|
الثورة .. ومفاهيم أولية مابعد الثورة
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3353 - 2011 / 5 / 2 - 16:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لم يعد بالإمكان إلا الوقوف في وجه هذا النظام الذي أستباح كل ما هو محرم في سبيل بقائه على دست الحكم ، لم يعد بالإمكان المراهنة على النية الكاذبة لدى كل أجهزة الدولة في مفهوم الإصلاحات المزعومة ، لم يعد أمام الشعب السوري ( العربي ، الكردي ، الآشوري – السرياني ) إلا الصمود ضد هذه السلطة المتوحشة لمنع المزيد من إرهاق الدماء البريئة وإزهاق الأرواح الطاهرة النقية ، لم يعد أمام كل فئات الشعب السوري ، من درعا البطلة ، إلى بانياس المجيدة ، إلى اللاذقية الأبية ، إلى حمص المناضلة ، إلى قاميشلي الصامدة ، إلى كل بقعة سورية خالدة ، إلا التضامن والتكاتف والتصامد لوقف آلة البطش والغدر ، آلة القتل العام . فلن أشاهد في التاريخ كله أصعب من الأيام القادمة ، الأيام التي ستحمل معها أقوى وأفظع وأقسى أنواع الشرور والآثام والإبادة الجماعية ، فما جرى في يوم الجمعة العظيمة لن يكون إلا بداية المأساة والكارثة ، لن يكون إلا بداية المجزرة ، لإن السلطة السورية ، وبمجمل مجموعاتها المتنفذة وهن عديدات ، وحسب مصدر فرنسي شبه رسمي ، قد قررت تحويل سوريا إلى جزيرة تحكمها الدبابات والجيش ، إلى غيتو رهيب ، إلى ( وبالحرف ) – عبرة لمن يعتبر - . فما جرى في يوم الجمعة العظيمة لن يكون إلا مقدمة الدخول في تنفيذ القرار ، هذا القرار الذي قد يطال في محتواه ، إن أستطاعت السلطات السورية تنفيذ ذلك ، كل من لبنان والعراق والأردن والسلطة الفلسطينية ، هذا القرار كشف بالفعل وبالتمام وجه الجريمة في الشرق الأوسط ، حجم المعضلات الأساسية في العراق ( السيارات المفخخة ومسألة الأرهاب ) ، عظمة الإشكاليات التي لن تحل ( بضم التاء ) في لبنان ( حزب الله وأسرائيل ) ، مدى الصعوبات الجسيمة التي ستواجهها المملكة الأردنية ( مسألة السلفيين )، عمق التوغل الإيراني في الساحة العربية ، فداحة المهام الملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية ، وفضاحة التواطؤ ما بين سوريا وأيران وحزب الله وحماس ضد شعوب المنطقة ، ضد الشعوب العربية ، ضد الشعوب الإيرانية ، ضد منطقة الخليج . كما إن هذا القرار ، وتنفيذه بهذه الصورة الوحشية المرعبة ، سيفضي بالضرورة إلى مفاهيم ونتائج ( تسطع من خلالها حيثيات ما بعد الثورة ) . الأولى : إن هذا النظام قد بدأ فعلياُ وعملياُ في الإنهيار والتفتت ، ليس على المستوى السياسي فقط حيث يتضعضع بنيانه بإستقالة بعض النواب في البرلمان وكذلك جماعات حزبية من الحزب الحاكم ، إنما على مستوى المؤسسة العسكرية التي دبت فيها بوادر شروخ لن تندمل أبداُ ، وكذلك على مستوى الزمرة الحاكمة نفسها التي من جوفها أتضحت أكثر للعيان إرادات متعارضة في مراكز النفوذ لاسيما فيما يخص كيفية تنفيذ الخطط العسكرية الأمنية على أرض الواقع ( ماهر الأسد ، آصف شوكت ، علي مملوك ، رامي مخلوف ) . الثانية : إن المؤسسة العسكرية لن تستطيع إجتياز معطيات هذه المرحلة وتتصالح مع ذاتها وكأن شيئاُ لم يكن ، والعودة إلى مرحلة ما قبل الأحتجاجات . كما إنها فقدت دورها ، وهذه هي النقطة القاتلة في هذه المسألة ، في الدفاع الخارجي عن الوطن طالما هي تابعة ومقيدة بهذه السلطة ، فغدا الأمر سيان تماماُ في وجودها وعدمه ، بل الأنكى والأمر لقد أضحى وجودها المصدر المرعب والمفظع للمواطن وسكينته وطمأنينته ، والمصدر المطمئن للخارج . الثالثة : إن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد دخل في مرحلة السبات السياسي ولن يعاد ترشيحه لرئاسة الجمهورية أطلاقاُ ، مهما كانت الظروف والمعطيات ، ومهما كان وضع الشعب السوري ، ليس لإستنفاده عناصر مقومات – شخصية الرئيس – إنما لإنه ، بحكم منصبه السيادي كرئيس الجمهورية والقا ئد العام للجيش والقوات المسلحة ، شريك فعلي في عمليات القتل الجماعي ضد أبناء هذا الشعب ( مع العلم إن الأستفتاء الأخير – وهو أسترآس – كان في 17 أيار 2007 ، والمدة 7 سنين ) . الرابعة : إنتهت صلاحيات حزب البعث على الصعيد السياسي ، على الصعيد الإيديولوجي ، على الصعيد الدستوري ، على صعيد الأمة العربية ، وأرتبط أسمه بمرحلة تاريخية كارثية جسدت، في الواقع ، أبشع وأمقت مرحلة في تاريخ سوريا والعراق . أضف إلى ذلك ، إن هذا الحزب ليس أمامه سوى الإنحلال والذوبان ، لإنه غير قادر أصلاُ على تطوير ذاته ، ولا إلى تحديث أفكاره ، ولا إلى إدراك مستحاثات المرحلة ، ولا إلى هجرة روح الإقصاء المستشرية فيه ، حتى إتجاه أخواته العربيات الأخريات . الخامسة : أنتهت المعارضة التقليدية الحالية بحكم الضرورة والأمر الواقع ، كما أنتهى مفهوم المعارضة بالتصور القائم ، وهذه هي النقطة الجذرية فيما بعد هذه المرحلة . فالمعارضة القادمة ، كما السلطة القادمة ، ستكون محكومة في تصرفاتها ، بمنهجية معينة متأصلة بالأطر الديمقراطية ، ووفق أسس موضوعية في الفكر ، وفي مفهوم العلاقات الإجتماعية ، وستتحول المخاصمات التقليدية إلى رؤيا حيوية في الأقتصاد بالدرجة الأولى ، وفي مفهوم علم الإجتماع بنفس الوتيرة ، وفي محتوى العلاقات والدبلوماسية الدولية بالدرجة الثانية . السادسة : أنتهت اللينينية وأحزابها ومنظماتها التقليدية كمدرسة وكفكر خاص بها ، ولاسيما تلك المنضوية تحت جناح ( الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا ) بزعامة حزب البعث العربي الإشتراكي !!! . وتحررت الماركسية الأصلية ، كفكر ، كثورة ، كصيرورة في جوهر التحليل والواقع ، النظري والعملي ، من أسر وأصفاد المبادىء الجامدة ، المبادىء التي لاتغذي مفهوم – التقدم – في العملية السياسية ، المبادىء التي لاتناسب روح الأقتصاد السياسي الحالي والتحليل البنيوي للرأسمال المالي . لذلك فإن الأحزاب الشيوعية السورية ( لاسيما تلك التي تناضل !!! تحت سيادة حزب البعث ) أجرمت ، وأقترفت أقرف أنواع الجريمة السياسية والفكرية بحق الشعب السوري . وطالما نوهنا إلى جوهر المأساة في هذه العلاقة ، لكن المائت لاجسد له . السابعة : أنتهت المقاومة التقليدية المزعومة ، وأنتهت اسرائيل : أنتهى الإدعاء بالمقاومة لإن هذه الأخيرة ، وكل الأمور السيادية الأخرى ، سينحصر البت فيها بيد صاحب السلطة – الشعب - ، ولإنها لن تكون إلا كاملة حقيقية ومرتبطة بروح بناء الديمقراطية على أرض الواقع ، وهذه هي العلاقة الجدلية ما بين مفهومي المقاومة والديمقراطية . كما إن أسرائيل قد أنتهت كمرحلة تجاوزها الرأسمال المالي الذي لايقبل إلا بمحتوى السلم في – الأسواق – ليزدهر ، ليرضي القروض الربوية حتى لو كانت عقيمة ووهمية في أساس الفعل . فالتناقض الحقيقي تحول إلى ما بين الرأسمال المالي وحال الحروب . الثامنة : سينتصر لبنان كدولة وشعب على حزب الله ، لزوال المسوغات العضوية في بقاء هذا الأخير مقاوماُ !!! ولإنقشاع رداء الزيف والختل والتدليس عن مشروع الإيراني الصفوي العنصري ( مثل حزب البعث ) ، ولعدم رضى الشعب اللبناني والشعب السوري عن وجود ( دولة ) خارج الإطار القانوني للدولة اللبنانية الرسمية وداخل أراضيها . التاسعة : ستذوي المسألة الطائفية كلياُ في سوريا وهي بالأساس غير متأصلة في المجتمع السوري ، ولا في فكره ، ولا في وجدانه ، لإنه مجتمع علماني ومعرفي ، وطموح وتواق إلى تحقيق مبادىء الأخوة ، والكرامة ، والمساواة . والمجتمع السوري خربه حزب البعث ودمر أصوله المعتمدة ، وأخترق قواعد سلوكه ، لذلك هو سيبحث في القريب الآتي عن ذاته التي فقدها ، لإعادة الروح والحياة إلى منافذه التي أختنقت وخنقتها السلطات وحزب البعث . العاشرة : لقد تأكدت وإلى الأبد العلاقة الصميمية ما بين المواطنة ومفهوم الدستور ، وتلاحمت مع محتوى الديمقراطية ، فالمواطنة لن ترضى إلا أن تكون كاملة ، قائمة على أصول معتمدة في المدنية الحديثة ، وحسب مقررات ودوافع ونوازع العقل العام . والدستور لن يرضى ، هو الآخر ، إلا أن يكون موضوعياُ ، بقدر الممكن ، من ثلاثة أوجه . الوجه الأول : المعطيات الحقيقية في الواقع ، إذ لايمكن أختلاق حالة نظرية من الوقائع . الوجه الثاني : الأساليب الديمقراطية التي قد يلحقها القصور الضروري الكائن بصورة قسرية في أدواته . الوجه الثالث : مسألة فلسفية ألخصها بمفهوم ، محتوى التناقض الرئيسي ، ومدى إدراكه ، ومدى إمكانية تصوره وتحقيقه على أرض الفعل العام المشترك . [email protected]
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة ... ومفهوم الدولة وممارساتها
-
الثورة ...ومضمون التغيير ( النظام لا السلطة )
-
الثورة ... رؤية أبستمولوجية ( النقطة البنيوية )
-
سوريا ... مابين الإنتفاضة والثورة البنيوية
-
الثورة ... ما بين الإدراك والتدارك
-
رؤية معرفية في واقع لامعرفي ( سياسة الطفل )
-
برهان غليون والخطاب المتهافت
-
الكورد والعرب وجدلية الزمن ( مفهوم الثورة )
-
لعبة الأمم الجديدة ( صناعة أيران )
-
الشيخ سعد الحريري ما بين العملية السياسية والدهنية الديمقراط
...
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الثانية )
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الأولى )
-
الدكرى الثامنة لإنطلاقة الحوار المتمدن
-
البيئي والجسمي مابين الفلسفة والعلم
-
المعارضة السورية مابين الإشتقاق والبنيوية
-
فلسفة ديكارت ... مابين السقوط والتساقط
-
فلسفة كانط ... ما بين السقوط والتساقط
-
فلسفة هيجل ... ما بين التهافت والنقض
-
الفكر ما بين الإشكاليات والتصور الغائب ( رؤية جديدة في تصور
...
-
الشرق الأوسط ....ما بين مخلبين الفارسي والرأسمالي
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يعتزم إقرار الميزانية في التفاف على الب
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
زيلينسكي: سيتعين علينا الانتقال إلى المفاوضات مع روسيا بعد ل
...
-
الجيش الأمريكي يكشف هوية الجندية في المروحية التي اصطدمت بطا
...
-
إسبانيا.. إقالة السفير الإسباني في بروكسل لسبب غريب
-
سفير روسيا في الدنمارك: موسكو لن تسمح بتحويل البلطيق إلى بحر
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|