|
عظام فخذ بطول عود الثقاب !
علاء الزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1000 - 2004 / 10 / 28 - 09:36
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
مقبرة جماعية كبيرة ، يبدو العراق ، وحفار القبور ، يبدو ، واعداً بالمزيد . مادام قد ضمن الفصل الثاني من المسرحية ، فسيكون المؤلف والمخرج والممثل في آنٍ معاً . هو البعث ، الذي تتهدم الدنيا ولا يتهدم ، كما كان يجأر هتافوه و سوقته ! وادي الموت يتقيأ حقيقة صدام الوحشية . هو وادٍ مغبر قرب بلدة " الحَضَر " الأثرية الواقعة على مقربة من الموصل شمالي العراق ، يجمع المحققون فيه اللحظات الرهيبة الأخيرة في حياة مجتمعات كاملة تم قتلها صبراً بأمر صدام المجرم . ففي أواخر عام 1987 ، وفي ذروة عمليات " الأنفال " طوّقت قوات النظام البعثي المنهار مئات المواطنين الأكراد ، في القرى الواقعة حوالي بحيرة دوكان ، واقتادتهم جنوباً نحو وادٍ صحراوي يبعد بضعة كيلومترات عن بلدة الحضر الأثرية . النساء المغدورات كن يتصورن أنهن ذاهبات إلى سفرة أو " بـِك نِك " . ربما أوحى لهن البعثيون السفلة بذلك . فقد بدا أنهن لم يكن يتوقعن مصيرهن المحتمل . إذ جلبن معهن أدوات الطبخ وملابس إضافية ، وكن يتهيأن لسفرة طويلة . وعوضا عن ذلك ، فكل ما كان ينتظرهن هو الموت . كانت مجموعة من الأخاديد والخنادق قد حُفرت مقدّماً في عمق الوادي لـ " استضافة " القادمين والقادمات . تقول " جسيكا مونديرو " وهي واحدة من الخبراء الأميركيين الذين يفحصون الرفات : لقد وجدنا الكثير من الأشياء في الملابس المتبقية . الكثير من ملابس الأطفال ، الأدوية ، الخرز ، السبح ، محافظ النقود النسائية ( الجزادين ) والتمائم وأشياء ليس لها حصر . كانوا يعصبون عيون النساء ، ثم يعدموهن بانتظام ، في صفوف ، تماماً كمجزرة قزانية وجصان التي راح ضحيتها أكثر من خمسين شهيداً من متطوعي الحرس الوطني قبل أيام . ينهمر الرصاص على رؤوس المغدورات وأطفالهن الرضع ، ثم تلقي البلدوزرات الأجساد في الحفر . تقول جسيكا لصحيفة ديلي تلغراف اللندنية : " وجدت جثة إحدى النساء وهي تتشبّث بطفلها الرضيع ، الذي أُطلقت رصاصة على رأسه الصغير من الخلف ، أما هي فقد أُطلقت رصاصة أخرى على جبهتها . أتصدقون ؟ وجدت يد الأم المقطوعة في بطانية الطفل . " تضيف : " وجدت عظام أجنة أيضا بين الجثث . " يشاركها عالم الأجناس البشرية الأميركي " بي . ولي " الحديث الحزين : أصغر جنين وجدنا رفاته ، كان عمره يتراوح بين 18 و 20 أسبوعا . لو استطعت لأريتكم تلك العظام الرقيقة . عظام فخذ بطول عود ثقاب . " يعتقد المحققون أن البعثيين الجناة جاؤوا بالرجال إلى ميدان المذبحة في يوم مختلف . وربطوهم إلى بعضهم بعضا – نصفهم أيديهم إلى الأمام والنصف الآخر أيديهم إلى الخلف – ربما جاء باصان مختلفان - يقول المحامي والخبير في جرائم الحرب جريج كهو – ثم فتح جلاوزة صدام المجرم النار عليهم . كانت ملابس الرجال عبارة عن سراويل كردية فضفاضة تقليدية وقد مزقت إلى قطع بسبب الرصاص المنهمر كالمطر . ما زالت جثث الرجال متراكمة فوق بعضها ، في زاوية من عمق الوادي . وتتوفر للمحققين هؤلاء خبرة طويلة في التعامل مع المقابر الجماعية . فقد سبق لهم التحقيق في مجازر الصرب في البوسنة في مطلع التسعينات ، لكن الفرق يكمن في الغالب ، في أن الضحايا في البوسنة هم رجال ، وفي سن القتال ، وليسوا نساءً وأطفالاً . يقول السيد كهو : إنك ترى جنوداً هناك ، لكنني لم أرَ مطلقا ، لا في البوسنة ولا في غيرها ، جثمان طفل بعمر سنتين ، وقد أُطلق الرصاص على رأسه من الخلف . يحاول السيد كهو أن يرسم صورة ما لما حدث . وبين الفينة والفينة ، يفغر فاه متعجبا . ولو كان عراقيا لما تعجب ، فالحدث حي أمام العراقيين ، حتى في أيامنا هذه ، التي يقال فيها أن نظام البعث صار سابقاً ، فيما مخبروه و رجال أمنه و مخابراته وجلادوه يعملون " فول تايم " في الحكومة المؤقتة ( نكتة موسم ؟ ) . عندما بدأ إطلاق النار ، بدأ الناس بالإجفال والحركة ، ولهذا ، ترى أناساً هنا ، وآخرين هناك ، وفي مسار غريب . كان الناس يتراكضون ويختبئون ويحاولون الاحتماء بأي ساتر . و مازالت أغلفة الرصاص المطلق تملأ المكان . كيف لم يندثر بعض الجثث ولم تتفرق عظامه ؟ يقول الأركيولوجيون ( الآثاريون ) في فريق التحقيقات العلمي الدولي ، الذي يعمل في خدمة المحكمة العراقية الخاصة بمحاكمة المجرم صدام ورهطه ، ويحاول توفير الأدلة والقرائن اللازمة لعملها ، إن موقع المقبرة موجود في عمق الوادي ، ما يعني أن الفيضانات والمياه التي تملأه شتاءً هي التي صانت الجثث جزئيا . بحيث أن المكان برمته مازال يعبق برائحة الموت ، وكأن المذبحة حصلت الآن . لنقترب من التفاصيل أكثر . لنلخصها . لنشهرها في وجوه من أوقفوا مسيرة اجتثاث البعث السافل ، ثم استوعبوا البعثيين الجناة ، وأطلقوهم ككلاب مسعورة ، لينهشوا لحم العراقيين ، من جديد : ( 150 ) جثة متراكمة فوق بعضها البعض . ملابسها لم تبلَ بعد . الجثث لرجال . تبدو أجساد النساء والأطفال قد تردت إلى الأسفل نحو وادٍ سحيق ، هو عبارة عن حوض نهر جاف . حوالي ( 300 ) امرأة وطفل من الأكراد ، كانوا يلبسون الملابس التقليدية الزاهية الألوان التي يشتهر بها حوض بحيرة دوكان ، قتلوا بإطلاق النار من المسدسات على رؤوسهم ، ثم دفنوا بالبلدوزرات في أخدود بعرض طريق ريفي ضيق . بعد ستة عشر عاما ، رفعت الطبقة العليا من التراب ، وكانت المقبرة تبدو طازجة بشكل رهيب . لم يفعل الزمن إلا القليل لإزالة رائحة تحلل الجثث . الفيضانات الموسمية القادمة من الوادي تغطي الأجساد ، في عمق هذه المقبرة الجماعية ، وقد حافظت ، في الأقل ، على عدد منها ، حتى وصل الفريق القضائي الأميركي ، وبدأ بنقل الأجساد في الأول من أيلول ( سبتمبر ) الماضي . الـ ( 150 ) جثة المنعزلة بقيت في مقبرتها ، ووضعت لها علامة ( ليبل ) الخندق رقم ( 2 ) . هكذا أسماها المحققون . بقيت الجثث متراكمة ، ولم تبل لا الملابس و لا عصابات العيون إلا بالكاد . ملابس إرجوانية اللون لإحدى النساء ، عصفت بها الرياح إلى أسفل المقبرة . مازالت عصابة الرأس الملفوفة بقوة حول جمجمتها كما هي ، كأن بعثيا جبانا أُعيد إلى وظيفته في حكومة علاوي ، قد لفـّها حول رأس الضحية الآن . كان ثمة هيكل عظمي لولد صغير ، ما زال يمسك بكرته البلاستيكية الرخيصة ، المخططة بالأبيض والأحمر . كانت ثمة أباريق شاي واستكانات وجزادين وطاوات ( مقالٍ ) لا عدّ لها …
#علاء_الزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طالبان في الشطرة
-
الرجاء عدم التعرض للإخوة الإرهابيين !
-
مات صدام غدا !
-
دكتور إياد .. كيف تسمعني أجب !
-
العراقي .. منفعل ..عصبي .. هائج
-
البوابة الشرقية - بلا حارس أجير
-
هل هي خاتمة أحزان العراقيين ؟
-
ماذا جرى في المجر الكبير ؟ -- التليفزيون البريطاني .. شاهد
...
-
حزب البعث العربي الإسراطيني !
-
قد لا يعالج السرطان بالدعاء دائما
-
التلازم اللاشعوري بين الجلبي وقص الاذن !
-
من عشقته .. قتلته ؛ القصة الكاملة
-
حكاية تبعث على القشعريرة
-
صدى السنين - 3
-
هل يفعلها الجلبي ؟
-
العراقيات لا يردن حريتهن !
-
صدى السنين – 2 قصرت العقول بمقدار طول اللحى !
-
ألف مبروك انتصرنا !
-
هنيئا لنا هذا الفتح المبين ومريئا…
-
مصداقية - أبو ظبي- و شاكر حامد ؛ شهادة دامغة !
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|