أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - الظاهرة الطائفية في العراق :المقدمات والجذور - الجزء الأول















المزيد.....



الظاهرة الطائفية في العراق :المقدمات والجذور - الجزء الأول


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 222 - 2002 / 8 / 17 - 05:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الظاهرة الطائفية في العراق :

المقدمات والجذور .

"الجزء الأول "

                                                             

                                                                             

 

توطئة : كتبت هذه الدراسة قبل بضعة أعوام  وكان المؤرخ والمعجمي العراقي الأستاذ الراحل هادي العلوي قد تولى كتابة فصل الجذور  التاريخية للظاهرة الطائفية وآليات التحول التاريخي من الفرقة الى الطائفة في العراق إضافة الى المفصل المتعلق برموز الاستفزاز الطائفية  . وقد توليت أنا -كاتب هذه التوطئة -كتابة مقدمة الدراسة وفصل قراءة في قراءات أخرى وخاتمة الدراسة التي جاءت تحت عنوان فرعي هو " نحو خطاب مضاد للطائفية والطائفيين " . وقد نشر  أقل من نصف من هذه الدراسة في كتاب أستاذي  الراحل " المرئي و اللامرئي " والذي استضافني فيه بمقالتين لي نشرهما باسمي . تتعلق أسباب عدم نشر الدراسة بكاملها بالظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك . و من الطبيعي أن أتحمل اليوم مسؤولية نشر الدراسة كاملة بعد أن رحل شريكي الى العالم الآخر ، وبالمناسبة فمشاركته في هذه الدراسة مازالت بحوزتي وهي بخط يده إضافة الى مجموعة من ملاحظاته وتصويباته  للدراسة ككل  . والواقع فإن الظروف السياسية التي نعيشها اليوم و تستغرق الموضوع العراقي عموما والتركيبة الطائفية والقومية للمجتمع العراقي خصوصا، وسط تصاعد الدعوات والبيانات  السلفية التفتيتية والهادفة الى طمس هوية العراق العربية الإسلامية لصالح برامج طائفية أو انعزالية باسم الدفاع عن حقوق الأقليات أو الطوائف ومحاولة تهميش أو تهشيم الحل الديموقراطي العلماني المناسب لخصوصيات مجتمعنا و الذي أثبتت تجارب الشعوب الأخرى جدارته وصوابيته ، إن كل ذلك  دفعني الى التفكير جديا بنشر النص الكامل لهذه الدراسة لما أعتقده فيها من فوائد تعريفية وتحليلية كثيرة خصوصا وإننا حاولنا أن نحقق عمليا و خلال كتابتنا لها ما يسمى بمفهوم القطيعة الإبستمية  والاقتراب الممكن من الحياد العلمي وروح البحث والانحياز للحقيقة  في معالجة هذا الموضوع الحساس والخطير ونترك تقييم محاولتنا للقراء وذوي الاختصاص  .

                                                                             علاء اللامي

 

 

 

 

مقدمات:

 (الوطن هو نقيض الطائفية، فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن وعندما يفرض هذا -الوطن- نفسه تتوارى الطائفية)([1]) هذا ما قاله الباحث وأستاذ التاريخ المصري "يونان لبيب" قبل عقد تقريباً، وهو مصيب تماماً في ما ذهب إليه. لكن لا الطائفية ذات ماهية ثابتة ومكتفية بذاتها ولا الوطن جوهر ميتافيزيقي يقع خارج حدود التاريخ الحي. إنهما، وسواهما من المتماثلات، ظواهر ذات حيثيات ملموسة مرتكزة إلى أسس مادية تؤلف بجملتها وبحركتها لحمة التاريخ وسداه. وبهذا المعنى يصح الاعتقاد بأن الوطن لا يحتمل ولا يطيق منافسة الطائفة له على السيادة إذْ في هذا ضياعه المحقق.

 أما الطائفة فهي حين تحل محل الوطن وتحتويه فإنها  تضفي صفاتها وخصائصها و ولاءاتها عليه، إنها تنفيه إلى العدم لتشيِّد عدمها الخاص مكانه في هيئة حروب تدميرية عقيمة وإعادة إنتاج لحروب أخرى من ذات الطبيعة.

 لا مجال، والحالة هذه، لأية حلول تلفيقية تخترع توازنات وهمية وبدائل ذات مسميات محايدة شكلا تلفلف بها جوهرها الأيديولوجي الرجعي ، كأن يسمي الطائفيُّ نفسه إسلامياً، أو أن يدعو تنويري مزيف إلى سيادة (العدالة والحق) وإلى إزالة التمييز الطائفي ولكنه يرفض البديل الديموقراطي العلماني في نفس الوقت، إن هذه الدعوة على الرغم مما تتستر به من شعارات "ضد طائفية" تكرس واقع الطائفية. إنها تريد في الحقيقة، استبدال هيمنة طائفة، بهيمنة طائفة أخرى، وهكذا يستمر تاريخ الوطن في الدوران في حلقة مكررة من الخراب والدمار والغبن الشامل.

 كيف يغيب الوطن، وفقاً لهذه القراءة ؟ إن المقصود ليس الغياب الجغرافي بل التاريخي-الحضاري- وهذا ما يحدث مثلاً، حين تجتاح قوة غازية فتية وطناً فتحتله وتلغي حضوره، لفترة قد تطول وقد تقصر، وقد تنهي باحتواء المغزو للغازي أو العكس. ويحدث الأمر ذاته حين تتمكن عصابة من الناس من السيطرة على المؤسسات القمعية ومصادر الثروة في دولة ما فتلتغي- حكماً- سيادة الوطن لصالح سيادة العصابة، وغالباً ما لا تعمر سيادات كهذا المثال طويلاً إلا في النادر ومنه  الحالة موضوع دراستنا. وثمة شكل آخر من أشكال غياب وسرقة السيادة ، وهي الأكثر خطورة وحضوراً في راهننا السياسي. يحدث ذلك حين تستثمر قوة سياسية طائفية منظمة ومسلحة وممولة جيداً وضع تاريخي، شاذ ومعقد يمر به بلد ما، وتنجح، الطائفة  اسماً، ومُدعو تمثيلها واقعاً، في إحلال نفسها محل الوطن فتلغيه بما فيه وغالباً ما تتحالف قوى كهذه مع عدو خارجي تاريخي أو محتمل لتحقيق هيمنتها، ومن ثم تدخل في صراع شامل وإبادي مع جميع المكونات التاريخية للوطن، حرثاً ونسلاً ومؤسسات، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

الطائفية نوعان :

لا تشكل طبيعة النسيج المجتمعي في العراق استثناءً لما هو سائد في المشرق العربي بل في الشرق عامة، حيث القاعدة هي التعدد الفسيفسائي، بتمظهرات بالغة التنوع والتعقيد لماهيات إثنية ودينية وطائفية..إلخ. والاستثناء هو الانسجام والصفاء النوعي المحدود في الزمان والمكان. إن هذه المحدودية تتأتى من الندرة التاريخية والجغرافية أولاً، ومن التصاقها بحركة تاريخ النموذج الموصوف، وكونها حركة تاريخية يجعلها في تقاطع تام مع تاريخ آخر لا اسم له سوى تاريخ الأوهام، الذي تصول وتجول فيه الكتابات الطائفية المتكاثرة هذه الأيام تالياً. وهذه الكتابات نوعان: نوع يعي طائفيته فيدافع عنها تحت شعار "إما نحن وإما هم". وبعضها أكثر حياءً فيتستر بما سبق ذكره من مسميات.

النوع الثاني، وهو ما سنسلط عليه الأضواء بشدة تكافئ شدة خطورته، هو ما يمكن تسميته بالطائفي مآلاً وتكويناً. فهذا النوع من الكتابات يشكل الجزء الأكبر والأخطر من بنية الخطاب الطائفي الجديد، وهو بهذا يستحق صفة الجدة الخالية من أية قيمة معيارية، أي لكونها جديدة فهي تقدمية تاريخياً، بل لأنها تفترق، نوعاً، عن الخطاب الطائفي التقليدي والذي قد يصنف ضمن ما يمكن تسميته فلكلور الشتائم الطائفية المتبادلة!

ولكننا لن نهمل تماماً هذا النوع الأخير- الفلكلوري- بل سنعود إليه كلما اقتضت ضرورات البحث ذلك. على ضوء هذه المقدمات التوضيحية ، ستفترق المنهجية التاريخية النقدية ، التي سنعتمدها في استقرائنا لهذه الظاهرة، افتراقاً حاداً ومثيراً لإشكاليات مختلفة  عن منهجيات أخرى تناولتها من مواقع، أريد لها أن تكون نقدية، ولكنها انتهت للأسف لتكون جزءاً وطيداً من بنية الخطاب الطائفي ، لأنها متورطة أصلاً، وإلى هذه الدرجة أو تلك، في الانحياز الناجم من جملة الأحكام والآراء المسبقة والمستغرقة بحسابات سياسية وفكرية نفعية. وعلى النقيض من هذا، فإن التراث والسلوك النضالي للقائدين والمؤسسين الفعليين للدولة العراقية مهدي الخالصي ومهدي الحيدري، ورغم أنهما من رجال الدين الشيعة، يمكن اعتبارهما خارج بنية الخطاب الطائفي تماماً، لا بل إننا نعتبر تراثهما جزءاً حيوياً ومهماً من بنية الخطاب العقلاني المضاد للطائفية شكلاً ومضموناً، مصدراً ومآلاً. إنها بنية، تروم هذه الدراسة أن تشكل مفتاحاً لفهمها كظاهرة سلبية وترسيخ نقيضها في تربة الواقع السياسي والفكري العراقي لتكون، بما تطرحه من أفكار وطرائق بحثية، امتداداً وتواصلاً، ومن ثم تطويراً لكل فكر وتراث مناهض ومناقض للخطاب الطائفي التدجيلي الراهن والزاحف بقوة في السنوات الأخيرة. لقد نحينا جانباً كل ابتزاز محتمل لمنهجيتنا ومقولاتنا وندرك جيداً أننا سنواجه بالأحرى شبكة متنوعة وربما متعادية من الابتزازات والإرهاب الفكري. ثمة مثلاً الابتزاز الطائفي السني الراغب في استمرار دار لقمان على حالها، سواء مكثت الحكومة القائمة أم ذهبت مع الريح، وهناك الابتزاز الطائفي الشيعي الإثني عشري الذي([2]) لن يطيق بكل تأكيد هذه القراءة الفاضحة والمفككة لملابساته التي ظلت في مأمن من أية فاعلية نقدية تقوم على أسس عقلانية قروناً طويلة. هناك أيضاً ابتزاز النظام الحاكم والذي، وإن كان سيرقص طرباً لأشياء، لكنه سيدرك سريعاً بأن أشياء كثيرة ستصيبه في مقتل! ومع ذلك فلن نخضع قراءتنا لأية حسابات سياسية، فهذا شأن خاص برجال السياسة وطلاب السلطان لا بأهل الفكر. إضافة إلى ما سبق فإن هذه المنهجية ستزعج أولئك القائلين بـ "علمانوية" زائفة ومزيفة تساوي بين القرامطة والإخوان المسلمين وتحكم على الاثنين بالرجعية كما يقول بذلك بعض "المستشرقين العرب". وأخيراً فلن نكون بمنجى من ردود أفعال الذين سيجدون أفكارهم وقد أضحت جزءاً من بنية الخطاب الطائفي ولهؤلاء نقول: إننا لا نشطب على إنجازات أحد ولا نلقي اتهامات جزافية بل ونعبر عن احترامنا للنوايا الطيبة التي كتبوا ما كتبوا في هديها، غير أن العقل وطرائق عمله لا يقيم كبير وزنٍ للنوايا والعواطف رغم جمالها بل للحقائق والمصائر، وقديماً قال عدو الطائفية الأول أبو العلاء المعري:

كذِبَ الظنُ لا إمامَ سوى العقل     مشيراً في صبحهِ والمساء

  الجذور التاريخية للطائفية:

أطلق اسم طائفة على بعض الفرق الإسلامية في عصر متأخر ليكرس تحول الفرقة إلى جماعة دينية خالصة بعد أن تكون قد انسحبت من ساحة العمل السياسي أو الثقافي الذي يقع في أصل تسمية فرقة. وشملت التسمية الجديدة أهل السنة والشيعة بفروعها الإسماعيلي والإثني عشري والزيدي والدرزي. كما انسحبت التسمية على الفئات المسيحية المختلفة في الوقت الحاضر. والطائفية مصدر صناعي من الطائفة يشير إلى الانحياز للطائفة والتعصب ضد الطوائف الأخرى. وهذه تسمى في الإنكليزية (سَكتريانزم) نسبة إلى (سَكْت) وهي الطائفة أو الفئة وهو نفس الاسم تقريباً في الفرنسية (سكتاريزم) وقد اشتق بعض الكتاب اللبنانيين "طوائفية" نسبة إلى الطوائف لوضع تتعدد فيه الطوائف وتسود بينها النزعة الطائفية كما هو الحال في لبنان.

لم يطلق اسم طائفة على المعتزلة التي زالت من الوجود قبل انقضاء العصر الإسلامي وتلاشي الحضارة الإسلامية كما لم يطلق على الأشاعرة التي زالت في أوائل العصر العثماني. وزوالهما يرجع إلى استعمال العقل في الجدل العقائدي وهو أمر لم يعد ممكناً مع تراجع الفكر الإسلامي العقلاني وتغلب السلفية الدينية بعد ظهور السلاجقة والفئات الأخرى من الأتراك. وبسبب ذلك لم يكن ممكناً تحول المعتزلة إلى طائفة دينية لأن كيانها قائم على العقليات دون النقليات. وهكذا كان شأن الأشاعرة ولو أنهم في الجوهر سلفيون وإنما تميزوا في استعمال الجدل العقلي لإثبات عقائدهم.

الخريطة الطائفية عالميا :كانت المعتزلة والأشعرية والباطنية الإسماعيلية والخوارج تسيطر على أقاليم كثيرة في ديار الإسلام وتشكل الأكثرية في مقابل الفرق السلفية وبالأساس الشيعة الإثني عشرية والسنة. ومع زوال المعتزلة والأشاعرة وانحسار المد الباطني الإسماعيلي وانكفاء الخوارج في عمان وبعض منتبذات المغرب بدا المسلمون منقسمين إلى طائفتين أساسيتين هما السنة والشيعة الإثني عشرية. وقد تكرس هذا الانقسام في غضون القرن السابع الهجري، الذي شهد زوال المعتزلة وانحسار الباطنية وانكفاء الخوارج حيث خلت الساحة للطائفتين السلفيتين المتناحرتين السنة والشيعة. لكن هذا الانقسام لم يؤثر على مجرى الأحداث في العالم الإسلامي، وذلك لأن الانقسام لم يكن متعادلاً بحيث تتناصف الطائفتان فتقف إحداهما في مواجهة الأخرى في كل بلد من بلدان الإسلام. فالذي حدث هو أن أهل السنة أخذوا مع ظهور السلاجقة وسيطرة الأتراك على معظم أنحاء العالم الإسلامي باحتلال المواقع التي أخلتها المعتزلة والباطنية والأشعرية ليصبحوا الطائفة الأكبر للمسلمين، بينما راوحت الشيعة الإثني عشرية في حدود ضيقة تشمل أجزاء من العراق ولبنان وإيران وانحصرت الزيدية في شمال اليمن دون الجنوبي وانزوت الإسماعيلية في زوايا صغيرة من سوريا والهند وآسيا الوسطى. والشيعة الأمامية الإثني عشرية هي أكبر طوائف الشيعة المعاصرين، ومعاقلها الآن في العراق وإيران وجنوب لبنان، وقد اكتسبت قوة بتشييع إيران في العصر الصفوي في القرن السابع عشر الميلادي، وازدياد رقعة التشييع في العراق بعد هذا العصر. لكنها تبقى طائفة صغيرة أمام أهل السنة الذين يشكلون أكثرية المسلمين المطلقة عالمياً.

فالإسلام السني يغطي شمال ووسط أفريقيا بما فيها مصر والسودان وأقاليم "العربيا"عدا اليمن الشمالي وعمان وبلاد الشام عدا جنوب لبنان، وتركيا و الباكستان وأكثرية مسلمي الهند وجميع مسلمي آسيا الوسطى وأندونيسيا و الملايو والأقلية المسلمة في الصين المسماة قومية هوي.

ومن هنا لا يصح الادعاء، كما يصادر محمد أركون وزملاؤه "المستشرقون"، بأن الصراع الطائفي بين السنة والشيعة يحكم تاريخ الإسلام، بل إن الذي حكم تاريخ الإسلام في العصر الإسلامي هو الصراع بين السلطة والمعارضة وهو صراع طبقي اجتماعي خالص، كما حكمه لون آخر مكمل من الصراع وهو الصراع بين الدين والثقافة أي بين العقيدة السلفية الخالصة وبين الفكر الإسلامي في مناحيه ومدارسه المتنوعة. أما بعد العصر الإسلامي أي في العصرين المغولي والتركي العثماني فقد تطامن الصراع بتغلب السلفية على الفكر وانحسار الحركات الاجتماعية وحركات المعارضة لحساب ركود سياسي واجتماعي مقارن للركود الفكري والحضاري. وعندما نرجع إلى ساحات الصراع الطائفي نجدها مقتصرة على العلاقات الإيرانية العثمانية وتنحصر ساحتها في العراق. وهو البلد الوحيد الذي عانى معاناة شديدة من التناحر بين السنة والشيعة، ومع ذلك لا يسعنا القول إن تاريخه يتماهى بهذا التناحر فهناك عناصر عديدة تحكم هذا التاريخ وتساهم في تكييف حركته على النحو الذي سنعرضه في هذا المبحث.

وقبل أن نخوض في حيثيات التناحر الطائفي في العراق نرجع إلى جذوره التاريخية حتى يكون البحث متصلاً وفق التسلسل الديالكتيكي المتورخ.

كان العراق من مراكز المعارضة الأرأس للخليفة الثالث عثمان بن عفان، ومنه ومن مصر جاءت الفئات الناقمة على الخليفة والتي ساهمت في تأجيج التمرد الذي انتهى بقتله. وبسبب هذا الوضع نقل علي بن أبي طالب عاصمته من المدينة إلى الكوفة. وكانت الكوفة هي الأكثر ولاء لعلي بخلاف البصرة التي أصبحت عثمانية.

وبعد مقتل علي وقيام الدولة الأموية تمركزت حركة المعارضة للأمويين في العراق. لكنها لم تكن معارضة شيعية ونقصد بالشيعة هنا تلك الموالية لعلي وولديه والمختلفة عن الشيعة الإثني عشرية والتي ستكتمل ملامحها كما هي اليوم، بعد عدة قرون كما سنفصل ذلك في موضع آخر من هذا المبحث، قلنا إنها لم تكن معارضة شيعية فقط ، بل كانت هناك حركة أخرى في حجمها وقوتها وهي حركة الخوارج. ثم ظهرت القدرية والجهمية والجعدية وكانت ناشطة في العراق والشام، فلم تستأثر الشيعة بساحات الصراع التي توزعت على هذه الفرق، ولذلك لا يمكن اعتبار العراق، في ذلك الوقت، رغم نزول علي فيه، إقليم شيعي بل هو مركز للمعارضة المتعددة الفئات. لذلك لم تصبح الكوفة شيعية خالصة رغم أنها عاصمة علي بن أبي طالب التي قاتلت الأمويين إلى جانبه حتى نهايته الفاجعة. فقد كانت الكوفة في غضون العصر الأموي والعباسي الأول مسرح لمعظم الفرق والحركات الفكرية والسياسية. وفيها ظهر المذهب الحنفي، أنضج وأوسع مذاهب الفقه السني. ولدى التدقيق في شخصياتها الثقافية لا نجد من بينها إلا القليل من الشيعة. على أنها بقيت من مراكز المعارضة للأمويين والعباسيين الأوائل وكانت أفخم ثوراتها التي قادها محمد بن طباطبا أيام المأمون وهي لم تكن ثورة شيعية إلا في قيادتها أما جمهورها فهو جمهور المعارضة التقليدي الذي يدعم كل ثائر على الدولة. وهذا هو شأن البصرة التي سارت وراء إبراهيم بن عبد الله الحسني في ثورته ضد المنصور، والتبس الآمر على المستشرق "شارل بيلا" فتعجب من تحول البصرة العثمانية إلى شيعية، هكذا بكل جهل بطبيعة الثورات ودوافعها بإحالتها إلى أساس إيديولوجي عقائدي يحركها باتجاه معين. والثورات هي نتيجة الصراع الطبقي الاجتماعي وهويتها لا تأتي من هوية قادتها بل من مطالبها التي تأتي الثورة للوفاء بها وهي مطالب عامة الناس لا مطالب فئة محدودة من أهل العقائد.

وللحديث صلة ..

 



([1]) الطائفية إلى أين؟ تأليف مجموعة من الباحثين المصريين، ص65، دار المصري الجديد.

([2]) أن كون كاتبي هذه الدراسة عربيين ومن الشيعة الاثني عشرية لا يقدم أو يؤخر كثيراً بخصوص نظرتهما إلى الابتزازات وردود أفعال الاستزلام الطائفي، فهما ماركسيان ويفرقان تفريقاً لا لبس فيه بين الطائفية والدين وبين الإسلام الدين والإسلام الحضارة والإسلام الإيديولوجيا السياسية .



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحصاد المر للتجربة الملكية في العراق :
- دفاعا عن عراقية الشيخ الآصفي !
- ردا على داود السحّاب !
- القاعدة والاستثناء في الغزو الأمريكي القادم للعراق :تفكيك ال ...
- التجربة الإسكندنافية
- تقرير كوفي عنان واغتيال شهداء جنين مجددا !
- تنويه الشيخ الآصفي عودة الى عهد الفتن والفتاوي التكفيرية !
- الفاسية والفاسيون
- يشعياهو يصفع القتلة !
- مجزرة " حي الدرج" في غزة : خطوة أخرى على طريق زوال الدولة ال ...
- للرجال والنساء فقط
- عدالة الذئاب البشرية
- أخلاقيات القتال
- عسكر وحرامية ومناضلون !
- المسودة الكردية للدستور العراقي المقترح : المقياس الديموغراف ...
- المسودة الكردية للدستور العراقي المقترح : توسيع كردستان حتى ...
- الوهراني والسخرية السوداء
- حق العودة الفلسطيني هو قلب الصراع :اتفاقيات جنيف تمنع الفلسط ...
- استطلاعات الرأي الفلسطينية :توازن نسبي بين فتح والإسلاميين و ...
- حساب الإيجابيات والسلبيات في "إعلان شيعة العراق " -الجزء الث ...


المزيد.....




- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - الظاهرة الطائفية في العراق :المقدمات والجذور - الجزء الأول