|
السمات العشر للانتفاضات العربية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 18:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السمات العشر للانتفاضات العربية دعـوة لـلتـفـكيـر والتـدبيـر لعل ما حصل في تونس ومصر والجزائر وليبيا والمغرب واليمن وعُمان والأردن وسوريا والبحرين والعراق، وثمة إرهاصات أخرى في عدد من البلدان العربية بما فيها بلدان الخليج، إنما هو دعوة للتفكير فيما يعكسه المشترك العربي الانساني في أوضاع بلادنا العربية المتنوعة، المختلفة والموحدة في الآن ذاته. ومثل هذا المشترك بقدر تماثله أو تشابهه أو تقاربه، فإنه يحمل اختلافه وتباعده وتمايزه أيضاً، لكن الأداء في ممارسات حركة الانتفاض والاحتجاج الواسعة، سواء للسلطة أو معارضيها، ظلّت تحمل سمات مشتركة وهي السمات الغالبة والعامة. السمة الأولى - أن مطالب الحركة الاحتجاجية تدرّجت واتّسعت، بل امتدّت على طول البلاد وعرضها، ولم تعد محصورة بأهداف فئوية أو ضيقة أو مناطق محددة، بل شملت مطالب عامة تبدأ من الاصلاح وتنتهي أحياناً بتغيير النظام، وهو ما حصل في تونس ومصر، الأمر الذي لا بدّ من أخذه بنظر الاعتبار في ما ستؤول اليه سياسات وإجراءات لم ترتقِ الى مستوى الأحداث وتداعياتها، فضلاً عن أنظمة، ظلّ بعضها منذ عهد الحرب الباردة مستمراً دون شعور بالحاجة الى التغيير، على الرغم من أن كل شيء حولنا يتغيّر على نحو جذري وسريع. السمة الثانية- إنتقال العالم العربي الى دائرة الضوء دفعة واحدة، لدرجة أن قرى وبلدات ومدناً نائية ومنسيّة أصبحت اليوم معروفة عالمياً، فقد كان للثورة العلمية- التقنية وثورة المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطفرة الرقمية « الديجيتل» دوراً كبيراً في ذلك، ولم يعد بالإمكان خنق حركة أو دفن عشرات من الأشخاص أو قهر آلاف الناس دون خَبَرٍ أو صورة، فالصورة كما نقول في الاعلام هي خبر، مثلما نقول في البحث العلمي إن «الوثيقة خبر»، وقد تُغني عن عشرات التقارير والدراسات والمقالات، ومهما حاولت بعض الجهات الرسمية منع الاعلام من تغطية الأحداث تحت مبررات مختلفة، فإن الصورة بحد ذاتها ستكون خبراً مؤثراً، وهكذا تحوّل الكثير من المواطنين ممن يلتقطون هذه الصور الى مراسلين صحافيين، لأنهم كانوا مصدر بعض الأخبار، وهكذا أصبحت الحركة الاحتجاجية جزءًا من تيار عالمي وكوني، لا على صعيد رسمي حسب، بل في إطار المجتمع المدني العالمي أيضاً. السمة الثالثة- ان الانتفاضة وحركة التغيير وإن جمعتها مشتركات عديدة الاّ أنها ليست استنساخاً، فهي في تونس غيرها في الجزائر وفي اليمن لا تشبه البحرين، وفي مصر مختلفة عن سوريا وفي المغرب تختلف عن الاردن، وفي شمال أفريقيا لها سمات متباينة عن الخليج العربي، أي أنه لا توجد صورة نمطية يمكن اقتباسها وتعميمها لتصلح للثورات جميعاً، كأن يكون هناك انقلاب عسكري أو قيادة ثورة لحزب أو جبهات وطنية أو غيرها، بل كانت حركة شاملة خطط لها الشباب وقادها وأدار حركتها باقتدار وموهبة. وإذا كانت هذه الحركات جميعها جزء من قانون طبيعي للتطور التاريخي للمجتمعات، لا سيما بعد أن طفح الكيل وفاض الكأس، فإن ما عكسته تقارير التنمية البشرية، يشكل لوحة حقيقية لأسباب اندلاعها، خصوصاً: شحّ الحريات والنقص الفادح في المعارف واستمرار تفشي الأمية التي تجاوزت 70 مليون مواطن عربي بما يقارب 20% من سكان البلدان العربية، بينهم 13 مليونا من الشباب في سن 13-24 حسب توصيفات منظمة الأسكوا (اللجنة الاجتماعية ـ الاقتصادية لغربي آسيا)، والحديث هنا عن الأمية الأبجدية، وهو ما يشمل التعاطي مع علوم العصر وتقنياته ووسائله الحديثة، حيث لا يزال العالم العربي بقضّه وقضيضه لا تزيد استخداماته للانترنت عن 6,1% وهي نسبة متدنّية قياساً بالنسب العالمية. يضاف الى ذلك الموقف من المرأة ومساواتها وحقوقها وتمكينها في العالم العربي الذي لا يزال متأخراً قياساً بالتطور العالمي، حيث يعاني نصف المجتمع من تهميش وإقصاء كبيرين، كما تعاني المجتمعات العربية من مواقف استعلائية من التنوّعات الثقافية الدينية والقومية والاثنية واللغوية والسلالية، لاسيما من طرف المجموعات المتسيّدة، وهو ما يستخدم مجازاً مفهوم الأغلبية والأقلية. السمة الرابعة ـ إن الثورة ليست رسماً بيانياً أو خارطة هندسية أنيقة تعرف تضاريسها وحدودها سلفاً، فهي حركة تمرّد وانتفاضة على ما هو قائم، ولا توجد ثورة في التاريخ تركت تأثيراتها من دون أن تترك انقلاباً على النظام القديم مروراً بفترة انتقالية، قد تطول وقد تقصر، وقد تشهد معاناة جديدة باتجاه بناء نظام جديد، بغض النظر عن طبيعته، لكنه سيكون نقيضاً لما سبقه، ولعل جميع الثورات صاحبها ورافقها شيء من الخراب للقديم باتجاه مرتكزات جديدة ونظام قيمي آخر، بغض النظر عما ستتركه من بعض التأثيرات السلبية أحياناً، وبمراجعة وقراءة للثورات المعاصرة الكبرى سواء الثورة الفرنسية العام 1789 أو ثورة أوكتوبر الروسية، العام 1917 أو الإيرانية الإسلامية العام 1979، لم أجد ثورة «نظيفة» في التاريخ، بمعنى ما ينبغي وما لا ينبغي أن تقوم به، لاسيما القوى المشاركة في التغيير أو المتضررة منه. ولهذا فإن هذه الثورات الراهنة لا يمكن الحكم عليها الاّ بعد انقضاء الفترة الانتقالية، خصوصاً إذا تمكنت من إرساء قاعدة الصراع السلمي ـ المدني، حيث يكون الخيار هو صندوق الاقتراع وتداول السلطة، الذي سيحدد شرعية الحاكم وعلاقته بالمحكوم. السمة الخامسة- إن التغيرات التي حصلت في تونس أو في مصر ليست تونسية أو مصرية، وإن كانت قلباً وقالباً انعكاساً لرغبة شعبي تونس ومصر، لكنها بالقدر نفسه كانت عربية، وإن كانت جاذبيتها كونية، ولعل حركة التغيير مثل شجرة تتفرع منها أغصان أفريقية وآسيوية كثيرة، مع مراعاة الطقس والتربة والبذور ووقت قطف المحصول، وخصوصاً بيد الشباب العامل الحالم، وهذا بحد ذاته تأكيد لما هو مشترك وإنساني. السمة السادسة- مثلما كان هناك مشتركات للشباب دفاعاً عن الحرية والكرامة والعدالة، فقد كان للحكومات مشتركات أيضاً، فقد اعترفت جميعها بضرورة الإصلاح وبأن مطالب الشباب عادلة ومشروعة، لكنها في الوقت نفسه ادّعت أن يد الخارج طويلة بحيث تمتد داخل حركات الاحتجاج، سواء بالتحريض أو بنقل الأسلحة أو بالتدخل أو بالعلاقة مع المعارضات. وإذا كان هناك شيء من الحقيقة في ذلك وهو ما تحاول القوى الخارجية استثماره دائماً، فلا يصح إنكار المطالب العادلة والمشروعة للشعوب وإنسابها الى القوى الأجنبية والمؤامرات الدولية. ولعل الحقيقة الأساسية تكمن في أن سبب التخلف وتعطيل التنمية وعدم السير في دروب الديمقراطية، هو الاستبداد والتسلّط والانفراد، الأمر الذي ضاعف من معاناة الناس، خصوصاً وقد اختبرت الشعوب بطريقتها اليومية، والحسّية، المسبّب في شقائها وآلامها، لاسيما باستمرار ارتباط البلاد بأوضاع الاستتباع الخارجية وإملاء الارادة والخضوع للأجندات الأجنبية . السمة السابعة - بقدر ما كان الشباب واعياً ومتحفّزاً للانخراط دفاعاً عن مطالب وأهداف آمن بها، ومستعدًّا للتضحية من أجلها، فإن الحكومات هي الأخرى كأن لها أنصارها، من أعضاء الأحزاب الحاكمة ومن مؤيديها أو المستفيدين من وجودها، ومن أجهزتها الأمنية الضاربة، وحاولت بعض الحكومات إنزال أتباعها الى الشارع لمقابلة المتظاهرين، في مظاهرات موالاة، وإن كان بينهم بعض من أطلق عليهم لاحقاً أسماء «البلطجية»، فقد اعتاد هؤلاء على ارتداء ملابس مدنية لقمع المدنيين العزّل. وهكذا جرى الحديث عن الإندساس والمندسين أو المدسوسين، من الخارج أو من قوى داخلية، بل أن غالبية حكومات المنطقة إتّهمت حركة الاحتجاج بالتخريب ومهاجمة المرافق والممتلكات العامة والعبث بها، وأن هناك ضحايا من شرطتها وجنودها أكثر من المحتجين، بل ان أكثر من مسؤول حكومي اعتبر عدد الضحايا العسكريين أكثر من المدنيين. السمة الثامنة - ان الحكومات جميعها ودون استثناء تمسّكت بمواقعها وحاولت مقايضة الأمن بالحريات والكرامة، وبضده سيّحل الانفلات والخراب، ملوّحة الى تنظيمات إرهابية وأصولية، لم تكن تنظيمات القاعدة والتنظيمات الإسلامية المتشددة بعيدة عنها، وذلك في عزف على «العود المنفرد» وكأنها تريد التلويح بأنها ستكون البديل الأسوأ عنها. السمة التاسعة- إن حركة الاحتجاج سحبت البساط من تحت الكثير من الأنظمة السياسية التي إهتزّت شرعيتها، الأمر الذي يحتاج الى صياغة عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم على حد تعبير المفكر اللبناني غسان سلامة، فالتغيير ليس مجرد هلوسات أو مجموعة مخربين مدعومين من الخارج أو كفّار بنعمة الأمن والاستقرار أو دعاة تغريب، بل حركة شعبية عارمة يتطلب قراءتها بتبصّر وبُعد نظر من جانب الأنظمة والقوى السياسية المختلفة، جاءت بعد تراكمات لعقود من السنين. السمة العاشرة- إن التغيير لم يعد نزوة فكرية أو رغبة لنخبة من المثقفين أو المنشقين أو الليبراليين، بل أصبح مطلباً شعبياً عاماً، أجمعت قوى وتيارات فكرية وسياسية عليه بما فيها بعض أجنحة من الأنظمة الحاكمة ذاتها، حتى إن اختلفت وتباعدت مناهجها وأهدافها، فقد أدرك الجميع إن قطار التغيير قد بدأ ولا يمكن وقف مساره أو تغييره، لكنه قد يتعثر أو يتأخر أو ينحرف، الاّ أنه سيصل في نهاية المطاف، مهما كانت المعوّقات، فالاصلاح والديمقراطية والحريات ومكافة الفساد وتلبية الحقوق الانسانية، أصبحت حاجة ضرورية ماسة، واستحقاقاً ليس بوسع أي مجتمع أن يتنصل عنه، وهو «فرض عين وليس فرض كفاية»، وإذا كان الماضي قد احتضر فالجديد لم يولد بعد حسب تعبير المفكر الايطالي انطونيو غرامشي.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطنة بضدها
-
الجنادرية والتويجري والأسئلة
-
جاذبية التغيير
-
الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
-
مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
-
روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
-
دستور مصر ووصفة السنهوري
-
السياسة بوصفها علماً
-
الشباب والتنمية!
-
العراق من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاهدي
-
النيل وحرب المياه
-
العرب وإسرائيل: أي جدل قانوني؟
-
حرية التعبير و-حرية- التشهير
-
جدلية الضعف والقوة
-
- النموذج- العراقي وعدوى التغيير!
-
سبع رسائل لاستهداف المسيحيين
-
الموجة الثالثة للتغيير
-
الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
-
تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
-
رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|