أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - برهان غليون - القوة وحدها لا تكفي لبناء المجتمعات















المزيد.....

القوة وحدها لا تكفي لبناء المجتمعات


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 222 - 2002 / 8 / 17 - 05:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 

 

أخبار الشرق - 16 آب 2002

بالرغم من الضغوط الكبيرة والمتواصلة لرجال الفكر والإعلام والسياسة على السلطات العربية في سبيل الخروج من نظام الأحادية الفكرية والسياسية وإلغاء سياسات تعقيم المجتمعات وتعليبها لا يزال النقاش في المسائل العامة والحديث عن المشاركة السياسية محرمين في بلداننا ليس بين عموم الناس وفيما بينهم فحسب ولكن أكثر من ذلك بين السلطة والفئة الحاكمة وبين المجتمع ذاته بل داخل دوائر السلطة نفسها وبين مؤسساتها المختلفة والمتعددة.

ويظهر لنا هذا التحريم الأسباب العميقة للأزمة الفكرية والسياسية التي نعيشها جميعا في العالم العربي, يساريين ويمينيين, سلطويين ومعارضين, أفرادا ومنظمات معاً. ذلك أن إلغاء أي فرصة للنقاش الوطني الواسع والحر في كل القضايا المتعلقة بمستقبل البلاد والمجتمعات، وفرض الصمت على الجميع ومنع التداول في المعلومات, لا يمكن أن يقود الى شيء آخر سوى تعميم ثقافة الإذعان ونفسية التسليم بالامر الواقع ومنطق الاتكال وروح الاستقالة وعدم الانتماء. ولا يمكن لمثل هذا المنطق ولا لتلك النفسية أن يساعدا في تطوير قدرة المجتمع, لا على مستوى الأطر ولا على مستوى الشعب العادي, على بلورة إجابات جديدة وناجعة ومبدعة للمشاكل والتحديات الكبيرة والعديدة التي نواجهها في العالم العربي مثل جميع البلدان الفقيرة والغنية على حد سواء.

ليس من المكن في هذه الحالة أن نخرج من الجمود ونتفق على نوعية السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتقنية, بل على أمور أبسط بكثير من هذا مثل تقييم السياسات الاقتصادية اليومية والبحث الموضوعي في نتائجها وجدواها وتبيان فيما إذا كانت تستجيب للحد الأدنى فقط من العقلانية وخدمة مصالح غالبية السكان، أم أنها مصاغة فقط لتلبية مصالح مستثمرين أجانب أو بعض المستثمرين المحليين الذين نجحوا خلال الخمسين سنة الأخيرة في تجميع ثروات هائلة عن طريق استغلال النفوذ والسطو على أموال الدولة. وليس من الممكن في هذه الحالة أيضاً التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد حول طبيعة النظام السياسي الذي يريد العرب أن يتعايشوا فيه أو من خلاله ويقبلون بمحض إرادتهم الخضوع لقوانينه وقواعد عمله. ويصح القول ذاته كذلك في النظم المجتمعية الأخرى الأساسية مثل النظام القضائي والقانوني والتربوي وغير ذلك من نظم وقواعد عمل سادت في الماضي وظهر فسادها لكن لا يمكن للناس التفكير في استبدالها ولا في النقاش في بدائل سليمة لها.

من المؤكد أنه في غياب المناقشة والمناظرة الوطنية الموضوعية والمفتوحة أمام الجميع والتي تشكل وحدها ضمانة كي تكون الحلول البديلة المقترحة معبرة ولو جزئياً عن مصالح الجميع أو على الأقل ليست مدمرة لها لا يبقى هناك مخرج آخر سوى تسليم الأمر كما هو قائم الآن للبيروقراطية الأمنية والعسكرية والإدارية تقرر فيه حسب رؤيتها الخاصة ومصالحها وحاجات استمرارها في السيطرة على مقدرات البلاد ومواردها الكلية من دون مساءلة ولا ضابط قانوني أو سياسي أو أخلاقي. وطالما امتنعت السياسة كفعل تفكير حر واختيار شخصي للأفراد وممارسة للضغوط السلمية المتبادلة داخل المجتمع الواحد فمن الطبيعي أن تستقر الأمور في يد فئة قليلة حاكمة ومن الطبيعي كذلك أن تنزع هذه الفئة إلى استخدام القوة المجردة وحدها لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي.

والنظم التي لا تستند إلى أي خيار شعبي حر ولا تقبل بأي مساءلة سياسية يومية ولا تسمح بأي احتمال تناوب على السلطة تتحول بالضرورة إلى نظم قوة أي قائمة على القوة المحضة. ونظم السيطرة بالقوة لا بالإقناع ولا بالتداول ولا بالتآلفات والتسويات السياسية ولا بالتفاهمات الفكرية هي تلك التي لا تعرف في تعاملها مع البشر سوى لغة العنف والقوة سواء أكانت قوة القهر أو قوة الضغط والابتزاز. وهي تحول المجتمعات لا محالة إلى قطيع أو تفرض عليها التصرف مثل القطيع, لا يُسأل رأيه، وما عليه إلا أن يطيع وينصاع. فالسلطة أو القائمين عليها يتصورون أنفسهم رعاة، والراعي هو الذي يقرر وحده مصلحة قطيعه ولا يسأل خرافه عن رأيهم ولا رغباتهم. وهو الذي يقرر كذلك ما يفعله بالقطيع، أيأخذه إلى المرعى أم يهبط به إلى المسلخ. والخروف أو الثور الذي يبتعد قليلاً عن القطيع أو يبدو أنه يخرج عنه ليس له دواء سوى الضرب أو النهر.

إن الذي يبين الفرق بين نظام القطيع ونظام المجتمع البشري هو أن الأول يحكم من خارجه ومن نوع غير نوعه, فهو نظام قائم على قوة السيطرة المادية سواء عبرت عنها الغريزة الفطرية ام جسدتها عصا الراعي الغليظة لا فرق. أما الثاني فهو يقوم على آليات التفاعل والحوار والتفاوض بين أفراد يحكم فكرهم وعملهم الوعي والضمير والمبادئ والقوانين والمصالح المدركة والمشروعة. لكن من المستحيل, إلا بتحويل البشر الى حيوانات لا وعي ولا ضمير ولا مبادئ تنظم تفكيرها وممارستها من الداخل, بناء نظام بشري منتج بالقوة المجردة وحدها أو من خلال السيطرة بالقوة. وإن أي نظام كي ينال شيئا من الصدقية والقبول وبالتالي حتى يوفر الحد الادنى من شروط العمل المنتج والتفكير العقلاني والضمير الاخلاقي والذوق الفني لا بد له ان يقوم على مبادئ وقيم وأهداف وغايات انسانية, أي مقبولة بالوعي وذات معنى وقيمة للانسان.

تشكل القوة عنصرا مهما في تثبيت النظام من دون شك لكنها ليست الجوهر الذي يؤسس النظام أو يمكنه من البقاء. إن هدفها هو التدخل في الحالات الاستثنائية التي يعجز فيها بعض الأفراد عن استبطان القيم الاجتماعية والامتثال لقواعد الأخلاق والحق والقانون والعرف المجمع عليها ويضعون مصالحهم فوق أي مصالح اجتماعية ويجعلون من إرادتهم بديلا عن الإرادة الجمعية أو أعلى منها. فهي وسيلة مكملة لمبادئ الحق والقانون والأخلاق ولا قيمة لها من دونها ولا يمكن أن تكون بديلا عنها. والذي مكن العرب في الماضي من أن يقيموا خلافة أو سلطنة عظيمة وأن يصبحوا أمة وثقافة عالمية كما هم اليوم ليست قوة القبائل البدوية التي اعتمدت عليها الفتوح ولا وحشيتها وتوحشها وإنما الرسالة التي استندت إليها القوة في البداية ثم أصبحت هي المصدر الرئيسي للحمة الاجتماعية بقدر ما خلقت الولاء والانتماء لقيم ومبادئ وتقاليد, أعني رسالة الإسلام والدين نفسه من حيث هو رسالة, وبقدر ما ترجم وفسر كرسالة انسانية ولصالح الانسان.

إن الذي يميز بين المجتمع القديم والمجتمع الحديث داخل الاجتماع الانساني التاريخي الواسع هو أن المجتمع الحديث يحث على مشاركة جميع الناس بكل القرارات التي تتعلق بحياتهم وطبيعتها، بل يجعل من هذه المشاركة الواعية والمعبر عنها بصورة عملية وطقوسية أساس التفاهم والتلاحم والتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع ومن دونها ليس للمجتمع أي شرعية قانونية أو مشروعية أخلاقية. أما نظام المجتمع القديم فقد كان يستمد قوته من قدرة العقيدة التي يمثلها على خلق الإذعان والخضوع لقرار شخص يمكّنه موقعه الديني أو الارستقراطي أو العسكري أو الإداري من إضفاء الشرعية على إلغاء رأي وإرادة الناس ومصادرة الحق بالقرار والاستفراد بالسلطة.

لا يمكن إخراج الأوضاع العربية مما هي عليه من تقهقر وانهيار من دون مراجعة أساليب الحكم الراهنة واحترام السلطة القائمة لارادة الناس ورغباتهم وتشجيعهم على الاجتهاد في التفكير والمشاركة في المسؤولية والانخراط الطوعي في النشاطات السياسية التي لا تعني شيئا آخر في مجتمعات اليوم سوى تنمية التزام جميع الأفراد بالمصالح العمومية وحرصهم عليها في مواجهة تقديس المصالح الفردية والجزئية العائلية أو العشائرية أو الجهوية. وليس هناك حوار ومسئولية وطنيين من دون الاعتراف بحقوق الأفراد وبحقهم في المساهمة في صنع القرار الذي يتعلق بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. وليس هناك أحد اليوم في المجتمعات الحديثة يقبل بأن يترك امر تقرير مصيره ومستقبله بيد غيره, بما في ذلك الابناء داخل الأسرة الواحدة الصغيرة.

إن أطفال اليوم يرفضون أن يختار لهم آباؤهم الملابس أو الأحذية التي يلبسونها، ويُراد لمئات ملايين الناس العاقلين والراشدين أن يقبلوا بتسليم امر اختيار نظام الحكم والادارة واستخدام الموارد العامة والقانون والموت والحياة لفئة صغيرة من البيروقراطيين العسكريين أو المدنيين الذين أسكرتهم ولا يمكن الا أن تسكرهم شهوة الحكم والسلطة المطلقة التي يملكونها والموارد الهائلة التي يتصرفون بها من دون رقيب ولا حسيب وتجعل منهم كواسر ضارية بالنسبة للمجتمع ولموارده العامة معا.

لا تعني المشاركة بالطبع أن يتحول جميع الافراد الى مسئولين أو وزراء. كما لا تعني أن يكون الجميع خطباء ورجال سياسة وفكر. وإنما تعني أن لجميع الأفراد, لمجرد كونهم مواطنين, حقوقا متساوية. والحق في الكلام وفي المشاركة هو الذي يضمن للمواطن, عندما يشعر ان مصالحه مهددة, بالتدخل واستخدام الوسائل التي يقدمها له النظام العام للدفاع عن حقوقه ومصالحه وفي مقدمها حريته وكرامته الشخصية.

إن الإقرار بحق الجميع في المشاركة والكلام والتعبير يعني أن لديهم الضمانات حتى لا يتحولوا الى مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو تُزال عنهم صفة المواطنية كما حصل في العديد من الحالات. وتأكيد هذه الضمانات يتطلب أيضاً إيجاد وسائل التعبير الحر من فرص وأمكنة ومواقع ووسائل تقنية ومراكز متاحة للجميع ومفتوحة أمام جميع الآراء وليست حكراً على رأي واحد. فلم يعد في العالم كله اليوم دولة خارج العالم العربي, بما في ذلك الدولة العنصرية الرسمية الوحيدة المتبقية في العالم وهي إسرائيل تحرم مواطنيها - بل من تستعمرهم أيضاً - من التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومواقفهم في صحافة حرة وتعددية ومفتوحة. ولم تعد هناك دولة واحدة خارج العالم العربي, لا في أفريقيا ولا في آسيا, تعامل مثقفيها على أنهم قاصرون وتعاقبهم بأحكام قاسية ولا إنسانية لمجرد تعبيرهم عن آرائهم وإفصاحهم عنها في جلسات عمومية.

وليس هناك خارج العالم العربي نظام سياسي واحد يتصرف على أساس أن الحزب الحاكم له وحده الحق في احتكار وسائل الاعلام العامة من إذاعة وتلفزة وصحافة مكتوبة واعتبارها ملكاً صافياً له ومنبراً خاصاً تستخدمه الفئة الممسكة بالسلطة لإدامة حكمها وبسط نفوذها من دون رادع ولا رقيب. فاحتكار هذه الوسائل العامة لا يعني فقط مصادرة الموارد العامة لمصالح فئوية وجزئية فحسب ولكنه يعني أكثر من ذلك احتقار السلطة والحزب الحاكمين للمجتمع واعتبار جميع أفراده من القاصرين أخلاقيا أو عقليا أو سياسيا, وبالتالي معاملتهم على أساس قاعدة التفوق من جهة، والدونية العنصرية من جهة ثانية.

__________ 

* كاتب وباحث سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بباريس



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة
- تحرير الإنسان هو الأصل
- أصل العنف في مجتمعاتنا ... والسياسات الدولية غير العادلة ذرا ...


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - برهان غليون - القوة وحدها لا تكفي لبناء المجتمعات