|
قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطني الديمقراطي في سوريا
نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري
(Nayf Saloom)
الحوار المتمدن-العدد: 999 - 2004 / 10 / 27 - 11:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جاء في نص البرنامج المنشور في 20/12/ 2001 قوله: "كان التجمع سباقاً إلى تبني الديمقراطية أساساً للعمل الوحدوي .. ومقدمة ضرورية قد تستغرق مرحلة طويلة للانتقال إلى نظام اجتماعي أكثر عـدالة وإنسانية ". ص 3 ما يعني هذا القول أن الحرية مقدمة ضرورية للاشتراكية بالتعبير القديم، وأن المرحلة الديمقراطية مقدمة للمرحلة الاشتراكية وسابقة لها. وهذه المرحلة الأولى قد تطول. وقد ثبت فساد فكرة التمرحل. فزمن حزب الوفد في مصر أدى إلى انقلاب عبد الناصر، وفترة عبد الناصر لم تقود إلى الاشتراكية، بل انحطت إلى كولونيالية تابعة ومندمجة بالسوق الإمبريالية و منخرطة بالتسوية مع إسرائيل على الطريقة الأمريكية. منهجياً، التمرحل أو تقسيم المسألة القومية الديمقراطية إلى مراحل تنجز البورجوازية مهما يكن شكلها ونوعها المهام الديمقراطية من ثم تسلم السلطة سلمياً إلى البروليتاريا كي تنجز المرحلة الاشتراكية والوحدة القومية. هذا التصور ميكانيكي وغير تاريخي في نزعته، أي أنه لا يرى الموقع الدولي للبورجوازية الطرفية في العصر الإمبريالي المعولم، أي لا يستطيع رؤية الدور الذي تقوم به هذه الطبقات والذي يقوم بإحباط أي تقدم. بمعنى آخر تعجز البورجوازية الطرفية عن إنجاز المهام الديمقراطية بحكم طبيعتها الاجتماعية وبحكم موقعها الهامشي في الهرم الرأسمالي العالمي. وعلى هذا الأساس يتوجب على البروليتاريا وبرنامجها الديمقراطي الواسع أن تثبت جدارتها وتصل إلى صدارة الحركة الاجتماعية عبر تأكيدها على علاقتها العضوية بالديمقراطية وعلى سعيها لإنجاز تلك المهام، التي هي وريثتها الشرعية حسب منطق التاريخ المتناقض. لا بد من حشد القوى لتحصيل المساواة في الممارسة السياسية كخطوة أولى. من جهة أخرى يقول لسان حال التجمع: "ينظر التجمع إلى الإصلاح الاقتصادي من زاوية المصلحة الوطنية والتكامل الاقتصادي العربي وأولوية السوق العربية المشتركة التي يمكن أن تنتج نوعاً من تقسيم عربي جديد للعمل فيما إذا فتحت الحدود وفيما إذا أقيمت مشروعات مشتركة " ص8 . هذه الفقرة تعمل في دائرة الأمنيات دون تقديم تحليل موضوعي للقوى الاجتماعية التي هي قادرة على فرض وإنجاز تقسيم عمل جديد دولي. ولهذا السبب يستخدم النص كلمات من مثل "فيما إذا". وباعتبار أن الإصلاح الاقتصادي هو إصلاح سياسي أو أن الأخير هو المدخل الحقيقي له، وهو ما ذكرت الوثيقة شيئاً مشابهاً له، بكلام آخر باعتبار السياسة الاقتصادية هي البرنامج الاقتصادي لطبقة اجتماعية سائدة وحاكمة أو تحالف طبقات تحت قيادة واحدة منها، فإن الكلام عن سوق عربية مشتركة هو ضرب من الأمنيات ، خاصة وأن الطبقات السائدة العربية والنظام القطري العربي هو الوريث الشرعي للكولونيالية التقليدية. وهامشيته في التقسيم الدولي للعمل واضحة ومجربة على خلفية الطبيعة الاجتماعية لهذه الطبقات. وقد أثبتت أحداث القرن العشرين أنه لا يمكن لبلد أو طبقة تغيير موقعها في التقسيم الدولي للعمل إلا عبر صراع دام وعنيف في مواجهة الإمبريالية. فقد أحرزت الصين وروسيا أمراً كهذا بفعل ثورات اجتماعية- الثورة الصينية والثورة الروسية. وحققت هذا الأمر الولايات المتحدة الأمريكية على أثر حربين عالميتين ، الحرب الأولى والحرب الثانية. لهذا يكون القول أنه كلما كان البرنامج الديمقراطي فعالاً وحاضراً بقوة وكذلك القوى الديمقراطية كلما مال توجيه العملية الاقتصادية والبرنامج الاقتصادي لمصلحة الغالبية الشعبية. نتابع مع الوثيقة ما جاء في ص9: "الوحدة الشرط اللازم وغير الكافي لنهضة الأمة وتقدمها ". يفترض هذا القول سلفاً أن الوحدة يمكن إنجازها من قبل أية طبقة اجتماعية لا على التعيين، وبالتالي قد يتم إنجاز الوحدة من دون التصنيع العضوي أو التحديث على سبيل المثال. وهذا يعيدنا إلى تقسيم التقدم العربي إلى مراحل منفصلة ميكانيكياً وكل مرحلة مرتبط إنجازها بسيطرة طبقة محددة. لهذا نقول أن الطبقة أو تحالف الطبقات الذي سوف ينجز الوحدة هو هو من سوف ينجز التقدم والتحديث العربيين. وهي التي سيفرض عليها صراعاً عنيفاً ومصيرياً مع الإمبريالية المعولمة و مع إسرائيل والصهيونية العالمية. وهي التي سوف تحرز موقعاً أفضل للعرب في التقسيم الدولي للعمل. وهكذا تغدو عبارة "اللازم وغير الكافي" عبارة تصب مرة أخرى في نفس طاحونة التمرحل في إنجاز المهام، أن أنه يعتقد بأن الطبقات العربية السائدة حالياً قادرة على إنجاز بعض من المهام الديمقراطية لمشروع النهوض العربي . إذ كان من المفروض تحليل مفصل وفعلي لطبيعة البرامج الوحدوية و"الديمقراطية" لمختلف الطبقات الاجتماعية التي سادت والسائدة منها أو التي في طريقها إلى السيادة، بما فيها الطبقة الوسطى المسيطرة فترة عبد الناصر. والغريب أن يخرج التجمع بنتيجة مفادها: أنه اعتماداً على الشرط اللازم وغير الكافي "يدعـو التجمع / ويعمل في سبيل تعزيز التضامن العربي على الأسس والمبادئ التي تضمن المصالح القومية المشتركة وتصونها وتفضي إلى الوحدة العربية. كما يدعو/ ويعمل في سبيل تعزيز دور الجامعة العربية وتطويره.. "ص 9 . مرة أخرى يعتقد التجمع واهماً أن هذه الأطر التي هي النتيجة الطبيعية للسياسات "القومية" للطبقات القطرية السائدة وبرامجها يمكنها ضمان المصالح القومية وصيانتها. والجامعة العربية إن هي إلا وليدة النظام القطري ومكملة أدواته ومعرقلة التقدم في مشروع التوحيد العربي. علينا أن نلاحظ تاريخياً ارتباط ظهور النظام القطري العربي وقيامه مع الإمبريالية ومع ظهور وقيام دولة إسرائيل. فقد قام شرقي الأردن على سبيل المثال على هذه الأسس واكتسب، وما زال يكتسب شرعيته من وجود دولة إسرائيل ومن وجود السيطرة الإمبريالية. إن المراهنة على الجامعة العربية والتضامن العربي بين نظم قطرية في أصل نشأتها مرتبطة ومرهونة لإرادة الغرب الإمبريالي، لتشير إلى فهم ميكانيكي متخلف لمشروع التوحيد العربي الديمقراطي. ويغيب عن بال المراهنين على فهم كهذا حقيقة أن هذا المشروع مرتبط عضوياً بصعود البروليتاريا العربية كوجود سياسي وبرنامجها الديمقراطي إلى قيادة التحرك الشعبي. وهذا الصعود ليس جبرياً ولا بدهياً، بل يصير عبر كفاح مرير و وعي عميق بالطيف الاجتماعي الواسع للطبقات والفئات الاجتماعية في الأقاليم العربية، ووعي بالبنى الاجتماعية الاقتصادية المخلعة لهذه الأقاليم، وبالعقائد والفئات والأقليات القائمة. فعندما صعدت الطبقة الوسطى عبر فئاتها العليا إلى قيادة المجتمع المصري طرحت مشروع توحيد مع الإقليم السوري قصير النظر وذو دوافع تنافسية مؤقتة مع العراق تحت قيادة نوري السعيد. بأدوات بيروقراطية معتمدة على الأجهزة البوليسية، وبحذر متأصل وخوف من المشاركة الشعبية في مشروع التوحيد هذا. لأن مشاركة شعبية حقيقية تكفل اندفاع البروليتاريا وبرنامجها الديمقراطي إلى الصدارة. وللأسباب السالفة الذكر يمكن تفسير التأزم السريع لمشروع التوحيد الناصري. بخصوص عضوية التجمع: "عضوية التجمع في سوريا مفتوحة لأي حزب سياسي أو مجموعة أو جمعية سياسية أو ذات بعد سياسي، شريطة الموافقة على برنامجه، والالتزام بنظامه الأساسي". كون البرنامج خاص بتجمع وليس بحزب بعينه كان الأجدى والأكثر منطقاً أن يحدد التجمع نقاط بعينها تتوجب الموافقة عليها من قبل العضو المرشح للتجمع . أما أن يشترط قبول كامل البرنامج حتى يستطيع الدخول إلى التجمع فهذا فيه بعض الخطأ. إضافة لنفي أي حوار داخل التجمع حول نقاط خلافية، لأن الداخل بالأصل وحسب شرط القبول موافق على البرنامج. إذاً كان الأجدى طرح صيغة: الموافقة على نقاط محددة من البرنامج تحديداً منهجياً وصارماً.
#نايف_سلوم (هاشتاغ)
Nayf_Saloom#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديالكتيك الانعكاس في الفن
-
نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين
-
علمانية ، أم نقد جذري للتراث القومي العربي و الديني؟
-
الاشتراكية أو البربرية محمد الخضر
-
حول نظرية الانعكاس
-
إسرائيل في قلب الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الكبير
-
في المسألة القومية العربية الديمقراطية
-
المثقف الجديد
-
قضايا في مقاربة الإمبريالية الجديدة وما يترتب من مهام
-
في انفصال المهام الديمقراطية(# )عن الليبرا لية
-
الأزمة مستمرة – نقد وجود الحزب -1
-
قراءة في -كراسات السجن- لـ أنطونيو غرامشي
-
العلاقة العربية الكردية تعدّد مستويات المقاربة
-
القول النظري والقول السياسي حدّ العلم والقول السياسي
-
خمر تمور العراق يُسكر الأكراد السوريين
-
في الفهم المادي للتاريخ- مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- ال
...
-
في الفهم المادي للتاريخ -مدخل إلى الإيديولوجية الألمانية- ال
...
-
في الفهم المادي للتاريخ مدخل إلى الإيديولوجية الألمانية- الق
...
-
في الفهم المادي للتاريخ مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- الق
...
-
اللينينية- قراءة نقدية في كتاب مارسيل ليبمان اللينينية في ظل
...
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|