ بأذني !
-
الأمطار الغزيرة .. فضحَتْنا
-
أثيل النُجيفي واللعب الخطر
-
حكومتنا .. و - المَلا سيسو - !
-
ماذا ينقص - ديمقراطيتنا - ؟
-
مبروك .. عيد رأس السنة الإيزيدية
-
حكومتنا .. والحَرُ والبَرد
-
رؤساءنا لا يلعبون ولا يُغَنون !
-
صناعة الحرب
-
ثورات المنطقة .. بعض الدروس
-
أعمدة الفساد الأربعة
المزيد.....
-
شاهد رد فعل طالبة أثناء بث رسالة تحذير من جامعة فلوريدا يُشي
...
-
الإليزيه يصف محادثات باريس حول أوكرانيا بـ-التبادل الممتاز-
...
-
الكويت.. قرار بسحب الجنسية من 962 شخصا والداخلية تعلن عدة أس
...
-
قتيل وجرحى بانقلاب حافلة مدرسية في ساوث كارولينا الأمريكية
-
عامل غير تقليدي يرتبط بزيادة خطر السكتة الدماغية المبكرة
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة على أوتوستراد صيدا صور جنوب لبن
...
-
وسائل إعلام: الولايات المتحدة تسحب مئات الجنود وتغلق 3 من قو
...
-
البيت الأبيض يعيد تشكيل مجلس الأمن القومي وفق رؤية ترامب لـ-
...
-
استطلاع: نصف الأمريكيين لا يريدون رؤية هاريس بمنصب حاكم ولاي
...
-
حاكم فلوريدا يواجه انتقادات بعد تطبيق قانون الهجرة على مواطن
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|