أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد منه...















المزيد.....

العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد منه...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 14:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا يبدو مرجحا أن يتمكن النظام من تحطيم حركة الاحتجاج الشعبي التي تواجهه منذ ست أسابيع. لهذا التقدير مسوغات. أولها أن النظام لا يملك قضية إيجابية يقترحها على قطاعات متوسعة من السوريين. "الإصلاحات" ليست شيئا تجاوزه الوقت والتضحيات فقط، بل هي إجراءات شكلية تقف دون الاعتراف بالسوريين كشعب ومواطنين. معلوم أن أيا من تلك الإصلاحات المزعومة لا يمس بنية ونمط ممارسة السلطة، وبخاصة سلطان الأجهزة الأمنية وحزبية الدولة والحكم الأبدي واحتكار الإعلام والاتصال. إلغاء حالة الطوارئ لا محصلة له أن لم يطل هذه الهياكل. معلوم أيضا أن عدد من قتلوا من السوريين بعد إقرارها أكبر مما قتلوا قبل ذلك.
وفي المقام الثاني اعتبار يتعلق بالكلفة. لا يحتاج السوريون إلى من يقول لهم إن من شأن كلفة احتجاجاتهم أن تكون عالية، لكنهم يدركون أكثر أن من شأن توقفها الآن أن يكون أعلى كلفة بكثير. وليس هناك ما يدعوهم للثقة بأنه لن يجري سحق من تجاسروا على الاحتجاج، ولن يكون ثمة انتقام رهيب، فردي وجماعي، ممن "كفروا" بهذا "المقدس السياسي" المفروض منذ عقود.
لكن التحليل "العقلاني" الذي يتوقف هنا يغفل الشيء الأساسي في الانتفاضة: الروح الجديدة، الفتية، الإيجابية التي تحرك المشاركين فيها. فعبر الانخراط في أنشطتها، من الخروج الجماعي إلى الشوارع في مواجهة الخوف، والموت ذاته، إلى أشكال متنوعة من التضامن الحي بين جمهور المحتجين، إلى إبداعات فنية وإعلامية على هامش الانتفاضة، تبدو الانتفاضة فاعلية محررة، يبني كثير من الشابات والشبان عبرها هوية جديدة مفتوحة وذاتية جديدة حرة. وتتاح لهم فيها خبرات إنسانية رفيعة، ما كانت لتتاح لولا هذه التجربة التي تمتزج فيها الشجاعة بالغيرية بالخطر. ليست الحرية هدفا خارجيا للانتفاضة بقدر ما هي روحها المحركة. فمن خلال الانفلات من الإيقاع الرتيب للحياة اليومية، والخروج من أسر العادة، وتحدي الخوف، يمارس كثير من الشباب السوري الحرية كفعل حي لا كعنوان لوضع مرغوب فقط. وعبر الذهاب إلى مناطق جديدة في البلد تشهد احتجاجات نشطة، وعبر التعرف على أناس آخرين ومشاركتهم، يكتشف سوريون متزايدون أنفسهم وغيرهم وبلدهم. هذه تجارب مُكوِّنة ثمينة، لم يتح ما يدانيها على هذا النطاق الوطني العام منذ زمن الاستقلال.
بالمقابل، إن ما يجعل النظام السوري واحدا من أكثر النظام استبداد في العالم ليس انفراده المطلق بالسلطة والإعلام، ولا قسوته النادرة في معاملة محكوميه، بل ما يتضمنه ذلك من التضييق على أية تجارب جديدة، ومن تقييد الانتظامات المستقلة للسوريين وتفاعلاتهم الحرة، ومن تطلع إلى الرقابة المطلقة بحيث يكون النظام مطلعا على أفئدة السكان، ومرجعية حصرية لكل تواصل فيما بينهم. ليس الاستبداد في سورية مجرد نظام سياسي ثقيل الوطأة، وإنما هو كذلك حياة يومية خالية من الشجاعة والخيال والكرم. ومن العفوية والمبادرة.
وضد وجهيه معا تثور أعداد متزايدة من السوريين. وربما يغلب الوجه الثاني، المتصل بحياة أكثر غنى وحرية، عند المحتجين الشباب مما عند الكهول والمعارضين التقليديين. وهذا بالذات ما يجعل الانتفاضة في سورية شريكة لثورتي مصر وتونس في حساسية أكثر تحررا وتفتحا على الحياة مما يفترض أنه يميز المزاج الإسلامي العام، ومن باب أولى التكوين المعتاد للإسلاميين. هناك الكثير مما يتعين مراجعته وإعادة النظر فيه في هذا الشأن، لكن لا يبدو لنا تناقضا عميقا وصف الانتفاضات والثورات الجارية بأنها تحيل إلى ضرب من دنيوية إسلامية ومن فردانية إسلامية (لا تقتصر عليها بحال) تجمع بين الليبرالية السياسية والمحافظة الاجتماعية. ولا يتمايز هذا التكوين عن دنيوية استبدادية جمعت بين التسلطية السياسية وبين حداثية شكلية وجمعوية شبه فاشية، وإنما يتمايز كذلك عن الإسلامية السياسية كما عرفناها خلال العقود الثلاثة الأخيرة. في تكوينها العام لا تزال هذه أقرب إلى الأنظمة التي تخاصمها سياسيا مما هي إلى الحساسية الجديدة للثورات العربية. وهذه حساسية مدنية ووطنية وليبرالية، منفتحة على المطالب الاجتماعية والسياسية لجمهور متنوع من الطبقة الوسطى وشرائحها الفقيرة.
ولا يبعد أن تكون التناقضات المتصلة بظهور وتطور هذه الحساسية وقاعدتها الاجتماعية أحد محركات الحياة الاجتماعية والثقافية، والسياسية، في سورية ما بعد البعثية، على نحو ما يبدو أنه الحال اليوم في مصر. هذا أفق يتعذر استكشافه اليوم، لكن الأكيد أن هياكل السلطة الراهنة، المغلقة سياسيا والعقيمة ثقافيا وأخلاقيا، تحول دون تحرر هذه التناقضات. تُحوِّلها، بالمقابل، إلى تناقض آخر بين "أمتين"، "أمة الحداثة" التي تجد سندها في "النظام"، وأمة اجتماعية مبعثرة لا سند لها، يرتكز بعض طيفها إلى "الإسلام". لا مجال للتوسع هنا في هذه القضية، لكن تغذية هذا التناقض كان مصدرا لتثبيت البنى الاستبدادية وإعادة إنتاج مستمرة للتفكك الوطني.
وما يظهر اليوم بجلاء هو أنه يتعذر نسبة أي معنى تقدمي لهذا التناقض "الثقافي" الذي له نظائر في أكثر الدول العربية. ليس الأمر أنه لا ينفتح على اندماج أوسع، ولا على درجة أكبر من المساواة والحرية للسكان، بل يبدو بمثابة نفق كلما طالت الإقامة فيه ازداد الخروج منه تعذرا. قد يمكن وصفه بالتناقض الجامد أو التجميدي، وربطه بـ"ثقفنة" الصراعات الاجتماعية والسياسية وتطييفها. وهذا مقابل تناقضات متحركة، أوثق ارتباطا بالقضايا الاجتماعية والسياسية العامة، هي التي تحرك الانتفاضة السورية اليوم، وهي التي يعول عليها من أجل وطنية سورية جديدة تتجاوز الحكم السلالي والمِللية المحدثة.
والحال أن المعنى الذي يمكن نسبته إلى التغيير السياسي المنشود في سورية ليس الحيلولة دون ظهور التناقضات المتصلة بتكوين البلاد الاجتماعي والثقافي والجغرافي السياسي، بل بالعكس، تحريرها والخروج من منطق "الأمتين" العقيم والموافق لديمومة الاستبداد. المسألة ليست أن يتغير هذا النظام، بل أن تطور البلاد نظاما للتغيير، يُمكِّنُها من السيطرة على تناقضات وفيرة متصلة بتكوينها التاريخي وبنيتها الاجتماعية ووضعها الجيوسياسي. تغيير النظام مدخل إلى تطوير آليات ومؤسسات تتيح مواجهة مشكلات طال أوان تجميدها، ومن غير المحتمل أن تجري مواجهتها دون مصاعب كبيرة. أمام البلاد أوقات شاقة في كل حال. لكنها ستكون أشد مشقة كلما طال الأمد بالأوضاع الراهنة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بعض أصول الأزمة الوطنية السورية الراهنة
- الديمقراطية أو البريرية؟ لا بديل آخر
- حوار: اللي يجرب المجرب...!
- سجين دمشق
- الانتفاضة الشعبية وإعادة بناء النظام السياسي في سورية
- أزمة وطنية يمكنها أن تكون فرصة تجدد وطني
- حوار عن سورية
- من السلطة الشخصية الدائمة إلى الجمهوريات الجديدة
- قٌضايا الإصلاح الوطني في سورية، ورقة نقاش
- -لاستقلال الثالث- وأفق الثورة الثقافية
- من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الديمقراطية
- قضايا في شأن تونس الجديدة
- فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!
- الخطة الشعبية المجرّبة لإسقاط الأنظمة المتجبرة
- في شأن الثورات العربية والاحتمالات السورية
- العرب، الرابطة العربية، القومية العربية: نظرة جديدة في أوضاع ...
- مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!
- غياب -الأجندات- ليس فضيلة ثورية
- أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا!
- مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد منه...