|
ثورة مصر؛ الدروس المستفادة من ايران
سعيد رحنيما
الحوار المتمدن-العدد: 3353 - 2011 / 5 / 2 - 14:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما أعلن الجيش المصري عن حياده في المراحل المبكرة جدا من الإنتفاضة الجماهيرية الأخيرة، كان من الواضح أن هناك سياسة مختلفة في التعامل مع الواقع بالمقارنة بثورة ۱۹۷۹ في إيران؛ هناك أعلن جيش الشاه عن حياده في آخر مرحلة من مراحل الثورة ، وبعد شهور من إطلاق النار في الشوارع. كان يوم ۱۱ فبراير، هو اليوم الحاسم في الثورة الإيرانية ، عندما اقتحم آلاف المتظاهرين ثكنات الجيش في جميع أنحاء طهران . في حوالي الساعة ۳٠:۱٠ توقف اطلاق النار فجأة ، و لصدمتنا تم الإعلان عن حياد الجيش في الاذاعة الحكومية. و في وقت لاحق تبين أنه ، وبعد تقييم للوضع ، وصل مبعوث حلف شمال الاطلسي الى طهران ، قابل قادة الجيش و حثهم علي إعلان الحياد و مبايعة الخميني . انهار النظام في ذلك اليوم ، و في وقت قصير تم إعدام القادة العسكريين و كبار المسؤولين الموالين للنظام القديم . الثورة في مصر تشبه الثورة الإيرانية عام ۱۹۷۹. في كلتا الحالتين حكم الدكتاتور ، المدعوم من الولايات المتحدة ، لعقود وبقبضة من حديد ، بلدا كبيرا ذا أهمية إستراتيجية ، حتى واجهته انتفاضة شعبية واسعة النطاق. و في كلتا الحالتين، كان للجيش علاقات عميقة ووطيدة بالجيش الأمريكي . في كلتا الحالتين قام الحاكم بتنفيذ برامج تحديث وتنمية تتبع منهج الليبرالية الجديدة، أدت لاتساع الفجوات بين الأغنياء و الفقراء، و إلى تعميق الهوة بين المناطق الحضرية و الريفية ، فضلا عن إستشراء الفساد. و في غياب الحريات السياسية و الديمقراطية ، وسعت الطبقة التقليدية الدينية مصالحها الخاصة ، في حين تزايد تهميش وقمع القوى العلمانية الليبرالية واليسار التقدمي .
العملية الثورية في إيران كانت أكثر عنفا، وطال أمدها لأكثر من ۱۳ شهرا ، قتل خلالها وأصيب الآلاف من المتظاهرين. ووقع خلالها العديد من الإضرابات ، شملت الجامعات والمصانع والمصالح الحكومية المختلفة، مما أدى إلى إنشاء (المجالس) التي تولت إدارة جميع المؤسسات ، قبل أن تتم تصفيتها – المجالس- في نهاية المطاف من قبل النظام الإسلامي . وجاءت المطالب الشعبية أكثر راديكالية، حيث استهدفت تصفية للنظام الشاهنشاهي تصفية تامة ، كما وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية ، و تحقيق الاستقلال الوطني بعيدا عن الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى . و كان أحد أسباب هذا التميز وجود قوى اليسار في الثورة الإيرانية. و كان الرأي المضلل لسلافوي جيجك المنشور في الرابط التالي http://english.aljazeera.net/programmes/rizkhan/2011/02/2011238843342531.html و القائل بأن "اليساريين الماركسيين ألقوا بأنفسهم في خضم الثورة التي كان "الخميني زعيمها بشكل لا يرقى إليه الشك" لا يمكن أن يعبر عن الحقيقة. فقد سبقت الثورة الإيرانية سلسلة من الثورات ضد الشاه نظمها اليسار والليبراليون والفنانون والقوى العلمانية الأخرى ، نتج عنها سلاسل من الإضرابات شنها العمال و الموظفون ، قبل أن يبدأ الخميني والإسلاميون "الانقضاض" على الثورة. لقد غدا الخميني "زعيما للثورة وبصورة لا يرقى إليها الشك". و لكن حدث هذا جزئيا نتيجة لحماقة القوى العلمانية التي فتنتها رؤية الخميني المتعلقة بمحاربة الإمبريالية و مكافحة الإستبداد . وبسبب الخوف من اليسار في بلد ذي حدود مشتركة واسعة مع الإتحاد السوفياتي وقتها، فإن الأميركيين قاموا بدعم الإسلاميين، خصوصا الإسلاميين الليبراليين مثل بازركان ، الذين شكلوا الحكومة المؤقتة. لكن إحتجاز الرهائن في السفارة الاميركية في طهران من قبل أتباع الخميني بدد آمال الأميركيين في الحفاظ على نفوذهم في إيران. في مصر، كان الخوف من إستيلاء الإسلاميين على السلطة هو العنصر الذي قاد السياسة الأمريكية . لقد شكلت التجربة مع إيران أسس السياسة التي اتبعت في مصر. في التجربة الإيرانية، شهد العالم حالة الفوضى التي أعقبت انهيار النظام، كما شهد السرعة التي تمكن بها الإسلاميون الراديكاليون من القضاء على جميع القوى الأخرى، و إنشاء نظام ظلامي على أساس من الشريعة الإسلامية. وفي مصر كان رحيل الدكتاتور جزء لا يتجزأ من السياسة، و لكن مع الحفاظ على النظام القديم، و كان أن أعلن الجيش المصري عن "حياده" مبكرا مع بداية حركة الإحتجاج. لقد أظهرت الثورة الإيرانية للعالم مخاطر تشكيل دولة دينية، و في هذه الحالة ، دولة إسلامية اصولية. أثناء الثورة المصرية، عرض النقاد رؤيتين لتوجهات الإخوان المسلمين : واحدة تراهم إسلاميين راديكاليين خطرين يسعون إلى تشكيل دولة إسلامية ، وأخرى تراهم معتدلين و متسامحين مع القوى الأخرى. كلا الرأيين خاطئ. فبغض النظر عما سيحدث في المستقبل القريب ، سيكون الإسلاميون أكثر قوة ، وسيشارك الإخوان المسلمون في الإنتخابات البرلمانية ، و سيزداد تأثيرهم في العملية السياسية ، و سينشرون أجندتهم الإجتماعية المحافظة جدا. لكن من غير المرجح أيضا أن يكونوا قادرين على تشكيل حكومة من قبيل الحكومة الإسلامية في إيران. أولا لأن الإخوان المسلمين جماعة تفتقر إلى قيادة مركزية قوية و موحدة ، على غرار ما تمتع به الخمينيون خلال الثورة الإيرانية. ثانيا، نأى الجيش بنفسه ولن تسمح طبقة رجال الأعمال والنخب التقليدية بقيام نظام ديني أصولي . مطالب المتظاهرين خلت من المطالب الراديكاليه وهي لذلك لم تشكل أي تحديات خطيرة لرجال الأعمال المصريين و طبقة ملاك الأراضي، و التي هي الأقدم في العالم العربي. وعلى الرغم من شجاعة ومثابرة الشعب المصري المثيرة للاعجاب، و تحقيقه نجاحا كبيرا تمثل بالإطاحة بالدكتاتور الفاسد، فإنه لم يقم بعد بدفع الثورة إلى الأمام. الجيش الذي تدعمه الولايات المتحدة، بالإضافة إلي الطبقات المسيطرة، نجحوا في إجهاض الثورة قبل فوات الأوان. بمعنى آخر، حتى الآن كانت الثورة المصرية نوعا من الإنقلاب الجماهيري. كون الجيش و جماعة الاخوان المسلمين، والطبقات المسيطرة، هم اللاعبون الرئيسيون في نظام ما بعد مبارك . وعليه فإن فرص إقامة نظام ديمقراطي -- الطموح الرئيسي لأولئك الذين تدفقوا على الشوارع -- ليست واعدة جدا. وتعيين إسلامي من قبل المجلس العسكري للإشراف على التعديلات الدستورية من الممكن أن يكون مؤشرا لما سيحدث. http://www.almasryalyoum.com/en/news/moderate-islamist-head-egypts-constitut ليس هناك شك في أن مصر لا تستطيع أن تعود إلى ما كانت عليه في عهد مبارك ، و لكن شكل النظام في المستقبل يعتمد ، وإلى حد كبير ، على مثابرة الشباب و النساء والطبقة العاملة، في التوضيح والضغط من أجل مطالبهم الديمقراطية في المجال العام. والدرس بالغ الأهمية من إيران لقوى مصر العلمانية التقدمية - اليسار و الليبراليين و الناشطات النسويات و الفنانين و المثقفين – يتمثل في عدم التضحية بمطالبهم الديمقراطية العلمانية ، وفي عدم الثقة بالجيش وبالإسلاميين أو النخب التقليدية. وفي الوقت الذي لا تتوفر فيه للقوى التقدمية قيادة بديلة أو واضحة، فان منع الانهيار التام للنظام القديم قد لا يكون بالضرورة اختيارا سلبيا ، كما انه قد يتيح وقتا ومساحة لحصول القوى التقدمية على فرصة لتنظيم أفضل . و ثمة درس آخر من إيران حين عمت الفوضى آخر الثورة ، و هو أن هناك دائما خطر إستخدام القوى الرجعية المشاعر الدينية للجماهير للحصول على اليد العليا.
بعد أكثر من ثلاثين عاما من المعاناة في ظل نظام إسلامي وحشي في إيران ، قامت النساء الإيرانيات ، الشباب و العمال و المثقفون بالثورة مرة أخرى في عام ٢٠٠۹. العديد من المفكرين والكتاب قارنوا الثورة المصرية بثورة الإيرانيين عام 2009 ضد إنقلاب أحمدي نجاد الإنتخابي، وتوقعوا نتائج مماثلة. و مع ذلك، فإن الوضع في إيران في الوقت الحاضر مختلف تماما. في مصر تربع على رأس النظام المصري ديكتاتور واحد، و هذا الدكتاتور كان يستند إلى قوة أجنبية. وفي إيران فإن إحتكار السلطة من قبل المؤسستين الدينية و العسكرية يقوم على التعاون بين شبكة من المؤسسات المتعددة ، دينية وقمعية ، اقتصادية وعسكرية ، إضافة لمنظومة الإستخبارات ، وهي شبكة معقدة للغاية و مستقلة أيضا عن أي قوة أجنبية. في إيران يقوم نظام فاشي يحصل من خلاله ملايين الناس على رواتب من الدولة ومن المنظمات شبه الحكومية ، بما في ذلك المؤسسات الدينية. و قد أظهر النظام ، وفي مناسبات عديدة ، أنه لا يتردد في إستخدام القوة الوحشية المطلقة ضد المعارضة. أماعلى المدى الطويل، فلن يكون مصيره مختلفا عن مصائرتلك الديكتاتوريات و الأنظمة الاستبدادية الأخرى في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر. و لهذا ، ولسوء الحظ ، يترتب على الشعب الإيراني الإستعداد لقتال أكثر صعوبة في المستقبل .
لا خيارأمام القوى التقدمية في مصر إلا النضال المثابر والدفع باستمرار نحو الإصلاحات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية ، و سيكون للنجاحات المصرية تأثير قوي على العالم العربي بشكل عام و على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل خاص . ومن الآن وصاعدا لن تتمكن الولايات المتحدة وإسرائيل من الاعتماد على الديكتاتوريين العرب ، وسوف تضطران إلى أخذ تطلعات الفلسطينيين لسلام حقيقي على محمل الجد.
قد يبدو الشرق الأوسط بين المطرقة و السندان ، أي بين الديكتاتوريات العلمانية من جهة وبين الأصولية الإسلامية من جهة أخرى . لكن وقائع ثورات الشباب العربي قالت أن هناك بديلا ثالثا ، وهو قائم وموجود ، وهو ديموقراطية علمانية . و ينبغي لنا أن نأمل في أ ن القوى الديمقراطية في جميع هذه البلدان ، ستكون قادرة على ضم كلا من الاسلاميين و العسكر إلى مسيرتها .
سعيد رحنيما، هو إيراني ولاجئ سياسي في كندا وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة يورك -تورنتو
و قد نشر هذا المقال بنسخته الإنجليزية الأصلية في "Open Democracy" في فبراير ٢٠۱۱.
#سعيد_رحنيما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|