|
النظام السوري وتفجير مراكش
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3350 - 2011 / 4 / 29 - 01:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
زقزقة العصافير، رافقت استيقاظي المتأخر نوعاً. يوم أمس، عند الظهيرة، كان بصري قد وَقع على مشهدٍ مؤلم: عصفور صغير، منقلب إلى جنبه على صفحة إحدى درجات السلم، الحجري، المُوصل الطابق الثاني بسطح الدار. حق لي التشاؤم، خاصة وأنّ مشاهد الموت، اليومية، في بلدي الحبيب، تتوالى بشكل دائب على شاشة التلفاز. وإذن مع إفاقتي في هذا الصباح، كنتُ خالي البال إلا من تلك المشاهد الداميَة؛ حتى أنني سلوتُ مشهدَ العصفور المسكين، الميّت. على ذلك، قمتُ إلى جهاز التلفاز، كيما أنقل بصري من قناة إلى أخرى بحثا عن مزيدٍ من الأخبار المتعلقة بسورية. ما أن مضى نزرٌ من الوقت، حتى اهتزت الغرفة، على حين فجأة، من أثر وقع ما؛ وكما لو أنه سقوط جسم ثقيل على سقفها. في اللحظة نفسها، إذا بحماتي تندَه على كنتها، من المطبخ الكائن في الدور الأرضيّ، متسائلة ً بالمحكية المغربية: " شكون هاد الصوت..؟ ". بيدَ أنني، في غمرة متابعتي للأخبار، لم أهتمّ بما يجري خارج الحجرة. ساعة أخرى، أو أقل، وإذا بزوجتي تقتحمُ الحجرة لتطلّ عليّ بوجه ممتقع: " لقد فجروا مقهى أركَانة "، قالتها بصوت مختنق. ثمّ ما لبثت أن أردفت، موضحة ً أنّ شقيقها الكبير هو من اتصل للتوّ بالمنزل ليبلغهم الخبَر.
" مقهى أركَانة "؛ إنه أحد أهم الأمكنة الحميمة، التي اعتدّتُ على ارتيادها أثناء تجوالي في ميدان مراكش، الأشهر؛ " ساحة جامع الفنا ". في صيف العام الماضي، تحديداً، كنتُ ثمة مُشاركاً في أمسية جماهيرية حاشدة، بمناسبة مرور سبعة أعوام على قرار منظمة اليونسكو بجعل " ساحة جامع الفنا " من تراث الإنسانية، الشفهي، المتوجّب حمايته والحفاظ على أصالته. وكم سُعدّت لتكريم أديب اسبانيا الكبير، خوان غويتيسولو "؛ والذي تعذر حضوره الحفل بسبب وجوده خارج المدينة المغربية، الساحرة، المُرتبطة بأدبه مثلما الحبل السرّي. هذا الأديب، هو أحد المشاهير العالميين، من الكتاب والفنانين، ممّن اختاروا مدينة النخيل والبهجة مستقراً دائماً لهم. وإنه " غويتيسولو " من سعى بكل دأب لحمل اليونسكو على اتخاذ ذلك القرار الصائب، المهم. وكان أديبنا، قبل ذلك بأعوام، قد قادَ حملة مُشابهة، لحثّ بلدية مراكش على إلغاء فكرة تحويل " ساحة جامع الفنا " إلى مرآب كبير للسيارات. " بابُ غمات "، الحيّ الذي يقطنه أهل امرأتي، يتصلُ مع تلك الساحة عن طريق " سوق السمّارين "؛ وبالتالي، فإنه يبعد عنها قرابة ربع ساعة مشياً على الأقدام. في طريقي إلى مركز المدينة، أو " المْدينة " بتسكين الميم باللهجة المحلية، فإنني نادراً ما استقلّ التاكسي. إنّ بهجة يومي، تستهلّ بخروجي من الدار عابراً الأزقة والدروب متوجهاً إلى الساحة؛ ومنها طبعاً نحوَ الأسواق أو الحدائق أو الحيّ الفرنسيّ، المعروف باسمه " غيليز "؛ أين المقهى الآخر، الأثير أيضاً لديّ، والمنعوت باسم شارلي شابلن.
إنّ تصوّر مراكش بدون ميدانها الأسطوري، " ساحة جامع الفنا "، هوَ كما يمكن تخيّل باريس بدون برج ايفل. وإذن فالمحزن، والمستهجن في آن، أن يحاول الإرهابيون حرمان هذه المدينة الساحرة من الأمان، من خلال ترويع مرتادي ساحتها، الأشهر. لقد اختاروا " مقهى أركَانة "، تحديداً، كونها مكاناً أثيراً لدى السائحين الغربيين. إنّ المقهى، المكون من طابقين وصالة أرضية واسعة، يقع تماماً على ناصية الساحة من جهة الأسواق. مدخل المقهى، الذي كان مكاناً مفضلاً عندي، يتكوّن من بضع طاولات، يهيمن عليه السقف الحجريّ، المشغول من الجص الناصع، والمزخرف بالنقش المحليّ المميّز. هنا، تقدّم المرطبات بدرجة أساسية. أما في الدور الثاني، أين وقع الانفجار الرهيب، فغالباً ما يعرض على الزبائن أنواع المأكولات من المطبخ المغربيّ، ذي الصيت الذائع بالجودة واللذة. مقابلُ المقهى، يقومُ مشتلٌ واسع، مكونٌ من عديد المحلات المتخصصة ببيع أشتال الورود والأزهار والشجيرات. في جلستي على المدخل ثمة، كنتُ أرمي بصري إلى تلك الناحية، مُستمتعاً بمنظر عرائش المجنونة " البوغنفيليا "، ذات الألوان المتعددة، فضلاً عن سعف النخيل المُخضرّة والمتطاولة من خلف تلك المحلات. في وسط الساحة، يمكن ملاحظة النساء الممتهنات حرفة نقش الحناء على الأكف؛ هنّ اللواتي يعجب المرء لكون الواحدة منهنّ تجيد الفرنسية والإسبانية وحتى الإنكليزية. خلفهن، تحت الخيام الواطئة، يقبع الحواة الذين يعرضون فنون ثعابينهم، المتمايلة على وقع الناي والدّفوف. ثمّ أيضاً مروّضو قردة؛ موسيقيون وراقصون؛ رواة أساطير وحكايات؛ بائعو أعشاب وعقاقير شعبية؛ مقاه ومطاعم؛ متسولون وعميان؛ مواطنون وسيّاح.. تلك هي " ساحة جامع الفنا "، الأسطورية، التي استهدفها اليوم الإرهابُ المجرم، الجبان.
أكثر من إشارة، تجيز للمتأمل ربط ذاك التفجير الإرهابيّ بموطن الإرهاب في العالم العربيّ؛ سوريّة الأسد. هذا الموطن، يشتعلُ منذ قرابة الستة أسابيع بالثورة على النظام البعثيّ، الديكتاتوريّ. يقينا، أنّ المرء ليُصاب بالحيرة، والتساؤل، لحقيقة أنّ فتوى ما، أو دعوة ما، لم تصدر مرّة قط عن تنظيم " القاعدة " إلى الشعب السوريّ، المسلم السنيّ بأغلبيته، للثور على نظامه المجاهر بـ " علمانيته " المزعومة، المغلفة طائفيته وعنصريته..؟ فما بالك بهذا التنظيم الأصولي، المّدعي أنّ الثورات التي تشهدها العديد من الدول العربية، هيَ استجابة لجهاده ضد الصهاينة والصليبيين وأتباعهم المحليين؟ وما بالك، أيضاً، بأنه التنظيم الذي يسلك في منهاجه مسلك ابن تيمية؛ المعروف بفتواه الشهيرة التي تكفر العلويين بوصفهم " نصيريين كفرة وغير مسلمين "ـ كذا..؟؟ من جهة أخرى، كثيراً ما تمّ الربط بين بن لادن، رأس تنظيم القاعدة، وبين الأسد الأبن، رأس النظام السوري، من ناحية القرابة التي تجمعهما، طائفيا: فوالدة بن لادن، مثلما هو معروف، هي ابنة إحدى الأسر العلوية من ريف الساحل السوري. ومنذ تحرير العراق من طغمة البعث التكريتي، وهذا الإرهابي ينشط تنظيمه على أراضي سورية، التي ما تفتأ محكومة بالشقيق البعثي، القرداحي. مما له مغزاه، والحالة تلك، أنه ومنذ الأسبوع الثالث للثورة السورية، راح مسئولو النظام البعثيّ، وعبرَ إعلامه، يزعم أنّ مجموعات سلفية تقف وراء الإحتجاجات وأنها تسعى لتاسيس إمارة سلفية في جمهورية الأسد، الملكية الوراثية. هكذا بدأ مسلسلُ السلفية، الأشبه بمسلسلات الدراما السوريّة، ينتقل إلى هذه الدولة العربية وتلك مباشرة بُعيدَ اشتعال الثورة السورية ومحاولة السلطة إخمادها بالقوة الأمنية والعسكرية: مظاهرات السلفيين في الأردن؛ حرب السلفيين في غزة؛ فرعنة السلفيين في لبنان؛ في العراق؛ في مصر؛ في تونس؛ في اليمن.. وإذن، يمكن الافتراض بأن تنظيم القاعدة، الإرهابي، كان على استعداد هو والمجموعات المرتبطة به، لنداء الاستغاثة من لدن النظام البعثي لمحاولة إخراجه من ورطته الحالية، التي تفاقمت حدّ بدء قرب انهياره. سقوط النظام السوري، كما يُجمع المراقبون، سيعني فقدان الإرهاب الدولي لقاعدة أساسية، وربما وحيدة، ينطلق منها بهجماته ضد العراق والدول الأخرى في المنطقة. وربما يردّ البعض، مُذكراً بحقيقة التعاون بين سورية والغرب بمواجهة القاعدة. إلا أنّ هذا التعاون، الذي تحاول دمشق تضخيمه اليوم، ما هو سوى ذرّ للرماد في عيون العالم: وإلا فهل من المعقول أن دولة بوليسية، أمنية، مثل سورية، تعجز عن ظبط حدودها مع العراق؛ حيث مجال التسلل الواسع للمجموعات الإرهابية للقاعدة وفلول الصداميين؟ ولكن ها هي هذه الدولة، نفسها، تدّعي الآن أنها مستهدفة بالذات من قبل المجموعات الإرهابية، السلفية. ثمة سؤال أخير، يخصّ مُسبّب هذا الإنفجار الشعبي الكبير في سورية: كيف تمكنت أجهزة الأمن من معرفة بضعة أطفال، قاموا بكتابة شعارات على جدران درعا ليلاً، وفي جوّ سياسيّ هاديء تماماً ومن ثمّ القبض عليهم.. فيما عجزت نفس الأجهزة عن معرفة مطلقي النار من بنادق قناصة على آلاف المحتجين وفي عشرات المدن والبلدات والقرى السورية، بالرغم من الظرف الأمنيّ الدقيق، المفترض استنفار جميع هذه الأجهزة، إضافة لقوات الجيش وما يسمى باللجان الشعبية..؟؟
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقدم زبون للمحكمة الدولية
-
الرئيس القرد يحرر البلد
-
آخر خطاب لمسيلمة الكذاب
-
....المقاومة الإسلامية
-
ارحل يا حمّار
-
يوم الأسير السوري
-
سيادته يوجّه الإعلامَ للإصلاح
-
سيادته يأمر الشبيحة بتطبيق الإصلاح
-
الواد طالع لأبوه
-
طير وفرقع يا بشار
-
أنا والرئيس في باريس
-
أسكي شام: استهلالٌ، أو اكتشافُ الأسلاف
-
أعمالي غير الكاملة في موقع متكامل
-
خاتمَة السيرَة: الشام القديمَة
-
الأمكنة الكمائنُ 14: المَبغى المُقدّس
-
الأمكنة الكمائنُ 13: الجدرانُ الأخرى
-
الأمكنة الكمائنُ 12: السّفح المُتسكع
-
الأمكنة الكمائنُ 11: المَخطر المَشبوه
-
الأمكنة الكمائنُ 10: الجوار المُتأجّج
-
الأمكنة الكمائنُ 9: المَحفل المُزدوَج
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|