|
غرّة ماي مابين سنتي 1886 و1889 من إنتفاضة العمّال بشيكاغو إلى قرار الأمميّة الثانية بباريس
عبدالله بنسعد
الحوار المتمدن-العدد: 3351 - 2011 / 4 / 30 - 06:07
المحور:
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية
تصدير : « إذا شئتم أن تساعدوا الجماهير وأن تكسبوا عطف الجماهير وتأييدها فيجب ألاّ تخشوا المصاعب ، يجب ألاّ تخشوا المكائد والمماحكات والإهانات والإضطهاد من جانب الزّعماء (الذين يرتبطون في أغلب الحالات ، بإعتبارهم إنتهازيين وإشتراكيين شوفينيين ، بالبورجوازيّة والشرطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة) بل يجب بصورة إلزاميّة أن تعملوا حيثما توجد الجماهير. يجب أن تكونوا قادرين على كلّ تضحية ، على التغلّب على أعظم العقبات كي تقوموا بالدّعاية والتحريض بصورة منهجيّة وصابرة ومستمرّة وعنيدة ، بالضبط في تلك المؤسّسات والجمعيّات والرّابطات ـ حتّى الأكثر إغراقا في الرجعيّة ـ حيث توجد الجماهير البروليتاريّة ونصف البروليتاريّة. وإنّ النّقابات والتّعاونيّات العمّاليّة (وهذه الأخيرة أحيانا على الأقل) هي بالضبط منظّمات توجد الجماهير فيها». ـ لينين ـ من الأخطاء الشائعة عند الحديث عن إنتفاضة العمّال بشيكاغو في غرّة ماي هو التأريخ لها بعام 1889 وقد دأب المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل منذ سنوات على السقوط في هذا الخطأ وأعاد الكرة هذه السنة رغم تنبيهي لذلك في السنة الفارطة حيث نقرأ في البيان الصادر بمناسبة غرّة ماي 2011 ما يلي :«يحيي النقابيون وعموم الشعب في تونس الذكرى المائة والثانية والعشرين لعيد الشغل العالمي» والصّحيح هو أنّ إنتفاضة العمّال في شيكاغو حصلت في غرّة ماي من سنة 1886 وبالتالي فإنّنا نحيي الذكرى 125 وليس 122. فسنة 1889 هي السنة التي إنعقد فيها المؤتمر الأوّل للأمميّة الثانية الذي قرّر أن تصبح غرّة ماي من كلّ سنة ذكرى يحييها العمّال في كلّ أنحاء العالم إجلالا وإكبارا لشهداء إنتفاضة شيكاغو من ناحية ولمواصلة النضال من أجل تحقيق بقيّة مطالب الطبقة العاملة من ناحية أخرى. لكن قبل التعريف بهذه المناسبة بأكثر إطناب ، لا بدّ من وضع أحداث شيكاغو في إطارها بإعتبارها لم تكن حركة عفويّة ومعزولة عن النضال الفكري والسياسي والنّقابي الذي أرسى أسسه كارل ماركس وفريدريك أنجلس مؤسسي الإشتراكيّة العلميّة وخاصّة مؤسّسي الأمميّة الأولى سنة 1864. 1. الأمميّة الأولى ويوم العمل ذي 8 ساعات مثّلت الرابطة الأمميّة للشغيلة أو الأمميّة الأولى أوّل منظّمة ثوريّة عالميّة للبروليتاريا. ففي إجتماع عالمي دعا إليه كارل ماركس وفريدريك أنجلس وحضره العديد من العمّال الأنجليز والفرنسيين واللألمان والبلجيكيين وغيرهم بمدينة "سانت مارتينز هول" بلندن للإحتجاج على قمع الثورة البولونيّة التي نشبت عام 1863 ، تأسّست الأمميّة الأولى يوم 28 سبتمبر 1864. وقد عيّن ماركس عضوا في المجلس العام وعضوا في اللجنة الدائمة المنبثقة عن المجلس العام ولفّ حوله بعض المخلصين من أعضاء المجلس أمثال "لسنر" و"دوبون" و"جرنغ" وغيرهم للتصدّي لمحاولات بعض العناصر الإصلاحيّة أمثال "مازيني" من أجل الإستيلاء على قيادة الأمميّة. وقد تركّبت الأمميّة الأولى أساسا من الترديونيونات الأنجليزيّة أي المنظّمات الجماهيريّة الوحيدة للطبقة العاملة في إنجلترا بعد إنهيار الحركة "الشارتيّة" (الحركة الشارتيّة ، التي كانت مطالبها موجزة بميثاق charte ، هي حركة جماهيريّة حقيقيّة إشترك فيها جموع العمّال البريطانيين وقامت بأعمال نضاليّة ومطلبيّة رائعة وقد دامت زهاء 10 سنوات من 1838 إلى 1848). كما كانت تتركّب من الجمعيّات العمّاليّة الفرنسيّة وخاصّة الباريسيّة التي كان لها دور بارز بقيادة "فارلان" و"كاميليان" في أوّل تجربة ثوريّة فرنسيّة بإقامة سلطة العمّال من خلال كومونة باريس التي رأت النور في 18 مارس 1871. أمّا المكوّن الهام الثالث للأمميّة الأولى فهم العمّال الألمان عبر جمعيّة الشغيلة الألمان العامّة التي تأسّست سنة 1863 على أيدي "فردينان لاسال" وقد كان لكارل ماركس دور بارز في إنخراط الجمعيّة في الأمميّة الأولى. وفي أواسط سنة 1865 أنشئ أيضا فرع للأمميّة الأولى في بلجيكيا. وهكذا وبعد تأسيس الفروع في البلدان المذكورة وسنّ النظام الداخلي للأمميّة ، إنعقد المؤتمر الأوّل في جينيف من 3 إلى 8 سبتمبر 1866 وإشترك فيه 60 مندوبا يمثّلون 25 فرعا من إنجلترا وفرنسا وبلجيكيا وألمانيا وسويسرا. ورغم تخلّف ماركس عن حضور المؤتمر (بسبب إنشغاله بتحرير مؤلّفه رأس المال) فإنّه أرسل مذكّرة للمؤتمرين تحت عنوان "تبليغ إلى مندوبي المجلس العام المؤقّت حول مسائل شتّى" إنتقد فيه بشدّة "البرودونيين" الفرنسيين و"اللاّساليين" الألمان الذين كانوا يلحقون ضررا جسيما بالحركة العماّليّة من ناحية وسطّر فيه برنامجا سياسيّا للحركة النّقابيّة العالميّة من ناحية أخرى. وبعد جدال طويل ومناقشات ساخنة وافق المؤتمر على القرارات التي إقترحها ماركس والمتمثّلة خاصّة في التحديد الإلزامي ليوم العمل بثماني ساعات لجميع العمّال وتحديد خاص لعمل الأطفال وبحماية عمل النساء وإلغاء الضرائب غير المباشرة وغيرها من القرارات. وهكذا كانت قرارات الأمميّة الأولى النبراس الذي أضاء طريق النضال أمام الطبقة العاملة في البلدان الرأسماليّة من أجل يوم العمل ذي 8 ساعات حيث أضرب عمّال المرافئ الأنجليز سنة 1866 وعمّال البرونز في باريس سنة 1867 وعمّال المناجم في بلجيكيا سنة 1868 وغيرها من الإضرابات. على إثر ذلك تعرّضت الأمميّة الأولى إلى هجوم سياسي كبير لمحاولة ضرب التوجّه الثوري داخلها وتغليب التوجّه الإصلاحي الذي أصبح يقوده باكونين وغليوم. وبإنعقاد المؤتمر الخامس للأمميّة في لاهاي من 2 إلى 7 سبتمبر 1872 (وهو المؤتمر الأخير) إنتصر الخطّ الثوري بنشر التقرير الذي أعدّه ماركس ولافارغ تحت عنوان "حلف الديمقراطيّة الإشتراكيّة وجمعيّة الشغيلة العالميّة" كما إقترح ماركس في نفس المؤتمر نقل مركزالمجلس العام للأمميّة الأولى إلى أمريكا حيث كان يقود فرع الأمميّة هناك الإشتراكي الألماني "أ. م. سورج" المقيم في مدينة نيويورك وذلك بغرض الحدّ من تأثير الخطّ الإصلاحي الموجود بقوّة في أوروبا. كما صادق المؤتمر على قرارات إجتماع لندن المنعقد في 1871 حول تشكيل حزب سياسي مستقل للبروليتاريا في كل بلد من البلدان يكون بديلا وعارضا للأحزاب القائمة. إلاّ أنّ الأحداث والتطوّرات التي جدّت في أوروبا ومنها خاصّة الحرب الأنجليزية الإيرلنديّة التي إندلعت سنة 1867 والحرب الفرنسيّة البروسيّة سنة 1870 ـ 1871 وخاصّة إنهزام كومونة باريس أثّرت سلبا على عمل ونشاط الأمميّة الأولى وهو ما أدّى إلى حلّها سنة 1876. وقد كتب ماركس في هذا الخصوص متوّجها إلى "أ. م. سورج" قائلا :«إنّي أرى من المرغوب فيه بصورة لا تقبل الجدل ، وبالنظر إلى الوضع في أوروبا نبذ التنظيم الشكلي للأمميّة إلى المؤخّرة بصورة مؤقّتة. فإنّ الأحداث والتطوّر المحتوم وتفاقم الوضع ، كلّ ذلك سيأخذ على عاتقه بعث الأمميّة بشكل محسّن». لكن رغم ذلك يمكن الجزم بأنّ الأمميّة الأولى حقّقت مهمّتها التاريخيّة حيث ساهمت في نشر الأفكار الماركسيّة لدى العمّال في البلدان الرأسماليّة. لقد كانت للأمميّة الأولى بحق أهميّة بالغة جدّا في تاريخ الحركة العمّاليّة العالميّة حيث كانت منطلقا لتكوين أحزاب إشتراكيّة عمّاليّة عتيدة : حزب العمّال الإشتراكي الديمقراطي الألماني عام 1869 ، الحزب الإشتراكي العمّالي الأمريكي عام 1877 ، حزب العمّال الفرنسي عام 1879 وغيرها. وقد كتب لينين متحدّثا عن الأمميّة الأولى : «إنّها لا تنسى وستكون خالدة في تاريخ نضال العمّال من أجل تحرّرهم. فقد وضعت أسس بناء الجمهوريّة الإشتراكيّة العالميّة الذي من حظّنا أنّنا نبنيه الآن».
ماذا حدث يوم غرّة ماي 1886 ؟ كما سبق وأن ذكرنا فإنّ إنتفاضة العمّال في شيكاغو لم تكن عفويّة ولا معزولة عن الحركيّة التي شهدتها الحركة النقابيّة منذ بداية القرن 19 حيث بداية تشكّل الوعي النّقابي والنضج الفكري والسياسي الذي ساهمت فيه بصفة مباشرة النصوص الأولى التي أصدرها ماركس وأنجلس حول النقابات والتي مثّلت النصوص الرئيسيّة التي إرتكزت عليها قرارات الأمميّة الأولى "1864ـ1872" والسنوات الأولى للأمميّة الثانية قبل أن تنحرف "1889ـ1910" (أنجلس : وضع النقابات الكادحة في أنقلترا : سنتي 1844 و1845 ، عناصر نقد للإقتصاد السياسي : سنة 1844 ، التضامن مع عمّال البلدان التابعة : سنة 1872 ، النقابات : سنة 1881 ، ماركس : تتويج المنظمات والمطالب الإقتصاديّة بهدف الإستيلاء على السلطة السياسيّة : سن 1864 ، أنظمة الأمميّة الشيوعيّة : سنة 1864 ، قرار الرابطة الأمميّة للشغيلة حول النقابات : سنة 1866 ، العمل التعاوني : سنة 1866 ، حول الطابع السياسي للنضالات النقابيّة : 1871 ، نقد الحدود النقابيّة : سنة 1874 ، النقابات والإضرابات : سنة 1868 ، إلخ...). وقد كان تأثير هذه الكتابات واضحا لدى أغلب القيادات النّقابيّة الأمريكيّة حيث بدأت الحركة النّقابيّة الأمريكيّة تقطع مع الفوضويّة النقابيّة والتريديونيونية الليبرالية الأنقليزية والإنحراف اللاّسالي التي كانت طاغية قبل ذلك التاريخ وبدأت تعمل على تنظيم العمّال داخل نقابات في مختلف القطاعات من ناحية والدفاع عن مطالبها وحقوقها بكل نضاليّة وروح كفاحيّة من ناحية أخرى. وقد توّجت هذه الحركيّة السياسيّة بأن قامت طليعة العمّال في أمريكا والتي كانت متواجدة بصفة خاصّة بمدينتي نيويورك وشيكاغو بتأسيس الحزب الإشتراكي العمّالي الأمريكي تطبيقا لقرار المؤتمر الخامس للأمميّة الأولى. وقد لعب هذا الحزب الذي لعب دورا طلائعيّا في تأطير النضالات وتأسيس النقابات وتكوين الكوادر النقابيّة. وكان قرار المؤتمر الرابع للإتّحاد الأمريكي للعمّال (American Federation of Labor) ، حيث كان تأثير الحزب الإشتراكي العمّالي الأمريكي واضحا فيه ، المنعقد سنة 1884 والداعي إلى فرض يوم العمل ذي 8 ساعات في ظرف سنتين خير تجسيد لما ذكرنا بإعلان الإضراب العام يوم غرّة ماي 1886. والسّؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا وقع الإختيار على غرّة ماي دون أيّ تاريخ آخر ؟ إنّ إختيار هذا اليوم ليس إعتباطيّا ولا عفويّا بل هو يتزامن مع إنطلاق السّنة المحاسبيّة (L’année comptable) للمؤسّسات الصناعيّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة وما يعنيه ذلك من رمزيّة مقصودة من طرف النقابات وكأنّها تقول بصفة غير مباشرة للبورجوازيّة "لن تحقّقوا الأرباح على حسابنا". هكذا إذا نفّذ إضراب عام في مدينة شيكاغو، حيث كان التأثير اليساري كما ذكرنا كبيرا على النقابات ، يوم غرّة ماي 1886 وقد شارك فيه حوالي 300 ألف عامل ولإن حقّق هذا الإضراب الشامل ، الذي حصل بدون مواجهات ، مطلب العمّال في يوم عمل بثماني ساعات لحوالي 180 ألف عامل من المهن الإنشائيّة ، فإنّ بقيّة العمّال واصلوا النضال خلال الأيّام الموالية لتحقيق مطلبهم المشروع. فقد دخل عمّال شركة "ماك كورميك هارفستر" (أكبر الشركات الصّناعيّة في شيكاغو) يوم 3 ماي في إضراب عام واجهته قوات البوليس بالحديد والنار وهو ما أدّى إلى سقوط 3 مضربين كانوا أوّل شهداء الطبقة العاملة الذين خطّوا بدمائهم صفحة مضيئة من تاريخ نضال الطبقة العاملة الطويل من اجل التحرّر والإنعتاق . وكانت لهذه الأحداث أثرها البالغ على كلّ عمّال شيكاغو الذين هبّوا للمشاركة في مظاهرة كبيرة يوم 4 ماي للتنديد بتدخّل البوليس وتنفيذ هذه الجريمة البشعة ضد العمّال بإيعاز من أرباب العمل. ومن جديد تقترف جريمة أخرى عبر مؤامرة بين أرباب العمل والبوليس حيث قام شخص مجهول بإلقاء قنبلة وسط المتظاهرين الذين كانوا ملتحمين مع البوليس فسقط العديد من العمّال وكذلك رجال البوليس وقد إستغلّت الطبقة البورجوازيّة الحاكمة هذه الأحداث لتحاول ضرب هذه الحركة الإحتجاجيّة المتصاعدة عبر إيقاف ومحاكمة العديد من القادة النّقابيين اليساريين. فقد وقع الحكم على 3 قادة نقابيين بالسجن المؤبّد و5 آخرين بالإعدام بتهمة إغتيال رجال الأمن ورغم عدم كفاية الأدلّة فقد وقع إعدام هؤلاء العمّال شنقا يوم 11 نوفمبر 1886. وقبل إعدامه قام القائد النقابي "أوغوستان سبايس" بتحدّي جلاّديه بقولة مشهورة كتبت فيما بعد على حائط مقبرة "والدهايم" بشيكاغو حيث قال «سيأتي اليوم الذي يكون فيه صمتنا أقوى من الأصوات التي تخنقونها اليوم». ورغم القتل الوحشي والأحكام الجائرة لم تتمكّن البورجوازيّة من تحقيق هدفها المتمثّل في ترهيب العمّال وقياداتهم النّقابيّة بل لم تزد هذه التضحيات العمّال إلاّ تمسّكا بالنضال لتحقيق مطالبهم والدّفاع عن حقوقهم وكسر أغلالهم ونفض الغبار والذل والمهانة عنهم.
ما ذا قرّرت الأمميّة الثانية ؟ إنّ الأمميّة الثانية التي كانت تمثّل الإتّحاد العالمي للأحزاب الإشتراكيّة قد تشكّلت في عهد كانت الرأسماليّة تتحوّل فيه من رأسماليّة ما قبل الإحتكار إلى إستعمار. كما تزامنت أيظا مع إنتشار الماركسيّة داخل الحركة العمّاليّة في غمرة النضال ضدّ شتّى التيّارات الإنتهازيّة. فقد حاول ممثلو التيارات الإنتهازيّة في حزب العمّال الفرنسي (الإمكانيّون) وممثّلو الإتحاد الإشتراكي الديمقراطي في إنجلترا أخذ المبادرة لإنشاء الإتحاد العالمي للأحزاب الإشتراكيّة وبالتالي الإستيلاء على قيادة الحركة العمّاليّة العالميّة. وعند إدراك أنجلس لما يمثّله ذلك من خطر على الحركة العمّاليّة العالميّة ، عرض على الماركسيين الفرنسيين والألمان أخذ المبادرة لإنشاء الأمميّة الثانية وبالتالي قطع الطريق أمام الإنتهازيين والإصلاحيين. ولتجسيد مقترحه نظّم الماركسيون مؤتمرا في باريس في 14 جويلية 1889 جرى في نفس الوقت الذي كان يجري فيه مؤتمر مواز عقده الإصلاحيّون. وفي الوقت الذي مني فيه مؤتمر الإصلاحيين بالفشل الذريع ، شكّل المؤتمر الذي نظّمه الماركسيون الأمميّة الثانية. وكان لوجود أنجلس (في غياب ماركس المشغول بمؤلّف رأس المال) دور كبير في توجيه أعمال هذا المؤتمر من الناحية الفكريّة التي تميّزت بنضال حاد بين الماركسيين من جهة والفوضويين وبعض الإمكانيين الذين كانوا حاضرين في هذا المؤتمر والذين كانوا جميعا يعارضون وينبذون النضال السياسي من ناحية أخرى. وكانت قرارات المؤتمر صفعة للفوضويين وحلفائهم الإمكانيين حيث إتّخذ جملة من القرارات الهامّة مثل ضرورة تعزيز الحركة العمّاليّة الجماهيرية وتشكيل أحزاب سياسيّة بغية النضال السياسي وإستيلاء البروليتاريا على الحكم وبيّن أنّ هدف الحركة العمّاليّة النهائي هو الإشتراكيّة كما قرّر المؤتمر مواصلة النضال في سبيل يوم العمل من 8 ساعات وفي سبيل زيادة أجور العمّال وإلغاء نظام الدفع عينا الذي كان سائدا. أمّا أهمّ قرار تاريخي إتّخذه المؤتمر الأوّل للأمميّة الثانية فهو الإحتفال السنوي بغرّة ماي وقرّر أن تنظّم الطبقة العاملة في مختلف بلدان العالم في هذا اليوم التظاهرات تحت شعار التضامن البروليتاري. وتطبيقا لهذا القرار تظاهر العمّال في معظم البلدان الرأسماليّة في غرّة ماي 1890 تحت شعار موحّد ومطالب موحّدة وتواصل إحياء هذه الذكرى المجيدة إلى يومنا هذا. غير أنّ ما يجدر التذكير به هو أنّ تجذّر إحياء ذكرى غرّة ماي في أوروبّا تسبّبت فيه مجزرة أخرى إرتكبتها البورجوازيّة عبر أجهزتها القمعيّة في مدينة فورميي الفرنسيّة.
ففي الوقت الذي خرج فيه العمّال في هذه المدينة الصناعيّة الموجودة شمال فرنسا يوم غرّة ماي 1891 في مظاهرة سلميّة قام البوليس بإطلاق النار على المتظاهرين فقتل من بينهم 10 عمّال وعاملات منهم 8 سنّهم أقلّ من 20 سنة وكانت إحدى الشهيدات (العاملة ماري بلوندو) تلبس يافطة بيضاء اللون وتحمل في يديها باقة ورد من زهور églantine. ما دمنا نتحدّث عن فرنسا فإنّنا نذكّر بأنّ العمّال لهم طقوسهم في الإحتفال بهذه الذكرى ففي البداية أي سنة 1890 كانوا يرفعون خلال المظاهرات مثلّثا أحمر اللون ذو أضلع متساوية وهو يرمز إلى تقسيم اليوم إلى ثلاث أوقات متساوية 8 ساعات للعمل ، 8 ساعات للراحة و8 ساعات للنوم. وبداية من سنة 1892 عوّضوا المثلّث بزهرة églantine التي كانوا يحملونها إحياءا لذكرى العاملة التي سقطت في العام 1891 برصاص البوليس. لكن منذ سنة 1907 أصبحت زهرة muguet ، رمز الربيع في باريس ، التي تكون ملفوفة بشريط أحمر اللون هي رمز غرّة ماي في فرنسا. هكذا إذا مثّلت غرّة ماي بداية نضالات الطبقة العاملة في العالم فنظّمت الإضرابات والمظاهرات وقادت الثورات إلى أن تمكّنت من إسقاط القيصريّة الظلاميّة في روسيا سنة 1917 وأقامت أوّل سلطة عمّاليّة فأعلنت فورا إقرار يوم العمل ذي 8 ساعات وذلك بصورة قانونيّة وإجباريّة. ملاحظة أخيرة حول إقرار غرّة ماي عطلة خالصة الأجر ، فأوّل دولة في العالم أقرّت ذلك هي روسيا السوفياتيّة عبر قرار إتّخذه لينين في شهر أفريل عام 1920 بينما إنتظرت أوروبا أكثر من 20 سنة لإتخاذ هذا القرار وذلك بفرنسا في شهر أفريل 1941.
قابس في 1 ماي 2011 د. عبدالله بن سعد
الهوامش : 1. ك. ماركس ـ ف. أنجلس : في الحركة النّقابيّة ترجمة طلال الحسيني وصونيا الخوري طعمة ، دار الطليعة بيروت ، 1975
2. ف. إ. لينين : عن النقابات دار التقدّم موسكو ، 1989
3. ي. باخ ، أ. س. غالكين و ب. ن. بونوماريف : الأمميّات الثلاث (عن الموسوعة السوفياتيّة الكبرى) ترجمة المحامي إلياس شاهين ، دار الفارابي بيروت ، 1955
#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب على الإرهاب
-
الأهداف الإستراتيجية للحرب الإمبرياليّة على العراق (الجزء ال
...
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
في قلب حركة 20 فبراير لكن برؤية اشتراكية ثورية
/ التضامن من اجل بديل اشتراكي
-
الثورة العربية- بيان التيار الماركسي الأممي، الجزء الثاني: ا
...
/ بيان الدفاع عن الماركسية
المزيد.....
|