حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 19:36
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
عندما تعطل الدول الدوام في الأول من شهر أيار من كل عام, فان هذا القرار لم يكن منة من الدول, بل انتزعه العمال انتزاعا عندما خرجوا في تظاهرات في مثل هذا اليوم في معظم عواصم أوروبا عام 1890. وبعده صار هذا اليوم عطلة رسمية
وللتذكير فان فكرة يوم العمال بدأت عندما تنبه المهتمين بالشأن الإنساني , أثناء عصر النهضة الصناعية الأولى في أوروبا إلى ما يجري للعمال وما يتعرضون له من اضطهاد وغمط لحقوقهم المادية والنفسية , ورفعوا لواء الدفاع عن العمال , ومطالبة الحكومات بتحسين أحوالهم , وتامين متطلبات عيشهم الكريم .
انطلقت فكرة الدفاع عن العمال في النظام الرأسمالي الذي اعتبر العمال بمثابة العبيد,
ولا ننسى كيف نقل الرأسماليون الأوروبيون العمال الأفارقة بالبواخر من إفريقيا إلى الولايات المتحدة, وكيف كانوا يرمون المرضى منهم في البحر بدل علاجهم.
ومن اجل المطالبة بحقوق العمال تشكلت " منظمة فرسان العمل " عام 1869 كأول تنظيم نقابي يسعى لتحسين أجور العمال وتخفيض ساعات العمل. وتطور العمل النقابي من منظمة إلى اتحاد للعمل في أمريكا عام 1886 تبنى الدعوة لاعتبار الأول من أيار من كل عام يوما للعمال ,وفي ذاك العام شهدت المدن الأمريكية مظاهرات عمالية شارك فيها قرابة نصف مليون عامل , وكان مطلبهم الأول تحديد ساعات العمل ب 8 ساعات في اليوم فقط .
شهدت تلك الظاهرات أعمال بلطجة من أرباب العمل الرأسماليين فقتلوا احد العمال , وتدخلت الشرطة واشتبكت مع العمال وقتل عدد من العمال ومن الشرطة , مما أدى إلى محاكمة عدد من العمال وإعدام أربعة منهم .ومنذ ذاك اليوم انطلقت ما يعرف ب " الأممية الاشتراكية الثانية " 1889 .
إن اضطهاد العمال هو اضطهاد لإنسانية الإنسان , وان دل على شئ فإنما يدل على ان الرأسمالية تفتقد للحس الإنساني , لأنها تبتعد عن القيم الأخلاقية , وعن رسالات السماء . وإذا عدنا إلى مبادئ الإسلام نجد أن الإسلام اعتبر العمل قيمة عليا , كما اعتبره نوع من العبادات وقرنه بالإيمان , كما أن العمل يصل في قيمته الجهاد , وله شرف المرابطين , كما انه يكفر الذنوب , ويطهر النفس من الآثام . وقد وردت آيات كثيرة في القران الكريم تحض على أهمية العمل والجزاء الكبير الذي يناله العامل لقوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم اله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) / الكهف ـ 110 / . وقول الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) " من بات كالا من عمله, بات مغفورا له " .
كما كفل الإسلام حقوق العامل فقد طالبه بان يتقن عمله الموكل إليه , وعد الإسلام العمل أمانة في عنق العامل لقوله تعالى ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) / المعا رج ـ 32 / . ووعد الله العاملين المبدعين المجدين بالجزاء الحسن لقوله ( ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) / يس ـ 35 / .
في ضؤ ما تقدم كيف هي أحوال العمال العرب ؟ وخاصة في الأردن ؟ . وهل يشعر العمال بقدر من الكرامة الإنسانية حالهم حال الموظفين في الوزارات والمؤسسات ؟
نعرف في بلادنا أن للموظف مكانة متميزة في السلم الاجتماعي, في حين أن للعامل مكانة أدنى في هذا السلم لماذا ؟ . نعرف أن الموظف والجندي في القوات المسلحة له امتيازات مادية ومعنوية تؤهله أن يأخذ تلك المكانة الاجتماعية , في حين أن العامل لا يتحصل على مثل تلك الامتيازات , الأمر الذي يجعله في المراتب الأخيرة في السلم الاجتماعي . وصار معروفا أن الفتاة لا ترغب في الزواج من عامل بل تقدم عليه موظف أو جندي , نظرا لما يتمتع به الأخير من امتيازات مادية ومعنوية .
وهنا اطرح السؤال الأتي: لماذا لا تعتبر الحكومات العمال في الوزارات والمؤسسات الرسمية موظفين ؟ حتى لا يتكرر ما حصل لعمال المياومة في وزارة الزراعة قبل عام في الأردن ؟ .
نظرة على أوضاع العمال في الأردن نجد أنها صعبة , وحسب تقرير المرصد العمالي لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش الألمانية , فان العمال في الأردن يعيشون ظروفا صعبة . وقد زادت الأزمة الاقتصادية العالمية من اثأرها السلبية على العمال الأردنيين ,الذين يشكلون الحلقة الأضعف في المجتمع .
ورغم أن الحكومة قد سنت تشريعات خاصة بالعمال إلا أن العمال من المقيمين والوافدين مازالوا يعيشون ويعانون من ضعف بعض المواد التشريعية, وقد تجاوز أرباب العمل الحقوق المنصوص عليها في التشريعات. وعلى ارض الواقع نجد أن أجور العمال تتراوح ما بين 150 ـ 300 دينار , وقد كان الحد الأدنى للأجور قبل سنوات لا يتجاوز 75 دينار , حتى في المدن الصناعية مثل مدينة الحسن الصناعية في اربد , رغم أن المؤسسات فيها تتبع شركات أجنبية , وهذا تقصير من قبل الحكومات المتعاقبة , إذ لم تجهد نفسها لتحصيل حقوق العمال الأردنيين .
الأمر الأكثر إيلاما هو أن معظم العمال غير مؤمنين في دائرة الضمان الاجتماعي, وغير مؤمنين صحيا, رغم وجود تشريعات تنص على ذلك. وقد وعدت الحكومة قبل عامين بشمول كل الأردنيين بالتامين الصحي , نحت ما سمي ( مظلة الأمان الاجتماعي ) , ولكن الضائقة الاقتصادية حالت دون تنفيذ هذه الخطة , وما زال عدد كبير من الأردنيين بدون تامين صحي , ويرضخون لابتزاز المؤسسات الصحية الخاصة .
ومن الظروف الصعبة التي يعيشها العمال هي تجاوز ساعات العمل المحددة ب 8 ساعات , كما أن بعضهم يعمل في ظروف عمل صعبة , يغيب فيها الاستقرار الوظيفي , حيث يظل العامل مهددا بالطرد في أية ساعة يريدها رب العمل , وبالذات عمال المياومة كما حصل مع عمال الزراعة من قبل .
ومن بين الظروف المؤلمة تشغيل الأطفال, حيث وصل أعدادهم قرابة 33 ألف طفل, و50 ألف طفل حسب تقارير أخرى, معظمهم يعملون في القطاعات غير الرسمية مثل ورش الميكانيكا والنجارة والبناء, كما أنهم يعملون ساعات طويلة وبأجور منخفضة, وبدون رعاية صحية. أما المعوقون ففرصهم محدودة في سوق العمل, وتقل نسبتهم في القطاع الخاص عن نصف بالمائة.
أما العمالة الوافدة فيعملون بأجور متدنية ولساعات طويلة, ومعظمهم يعملون بدون رخص عمل قانونية, ولذلك يتعرضون للمسائلة القانونية من قبل الدولة.
رغم كل التشريعات مازال العمال بحاجة إلى تنظيم نقابي يدافع عن حقوقهم, سواء كانوا في القطاع الخاص أو الحكومي.
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟