|
دلالة موت أسامة بن لادن: نهاية -الأيقونة الإسلامية الراديكالية أم تحولات جديدة لها-؟!
نبيل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 19:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعد عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أهم انتصار رمزى للولايات المتحدة في حربها الكونية المستمرة ضد ما يسمى بالإرهاب. ولا شك أنها تشكل نقطة تحول نوعية في العمليات الاستخباراتية، ونجاح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تتبع المعلومات وتدقيقها ومسارات حركة واختباء الرجل الأيقونة للمنظمات الإسلامية السياسية الراديكالية والذى تحول في وسائل الإعلام الغربية إلى "شيطان رجيم"، أسندت إليه كافة مجازات الشر على اختلافها، وخاصة بعد ضرب أيقونات القوة العسكرية والمالية الكونية للولايات المتحدة، ورموزها الكبرى بما فيها النمط الصرحى العملاق في العمارة العملاقة الإعجازية التى جسدها مبنى التجارة العالمى، ومجاز القوة التدميرية الأعظم ممثلاً في البنتاجون في عملية كشفت عن عبقرية الخيال والعقل والتخطيط الإرهابى، والتى أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف قتيل من الأبرياء. مذّاك وفى عمليات إرهابية أخرى أخذت مجازات الشر تتناسل وتتكثف وتنسج حوله ليغدو في الإدراك والوعى الغربى والكونى شبه الجماعى بمثابة الشر ذاته في مواجهة صور أشلاء ضحايا عمليات "القاعدة" الأبرياء التى باتت تشكل أيقونة البراءة النقيضة في مواجهة الشيطان الذى يتلبس جسد بن لادن الواهن! نمط من المانوية السياسية والأخلاقية والإيديولوجية التى أشاعتها بعض مؤسسات الآلة الإعلامية والإيديولوجية الأمريكية والغربية العملاقة. في ضوء هذه العملية الكبرى، تثور عديد الملاحظات يمكن رصد بعضها فيما يلى: 1- أن الولايات المتحدة تتحمل بعض من المسئولية السياسية والأخلاقية في نشوء بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية، وذلك في إطار توظيفها للقوة التعبوية الهائلة للديانة الإسلامية وعقائدها وتأويلاتها الفقهية والسياسية الوضعية في مواجهة القوات السوفيتية السابقة في أفغانستان. استمرت منذئذ الدائرة الأفغانية / الباكستانية ومنطقة القبائل على الحدود بينهما، بمثابة بيئة حاضنة وملاذات آمنة للإسلام الراديكالى الذى امتد إلى عديد المناطق الجيو – سياسية والجيو – دينية في عالمنا المعولم. في البدء انطلق الإسلام الراديكالى ذو "الوجوه الإرهابية" وبعض منظماته في مواجهة النظم السياسية التسلطية في المنطقة العربية كمصر، والسعودية والمغرب والسودان، واليمن. تأثرت الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية وتطوراتها التنظيمية والعسكرية بالعامل الأفغانى في التنشئة العقائدية والإيديولوجية، وأشكال التدريب والتخطيط للعمليات واختيار الأهداف الرخوة أو الرمزية للعمليات بحيث تحقق أقصى درجات الخوف والترويع النفسى والسياسى على المستوى الكونى. أن التوظيف السياسى للإسلام والأديان عموماً في الاستراتيجيات الأمريكية يبدو بارزاً في تاريخ العلاقات الدولية وساعدتها أنظمة عربية وإسلامية محافظة حليفة لها كالسعودية ودول أخرى في المنطقة منذ الحلف الإسلامى وما بعده من تنسيقات وسياسات استخدم خلالها الدين في السياسات الدولية والإقليمية في المنطقة في مواجهة دول حركات التحرر الوطنى العربية بقيادة مصر الناصرية وبعدئذ فى مواجهة الإمبراطورية السوفيتية السابقة أثناء احتلالها لأفغانستان. وكما هو معروف في تاريخ الأديان والسياسات لا تستطيع أية قوة دولية أو إقليمية أو حكومة وسلطة أن تحتكر عمليات التوظيف السياسى للدين، لأن ثمة قوى أخرى قادرة على توليد تأويلات واستخدامات سياسية مضادة للدين والأحرى بعض تأويلاته الوضعية لخدمة أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ..إلخ. 2- أن الولايات المتحدة في حربها الكونية على الإرهاب، وظفت تنظيم القاعدة، وبن لادن والدكتور أيمن الظواهرى، في تبرير عمليات احتلال أفغانستان، والعراق، واستمرارية سياساتها في هذا الصدد على نحو أدى إلى تقويض الدولة والنظام السياسى البعثى السابق، وتحول العراق وتشظى في مرحلة ما بعد صدام إلى أبنية القوة والمجموعات الأولية العرقية والقومية والدينية والمذهبية والمناطقية على نحو أدى إلى زيادة النفوذ الإيرانى، والسورى داخل تركيبات القوة العراقية الداخلية الأولية، والأخطر فتح أبواب الحضور القاعدى – والسلفى الجهادى – في داخل العراق. امتد هذا الحضور اليقظ إلى اليمن، والمغرب وفى قطاع غزة، وفى مناطق أخرى. 3- أن النظم التسلطية والديكتاتورية العربية استخدمت تنظيم القاعدة وشبكاته، والجماعات الإسلامية السياسية، وجماعة الإخوان المسلمين – وكأنهم جميعاً شيئاً واحداً أو كتلة دينية متجانسة إيديولوجيا – كفزاعة سياسية داخلية وخارجية. على الصعيد الداخلى استخدمت الفزاعة الإرهابية والدينية في رفض الطلب الاجتماعى والسياسى على التطور الديمقراطى، وضرورة سيادة دولة القانون، واحترام الحقوق والحريات الأساسية والمحاكمات العادلة والمنصفة أمام القضاء الطبيعى. استخدم نظام الرئيس السابق حسنى مبارك فزاعة الإسلام السياسى والإرهاب في قمع المعارضات الإسلامية والقوى الديمقراطية واستمرارية قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية، والإعلام الرسمى التعبوى الذى استخدم في القمع الإيديولوجى والرمزى للقوى الديمقراطية عموماً، وفى التستر على الاستبداد والفساد ومشروع توريث السلطة. على الصعيد الإقليمى والدولى، استخدمت الأنظمة الاستبدادية الفاسدة الإرهاب في تأسيس محور إقليمى أطلق على نفسه وصف "الاعتدال"، كتعبير عن دعمهم للسياسة الأمريكية ومصالحها، وفى التنسيق السياسى المصرى والسعودى والإماراتى والسلطة الفلسطينية والأردن، وفى مواجهة إيران ومحور "الممانعة"! ترتب على فزاعة "الإرهاب الإسلامى" في المنظور السلطوى للأنظمة "المعتدلة"! تنسيقات أمنية واستخباراتية وسياسية واسعة النطاق، بل وتحولت زنازين المعتقلات في بعض دول المنطقة إلى مراكز لتعذيب متهمين بالإرهاب أرسلتهم أمريكا للحصول على الاعترافات والمعلومات من خلال آليات تعذيب تنتهك حقوق المتهمين في مرحلة التحقيق. على المستوى الدولى استخدمت النظم الفزاعات الإرهابية ذات السند الدينى لنشر الخوف من البدائل السياسية الإسلامية المنظمة وذات القواعد الاجتماعية الشعبية، ومن ثم قام نظام مبارك ومعه نخب تسلطية وعائلية أخرى في المنطقة بتقديم أنظمتهم الاستبدادية على أنها المدافعة عن الغرب والأقليات الدينية والعرقية والبديل الأفضل والأكثر وفاء للمصالح السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم الشرق أوسطى. 4- أن الإنجاز الاستخباراتى الأمريكى البارز، لا يعدو أن يكون نفسياً بامتياز ليشكل رمزاً للانتصار الأمريكى على الإرهاب، ومن ثم لا يعنى قتل بن لادن نهاية تنظيم القاعدة، ولا نهاية ما يسمى بالحرب الكونية على الإرهاب. ثم احتياج أمريكى داخلى للعملية ذات المحمولات الرمزية وذلك على مستوى البيئة النفسية / السياسية للمواطنين الأمريكيين، وكذلك داخل الجيش الأمريكى، وأجهزته الاستخباراتية، والمرجح أنها قد تؤثر على اتجاهات المواطنين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية القادمة لصالح باراك أوباما إذا لم تحدث متغيرات أو عمليات إرهابية مؤثرة على أهداف داخل الولايات المتحدة أو خارجها، مما قد ينعكس سلباً على هيبتها الدولية والرمزية. 5- أن متابعة حالة تنظيم القاعدة وشبكاتها وخلاياها والجماعات السلفية الجهادية، كانت تشير إلى بعض من التراجع في الفترات الأخيرة كنتاج للاستراتيجيات الكونية والإقليمية والوطنية المضادة والاستباقية في مواجهة المنظمات والعمليات الإرهابية، باستثناء بعض العمليات التى تمت في منطقة المغرب الأقصى، ومنها عملية مراكش الأخيرة، وعمليات خطف بعض المواطنين الغربيين – الفرنسيين في موريتانيا .. إلخ. السؤال الذى يثور هنا، هل ستؤدى هذه العملية الاستخبارية الأمريكية إلى تخفيض العنف الإرهابى الكونى، ومن ثم إضعاف تنظيم القاعدة على المستوى الكونى أم ستكون أحد الدوافع المحركة لموجة إرهابية عاتية جديدة أو موجات أخرى؟ من الصعوبة بمكان الجزم بسيناريو واحد محدد، وإنما يمكننا طرح عديد السيناريوهات المحتملة على النحو التالى: 1- قيام تنظيم القاعدة بتحريك وتنشيط بعض خلاياها للقيام بعمليات انتقامية في عديد المناطق في ذات التوقيت على نحو ما تم في تفجير سفارتى أمريكا في منطقة شرق أفريقيا – تنزانيا وكينيا - عام 1998. ومن الممكن القيام بمجموعة عمليات مؤثرة ومروعة تمتد إلى أهداف صلبة، أو ناعمة على نحو يساعد على إعادة إنتاج بعض من الهيبة لتنظيم القاعدة. 2- عمليات ضد عناصر استخباراتية وسياسية حكومية باكستانية، كتعبير عن الثأر مما يقال عنه "خيانة باكستانية" ضد زعيم القاعدة والتنظيم. 3- تحريك عناصر قاعدية أو سلفية جهادية للقيام بعمليات داخل بعض الدول العربية أو الأفريقية أو الآسيوية انطلاقاً من اليمن ضد السعودية وبعض دول الخليج، ومن الممكن توقع عمليات ضد ناقلات النفط أو في بعض الممرات الدولية، أو القيام بعمليات اختطاف رهائن غربيين. من الممكن أيضاً توقع قيام القاعدة أو نظائرها وأشباهها من السلفية الجهادية بالقيام بعمليات ضد بعض المحلات الكبرى لبيع السلع الاستهلاكية أو تقديم الخدمات للجمهور، وخاصة في موسم الاصطياف في باريس، أو بعض المنتجعات الأوروبية .. إلخ، هذا نمط عملياتى / إرهابى يؤدى إلى إشاعة الرعب والخوف المعمم على نحو يؤثر على موسم الاصطياف والسياحة في فرنسا، أو أسبانيا أو إيطاليا، أو بريطانيا .. إلخ. أو التريث لحين التخطيط لعمليات تحتاج إلى وقت لتحقيق المفاجأة والاستفادة من بعض الاسترخاء الأمنى الذى قد يحدث بمرور الوقت. 4- السؤال المحورى الآن: هل يعود تنظيم القاعدة إلى الواجهة في ظل ربيع الانتفاضات الثورية العربية الراهنة؟ نستطيع القول أن البنية السياسية – النفسية والاجتماعية التى صاحبت تشكيل وتطور تنظيم القاعدة، كانت تتمثل في الاستبداد والقمع والاستبداد والفساد، والاستبعادات الاجتماعية الممنهجة لقوى اجتماعية واسعة في مصر والعالم العربى والإسلامى حيث ساد الإحباط شبه الجماعى ضعف الآمال في الحراك الاجتماعى لأعلى، والمشاركة السياسية للقوى الجيلية الشابة من الطبقات الوسطى – الوسطى المدينية في العالم العربى. هذا السياق تغير إلى حد ما مع مراجعات تنظيمى الجماعة الإسلامية، والجهاد على المستوى الفقهى والفكرى وهو أمر مؤثر على صدقية الخطاب الراديكالى العنيف للقاعدة والسلفية الجهادية إلى حد ما. من ناحية أخرى ثمة خبرات أمنية تراكمت وساعدت على تخفيض وإضعاف هذا النمط من الفكر والعمليات العنيفة والدامية في مصر والعالم العربى، إلا أن الفجوات الأمنية المصرية الراهنة قد تؤثر حال حدوث تغير إيديولوجى وفقهى في بعض التوجهات الإيديولوجية الإسلامية وقد تؤدى إلى تشكل عمليات راديكالية جديدة. مصر – والمنطقة العربية حولها - تعيش مرحلة جديدة تماماً في تاريخها السياسى والمزاج النفسى السائد بين المواطنين المصريين ستؤثر نسبياً على سياقات العمل السياسى والحركى الإسلامى السياسى وكذلك على المنظمات الراديكالية عبر الحالة المصرية. غالب القوى الإسلامية السياسية والسلفية خرجت إلى المسرح السياسى، وتطرح أفكارها وخطاباتها دونما قيود، وتتحرك في المجال العام السياسى بحرية وتتمدد، إلا أن ثمة قوى ديمقراطية كبرى أخرى تنمو وتتطور في بيئة سائلة، ومن ثم لم يعد الخطاب الإسلامى السياسى الراديكالى ومحمولاته العنيفة والرمزية، يجد قبولاً كبيراً في داخل الاتجاه العام للحركة الإسلامية السياسية، وأن كان من المتوقع لجوء بعضهم إلى تشكيل مجموعات راديكالية صغيرة، يمكن السيطرة عليها على المدى المتوسط، والبعيد. نحن إزاء عمل استخباراتى ناجح، لكنه سيثير بعض الأسئلة، والانعكاسات السلبية على صورة الولايات المتحدة في إدراك بعض القوى الإسلامية، التى لا يزال بعضهم داخلها يرى أن بن لادن هو "مناضل إسلامى كونى" في مواجهة الإمبراطورية الأمريكية والأنظمة الاستبدادية التابعة لها في المنطقة، ومن ثم يرون في مقتله استشهاد لا مجرد موت عابر! أنها عملية رمزية كبرى لكنها لا تعنى نهاية القاعدة أو الإرهاب الكونى لأن بعض عوامله لا تزال قائمة في بعض دول المنطقة البترولية وتركيباتها الاستبدادية والفاسدة.
#نبيل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفوضى والنظام والحرية: سياسة الخوف
-
عودة الروح الدستورية والقانونية في مصر
-
نظرية في -القلة المندسة-:خطاب سلطوى قديم لا يثير أى دهشة!
-
دروس الحالة التونسية:البحث عن سياسة الأمل
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|