أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - الوصاية على الدين الإسلامي و احتكار الحقيقة ...















المزيد.....



الوصاية على الدين الإسلامي و احتكار الحقيقة ...


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 1000 - 2004 / 10 / 28 - 09:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثيرا ما نتحاشى الدخول في جدال نعتبره عقيما مع ممارسات المتنبئين الجدد هنا أو هناك و في أي بلد عربي أو إسلامي. إلا أن تجاوزهم لحدود الاحترام المفروض في التعامل مع الآخر يفرض علينا إخضاع ممارستهم للنقاش الهادئ و المتزن، خاصة و انهم ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين، و يعتبرون من لا ينساق وراء خطابهم غير مسلم و كافر و ملحد و زنديق، و عميل صهيوني و أشياء أخرى، و يعتبرون ادلجتهم للدين ممارسة "إسلامية" رائدة و متمسكة ب "القيم" الأصيلة للدين الإسلامي، و ما سوى تلك الادلجة لا علاقة له بالإسلام و ب"أصالته".
و ما مارسه المتنبئون الجدد و جحافل الظلام التي تنساق وراءهم ضد الأستاذة حكمية الشاوي المناضلة الحقوقية الوطنية، و الحريصة على النضال من اجل تمتيع الناس بحقوقهم في مدينة مريرت يوم 5 غشت 2001 و بعده خير دليل على أن المتنبئين الجدد لازالوا يراوحون المكان المظلم، و تاريخ الظلام و فرض الممارسة الظلامية على المتنورين من المسلمين الأوفياء لعقيدتهم، الحريصين على تطهيرها من رجس السياسة و تسخير الدين لأغراض سياسية صرفة، و لجوئهم إلى استعمال الألفاظ النجسة و المبتذلة، و التي يمجها الذوق، و لا يستسيغها السمع، و ينبذها الاستعمال اليومي مع الأستاذة حكيمة الشاوي يدل دلالة قاطعة على أن هؤلاء المتنبئين الجدد لا علاقة لهم بالإيمان الذي هو جوهر الإسلام، و إنتاج الممارسات التي ينبذها الإيمان، و يترفع المومن عن ممارستها. فقد ورد في مثل هؤلاء قوله تعالى " قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا، و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم".
إن ما تمارسه جحافل الظلام اتباع المتنبئين الجدد يتنافى مع ما ورد في القرآن الكريم " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم". و هؤلاء عندما يمارسون قول السوء فهم ليسوا مظلومين بقدر ما هم ظالمون، أي انهم في ممارستهم تلك يجانبون النص الديني و يسقطون في ممارسة الأيديولوجية التي لا تومن إلا بالإقصاء الذي قد يتطور إلى مستوى مصادرة الحق في الحياة، و هو ما يتنافى جملة و تفصيلا مع اعتناق الإسلام.
و قد يدعي هؤلاء انهم احرص الناس على تطبيق الشريعة الإسلامية فيما يخص علاقة المرأة بالرجل، و بناء على ذلك الحرص فإن التطاول على الشريعة الإسلامية يبيح لهم فعل ما يبدو لهم دفاعا عنها و هذا الادعاء ليس إلا تبريرا لتحويل الشريعة الإسلامية إلى أيديولوجية لجحافل الظلام اتباع المتنبئين الجدد، و بقايا الإقطاع، و إلا فإن الدين الإسلامي الحنيف يرفض هذه الممارسة حتى مع غير المسلمين من اهل الكتاب، فما بالنا بالمسلمين. يقول الله تعالى " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن". فاللجوء إلى الحوار الهادئ و الهادف إلى الإقناع و الاقتناع هو الممارسة الإسلامية الصحيحة مع المسلمين و غير المسلمين، و هذا ما درج عليه الفقهاء. و لذلك فما نشاهده و ما نسمعه عن أساليب المتنبئين الجدد، و من وراءهم جحافلهم، لا علاقة له بما جاء به الدين الإسلامي من جهة، و من جهة أخرى فإن الإسلام دعا إلى المساواة بين الرجال و النساء مع مراعاة الفروق الجنسية انطلاقا من الشروط التي كانت سائدة في ذلك الوقت "و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض" " و الناس كأسنان المشط" " و لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى". فالمساواة محققة بين الرجال و النساء من خلال هذه النصوص. و ما يمارس على المرأة في العديد من البلدان الإسلامية و خاصة في المغرب هو الذي يجانب حقيقة الإسلام.و الذين يدعون حماية الإسلام بمحاربة الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية إنما يحاربون بدعوتهم تلك ما جاء به الإسلام الذي عمل و منذ البداية على إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية انطلاقا من الشروط التي سادت في ذلك الوقت، و التي تخضع للتحول المستمر بسبب التحول الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. و خاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه و الذي اصبح كل شيء فيه يتغير بين لحظة و أخرى و على جميع المستويات و في جميع الدول التي تزداد التفاعلات فيما بينها تبعا للتطور الاقتصادي و الاجتماعي و للتطوير الذي يحصل في المواصلات، و وسائل الاتصال، و الأدوات الإعلامية و المعلوماتية. و مع ذلك فالمتنبئون الجدد و من ورائهم جحافل الظلام يختصرون الحياة كل الحياة في عدم إدماج المرأة في التنمية، و عدم مساواتها مع الرجل في قوانين الأحوال الشخصية. و ما يصدر عن المتنبئين الجدد، و من ورائهم جحافل الظلام التي تقف ورائهم، و تنفذ فتاواهم ليس إلا ممارسة الوصاية على الإسلام التي ليست من الدين الإسلامي في شيء. فالوصاية التي يمارسونها يهدفون من وراءها إلى تحويل المسلمين إلى مجرد اتباع، ينفذون أوامرهم و يمتثلون لتعليماتهم التي يعتبرونها إسلاما، حتى ينالون رضاهم المعتبرة من "رضا الله" فكأنهم أولو الأمر أو من يشملهم قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" وهم في الواقع ليسوا من أولي الأمر، لأنهم لم ينتخبهم أحد لا بالأغلبية و لا بالإجماع كما جاء في قول الرسول صلى الله عليه و سلم " إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" ،و ولي الأمر ليس وصيا على الدين بل هو مشرف على تنفيذ ما يتفق عليه المسلمون في أمور الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة و هي أمور دنيوية و تدخل في باب المعاملات التي هي من إنتاج البشر، و يتجسد في ممارستها للدين مما جعل الرسول يقول "الدين المعاملة" و الذي تحتاج إليه المعاملة هو تبادل النصيحة حتى يستعين المسلمون بالآراء الصائبة في حياتهم العامة و الخاصة، إذا هم طلبوا ذلك. أما أن يعتقد المتنبئون الجدد و اتباعهم من جحافل الظلام، بأن الله فرض لهم، و لهم وحدهم أمر المحافظة على الدين الإسلامي فهذا ضلال و بهتان لا علاقة له بما جاء في القرآن الكريم " انا نحن نزلنا الذكر، و إنا له لحافظون" و هذا القول يجزم بأن لا رهبانية في الإسلام، لأنه قطع معها منذ البداية حتى لا يتكرر في ديننا الحنيف من يقيم محاكم التفتيش، و يقدم صكوك الغفران كما فعل رهبان الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى و كما يفعل المتنبئون الجدد الذين ينصبون أنفسهم رهبانا في عصرنا هذا لتكرار ما حدث في القرون الوسطى لإرجاع المسلمين إلى عصور الظلام، و تتكرر المأساة.
فقد جاء في القرآن الكريم " و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا" و هو قول يحرر المسلمين من التبعية لأي شخص، و يحرر المرأة من التبعية للرجل، و ما يسعى إليه المتنبئون الجدد، هو استغلال للدين الإسلامي كأيديولوجية للسيطرة على عقول الناس، و هو ما تسعى إليه جحافل الظلام من وراءهم ليتحول المسلمون إلى مجرد قطيع، و القطيع لا رأي له، و يمكن أن يساق إلى المسالخ و المذابح و هو ما يفعله المتطرفون في جميع الديانات.
فالوصاية على الدين تستحضر النبوة، و تستحضر الوحي من عند الله، و تتمثل كل ذلك. و يدعي متزعمو تلك الوصاية أن الله اختارهم لذلك، و هو ما يكرس نظرية التفويض الإلهي، و تفضيل الله لبشر على بشر، و لتأويل أيديولوجي للدين الإسلامي على باقي التأويلات التي لا تتجاوز حدود الاجتهاد. و هو ما يتنافى ما جاء في نصوص العقيدة الإسلامية، و تكرسه العقيدة الصهيونية. أي أن هؤلاء المتنبئين الجدد يعتقدون أنهم يرتفعون إلى مستوى الأنبياء، عن طريق اختيار الله لهم، ليحتكروا وحدهم حق تأويل النص الديني، و حق تقرير الإيمان أو عدمه المستند إلى ذلك التأويل.
و بذلك تكون الوصاية على الدين خروجا عن ما جاء به الإسلام الذي يدعو إلى الحوار فيما بين المسلمين، و بين المعتنقين للديانات الأخرى و يسمح بالتطور الذي تقتضيه مستجدات الحياة حتى يكون صالحا لكل زمان و مكان، و يكون إطارا للتربية الروحية، و إشاعة القيم النبيلة، وصقل المعاملات بين الناس على أساس الإخاء و التسامح و التعاون.
و يرجع احتكار تأويل النص الديني و نفي باقي التأويلات، و تكفير أصحابها دون اعتبار لإيمانهم بالعقيدة الإسلامية إلى الوصاية على الدين ،تلك الوصاية التي لم تعد حبيسة الكتب التي من حق أصحابها التعبير عن رأيهم في فهم ما جاء في الكتاب و السنة، و ما درج عليه القدماء من تأويلات متضاربة، و متناقضة أحيانا كثيرة لا حبيسة المساجد كفضاءات للاستغلال الأيديولوجي للأنظمة الحاكمة، و من قبل المتنبئين الجدد و الموالين لهم أو المعارضين، و الذين يلتقون في شيء واحد لا يخرجون عنه، إنه السيطرة الطبقية باسم الدين الإسلامي، فيصبح الإسلام تبعا لذلك يتجسد في خدمة تلك المصالح، و المسلم من ينخرط في تلك الخدمة، و من لا يفعل لا علاقة له بالإسلام.
و الإسلام لا يمكن أن يكون كذلك، لأنه قائم على الإقناع و الاقتناع، أي على الحوار " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن". و ما دام الأمر كذلك، فإن فرض الوصاية على الدين الإسلامي تتنافى مع حقيقة الإسلام، و الذين يقومون بذلك لا يمكن أن يكونوا مسلمين خاصة عندما يوظفون وصايتهم في إطار حزب أو تيار يتحول إلى إطار لاعطاء الشرعية للإسلام و المسلمين. و الإسلام لاوجود فيه لتيارات أو أحزاب سياسية، فهو لكل من آمن به كعقيدة، و اجتهد في فهمه، و تطويره ليتلاءم مع مستجدات العصر.
فما هي سبل تجنب الوصاية على الدين الإسلامي ؟
إن الوصاية على الدين الإسلامي ليست أصلا في الدين الإسلامي بقدر ما هي عارضة، و ناتجة عن انتشار الأمية في صفوف المسلمين بسبب عدم تحمل الأنظمة الحاكمة في بلدان المسلمين لمسؤوليتها في توفير المدارس و الأطر الدراسية التي تقوم بدورها في ترسيخ تعميم التعليم في صفوف المسلمين حتى تتحقق المساواة في امتلاك القدرة على المعرفة بأمور الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة، و بأمور العقيدة الإسلامية. و بما أن أنظمة الحكم في بلدان المسلمين لم تقم بدورها، فإن غالبية المسلمين يقعون ضحايا للسياسات الممارسة، و يعانون من الأمية، و هو ما يتيح الفرصة لجزء قليل من الذين استفادوا من النظام التعليمي الطبقي في بلدان المسلمين ليتحولوا إلى متنبئين جدد لا لأجل نشر المعرفة التيهي حق للجميع بل من أجل نمذجة المسلمين التي هي غاية المتنبئين الجدد ، وخلق المزيد من جحافل الظلام التي تنفذ التعليمات التي تهدف إلى نشر الإرهاب المادي و المعنوي بين المسلمين، و خاصة عندما يكثر الحديث عن أهوال القبور و عذاب جهنم مع مسلمين لا يملكون حتى قوت يومهم حتى لا يلتفتوا إلى البذخ الذي ينعم فيه المتنبئون الجدد و أسيادهم الذين لا ندري من أين لهم بالأموال التي يقتنون بها القصور و السيارات الفارهة و يتزوجون بأكثر من مسلمة ليحققوا أقصى درجات المتعة في الوقت الذي لا تجد فيه غالبية المسلمين ما تقتات به حتى لا نقول تتمتع به.
و لتجنب تكريس الوصاية على الدين الإسلامي من قبل المتنبئين الجدد، و من ورائهم جحافل الظلام لابد من :
1) إشاعة الممارسة الديمقراطية في المجتمع بمفهومها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي لأنه بدون هذا المضمون تكون الديمقراطية مجرد واجهة للاستغلال.
فالديمقراطية الاقتصادية تضمن التوزيع العادل للثروة القومية بين المسلمين الذين ينتمون إلى دولة معينة عن طريق توفير الشغل للجميع، و إقرار التعويض عن العطالة بالنسبة للذين لا عمل لهم. و تنظيم التجارة الداخلية و الخارجية تحت إشراف مؤسسات دولة المسلمين لقطع الطريق أمام إمكانية ممارسة الاحتكار الاقتصادي و تكديس الثروات الهائلة على حساب الكادحين و هو ما يستفيد منه المتنبئون الجدد، و يسعون إلى تكريسه و المحافظة عليه خدمة لأصحاب الثروات و باسم الدين الإسلامي. فالعدالة الاقتصادية بين المسلمين هي المنطلق لاقامة ديمقراطية حقيقية بين المسلمين.
و الديمقراطية الاجتماعية تمكن كل مسلم من التمتع بحقه في التعليم، و التطبيب، و السكن، و التشغيل، و كل الخدمات الاجتماعية الأخرى التي تعتبر أساسية و ضرورية للاستقرار و الاندماج الاجتماعي مما يساهم في التطور الاجتماعي و تأمين الحياة الاجتماعية التي تعتبر شرطا للتطور في المجالات الأخرى.
و الديمقراطية الثقافية تجعل كل مسلم يمتح من معين الثقافة المحلية و الوطنية و القومية و العالمية حتى تتبلور شخصيته بما يتناسب مع قيم التطور و التقدم و الإخاء و السلام. كما يجعله يساهم بما توفر لديه من إمكانيات ثقافية، و إثراء الثقافة المحلية و الوطنية و العالمية من خلال تطوير الأدوات الثقافية، و مختلف الإبداعات الأدبية و الفنية و الفلسفية و الفكرية حتى تكون المساهمة إيجابية و فعالة و رائدة.
و الديمقراطية المدنية تساهم في تحقيق المساواة القانونية، و أمام القانون بين المسلمين، سواء كانوا ذكورا أو إناثا مهما اختلفت ألسنتهم و ألوانهم و أصولهم العرقية، و إتاحة الفرصة للجميع من اجل تحقيق تلك المساواة بإلغاء كل الفروق القائمة بين المسلمين، و إقامة دولة الحق و القانون في كل بلد من بلاد المسلمين.
و الديمقراطية السياسية تمكن المسلمين من تقرير مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و وضع دساتير تضمن السيادة لشعوب المسلمين على أنفسهم، و على أراضيهم، و اقتصادهم و ثقافتهم و تعليمهم، و كل ما له علاقة بهم، و انتخاب مجالس محلية و وطنية انتخابا تحترم فيه إرادتهم، و تكوين حكومة من أغلبية البرلمان و تخضع لمراقبته، و وضع قوانين متلائمة مع المواثيق الدولية، و خاصة ميثاق إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، و ميثاق حقوق الطفل، و ميثاق حماية المدافعين عن حقوق الإنسان حتى يتفرغ المسلمون إلى ما هو أسمى، و بناء حضارة المسلمين التي لا يمكن أن تكون إلا إنسانية.
و بذلك يحصل التكامل بين مختلف مضامين الديمقراطية من اجل بناء إنسان ديمقراطي يتمتع بجميع الحقوق و يحترم حقوق الآخرين، و يسعى إلى إشاعة الديمقراطية و حقوق الإنسان في صفوف المسلمين ليرتفع المسلمون بذلك إلى مستوى إعطاء المثال للآخرين في الممارسة الديمقراطية، و احترام حقوق الإنسان، و إنضاج شروط الهجرة المضادة لعقول المسلمين المهاجرة إلى بلاد الغرب من اجل الاستفادة منها في التطوير الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي و العلمي و الأدبي حتى ترتفع مكانة المسلمين بين الناس و ينجذب غير المسلمين إلى الانخراط في مجتمع المسلمين الذي تحترم فيه العقائد المختلفة عن عقيدة المسلمين.
2) التربية على حقوق الإنسان التي تعتبر شرطا للممارسة الديمقراطية، و التي تبتدئ أولا بتكريس المواثيق الدولية، و قوانين الحريات السياسية و النقابية و تأسيس الأحزاب و النقابات و الجمعيات، و قوانين الشغل و الأحوال الشخصية المتلائمة معها، و مساطير تطبيق تلك القوانين في جميع أسلاك التعليم، و التمرس على المحاسبة الفردية و الجماعية في مختلف الإطارات حتى نحجم عن ممارسة الخروقات ضد المسلمين. و التربية على حقوق الإنسان تستهدف جميع أفراد المجتمع بقطع النظر عن عقيدتهم أو عرقهم أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم، و هو ما تهدف إليه التربية الإسلامية الحقة.
و الحقوق التي نتمرس على التربية عليها تشمل الحقوق الاقتصادية التي تضمن التوزيع العادل للدخل الوطني على مسلمي كل دولة من دول المسلمين إلى جانب غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى، و الاجتماعية التي تضمن استفادة المسلمين من مختلف الوسائل الثقافية و المساهمة في تطوير تلك الوسائل المدنية التي تضمن المساواة بين المسلمين أما القانون المتلائم مع المواثيق الدولية، و السياسية التي تمكن جميع المسلمين من تقرير مصيرهم.
و بالتربية على حقوق الإنسان نتمكن من ضمان تجنب الكثير من الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية الناجمة عن غياب التربية على حقوق الإنسان في مجتمعات المسلمين التي تعاني أصلا من قمع واستبداد الأنظمة التابعة التي تحكم بلاد المسلمين من المشرق إلى المغرب، و من الشمال إلى الجنوب.
3) ضمان التمتع بالحقوق المختلفة الذي لا يتأتى إلا عن طريق العمل على تنشيط الحركة الحقوقية من اجل الدفاع عن حقوق المسلمين المختلفة، و حماية ما هو مضمون منها من الهدر، و الدفع في اتجاه ملائمة القوانين مع المواثيق الدولية المختلفة، و إنشاء هيئات تتبع الخروقات التي تحصل في جميع المجالات، و تجريم القائمين بتلك الخروقات، و إنشاء محاكم خاصة بمناهضة الخروقات من اجل محاكمة مرتكبيها، و مراقبة دستورية القوانين فيما يتعلق بملاءمتها مع المواثيق الدولية، و عقد دورات تكوينية لمختلف الهيئات المكلفة بمراقبة احترام تمتع المسلمين بحقوقهم حتى يمتلكوا القدرة على القيام بالمراقبة و التتبع بناء على معرفة تامة بالمواثيق الدولية، و فضح و تعرية مختلف الخروقات، و العمل على محاسبة القائمين بها أمام الهيئات المختصة، و أمام المحاكم المختصة إن كانت قائمة على ارض الواقع.
4) إعادة النظر في القوانين و التشريعات من أجل ملاءمتها مع المواثيق الدولية عن طريق مراجعتها بواسطة المؤسسات التشريعية في بلاد المسلمين لإزالة ما بها من تناقضات مع تلك المواثيق، و لتأكيد الحرص على احترام حقوق الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و إعداد الأجيال المقبلة عن طريق الممارسة القانونية، و تربيتها على حقوق الإنسان.
و القوانين التي تقتضي إعادة النظر هي :
أ- قوانين الحريات العامة السياسية و النقابية و تأسيس الأحزاب و الجمعيات و النقابات باعتبارها قوانين تؤسس للاستبداد أو لتكريسه في بلدان المسلمين ذات الأنظمة التابعة، لأجل مراجعة البنود المتعلقة بذلك.
ب- قوانين الأحوال الشخصية المكرسة لدونية المرأة و المانعة لها من التمتع بحرياتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و ممارستها لكافة حرياتها حتى يزول الحيف الذي تكرسه.
ج- القوانين الجنائية و المساطر المتعلقة بها حتى تتلاءم مع المواثيق الدولية، و ترفع مستواها الى ما عليه الأمر في البلاد التي تحترم حقوق الإنسان.
و بذلك ينتقل مجتمع المسلمين الى تلقي ممارسة قانونية متلائمة مع المواثيق الدولية التي تؤهله لممارسة حقوقية متغلغلة في نسيج المجتمع على جميع المستويات، و ترسخ وعيا حقوقيا متطورا في صفوف المسلمين مما يجعلهم يحرصون على التمتع بها، و يتجندون بواسطة المنظمات الحقوقية لحمايتها و متابعة كل من يعمل على خرقها.
5) وضع آليات مراقبة احترام تلك القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية، لأنه بدون وضعها تكون حقوق الإنسان في مهب الريح. و من بين تلك الآليات :
أ- تكوين لجان مراقبة و مناهضة الخروقات المختلفة على مستوى الأحياء و الجماعات و الأقاليم، و على المستوى الوطني يكون من مهامها :
• التعريف بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
• التعريف بالقوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية.
• التعريف بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
• تتبع الخروقات المختلفة عبر مسطرة محددة سلفا يتم التعريف بها و الدعاية لها بمختلف الوسائل.
• اتخاذ الإجراءات الضرورية لوضع حد لتلك الخروقات، و معاقبة القائمين بها مهما كانت مسؤولياتهم المدنية و السياسية و الإدارية و الاجتماعية و مهما كان مستواهم العلمي و الأدبي و الفني.
• فضح الخروقات المختلفة عبر وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة/المرئية، و عبر ملتقيات و ندوات و عروض من اجل حفز المواطنين على تتبع الخروقات المختلفة و مناهضتها بشكل جماعي، و محاصرة القائمين بها مهما كانت مسؤولياتهم.
ب- تخصيص فقرات من البرامج المسموعة/المرئية من اجل التعريف بالمواثيق الدولية، و بالقوانين المتلائمة معها، و في الأوقات التي يكون فيها المواطنون في بيوتهم حتى يكون الجميع على بينة مما تتضمنه تلك المواثيق و القوانين، و الدعوة إلى تتبع تلك البرامج بكل الوسائل الممكنة، و بعد ذلك يمكن تطبيق مبدأ "لا يعذر مواطن بجهله للقانون" لأن المعرفة به ستصبح في متناوله، خاصة و أن الأطر التي يمكن أن تقوم بذلك متوفرة بكثافة.
ج- إنشاء محاكم خاصة يمكن تسميتها بمحاكم مناهضة خروقات حقوق الإنسان، تخصص لها أطر كفأة و مخلصة و مستوعبة للمواثيق و القوانين المتلائمة معها، و تتمتع باستقلالية دستورية عن الأجهزة التنفيذية في بلدان المسلمين ذات الأنظمة التابعة.
د- إنشاء شرطة قضائية مختصة بالتحقيق في الخروقات التي تحال عليها، و ضبط محاضرها قبل الإحالة على المحاكمة في مستوياتها المختلفة، و تكون هذه الشرطة تحت إمرة المحاكم الخاصة بالخروقات مباشرة.
ه- تدريس حقوق الإنسان في مختلف المستويات كممارسة تربوية تستهدف الناشئة في مراحل الطفولة و المراهقة و الشباب من اجل مجتمع بدون خروقات.
و عندما تشتغل هذه الآليات و غيرها تتحول المواثيق و القوانين المتلائمة معها إلى ممارسة يومية و تختفي الخروقات بصفة نهائية، و يتحول المجتمع إلى مجتمع قائم على احترام حقوق الإنسان جملة و تفصيلا.
6) تجريم الخروقات المختلفة، و خاصة الممارسة في حق النساء، لأن ما يحصل الآن في بلاد المسلمين، أن ارتكاب الخروقات من قبل المسؤولين في جميع القطاعات، و من قبل المواطنين في حق بعضهم البعض اصبح أمرا عاديا و هادفا إلى جعل الخروقات قاعدة، و احترام حقوق الإنسان استثناء، و ما ذلك إلا لأن الخرق لا يجرم. و لذلك فاحترام حقوق الإنسان يقتضي تجريم الخرق الذي يمكن أن يلعب دورا في الإمساك عن ممارسة الخروقات المختلفة. و هذا التجريم يجب أن يكون متضمنا في القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية، و تحدد عقوبته تبعا لنوعية الخرق، و مستوى ارتكابه، و طبيعة مسؤولية القائم به، و يجب أن تحرص اللجان المتتبعة للخروقات، و الشرطة التحقيق فيها على اجرأة التجريم في القضايا التي تضبطها أو تحرص عليها قبل إحالتها على المحاكم الخاصة.
7) تنظيم حملات إعلامية تحسيسية بواسطة الوسائل السمعية/البصرية، و المقروءة تساهم فيها الجمعيات الحقوقية و النسائية، و المسلمين بصفة عامة بفعل الخطابات الأيديولوجية المعبرة عن الاستبداد المسيطر أو التي تنحو إلى الاستبداد لبث وعي حقوقي بين الناس، و بيان خطورة الخروقات الممارسة في حق النساء.
فالوعي بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية يكاد يكون غائبا في صفوف المسلمات بصفة خاصة، و المسلمين بصفة عامة بفعل الخطابات الأيديولوجية المعبرة عن الاستبداد المسيطر و التي تنحو إلى الاستبداد، و التي تدعي كل واحدة منها التعبير عن الإسلام الحقيقي.
و لذلك فتنظيم حملات التوعية من قبل المنظمات الحقوقية، و الجمعيات و الأحزاب و المؤسسات التابعة للدولة و الحكومات، يعتبر مسألة أساسية و ضرورية لبث الوعي الحقوقي بين المسلمين و المسلمات، و العمل على قيام ديمقراطية حقيقية توفر المناخ الملائم لنشر الوعي المطلوب و تجديره في صفوف المسلمين.
و بهذه السبل التي استعرضناها تصبح الحقيقة الدينية نسبية، و يصبح احتكارها من باب المستحيلات، لأنه تزول الحاجة إلى المتنبئين الجدد الذين ستنكشف أيديولوجية كتبهم، و خطاباتهم التي تسيء إلى الدين الإسلامي، و سيدرك المسلمون أن من حق أي منهم أن يجتهد في تعميق فهم النص الديني الذي لم يأت بحكم قطعي فيما يخص العبادات، أما الأحكام الشرعية القطعية الواردة في النص الديني فإنها تحتاج بدورها إلى تأويل نظرا لاختلاف الظروف التي جاءت فيها تلك الأحكام عن الظروف التي نعيشها في بداية القرن الواحد و العشرين الميلادي.
و على أساس الحق في تصنيف الأفهام و التأويلات المتعددة للنص الديني الوارد في القرآن الكريم، و الحديث الصحيح، تزول الحاجة إلى الذين يفهمون الدين وحدهم و يؤولون النص الديني على هواهم، و يتصدى المسلمون بالحوار الهادئ و المقنع إلى التحريف الأيديولوجي للدين الإسلامي. و تتوقف الوصاية على الدين الإسلامي الحنيف، و التي يفرضها المتنبئون الجدد الذين يلجأون إلى ممارسة كافة الخروقات على المسلمين ابتداء بمصادرة الحق في التفكير، و مرورا بمصادرة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و انتهاء بممارسة الإرهاب النفسي و الجسدي و الفكري و العقائدي الذي قد يرتفع إلى مستوى مصادرة الحق في الحياة ضد المناهضين لمصادرة حقوق الإنسان، و العاملين على نشر الوعي الحقوقي كما حصل مع الشهيد عمر بن جلون الذي لازال المساهمون في اغتياله يدعون حماية الإسلام، و يفرضون وصايتهم عليه، و كما حصل مع فرج فودة، و حسين مروة، و مهدي عاملن و سهيل طويلة و غيرهم ممن كانوا لا يملكون إلا أقلامهم و فكرهم، و سعيهم إلى تحقيق السلام في العالم بعيدا عن التعصب الأيديولوجي الذي يسمونه ب"التعصب الديني" و العرقي و اللغوي ..الخ. و كما يفعلون ضد العديد من رموز النضال الحقوقي في جميع بلاد المسلمين بمن فيهم الشاعرة و المناضلة الحقوقية حكيمة الشاوي التي تتعرض لكل أشكال الإرهاب النفسي و العقائدي، و التهديد بالإرهاب الجسدي بل و الجنسي عن طريق التحرش المنحط.
و المتنبئون الجدد و معهم أذنابهم جحافل الظلام يدركون جيدا أن خطابهم الظلامي، و الإرهابي و الأيديولوجي لا يمكن أن يصمد أمام منارات التنوير التي لا تتوقف منابرها عن إقناع المسلمين بضرورة الوعي بحقوقهم المختلفة، و النضال من اجل انتزاعها من الأنظمة المستبدة، و فرضها على الساعين إلى تكريس استبداد بديل، و حمايتها من الخروقات التي يرتكبها المتنبئون الجدد، أو الساعون إلى ممارسة الاستبداد.
و السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو :
هل من حق أي جهة أن تفرض وصايتها على الدين الإسلامي ؟
إن الذي يحصل أن الوصاية على الدين الإسلامي تتنازعها جهتان رئيستان :
الجهة الأولى : هي الأنظمة الاستبدادية القائمة في بلدان المسلمين التي تهدف من وراء تلك الوصاية إلى تحويل الدين الإسلامي إلى أيديولوجية للطبقات الحاكمة في كل بلد من بلدان المسلمين لتضليل الشرائح الكادحة المستغلة و التي تعاني من الأمية الأبجدية إلى جانب معاناتها من القهر و الفقر و المرض مما يعرضها على مدار عمرها لأشكال من العذاب النفسي و الجسدي ، إلى جانب العذاب الاجتماعي الناجم عن الحرمان من الحقوق المختلفة. و الغاية من التضليل الأيديولوجي هي تأبيد السيطرة الطبقية على شعوب المسلمين، لأنه بدون ذلك التأبيد ستفقد تلك الطبقات قدرتها على الاستمرار و تكريس الاستغلال باسم الدين الإسلامي البريء من الادلجة الرسمية، و من ممارسة الاستغلال على المسلمين.
و الجهة الثانية : هي المتنبئون الجدد و جحافل الظلام التي تتكدس من وراءهم، و المخالفة في تأويلها و ادلجتها للدين الإسلامي، و غايتها من تلك الادلجة. هذه الجهة التي تختلف عن الأولى في كونها تستغل الأوضاع المتردية للكادحين على جميع المستويات و تشيع بينهم و تقنعهم بشعار"الإسلام هو الحل" الذي يغري الجميع و يستقطبه بسرعة للانتظام في صفوف جحافل الظلام، و الشروع في تنفيذ تعليمات المتنبئين الجدد من اجل الوصول إلى امتلاك السلطة أو المساهمة في السلطة القائمة، و لو عن طريق التواجد في المؤسسات المنتخبة، و خاصة المؤسسة التشريعية في الحدود الدنيا من اجل تمرير استبدادهم إلى مختلف القوانين المعمول بها، لا لتحقيق العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية كما يراها الإسلام، و كما هي في المواثيق الدولية، و في القوانين المتلائمة معها، بل الرجوع بالمسلمين إلى ظلام العصور الوسطى بدعوى "تطبيق الشريعة الإسلامية" حسب تأويلهم لشكل وكيفية التطبيق. و ما يعكس هذه الادلجة شعار "الإسلام هو الحل" و " تطبيق الشريعة الإسلامية" لخدمة مصالح المتنبئين الجدد و من ورائهم جحافل الظلام المتمثلة في الضغط في اتجاه الوصول إلى السلطة، و السيطرة على مصير المسلمين، و الشروع في استغلالهم من منطلق رجوع الإسلام، و عودة الإيمان و الاسترشاد بالمسلمين الأوائل وصولا إلى ممارسة الإرهاب النفسي، و الفكري، و الجسدي على المعارضين مما يجعل أصواتهم غائبة بسبب القمع الذي مورس عليها بدافع ادعائهم مخالفتها لما جاء به الإسلام و عدائها له دون اعتبار لحقوق المسلمين المختلفة ، لا لما ينتظرهم مستقبلا كنتيجة للحرمان من مختلف الحقوق.
و الواقع أن الإسلام لا علاقة له لا بما يفرضه الحكام المستبدون، و لا بما يمارسه المتنبئون الجدد. لقد جاء في الحديث الشريف : " لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى".و جاء أيضا :"الناس كأسنان المشط" و هذان القولان يقرران المساواة التي جاء بها الإسلام و هذه المساواة يؤكدها قول الله تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها وبث منهما رجالا و كثيرا و نساء". كما يؤكدها قوله " و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض" و هو تأكيد لا يرفع العارفين بأمور الدين إلى درجة الوصاية على الدين بقدر ما يلزمهم بتقديم المعرفة الدينية للراغبين دون أن يكون ذلك سبيلا للوصاية على الدين الإسلامي. فقد قال الله تعالى في الموضوع " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". و في هذه الحدود يتوقف الامتياز، و تحصل الأفضلية التي تجعل العارف بأمور الدين اكثر حذرا من الوقوع في المنزلقات كما جاء في قوله تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء".
و بذلك نصل إلى أن ادلجة الدين الإسلامي التي تقود إلى الوصاية على الدين ليست من الإسلام في شيء، و الذين يمارسون تلك الوصاية ينحرفون عن الدين الإسلامي، و يصبحون كالنصارى المنحرفين عن اصل دينهم، و كاليهود المنحرفين عن رسالة موسى عليه السلام، ليصبحوا كمن ورد فيهم قوله تعالى " و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله" الذي يقابله عند المنحرفين عن الإسلام من المتنبئين الجدد و اتباعهم "الإسلام دين ودولة" و هو اكبر باب للشرك بالله مما يجعل "إسلامهم" و "دعوتهم" إلى الإسلام و بكل الوسائل مطية للوصول إلى امتلاك ناصية الدولة التي يعبدونها و التي تمكنهم من إخضاع البشر لخدمة المصالح الخاصة بالمتنبئين الجدد و بجحافل الظلام التي تصطف ورائهم، أو مصالح المتمكنين من نواصي دول بلاد المسلمين.
فالإسلام الذي جاء ليضع حدا للرهبانية لا يمكن أن يقبل في صفوف معتنقيه من يمارس الرهبانية، و قديما قالوا "لا رهبانية في الإسلام". و المتنبئون الجدد و جحافل اتباعهم يمارسون الرهبانية التي اتخذوا لها المساجد أديرة، و المساجد في بلاد المسلمين ليست كذلك إنها أماكن للالتقاء و التواصل بين المسلمين و القيام بالتداول في أمورهم و أداء شعائرهم الدينية، و هي بذلك ليست مقدسة بقدر ما هي طاهرة حتى تكون صالحة للصلاة فهي مقر الجماعة و دار الشباب، و المحكمة و المدرسة، و البرلمان. و كذلك كانت قبل أن تتحول إلى مجرد أديرة يشرف على تسييرها أشخاص يتعامل معهم المسلمون كما يتعامل المسيحيون و اليهود مع الكهان مع اختلاف تسمية المسلمين لهؤلاء برجال الدين. و الذين يقدسونها إنما يشركون بالله من حيث لا يدرون و لكنهم يصرون على الشرك بالله. و المتنبئون الجدد عندما يقدسون المساجد و يدفعون المسلمين إلى تقديسها، إنما يكرسون الشرك بالله في الوقت الذي يقرر الإسلام فيه أن الكرة الأرضية مسجد كما جاء في الحديث " جعلت لي الأرض مسجدا" حتى تتميز عن بقية الديانات بعدم تقديس الأماكن و الأشخاص بمن في ذلك محمد صلى الله عليه و سلم الذي نزل فيه قوله تعالى " قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلي " و قوله الرسول موجا الخطاب إلى صحابته " لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى". و حتى تزول قداسة الإنسان التي ينبذها الإسلام " لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا" كما جاء في القرآن الكريم.
و الخلاصة التي نصل إليها أن الوصاية على الدين الإسلامي هي من ابتداع البشر، و هي سنة سيئة منبوذة كما جاء في الحديث الشريف " من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
و بالتالي فإن الآثام التي ترتكب في حق المسلمين لتحريفهم الكلم عن مواضعه بتأويلاتهم المغرضة ليزداد المسلمون ضلالا، و يجانبون الحقيقة، و يدعون أن تأويلاتهم هي الحقيقة كلها حتى لا يتجند المسلمون لمناهضة الاحتكار الذي يمارسونه و يحاولون بكل وسائلهم الدعوة إلى عدم إشاعة الممارسة الديمقراطية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بين المسلمين و مناهضة التربية على حقوق الإنسان في المدارس و المعاهد المختلفة بالتحريض بمضامين الإعلانات و المواثيق الدولية و اعتبارها عنصرية، غربية، و صهيونية، و ناشرة للإلحاد حتى لا يلجأ المسلمون إلى التعرف عليها و امتلاك وعي حقوقي حقيقي، و محاربة تمتع المسلمين بالحقوق الواردة في فيها عن طريق دعم الاستبداد القائم أو السعي إلى فرضه عن طريق ممارسة الإرهاب المادي و المعنوي على المسلمين، و الدعوة إلى مصادرة الحق في الحياة حتى يخضع المسلمون، و يقبلون بما يمارس عليهم، و مقاومة إعادة النظر في القوانين و التشريعات حتى لا تتلاءم مع المواثيق الدولية التي وضعها الصهاينة و الكفار و الملحدون كما حصل مع مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي لازالت تداعياتها مستمرة إلى يومنا هذا في المغرب، كما حصل و لازال يحصل مع الشاعرة و المناضلة الحقوقية الأستاذة حكيمة الشاوي في غير ما مكان من بلاد المغرب و على مستوى بلاد المسلمين، و منع وضع آليات ضمان و حماية حقوق الإنسان نظرا لتناقض تلك الآليات مع مصالح المتنبئين الجدد الطبقية، و اعتبار الخروقات و الممارسة في الواقع و بواسطة القانون هي الشريعة التي يرونها إسلامية انطلاقا من ادلجتهم للدين الإسلامي، و خاصة إذا كانت تلك الخروقات تتعلق بالنساء اللواتي يعتبر تمتعهن بالحرية تبرجا، و مساواتهن للرجال خروجا عن الدين، و يحولون دون القيام بخطة إعلامية للتعريف بحقوق الإنسان بصفة عامة و حقوق النساء بصفة خاصة. لكون تلك الحقوق ليست من الإسلام، ليكرسوا بكل ذلك وصايتهم على الدين الإسلامي التي تمكنهم من السيطرة على المسلمين، و تسخيرهم لحماية مصالحهم الطبقية.
هكذا إذن يسعى المتنبئون الجدد إلى فرض السيطرة على المسلمين، أو تكريسها ،غير أن وعي المسلمين آخذ في التحول في اتجاه زوال زيفه، و ترسيخ الوعي الحقيقي الذي سيقود المسلمين إلى فرض المثل العليا و القيم النبيلة التي تمكنهم من فرض الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي هي مناط جوهر الإسلام مصداقا لقوله تعالى " و ما ربك بظلام للعبيد".
إنها الإنسانية التي تنير طريق المسلمين و تبعد جحافل الظلام المتخندقة وراء المتنبئين الجدد ليتنبأ المسلمون بوضع آفل و ظلام زائل، و صباح قادم يتنفسون الأمل بالتمتع بكل الحقوق التي ترفع رأس الرجل و رأس المرأة، و تعيد البسمة إلى العلاقة الإنسانية الصرفة التي يجب أن تبقى خالدة و إلى الأبد.
محمد الحنفي
المغرب ابن جرير في /19/9/2001



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمال بلدية ابن جرير بين دعم نضالهم النقابي أو إعلان العمالة ...
- نقطة نظام : آفاق مبدئية النقابة بين قيادة الطبقة العاملة و ق ...
- التوظيف الأيديولوجي للدعوة إلى تطبيق -الشريعة الإسلامية- ينا ...
- قضية المرأة / قضية الإنسان
- الحزب الثوري أسسه – مبادئه - سمات برنامجه - حزب الطليعة الدي ...
- النظام العربي ومعاناة الشعب الفلسطيني والعراقي
- الإسلام و التعبير عن الاصطفاف الطبقي
- القيادة الفردية للنقابة و مخاطر التبقرط
- اليسار – الديمقراطية – العلمانية أو التلازم المستحيل في العا ...
- في أفق تجاوز التعدد النقابي :
- عندما يتحول الظلام إلى وسيلة لتعبئة العمال نحو المجهول ...! ...
- حول الإسلام والسياسة .....وأشياء أخرى ......
- الإسلام / النقابة ... و تكريس المغالطة
- الاجتهاد ... الديمقراطية ... أية علاقة ؟
- الإسلام و دموية المسلمين
- الهوية و العولمة
- النقابة الوطنية للتعليم أي واقع … ؟ و أية آفاق … ؟
- نقطة نظام: العمل النقابي المبدئي الممارسة الانتهازية ...أية ...
- التربية النقابية والتربية الحزبية أو التناقض الذي يولد الضعف ...
- تخريب النقابة … تخريب السياسة … أية علاقة


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - الوصاية على الدين الإسلامي و احتكار الحقيقة ...