|
دجل العمائم ... جهل ام أجندات خارجية؟
حسين حامد
الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 08:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التقوى ومخافة الله كانت دائما من بين الامور العظيمة في أهميتها من اجل جعل العلاقة القائمة بين المؤمن وخالقه برهانا على طاعة الانسان للخالق. فالله جل وعلا أمر عباده بوجوب مخافته وطاعته وحده وعدم مخافة سواه : (ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي) - ابراهيم - 14 . فالتقوى هي وسيلة العبد التي ينشدها من اجل رضوان خالقه واجتناب غضبه سبحانه : (ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى) - طه - 81 . ففي مخافة الله واتقاءه وإلالتزام بحدود ما أنزله تعالى والابتعاد عن معصيته، واقامة الصلاة وايتاء الزكاة وعمل الخير لوجهه تعالى سواء في الجهر أوالعلن، من شأن كل ذلك تعميق تقوى الله في قلب المؤمن . كما وأن الامتثال لما أمربه تعالى يمثل الطاعة المطلوبة لحالة الخوف والرهبة للعبد المؤمن من المصير الذي سينتهي اليه الجميع في النهاية . ولمثل هذه الطاعة جزاء عظيم في الفوز بالجنة ونعيمها المقيم . وكذلك فمن خلال ألايمان بالله ومخافته وطاعة رسوله الكريم يستطيع المؤمن أن يرقى الى حالة من الرضا والطمأنينة وراحة البال . ذلك لان الخالق سبحانه سيصبح وليا لعبده المتقي في الحياة الدنيا وفي الاخرة : (والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم) - محمد - 2 .
ومن خلال هذه المحاذير والنذر والارشادات الدينية ، يستطيع الانسان أن يكون على بينة من ما ينبغي عليه فعله من ناحية تعامله الدقيق مع قضية الايمان الحقيقي والحفاظ على قيم ومبادئ الدين بما يفرض عليه من مثل التعامل الاخلاقي القويم مع اخيه الانسان وتقوية وتطوير اواصر العلاقات الاجتماعية ، بما يجعل من ذلك مسؤولية الجميع وخصوصا المعنين من قادة ألمسلمين من رجال الدين في نشرها واعلاء شأنها من اجل تقوى الله العزيز الحكيم وطاعته .
ولكننا في المقابل ، وعلى عكس ما نتوقع ، نجد الكثير من المعممين ، وممن يفترض انهم يمثلون الرمز الديني والاخلاقي والتربوي في المجتمع ، من يتسمون بالجهل والتخلف الاجتماعي ولا يتورع أحدهم في خطبهم في المساجد وبشكل علني ولامبالي من التركيز على مفاهيم الشعوذة والافتراء على الدين. ألامر الذي يجعل من حالة مخافة الله وألمطلوب وضعها في مكانها الصحيح في القلوب ، نجد البعض من هؤلاء المعممين من لا يهمهم أبدا التجاوزعلى الواقع الحياتي وألايماني لهذه الجماهير وتزييف الحقائق والافتراء عليهم والاسائة الى الدين والايمان وبما أنزله الخالق سبحانه في بيانه الكريم في القران المجيد أو بما ورد في سيرة رسوله الكريم او ما جاء على لسان اهل بيته ألاطهارو أثار صحبه الاخيار.
فشل الانسان في مسؤولياته امام الله:
وهكذا فاننا نستطيع ان نجد منذ بداية خلق الله لأبينا أدم عليه السلام ، كيف ان سلوك الانسان اتسم بالغرور والمكر وارتكاب المعاصي. حتى ان الخالق سبحانه بعد أن خلق أدم في الجنة ، عهد اليه جل وعلا بمسؤولية بسيطة من خلال أخضاعه سبحانه الى اختبار ، ليريه ما يمتلكه من عزم وارادة في تحمل مسؤوليات الحياة المقبلة . ووضع تحت تصرفه وزوجته حواء كل خيرات الجنة ليأكلا من خيراتها رغدا ، ولكن نهاهما جل وعلا من الأكل من الشجرة الملعونة. لكن أدم لم يلتزم بما نهي عنه ولم يثبت لنفسه عزما ولا ارادة أمام خالقه : (ولقد عهدنا الى أدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) - طه - 115 .
وفي أمر رباني اخر ، نجد ان الانسان اختار بمحض ارادته اتخاذ عهد أخر امام البارئ سبحانه من اجل حمل مسؤولية (الامانة) والتي كان الله تعالى قد عرضها على السماوات والارض والجبال ، فأبى هؤلاء جميعا من حملها وأعتذر الجميع للخالق عن عدم قدرتهم لتحمل مسؤوليتها. ولكن الانسان بما يحمله من جهل وغرور ، انبرى ووافق على حمل تلك المسؤلية العظمى . ولكن بعد أن اوكلت اليه المهمة ، فشل ألانسان مرة ثانية في الحفاظ على عهده مع خالقه ، ولم يستطع ان يرضي الله سبحانه والوفاء بعهده كما قد وعده ، فوصف الله تعالى الانسان بأنه كان (ظلوما جهولا) : ( إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان أنه كان ظلوما جهولا) - الاحزاب - 72. (والامانة تعني في بعض كتب التفسير أنها كانت مسؤولية الصلاة من قبل الانسان . بينما تفسيرات اخرى ترى ان ألامانة هي مسؤولية الحفاظ على العهد كله مع الله جل وعلا بما يتعلق بعبادته وطاعته وعدم معصيته) .
ولكن على الرغم من كل ذلك ، تبقى رحمة الله التي كتبها على نفسه جل وعلا، لا تزول ولا تتغير ولا تختلف من اجل خلقه جميعا، وحتى للظالمين من عباده . تبقى رحمته تسع كل شيئ وفي كل الاوقات لمن يطلب مغفرته سواءا في قبول توبة نصوحا من خلقه أوعند سؤال الله في طلب الرزق أوعند التضرع اليه في الشدائد . فالله هو العزيز الوهاب الذي يرزق الجميع الخير والبركة بغير حساب وبما يعينهم على حياة كريمة ونبذ واجتناب المعاصي.
فمن المعلوم أننا عندما نحاول التعامل مع حالة مرضية معينة ، فان ذلك يحتم علينا وجوب استخدام ما سخره لنا الله تعالى من رحمته وفضله من اكتشافات علمية تتدخل في العلاجات والادوية واستخدام الكومبيوتر والعمليات الجراحية والسونرات والاشعات الكاشفة وغيرها من وسائل يعين الخالق سبحانه بها خلقه من اجل الشفاء. وألامر المهم في كل هذا هو ان على الانسان المؤمن ، الاعتراف بانه مهما كان العلاج الذي وفرته قدرة العلم وتطوره وتقدمه في المجتمعات، فان هذا العلم يبقى عاجزا على شفاء حتى حالة الاصابة بالزكام مالم يقترن ذلك الشفاء بمشيئة الله الخالق وحده وبأمره أولا. حيث ان هذه الادوية والمستحضرات الطبية وغيرها هي مجرد (وسائل) سخرها الله من اجل شفاء خلقه بأمره فقط . فالشرط اذن أن يتم ذلك الشفاء بأذن الله تعالى . وهكذا يبقى الله جل وتعالى وحده هو المشافي وهو المعافي فقط. حيث لو لم يكن الله سبحانه هو المتحكم في امور خلقه لاصبحت الحياة فوضى . وهذا شيئ لا يحصل كما وضح الخالق لنا ذلك بما جاء في القران الكريم.
أما ان يدعي أحد هؤلاء المعممين بأنه بواسطة شكولاته (جكليتة) يقدمها للناس فيتم شفائهم من خلالها ، فهذا دجل رخيص وافتراء صارخ وخروج على طاعة ومخافة الله سبحانه.
فلقد شاهدت فديو تيب (تجدونه في اسفل المقال) ، لاحدى خطب أحد شيوخ الدين ألاسلامي والمسمى "عبد الحميد المهاجر" ، يظهر فيه هذا الرجل متجاوزا على حرمة الدين والمفاهيم الدينية ومستغلا طيبة هذا الجمع الخير من شعبنا في محاولات لافساد عقولهم من خلال تأكيده على مسألة شفاءهم الفوري من امراضهم لمجرد أكلهم لشيكولاته - جكليته واحدة . وكان الشيخ هذا يقف امام حشد كبير جدا من المصلين (في احد مساجد محافظة ميسان على ما أعتقده) ، (يبشر) الحاضرين بأنه جلب اليهم ما وزنه (طن وربع الطن) من شكولاته (جكليت) من اجل (شفاؤهم من امراضهم ) !!!.
ومضى هذا الشيخ يقسم لهم بأغلظ الايمان ويعود مكررا لهم قسمه ذاك ان "من يأكل جكليته واحدة فانها ستكون كافية لشفاء عشيرة كاملة !!!). والغريب أن الحاضرين كان يهزهم الحماس لكلماته وتلهبهم سياط الثقة لذلك العرض ، فيروحوا مهللين ومكبرين لهذا الدجل الرخيص.
والسؤال هنا كيف يجرأ الشيخ المهاجر من تحدي مشاعر شعبنا في افتراء فاضح على الدين هكذا ويعمد الى استغفال الجماهير المؤمنة بهذا الشكل القبيح؟ وهل يعتقد المهاجر ان العراقيين في هذا المستوى من السذاجة بحيث سيصدقون ان شوكولاته قادرة على الشفاء من الامراض؟ فمالذي منح هذه الشيكولاتة قوة سحرية تستطيع ان تقصم ظهر العلم والادوية والمستحضرات وتصبح لها القدرة حسب ادعاء الشيخ المهاجر بمنحهم الشفاء؟ ألا يستحق الشيخ المهاجر منحه جائزة نوبل في الطب على هذا الانجاز الرهيب؟ فبالنسبة لي شخصيا ، اني لا أجد ذرة من شك في نفسي من ان الله تعالى قادرعلى ان يجعل للمريض شفاءا باذنه من خلال أي وسيلة يشاءها سبحانه سواءا من خلال شيكولاته او غيرها ، ولكن كيف يستطيع المهاجر ان يثبت لنا ان هذا الطن والربع من (الجكليت) الذي أحضره من اجل شفاء المرضى ، انه منزل من عند الله مثلما أنزل الله تعالى من قبل (المن والسلوى) على رسوله وعلى المؤمنين في أحد معارك المسلمين مع المشركين؟ وأن هذه الشيكولاتة تحمل فضلا من عند الله من اجل شفاء المرضى؟
لقد كان يمكن ربما من جعل الموضوع مقبولا نوعا ما لو ان الشيخ المهاجر قد أعلن للحشد الجماهيري امامه من انه قد قام بتلاوة بعض السور القرأنية بحق تلك الشيكولاتة من اجل منحها نوعا من الخصوصية من خلال ذكر اسم الله عليها. أو أنه يدعي أنه قد تضرع الى الله العلي القدير ان (يجعل) بها شفاءا للمرضى ، لأصبح الامر مقبولا أكثر. ولكن ان يقول لهم الشيخ المهاجر ان من شأن (جكليتة) واحدة أن تشفي عشيرة كاملة ، فهذا دجل وافتراء لا يقبله أحد من المؤمنين .
وأريد ان هنا ان اطرح ملاحظتين مهمتين :
ألاولى : تتعلق بكيفية سماح المسؤولين سواءا في وزارة الشؤون الدينية أوفي وزارة أوهيئة الاعلام أو في منظمات المجتمع المدني لدجل رخيص كهذا ، وتركه يمر الى العقول الطيبة من جماهير شعبنا في اساءة باطلة بغض النظر من ان هؤلاء يتمتعون بقسط من التعليم والثقافة ام لا ؟ كيف يمكن أن يسمحوا لخطاب سلبي كهذا أن يسئ لشعبنا من خلال ظهوره في الاعلام الوطني بلا ضوابط أو اشراف من قبل الجهات الدينية ألرسمية وتركه ليسئ بشكل مباشر لعقول شريحة من شعبنا نحرص كثيرا على تعليمها وجعلها قادرة على امتلاك قرارها المستقل وارادتها الحرة من اجل ان تحيا في ظل الديمقراطية والعدل وفرص الحياة الكريمة ؟ وكيف نسمح ان تغزوا عقول شعبنا مثل هذه السفاهات بهدف تحقيق اهدافا مادية على حساب الوعي وبما يخدم التوجه لتشويه تراثنا الديني والشعبي في دجل وافتراء من خلال جعل الدين والايمان والقيم بمستوى السحر والشعوذة؟
والملاحظة الثانية : ان محاولات كهذه من شأنها التشويش على العقل العراقي الذي نريده ان يتطور ويسهم بشكل علمي واجتماعي فاعل في العملية السياسية في اكبر مدى ومستوى ممكن. ولا نستبعد أن تكون وراء هذه الظواهر دوافع واجندات سياسية مخطط لها من قبل جهات داخلية مدعومة من انظمة خارجية من اجل خلق حالة من التشويش على الثقافة والتراث الاسلامي لطائفة معينة معروفه في تفانيها بحب ال البيت الاطهار واستغلال طيبة ونقاء هذه الطائفة من اجل زجها في ثقافة الدجل والافتراء وتشويه الايمان وخلق نوعا من الطاعة والولاء لهؤلاء المعممين ممن يعمدون الى اشاعة الخرافات ومسخ الثقافة الاسلامية والعقائد ومحاولات طمسها . كذلك العمل على احلال مظاهرالشعوذة والثقافات الغيبية التي من شأنها ابعاد شعبنا من التعامل الصحيح مع اهداف الحياة بما يخدم تلك الجهات والانظمة الخارجية من دول الجوار والتي تسعى في تبنيها لنشر مثل تلك الظواهر بهدف استشراء ظواهر التطرف السياسي والديني بين شرائح المجتمع من شعبنا واستغلال استعدادها الفطري من اجل تهيئتها لاستجابات وردود فعل سريعة وخاطئة لمواقف تتعلق بالتطرف الديني والطائفي . فكما هو معروف ان وطننا محاط من دول جوار هي خليط من طوائف سنية و شيعية ممن برهنوا على عدوانيتهم لشعبنا وتدخلهم في شؤوننا الداخلية . وما نجده اليوم من فساد وتخريب ولصوصية على أعلى مستويات الدولة ، فأننا لا نجد سببا يجعلنا نعتقد أن هؤلاء المعممين يمكن ان يكونوا أقل فسادا من سواهم .
[email protected]
رابط الشيخ عبد الحميد المهاجر .
http://www.youtube.com/watch?v=QBN8d6fdLmU
#حسين_حامد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظواهر قابلة للاصلاح تنغص حياة شعبنا....
-
أين الاعلام من مسؤولياته الوطنية...؟
المزيد.....
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
-
بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
-
جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
-
قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل
...
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|