|
ماهية الوطن و- الأنا - المقدسة لدى الأسد
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 08:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تجردت السلطة السورية، بشكل علني، من كل القيم الإنسانية والحضارية، عندما شاهدت عرش الوريث يهتز، خلقت من المجرمين والمهربين وتجار المخدرات قوى متحركة بين مدن سوريا وشوارعها، وبمساندة أمنية وعسكرية مطلقة، مع تغطية أعلامية مركزة، مع تهديدات مباشرة ومبطنة للمواطن السوري وللقوى المعارضة الداخلية والخارجية، عند إلقاء نتائج عملياتهم الإجرامية على الشعب الأعزل والشباب الثائر، بل والغريب إن السلطة السورية نقلت ونوعت مراكز التهم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين لإثارة الرأي العام العالمي، بل والأغرب أتهمت حتى البيشمركة الكردية، في الوقت الذي لم يعد هناك وجود للبيشمركة، فهم الآن جنود نظامييون على أرض الأقليم! وقد أرادت من ورائها أن تثير نعرة كانت قد أستفادت منها يوماً للتغطية على إجرامها بحق الشعب الكردي الأعزل. واضح للمراقب على ما تقوم به السلطة من الإجرام والدعاية الإعلامية والنداءات والتهم التي توجه للشعب، وحتى خطب الرئيس ووعوده بالإصلاح، لا تختلف في جوهرها عن مسيرة السلطات الدكتاتورية الأخرى في المنطقة، ربما الإختلاف الوحيد الذي تمتهنه وتقوم به، اساليب الإجرام التي ستفوق كل التوقعات، خاصة عندما مهدت للجيش السوري بقصف المدن والشعب، وذلك بعد القتل العشوائي التي قامت بها قوى آل الأسد الخاصة مع قوى الأمن، والآن تبث التلفزيون السوري الرسمية نشرات أخبار خاصة عن عمليات الجيش وكأنها في حرب نظامية خارجية، تنشر بلاغات عن إنتصاراتها على الشعب وتبلغ عن أعداد القتلى والتدمير الذي ألحق بالشعب وعن أعداد الأسرى وكأنهم من جيش عدو خارجي، وليسوا من الشعب السوري!. هذا الهذيان والهلوسة الإجرامية التي تقوم بها الطاغية وحاشيته وما يقومون به من القتل الجماعي للشعب تأتي من الثقافة الفوقية التي خلقت حول الدكتاتور والتي تفاقمت خلال مراحل تعظيم الطاغية وإيصاله إلى مرحلة التقديس، وبداياتها كانت عندما خلقت السلطة السورية مفهوم" الأنا " الطاغية بين المجتمع، وفرضت عليهم الرضوخ له، وعظم من شأن القائد الأوحد ليكون بحجم الوطن، بل وتكالبت على مفاهيم الوطن مزايدة لخدمات الدكتاتور، ورجحت في العقد الأخير من كفة سلطة الأسد الراحل على كفة ماهية الوطن والشعب معاً، لذلك فهم الآن " السلطة وحاشية الدكتاتور الوارث " لا يملكون القدرة على تقبل إعادة الموازين الفكرية والإنسانية في المجتمع السوري إلى الواقع الإنساني والحضاري الذي يجب أن يكون عليه والتي تتجاوب والمجتمعات البشرية المتطورة والمتمعة بالحرية والمفاهيم الإنسانية الواقعية، من الصعب على الطغاة تقبل مفاهيم المساواة والحرية من خارج مداركهم التي تربوا عليها، كما ولايدخل في ثقافة الفراعنة بأن الوطن فوق كل الإعتبارات والشعب هو الأول والأخير. الرئيس شخص منتخب لخدمته، وتعزيز مكانة الوطن، وليس لإسترقاقه وبيعه في اسواق الفساد. رغم أن فرض الإستبداد كانت تجري في سوريا بشكل منظم وبدراسة دقيقة ومخططة لتستمر على مدى عقود، كانت تغطى بشعارات وطنية لعبت بعقول الكثيرين من الشعب، شارك فيها حزب البعث الذي أفتخر بمبادئه ومواده العقائدية ذات البنية الثقافية العنصرية والفاشية، وحاولت السلطة إقحام الطائفة العلوية معهم، وقد نجحت إلى حد ما في هذا المجال، وللأسف، إضافة إلى مجموعة من أحزاب مهترئة لا علاقة للشعب السوري بهم. إلا أن طغي الأسد الأب، ووريثه اللاشرعي، بدأت تتفضح وعلى الملئ داخلياً وخارجيا، وتبين بأنه لديهم دستور سري مموه خاص تلقن لمجموعات معينة حول الطاغية، نسقتها السلطة في أقبية قوى الأمن، لا وجود للوطن والمواطن مكان فيه، وهم يتعاملون مع الشعب على اساسه، حيث بنوده تتلائم وعملية التقديس الإلهي للقائد الأسد، وإذلال الشعب تحت صيغ متنوعة، وإجباره على موالاة أبدية لطغاة وناهبي الوطن. ففي الواقع العملي وفي أروقة المدن السورية لا وجود للدستور السوري الأساسي، الذي يطلع عليه الشعب ويناقش بنوده على مدى دقائق معدودات! ليتلائم وتطور الوطن السوري بشكل إنساني حضاري من خلال مفاهيم الطاغية وحاشيته. هذا هو الدستور الذي بدل بعض من بنوده في عدة مناسبات وبفترات زمنية قياسية لتغطية أعلامية خارجية. وما يقال عن البند الثامن فيه، مع غيره من البنود، بأنه سوف يعدل أو سيلغى، ليس له اعتبار في أروقة القصر الجمهوري، أما ما يقال عن إلغاء قانون الطوارئ الذي تطبل له السلطة واعلامييها، فلم تعني في الواقع أي تغيير فعلي في طرق معاملة القوى الساحقة المرعبة الأمنية في البلد. العديد من عناصر هذه القوى لم تكن تدرك فيما إذا كانت هناك قانون للطوارئ في سوريا، وهذا ما نراه اليوم على أرض الواقع، حيث القتل في الشوارع بموجب الإنتماء إلى المدينة الفلانية أو غيرها، أو من الناحية الشرقية أو الغربية من إحدى المدن السورية، تكريساً للفتنة الطائفية، التي نشروا ثقافتها وعلى مدى عقود. كما أن الإعتقالات بالمئات وبدون تحديد سبب، ربما فقط للنداء بالحرية، الحرية التي تختلف عن الحرية الموجودة في قاموس الطغاة، كما صرح بها أحد أعضاء مجلس " التبعية " في أحد محاوراته على قناة العربية. ولا يعترفون بالمحاكم المدنية في إصدار أوامر الإعتقال، الإعتقالات من قبل جميع الفروع الأمنية حيث الإتهامات جاهزة مسبقاً، أنهم مجموعات خلقوا مع وجود حالة الطوارئ والأحكام العرفية ولا يمكن إلغائها من إحداث أي تغيير في طريقة تفكيرهم وأساليبهم في التعامل مع الشعب. قوى أمنية تربت على ثقافة الإعتداء بدون رادع، والقتل بدون محاسبة وعلى مدى عقود، لن يكون من السهل إيقافهم بموجب إلغاء قانون فاسد لم يكن له سوى وجود رمزي، أو بتوقيع شكلي من طاغية ويأمر بالقتل بدون معرفة فيما إذا كان هناك دستور للدولة غير دستوره الخاص، خاصة عندما يهتز كفة الميزان بين " أناه " والشعب الذي لم يراهم يوماً سوى شرائح تقدم الطاعة والولاء له. فالأحكام التي يأمرون بها أحكام تنبثق من الدستور السري الموجود في أقبية الفروع الأمنية فقط، والتي معظمها تلقن بشكل شفهي، وبعدة كلمات، تبدأ بإرضاخ الشعب، حيث جميع السبل مسموحة بها. كما أن قتل كل من لا يأتمر بأوامرهم، يدخل في خدمة الدفاع عن الوطن الذي يلبسه القائد المقدس كيفما شاء، ويخلعه متى ما أراد، وكل من لا يعترف بتقديس الطاغية وآل الأسد وحاشيته، أعداء للشعب ومتهمون بالخيانة للوطن. لقد أصبح آل الأسد في هذا الوطن أنصاف آلهة، لا مكانة للمواطن الذي ينظر في عيونهم داخل مستعمرتهم، فويل للذي يرفع صوته ويقول لهم أخطأتم وعليكم بالتغيير أو الرحيل. الجماهير التي ترفع صوتها وتنظر في وجه الطاغية تخرق قدسية لم تتعود عليها لا السلطة ولا دكتاتورهم، وما بالكم بهذه الهزات في الموازنة والمواجهة المباشرة ما بين الرئيس المؤله ومطاليب الشعب، خاصة وأن الصراع في الشارع ليس من أجل فرصة عمل أو الحصول على منة إقتصادية، بل إن الحرية بكل مجالاتها هي التي تثير الشباب، وتهز العروش الفاسدة الآن، وتقوض أركان أنصاف الآلهة في هذه الأوطان. الحرية التي ذاق الشباب طعمها من خلال الشبكات الإنترنيتية، أسرعت بالرغبات لتذوقها من على أرض الواقع وفي الشارع، وبكل مجالاتها، ومنها التحديق في عيون الطغاة وهز الأيادي في وجوههم. نحن نشاهد ثورات لا تمت في جوهرها إلى الاقتصاد أو السياسة، والذين يسخرونها من أجل المصالح السياسية هم نفس الأطراف التي كانت تتنافس على السلطة مع هؤلاء الطغاة منذ عقود، ليس للشباب الثائر دور بارز في الاتفاقيات كدورهم في إشعال الثورات وتهديم الأصنام، إنهم يبحثون عن الظروف الإنسانية الواضحة والواقعية وفي مقدمتها الحرية بانواعها، سوف تبقى هذه الثورات مستمرة، رغم تناوب السلطات والقوى المعارضة" معظمها من الإسلام الليبرالي "على تناوب الأدوار، لكن النداءات ستعلى وإدراك وقود الثورات ستتعمق وستتبلور بشكل أدق في القادم من الزمن، والمستقبل تنبأ بعصر التنوير وبحضارة إنسانية قادمة، للجميع فيه مكان وبدون أنصاف الآلهة. الولايات المتحدة الأمريكية [email protected]
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيلغي بشار البعث من الدستور، حفاظاً على السلطة؟
-
مقدمات ترحيل بشار
-
الصراع ضمن الثورات
-
للشنكال عهد مع الأزل
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|