|
حاخام في بغداد
حسنين السراج
الحوار المتمدن-العدد: 3348 - 2011 / 4 / 27 - 16:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سألني أحد اصدقائي ( لماذا تقلب دفاتر عتيقة في كتاباتك هل كنت نائم ) فقلت له أنا لست صحفي لابحث عن سبق وأهتم في نقل اخر المستجدات . ولست كاتب اكاديمي لادلي برايي التحليلي العلمي الوصفي حول اسخن الاحداث واكثرها تأثيرا . أنا (أنسان عادي) يعبرعن نفسه بالكتابة . ويتحدث عن الواقع الذي ينتمي أليه .
من يؤمن بامريكا أكثر مبغضيها أم محبيها ؟
تدخل أسرائيل في الشأن العراقي أمر ثابت لا يحتاج المرء الى جهد كبير لأثباته . فدولة كأسرائيل لا يمكن أن تقاوم تحول العراق الى ساحة مفتوحة بعد 2003 دون أن تضع لها موطيء قدم فيه بكل الطرق الممكنة . خصوصا أن الدولة التي أجتاحت العراق حليف أزلي وتوأم روحي لها . فليس من المنطق أن لا تتدخل اسرائيل . بل سيكون امر غريب أن لا تتدخل. وهذا الامر ليس موضع نقاش .
قبل تظاهرة يوم الخامس والعشرين من شباط بأيام سالني أحد الأصدقاء : ( من هي الجهة الخفية التي تحرك التظاهرات التي تجري في البلدان العربية والتظاهرات التي ستجري في الجمعة القادمة في العراق ؟) فقلت له وهل برايك أن هناك جهة خفية تحرك هذه التظاهرات ؟ فقال لي نعم لا بد من ذلك فقلت له : ( أحد أصدقائي من المتحمسين لمظاهرة يوم الجمعة ويدعو لها في الانترنت ولا اجده انسان خفي . هو انسان عادي مثلي ومثلك يجد ان هناك خلل في الخدمات وخلل في مسار الديمقراطية ويحاول أيصال صوته ليس أكثر من ذلك ) فنظر لي وبوجهه أبتسامة ساخرة قائلا : ( كل ما يحدث في البلدان العربية وما سيحدث في العراق تقف خلفه أمريكا ) فقلت له : (هل تملك روح رياضية كافية لاوجه لك سؤال ؟) فقال لي وبوجهه أبتسامة ثقة مفرطة ( تفضل أسأل على راحتك ) فقلت له : (هل تؤمن بان الله على كل شيء قدير ام تؤمن أن الامريكان على كل شيء قادرين وبعبارة أخرى هل تؤمن بأله واحد ام ألهين ؟ ) فقال لي : ( الامريكان والصهاينة الملاعين قادرين على كل شيء ولديهم أعوان في كل مكان ولا تتوقع ان هناك شيء يحدث أذا لم يكن لامريكا وأسرائيل يد فيه . أن المخطط الصهيوني أعمق وأعقد مما تتوقع ) بعد ان تحدث هذا الكلام لم تعد لي رغبة لتكملة النقاش فقلت له : ( أعذرني فانا لا أملك خبرة في هذه الامور وقد يكون كلامك صحيح ) . يقول ديل كارنيجي أكسب الجدل بأن تتجنبه .
أن من يملك هذه العقلية ليس هناك جدوى في النقاش معه . والملاحظة الغريبة التي لاحظتها ان من يكرهون أمريكا يؤمنون بها أكثر من محبيها . أمريكا لديها نفوذ وتحاول فرض رغباتها وتحقيق أهدافها , لكن ليس كل ما تريده تتمكن من الحصول عليه وليس كل ما تخطط له ياخذ طريقه للنفاذ فهناك امور كثيرة تحدث لا تتمنى امريكا حدوثها . وأمور كثيرة تعجز امريكا عن فعلها ولو كانت امريكا بهذه القدرة المطلقة لما أنهار أقتصادها بهذه الطريقة المذلة وفي وقت قياسي . لا أعلم سبب الايمان المطلق بقدرات أمريكا من قبل معاديها أكثر من محبيها وهذه النقطة تستحق التامل .
حاخام في العراق
أذا أردت الحديث عن جرائم أرتكبها الامريكان في العراق فسأتحدث عن حادثة أؤمن بحدوثها وأعرف جيدا أنها حقيقة وأشعر بألم شديد حين أتذكرها وهي حادثة الجندي الامريكي الذي قتل عائلة كاملة في المحمودية وأغتصب أبنتهم وأحرقها . وهذه القصة تجسيد واقعي وحقيقي جدا لجريمة أرتكبها الجيش الامريكي بحق المدنيين . ولا ينكرها الا أخرق .
هناك قصص أنتشرت في الشارع العراقي قبل أعوام وهي ذات مغزى . سأروي لكم قصتين من هذه القصص لنناقش المغزى منهما :
القصة الأولى
مجموعة من المدنيين يركبون سيارة أجرة وفي الطريق المؤدي من المحافظة (أ) الى المحافظة (ب) أوقفتهم مجموعة من المسلحين الملثمين فاخذوا هوياتهم وحين أكتشفوا انهم من مذهب اخر قاموا بأخذهم الى منطقة قريبة وعرضوهم على أمير المجموعة فامر بذبحهم جميعا وأثناء تنفيذ عملية الذبح نظر أحد أفراد المجموعة المسلحة الى وجه احد الضحايا وقال له :( أنت مو نائب ضابط فلان من الفرقة الفلانية في الجيش العراقي ) فقال له : (نأي أنت تعرفني ؟) فكشف عن لثامه وأجابه : (اي اني فلان الفلاني وكنت جندي في كتيبتك ما تذكرتني؟) فقال له : (أي تذكرتك ) فاخذ أحدهما الاخر بالأحضان .فطلب الضحية من المسلح ان يفرجوا عن الجميع فقال له هذا غير ممكن أنا تمكنت من تخليصك لكن ليس لي قدرة على تخليص الجميع وبعد قليل جائت سيارتان عسكريتان نوع همر ونزل منها مسلحين أمريكان فذهب اليهم أمير المجموعة وسلم الرؤوس المقطوعة للأمريكان وقبض مبلغ من المال يقدر بعشرات الالاف من الدولارات . وهذا الناجي هو من نشر هذه القصة بعد أن كتبت له حياة جديدة بأعجوبة . فكشف بذلك حقيقة ما يجري ورفع الغشاوة عن عيوننا .
القصة الثانية
في الطريق المؤدي من المحافظة (أ) الى المحافظة (ب) أعترضت مجموعة مسلحة أحدى سيارات الاجرة وأستوقفتها . وكان في السيارة ثلاث ركاب . فسال المسلحون الراكب الاول : (أنت سني لو شيعي ؟) فقال لهم : ( أني سني ) فقتلوه على الفور . وسالوا الراكب الثاني : ( جاوب بسرعة أنت سني لو شيعي؟ ) فقال لهم : ( أني شيعي ) فقتلوه على الفور . فسألوا الراكب الثالث وكان حائرا فيما يجيب فمن قال أنه سني قتلوه ومن قال انه شيعي قتلوه فقال لهم : ( أني لا سني ولا شيعي اني واحد كاولي -غجري- ) فضحك المسلحين بشدة على ما قاله وقالوا له : ( أسمع أحنة مراح نقتلك بس لازم تنام وية الجثث لانه المسؤولين بعد شوية يمرون يتاكدون من موتكم . لازم تسوي نفسك ميت وتنام بين الجثث حتة تخلص نفسك) ففعل الرجل ما طلبوا منه . وبعد قليل سمع صوت سيارة قادمة وحين توقفت السيارة قرب الجثث حاول أختلاس النظر فاكتشف حقيقة مذهلة وهي أن من جائوا للتاكد يرتدون زي حاخامات يهود وبعد أن تأكدوا أخرجوا مبلغ من المال وأعطوه للمسلحين . ويبدو أن الله أراد لهذا الرجل أن يبقى حي لينقل لنا هذه الحقيقة .
منذ متى والقاتل يهتم للزاد والملح ومنذ متى الملثم يكشف عن نفسه . ولماذا تلثم أصلا أليس لتغطية شخصيته خوفا من أن يتعرف عليه أحدهم ؟ وما الذي يجعل الأمريكان بهذه الدرجة العالية من الغباء . حتى لو فرضنا ان الامريكان يريدون التحريض على الذبح ما الذي يجعلهم يستخدمون أساليب قديمة وسخيفة جدا ومكشوفة ؟ ولماذا يحضر الحاخام اليهودي مرتديا زيه الديني ؟ وأين كان رجال المقاومة الغيارى عن هؤلاء (عملاء اليهود والأمريكان) الذين يسرحون ويمرحون ويقتلون العراقيين على الهوية في مناطقهم ؟ اما كان أولى بهم الوقوف بوجههم وقتلهم لانهم مدسوسين من قبل المحتل ؟
ان هذه القصص لا تحتاج الى خبير ليفندها . فهي تفند نفسها بنفسها . ولا تستحق ان نقف كثيرا لاثبات صحتها من عدم صحتها . لكن الذي يستحق ان نقف عنده هو المغزى من الترويج لها و الجهة التي تبث هذه القصص .
المجتمع العراقي ميال بشكل كبير لتصديق هذه القصص والزيادة عليها وحبكها . فلا يحتاج من يريد بث هكذا قصة بين الناس الكثير من الخيال الواسع فحتى لو كان في قصته ثغرة واضحة ستختفي هذه الثغرة بعد وقت قصير . ستروى القصة من لسان للسان وتتغير وتحبك وتصبح حقيقة قائمة لا يجرأ أحد على تكذيبها . فحين سمعت كل قصة من هاتين القصتين على حدا كان من يرويها صادقا في قوله ومستمتعا في روايتها لانه يجدها تدعم ما يؤمن به وما يتمناه . أحد الأصدقاء قال لي بعد ان أنتهى من سرد قصته ( وهذا الرجال موجود حي يرزق جيران بيت فلان وهو حدثهم عن قصته بنفسه ) . انا في الواقع لا أقول أن صديقي يكذب فليس لدي شك في مصداقية كل من يروي هذه القصة ما عدا الراوي الاول والبقية يميلون الى دعم هذه القصة وتصديقها لأنها تحاكي ما يؤمنون به ويتمنونه. أن المجتمع العراقي يميل بشكل كبير لتصديق هذه القصص لأنها تحاكي خياله وتحاكي ما يؤمن به من فكرة الشر الامريكي المطلق والخير العراقي المطلق لذلك فهو بحسن نية يقوم بحبك القصة . ليشعر بمصداقيتها قبل غيره .
المغزى الحقيقي
قصص تريح الضمير ... وترفع الشعور بعدم الارتياح
أن المغزى الحقيقي من ترويج هذه القصص هو تبرئة الارهابيين من أي عمل مسلح يذهب ضحيته مدنيين عراقيين وهذه القصص هي أروع ما يدعم فكرة أن من يقتل العراقيين مختلفين تماما عن الذين يقتلون الامريكان فمن يقتل الامريكان هي فصائل المقاومة أما من يقتل العراقيين فهم مجموعة من عملاء الامريكان مدسوسين لتشويه صورة المقاومة .
هذا هو المغزى الحقيقي من بث هذه القصص . ان أثارة هكذا جو عام يعطي أريحية كبيرة للمسلحين للقيام باعمالهم التي تشمل القتل والترويع وسلب أرادة المجتمع لأن المسلح ملثم ومخفي الهوية . ولا يمكن تمييز من يقتل العراقيين ومن يقتل الامريكان . فكلاهما ملثم . وهذه القصص ترفع الشعور بعدم الارتياح عند الرأي العام المؤيد للمقاومة المسلحة حين يشاهدون تعرض مدنيين عراقيين للقتل . اصبح الموضوع سهل . ( هؤلاء مندسين من قبل الامريكان ) . كم هي فكرة رائعة ومريحة للضمير . أن الجهة التي تروج لهذه القصص لديها خبرة عالية في التعامل مع ترويج الاشاعة وفبركة الحدث . وهي جهة تعرف المجتمع العراقي جيدا .وتعرف ما يؤثر به ويحرك مشاعره . وتروج لهذه الافكار لمنع حدوث غضب شعبي مضاد للمقاومة بسبب قتل المدنيين وليكون القاء اللوم على الأمريكان بالكامل. هذه القصص بأختصار غطاء يتحرك من خلاله الارهابيين وأنتشارها يعطيهم أريحية عالية في القتل .
مقاومة حقيقية
هناك عراقيين رفعوا السلاح بوجه الامريكان بدافع الوطنية . هذا امر مؤكد . لكن هؤلاء تركوا السلاح وجلسوا في بيوتهم بعد أشهر من رفعهم للسلاح . بعد ان أكتشفوا الحقيقة . وبعد ان وضحت امامهم الصورة . ومن حسن حظي ان ألصدفة جمعتني بشخصين يؤمنان بالمقاومة المسلحة ورفعوا السلاح ضد الامريكان . وكلا منهما ألتقيت به بوقت مختلف عن الاخر وكلاهما حاصلان على شهادة جامعية وحين سالت كل منهما عن سبب رفعه للسلاح كان جوابهما مقارب ويحوي المضمون التالي : ( حين رفعت السلاح كنت أؤمن بضرورة مقاومة المحتل الذي دخل الى بلدي عنوة . وهذا ما فعلته . والحقيقة اني كنت أشعر بضرورة رفع السلاح . لكن بعد فترة من الزمن تغير الحال وتحول الأمر من مقاومة الأمريكان الى قتل من يثير لديهم الشك في تعاونه مع الأمريكان ثم تغير الأمر الى سلب أرادة المجتمع وتطور الأمر أكثر الى وضع أوراق تهديد لأشخاص يعتقدون أنهم يتعاملون مع الأمريكان . فما كان مني الأ أن أنسحب بهدوء وأحترم نفسي وأبرء نفسي من سفك دماء أشخاص أبرياء . فليس هذا ما دفعنا لرفع السلاح غايتني كانت حماية الأنسان وليس قتله . ولا أتقبل قتل أنسان عراقي مهما كانت التهمة . لذلك كان الجدير بي الانسحاب ) . لولا لقائي بهذين الشخصين لما كنت اصدق ان هناك من حمل السلاح بحسن نية وحبا بالوطن . بسبب المقدار الهائل من دماء العراقيين التي هدرت هباءا .
السيدة التي شربت مبيد الحشرات ... لتنقذ نفسها من الموت
لم يكتسب الوطن هذا الاسم الا لانه يضم في أرضه المواطن . وحين يخلو الوطن من المواطنين سيحمل أسم اخر (أرض غير مأهولة بالسكان ) . الوطن هو نحن المواطنين ولو طبقنا شعار (نموت نموت ويحيا الوطن ) جميعنا بدون استثناء لتحول الوطن الى ( أرض غير مأهولة بالسكان ) الوطن هو نحن وبدوننا لا يعني شيء وموتنا يعني موت الوطن .
يقول معمر القذافي : (سنموت الى اخر رجل واخر أمراة لاجل النفط ) لا اعلم لمن سيبقى النفط للقطط ؟ ام للطيور ؟ أم للسناجب ؟ يحكى أن سيدة شربت كوب من الحليب , وهي تشرب لاحظت وجود نمل يسبح داخل الحليب لكنها في ذلك الحين كانت قد شربت نصف الكوب فقامت مسرعة الى المطبخ وأخرجت مبيد الحشرات وشربته الى اخره ظنا منها ان المبيد سيقتل النمل فقط . فوقعت بعد قليل على الارض ونقلوها الى المستشفى وماتت هناك بعد ساعات . هذا بالضبط ما فعلناه حين رفعنا السلاح لقتل الامريكان فقتلنا أنفسنا وفرغنا أمراضنا السادية على بعضنا . . يجدر بنا أن نرفع شعار (نعيش ... نعيش ليحيا الوطن ) لأننا نحن الوطن .
أنا من يجعلك تتألم ... أعترف بوجودي
يقول الدكتور مصطفى حجازي :
يكمن جوهر السادية , في نظر أنطونيتي , في البحث اليائس عن الانا . في الحاجة الى توكيد الذات , في دفع الاخر للاستجابة الى حقيقتك الذاتية : هذا انا , أنا هنا , يقول السادي يجب أن تلاحظ وجودي , أذا لم تلاحظه بمحبتي فعليك ان تدركه من خلال ألمك , أني أنا من يجعلك تتالم . بالمك تعترف بوجودي الذي يصبح أكثر واقعية بمقدار ما تكبر معاناتك.(1)
وصف أحد السياسيين ما يجري من أثارة أجواء أنعدام الامن من خلال قتل المدنين فضلا عن أعمال العنف ضد الجيش الامريكي بانها رسائل حب سادية . ويبدو أن وصفه قريب من الواقع الى حد ما .
أنا جبان ... أنا جبان
الاول : يوميا تأتينا لتثير أعصابنا بهذه الافكار المدسوسة والغوغائية . يا أخوان المقاومة واجب شرعي والجهاد فرض عين وحين يقول أحدهم ( لا يوجد مقاومة في العراق وما يحصل هو أرهاب ) فهذا يعني انه يقصد ان في العراق 28 مليون (غيرة سز ) فهل يعقل أن شعب من 28 مليون انسان ليس فيه مجموعة تقاتل دفاعا عن هذا الوطن ؟ المقاومة موجودة وأذلت الامريكان أذلال كبير ولقنتهم درسا لا ينسى ومن يقول غير ذلك فهو يتهم العراقيين في غيرتهم على وطنهم .
الثاني : يا اخي لم أجد شخص يصر على أن ياتي يوميا ليقول : أنا جبان ... انا جبان . ألم تمل من هذا القول ؟ يوميا تاتي هنا لتقول انا جبان . يكفي يا أخي أتهمت نفسك بالجبن بما فيه الكفاية .
الأول: عن ماذا تتحدث ومتى قلت أنا جبان الا تستحي من هذا الاسلوب الهابط في الحوار
الثاني : يا أخي أنت قلت ( الجهاد فرض عين . والمقاومة واجب شرعي على كل عراقي . وانت تقيم في هولندا وتصدع راسنا بهذه الكلمات ولا تكلف نفسك في تطبيقها . الا تستحي من الدعوة الى المقاومة في العراق وأنت تتمتع بالأمان في اوربا ؟ ألا تشعر بانك تدفع غيرك الى فعل شيء قد يؤدي الى موته وأنت مختبيء في أوربا . أنا مثلك أسكن في أوربا لكني لم أدعو للمقاومة ولم أدعو للجهاد . اما ان تعترف انك جبان أو تترك الترويج لفكرة المقاومة .
الاول : هناك فرق بين المقاومة ودعم المقاومة وأنا أدعم المقاومة معنويا .
هذا مضمون حوار جرى في أحدى الغرف الصوتية العراقية قبل أعوام .
لعبة ماكس بين
يتعامل البعض مع قضايا معينة كأنه يتعامل مع برنامج أستعراضي يتابعه في التلفاز أو كما يتعامل مع لعبة بلي ستيشن . أو كأنه يتابع أحد برامج الواقع كبرنامج ستار أكاديمي أو كبرنامج سوبرستار . فالاخوة العرب الذين كانوا يؤيدون المقاومة في العراق . في الحقيقة كانوا يتعاملون مع الموضوع كتعاملهم مع لعبة (بلي ستيشن ) فالموت في ألعاب البلي ستيشن أمر عادي ولا يعني موت حقيقي . بنفس طريقة التفاعل مع الموت في البلي ستيشن يتفاعل مؤيدي المقاومة وعشاقها الغير متواجدين في العراق . فبموت جندي امريكي يشعر بشعور عالي بالنصر والرفعة وحين يعلم أن هناك خمسة عراقيين ماتوا حين مروا بالصدفة قرب حصول الحادث سيقول لك ( هؤلاء شهداء ) وحين يسمع خبر ذبح عشرة مدنيين عراقيين سيقول في نفسه ( لا بد ان هناك ما يبرر قتلهم ولا بد أنهم عملاء للمحتل . عادي جدا الامر بالضبط كما يحدث في البلي ستيشن . صاحبنا المقيم في أوربا ويدعو للمقاومة بكل قوة وفخر . لا يتقبل أن يتعرض أبنه لجرح صغير في قدمه ولو حصل ذلك ستجده يتألم بشدة لأجل أبنه فلذة كبده بكل جوارحه . لكن أبناء الخائبة الذين يشجعهم على المقاومة ويشجعهم على قتل أبناء خائبة اخرين ليس لهم قيمة بالنسبة له فهو لا يعرفهم ولم يجلس معهم فهم بالنسبة له مجرد ارقام تعبر عن الخير أو أرقام تعبر عن الشر. هم بالنسبة له كفلم جميل يشاهده وينحاز فيه لجهة معينة تمثل الخير لكن الفرق الجوهري هو أن الموت في الفلم غير حقيقي والموت في العراق حقيقي لكنه لا يفرق بين الاثنين فكلاهما مجرد رموز تمر أمامه ( شيء يرمز للخير لا اكثر ) وأذا مات فهو شهيد . ما هي المشكلة ؟ الامر عادي ما بالكم؟
ان هؤلاء يعلمون أن ما يحدث في العراق حقيقي . ولديهم ميول محسومة مسبقا للمقاومة المسلحة لانها تحاكي البطولة والشجاعة والقوة التي يبحث عنها هؤلاء . ولأن المعلومة عن ما يجري في العراق تصلهم أما تلفازيا او تلفونيا او انترنيتيا . فشعورهم بهول ما يحدث ضعيف نوعا ما لذلك لا يتفاعلون بشكل كبير مع الماساة الانسانية . لكنهم يتفاعلون بشكل كبير مع الامور التي تثير فيهم الشعور بالفخر والنصر و الزهو . تماما كما يحدث في البلي ستيشن . هذا فضلا عن ظاهرة تبرير القتل بعد معرفة السبب حتى من قبل أشخاص يعيشون الواقع داخل البلد . فحين يسمع أحدهم عن خبر مقتل شخص فاول ما يفعله هو السؤال عن سبب قتله وحين يكتشف أنه قتل بسبب اتهامه بالعمالة للمحتل أو بسبب تعرضه لشخصية مقدسة بالنقد . فهو لا يشك أبدا في أحكام المقاومين فليس لديه شك من أن التهمة التي قتل بسببها صحيحة ويستحق عليها القتل والا لما قتلوه . لهذا السبب يقول : ( من ايدة هو جابهة لنفسة) لأنه في تلك اللحظة لم يعد يراه أنسان تعرض للموت بل شيء يرمز للشر ولا ينطبق عليه نفس المعيار الاخلاقي المتعلق بالتفاعل مع الالم الأنساني الذي ينطبق على من يمثلون الخير.
الغاية تبرر الوسيلة
الغاية من مقاومة المحتل هي منع حدوث انتهاك شخصي لأبناء الشعب ومنع حدوث سرقة من قبل المحتل لثروة الشعب . بأختصار ( حماية الوطن والمواطن ) لكن بمرور الزمن سيقوم المقاومين بنفس الفعل ( أنتهاك الحياة الشخصية للمواطن وسلب ارادته وقد تسلب حياته ) الغاية من مقاومة المحتل هي حماية المواطن لكن ما سيحدث تدريجيا هو فعل مطابق لما هو متوقع من المحتل . ( سلب أرادة المواطن ) . وسبب كل هذا مهزلة أسمها (الغاية تبرر الوسيلة) . حين تكون الغاية نبيلة يجب أن تكون الوسيلة نبيلة أيضا . لكن حين تكون الوسيلة منحطة فتأكد أن الغاية منحطة أيضا . لا يوجد غاية نبيلة يصل أليها الأنسان عن طريق الأنحطاط . الغايات النبيلة الطريق المؤدي اليها مليء بالنبل ويخلو من أنحاط الاخلاق . أما الغايات الغير نبيلة فالطريق المؤدي اليها ممتليء بالسفالة والدماء والكلام الفارغ .
المصادر: 1- مصطفى حجازي- التخلف الاجتماعي- 191
#حسنين_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معيار الشجاعة بين أطوار بهجت ومنتظر الزيدي
-
التكبر والأستعلاء بين العقل الأيماني والتماهي مع الجلاد
-
اللوطي الموجب والحصانة الاجتماعية
-
الكلاسيكو السياسي
-
قناة العراقية ... أنا ولي نعمتك
-
برميل القدر
-
الارض أسطوانية أرتفاعها ثلاثة أضعاف عرضها ... فلاسفة الأغريق
...
-
جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
-
صولجان الألحاد وسيف الأيمان
-
الألحاد من فكرة الى عقيدة ... أسماعيل أدهم
-
الإنسان وحده تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها ... عبد الل
...
-
الخمار المؤمن
-
لو كان النبي محمد من الصين
-
تخيل دولة عربستان لتفهم دولة كردستان
-
حقيقة الله
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|