عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 23:39
المحور:
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية
بمناسبة أحتفالات الأول من مايو - ثمة تساؤل يثور حول موقع " الطبقة العاملة المصرية " من مشهد الثورة الأخير وأبعاد ومعطيات هذا الدور .
غياب" الدور الحاسم للعمال " فى فعاليات الثورة يعود لعوامل بنيوية تتعلق بتركيبة الطبقة العاملة المصرية ومدى تجانسها وعلاقتها بأدوات ووسائل الإنتاج , فضلآ عن تاريخ من الإنهاك السلطوى لحركتها النقابية الذاتية والمستقلة ,وضموررافعة الوعى السياسى اللازم لتثوير وعيها .
ومع التسليم بواقعة " الغياب المفصلى للعمال " فأن ثمة تحفظات يتعين أثباتها بشأن " نفى الإسهام العمالى الخاص فى التمهيد والترتيب للمشهد الثورى " - هذا المشهد الذى لم يكن نتاجآ لفراغ الواقع الإجتماعى والسياسى المصرى .
فمنذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير أدرك مبارك أهمية " تحييد " الكتلة الكبرى والحرجة للعمال عن هذا المشهد القائم والمشتعل فى قلب ميدان التحرير .
ومن هناعمد النظام لزيارة أجوروحوافز عمال قطاع الغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى ( عصب الطبقة العاملة المصرية ) , كما أخذ فى تخصيص أعانات وحوافز مؤثرة للعاملين فى معظم شركات قطاع الأعمال الحكومى , مع وعد بتحسين الهيكل العام للأجوروالحد الأدنى المقرر له .
وأثناء الثورة شدد الخطاب الإعلامى كثيرآ على تأييد العمال لنظام الحكم , و أبرزواقعة عدم تواجدهم فى ساحة التحرير , وأخذ فى تكرارصورة وزيرة القوى العاملة – عائشة عبد الهادى – وهى تمسح دموعها كتعبيرعن أمتنانها لوفاء العمال نحو مبارك وقيادته و سياساته ! . كما قاد رئيس أتحاد عمال مصر – حسين مجاور – مظاهرات داعمة لمبارك بدعوى " أنه لا سبيل لجحد وأنكار المكتسابات الكبيرة التى نالتها الطبقة العاملة المصرية فى عهده " ! .
وحتى أيامه الأخيرة فى الحكم - كان مبارك يراهن على عدم مشاركة وانخراط العمال فى فعاليات الثورة وبما يمنحه فرصة لعزل المعتصمين بميدان التحريروالإنفراد بالحركة الإحتجاجية والقضاء عليها .
فالعمال كانوا الكتلة الجماهيرية الأكثر تأثرآ بالتحولات الإقتصادية وعبء الإنتقال لآليات السوق والتوجهات المنحازة للرأس المال بحكم موقعهم داخل التكوين الإجتماعى والطبقى المصرى .
ولكن قبل أشتداد الخناق حوله وأعلانه التخلى عن منصب رئاسة الجمهورية أخذت سماء العمال تمطرغضبآ وسخطآ على نظام مبارك - وتحديدآ منذ الأربعاء 9 فبراير – عبرأجندتها الخاصة ومطالبها الفئوية.
بانورما الغضب شملت أعتصامات وأضربات طالت معظم محافظات مصر وأستمرت فى التماس و التوازى مع الحدث الإنتفاضى الأكبر فى ميدان التحرير , و تشكلت من آلاف العمال بقطاعات الكهرباء و الزراعة و النقل و الإتصالات و الصناعة و البترول و الصحة و البريد و الطيران وغيرها .
فعلى سبيل المثال لا الحصر : أعتصم آلاف من موظفى الشركة المصرية للإتصالات فى فروعها الرئيسية فى الأوبرا ورمسيس و الدقى وأنضم لهم موظفو محافظات المنصورة و الإسكندرية والإسماعيلية .
كما أنتفض آلاف العمال المؤقتين فى مختلف الهيئات بوزارة الصحة المصرية و أعتصموا لأجل المطالبة بالتثبيت فى وظائفهم . كما تظاهر العاملون بمبنى وزارة الكهرباء و الطاقة وأطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع على آلاف المتظاهرين فى محطة انتاج الطاقة بالنوبارية .
وانضم قطاع " البترول " للحركة الإحتجاجية الواسعة فى كل من شركة عجيبة للبترول وبتوتريد و بتول أسيوط . كما تظاهرالعاملين بالهيئة العامة للبريد المصرى أمام مكتبهم الرئيسى بالعتبة ومركز الحركة برمسيس .
وانتقلت الإجتجاجات لمحافظة القليبوبية ( ذات الثقل العمالى ) وشهدت خروج آلاف من عمال الرى والموارد المائية و المحليات و أصابوا العمل فيها بالشلل.
كما أضطرب آلاف العمال بورش عنابر بولاق الدكور وورش كوم أبو راضى التابعة لهيئة السكك الحديدية مما أصاب بالشلل حركة قطارات الوجه القبلى لصعيد مصر بالشلل . وتواصلت أحتجاج عشرات الصحفيين والعامليين والإدراريين بمؤسستى روز اليوسف ودار التحرير بسبب تردى الأوضاع المعيشية والمالية و المهنية لهم و لمطبوعاتهم الصفحية .
فضلآ عن أعتصام عمال الغزل و النسيج بشركة مصر حلوان , كما بدأ عمال شركة توزيع كهرباء القناة والعاملون بأقليم القناة و سيناء .كما اعتصم مئات من العاملين بالجهاز المركزى للتعبئة و الإحصاء للمطالبة للمطالبة بتثبيت عقودهم المؤقتة .
كما تحرك العاملين فى النقابة المستقلة للضرائب العقارية أمام اتحاد عمال مصر بشارع الجلاء و هتفوا بسقوط النظام و التنظيم النقابى التابع كما دخل عمال هيئة قناة السويس فى مدينة الإسماعيلية فى أعتصام مفتوح أمام مقر الشركة . وبدأ العمال المؤقتين بهية الرى والإدارات التابعة لها بمحافظة المنيا وقفة احتجاجية كبرى أمام مديرية الرى .
هذه التحركات العمالية التى بلغت ذروتها فى النصف الثانى من مشهد الثورة حملت خصائص مميزة يتعين الإنتباه اليها وتتلخص فى النقاط التالية :
1-الإمتداد الجغرافى واسع النطاق حيث شملت التجمعات العمالية التقليدية " حلوان و شبرا الخيمة و الإسكندرية " إلى جانب المراكز الصناعية الجديدة " العاشر من رمضان و 6 أكتوبر و غيرها " .
تعدد تلك المواقع العمالية المنتفضة يدحض أدعاءات نظام مبارك بشأن غياب الآثار السلبية لسياساته وتوجهاته الإقتصادية , ويكشف أيضآعن تدنى مستويات الأجور و الدخول فى المناطق الصناعية المستحدثة . مع ملاحظة أن توطن وتمركز العمالة فى تلك المدن الجديدة – وهى عمالة تمتاز بارتفاع وعيها الطبقى – دفع نحو تفاعلها ووحدة رؤيتها ومواقفها بشأن كثير من القضايا .
2-أستحواز عمال " قطاع الأعمال العام " على النصيف الأوفر من تلك الإحتجاجات مقارنة " بعمال القطاع الخاص " الأمر الذى يؤكد أستمرار جورالإدارة الحكومية و البيروقراطية على الحقوق العمالية , ويطرح تساؤلات - حاول نظام مبارك التعمية عليها - عن مرونة وفاعلية وقدرة الدولة وأدارات قطاع الأعمال فى أجراء الحوارات والمفاوضات لتلبية مطالب العمال - وكشريك حكومى أساسى فى فض المنازعات .
3- بروز أثر " التمايزات الأفقية داخل الطبقة العاملة " التى ساهمت فى تعميقها سياسات التشغيل بالشركات والمصانع الإستثمارية والمشاريع الخاصة . حيث عمدت لتوظيف عمالة بسمات جديدة ( أجادة لغات أجنبية – علوم حاسوب ) مقابل أجور عالية ومزايا عينية , ومن ثمة أزادات حدة التفاوتات بينها وبين قطاع عريض من الطبقة العاملة العتيدة - لتى ساهمت بشكل فعلى فى ثورة يناير - وكانت تتحمل وحدها عبء سياسات الخصصخصة وفاتورة التحول لأقتصاد السوق .
4- بروز الفعل العمالى التلقائى كأداة سخط وغضب ضد النظام ولمواجهة سلبية اللجان النقابية اللجان النقابية الفرعية والتنظيم النقابى العام الذى استمرمأزقه وموقفه الذيلى التابع للسلطة حتى أيام مبارك الأخيرة . فبقدرعجز القواعد النقابية عن ممارسة ضغط حقيقى وفاعل على الحكم و الإعلان صراحة على انحيازها للمطالب العمالية بقدر ما نجح العمال أنفسهم فى ثنايا وتضاعيف التجمعات والمصانع و الشركات من التظاهر والإعتصام والخروج للمطالبة بأجندتهم الخاصة .
فى ميدان التحرير كانت هناك مظلة كبرى تنادى " بالحرية و بالمساواة و العدالة الإجتماعية " , وكان هناك محيط إحتجاجى عمالى يغلى من أجل مطالبه الذاتية و يسعى لتقريرحقوقه فى معركة الحياة والمصير.
ومنذ العام 2005 لم يلتفت نظام مبارك لحقيقة هذا " المتغير النوعى الجديد وأختماراته التى تتصاعد من رحم حركة الإضرابات والإعتصامات والتظاهرات والوقفات الإحتجاجية العمالية فى القاهرة أوالمحافظات " .
ما حدث بميدان التحرير كان تكثيفآ لتلك التحولات الكمية فى سياقها العمالى وترجمة لتراكماته التى كان تنبىء – بشكل شبه يومى - عن أستحالة أستمرارالأوضاع القائمة وعن نتائج كبرى وتأثيرات غيرمتوقعة فى حياة السياسة و المجتمع المصرى .
ولعل المفهوم الفيزيقى الخاص بأثر الفراشة Butterfly Effect - الذى أنتقل لميدان علم الإجتماع السياسى ولهدف تفسير بعض ظواهره - يجد صدآ له فى أستيعاب مردود هذه الحركات الإحتجاجية العمالية / البسيطة وغير المركزية والتى لم يتوقع أحد نتيجتها .
فالقاهرة حين تحولت لعاصمة " أحتجاج فئوى يومى " ضد نظام مبارك – بحسب تعبير الصحافة الأجنبية – كانت تختزن تلك الإحتجاجات الصغيرة والمتناثرة والمحدودة الكم والأثر , وكان النظام السياسى والأمنى قادرآ عند درجة معينة على أحتوائها والسيطرة عليها والتحكم فيها .
ثم جاء تجمع " شباب الفئات الوسطى الأكثر وعيآ " للتنديد بعيد الشرطة فى 25 يناير ليكون بمثابة الأثر الراديكالى لحركة الفراشة التى ترجمت كل التكهنات والإحتمالات السابقة, وأنتجت المشهد الثورى المليونى الأخير فى ميدان التحرير .
هذا المشهد الذى صاغ بامتياز توازنآ بين الضرورة السياسية ( مطلب الحرية والقضاء على الفساد السياسى ) وبين الحاجة الإقتصادية الملحة ( مطلب الأجرالعادل والمساواة والعائد الإجتماعى ) وضمن معادلة جمعت بين مفردات التغييرالعام وأجندة الطلب العمالى الخاص .
العمال المصريون لم يتصدروا المشهد بميدان التحرير , ولم ينسبوا الفضل لهم فى أنجازالتحول الثورى ضد مبارك – ولكن من العسف أن نجحد دورهم فى تكريس وعى الثورة العام , وآلا نراهن - وهذا هو النكران الأعظم - على دورهم كقوة أساسية دافعة لعملية التغيير الإجتماعى والديموقراطى المنشود .
عماد مسعد محمد السبع .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟