|
المواطنة بضدها
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3348 - 2011 / 4 / 27 - 16:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظلّت قضية المواطنة والبحث عن المشترك الإنساني هاجساً للكثير من الحركات والتيارات الاجتماعية، وقد أعادت حركات الاحتجاج الشبابية والشعبية هذه المسألة إلى الواجهة، خصوصاً في ظل ظروف شحّ الحريات والبطالة وزيادة الشعور بضرورة تحقيق المساواة والكرامة الإنسانية . وإذا كانت المواطنة تقوم على مبادئ وقيم الحرية والمساواة والعدالة والمشاركة، فإن هذه المفاهيم المفترضة كانت غائبة أو مغيّبة أو محدودة التأثير في البلدان النامية، حيث تزداد الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة . وإذا كانت هناك أسباب موضوعية بحكم الهيمنة الاستعمارية الطويلة الأمد، فإن هناك أسباباً داخلية وذاتية أيضاً، لاسيما أن قسماً كبيراً منها يعيش في مرحلة ما قبل الدولة ويعاني من صراعات عرقية ودينية ولغوية وطائفية وعشائرية وغيرها .وإذا كانت ثمة اختلافات في تجارب وتوجّهات بلدان “العالم الثالث”، إلاّ أنها تجتمع في عدد من السمات والمشتركات العامة التي تعاني منها .
السمة الأولى انعدام تكافؤ الفرص سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي، فليس هناك تكافؤ فرص بين الأفراد، أو حتى بين الدول، في ظل علاقات دولية تمتاز بالهيمنة والتسيّد، فالقوى العظمى لها القدح المعلاّ سواء في العلاقات الدولية، أو على مستوى القرار في الأمم المتحدة بحكم وجود خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تمتلك حق “الفيتو” فيه، وهي التي تقرر اتجاهاته السياسية الدولية . إن هذا الوضع من شأنه أن يُحدث اختلالاً حاداً بين القوي والضعيف وبين الكبير والصغير، وبين من يملك ومن لا يملك وهكذا، ونجم عن انعدام تكافؤ الفرص تفاوت في الدخل والوظيفة والمستوى الاجتماعي على مستوى الحاضر والمستقبل، ناهيكم عن النظام التعليمي والصحي، وبكل ما له علاقة بالجوع والفقر والأمية، التي يمكن أن تشكّل بؤراً للنزاع والعنف في المجتمع . ولهذا فإن تأمين الاحتياجات الإنسانية المادية والروحية للأفراد أو للشعوب، يمكنه توفير العيش الآمن بحيث تتاح الفرص بعدالة للجميع لتحقيق تطلعاتهم، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على السلام والازدهار، لاسيما إذا توافرت فرص المساواة والعدل . أما السمة الثانية التي تجمع شعوب البلدان النامية، فهي ضعف المواطنة والحكم الرشيد، وهذا يعني ضعف فرص الحرية باعتبارها قيمة عليا وضعف فرص المساواة، حيث لا تستقيم المواطنة دونها، وكما أن ضعف العدالة بما فيها الاجتماعية سيلحق ضرراً بليغاً بمسألة المواطنة، خصوصاً ما يتعلق بسدّ الاحتياجات الأساسية للناس، فلا يمكن الحديث عن المواطنة مع استمرار ظاهرة الفقر وسوء توزيع الثروة وتمتّع فئة قليلة بامتيازات كاملة وحرمان مجموع الشعب منها، أما المشاركة فهي تستند إلى الحق في تولّي المناصب العليا من دون تمييز لأسباب تتعلق باللون أو الدين أو اللغة أو الجنس أو المنشأ الاجتماعي أو لأي سبب آخر .ويتطلّب ذلك سيادة القانون والمساواة أمامه، باعتباره الفيصل والحكم يخضع له الحكام والمحكومون، ولن يتم ذلك من دون مؤسسات وآليات للشفافية والمراقبة والمساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر بالتشريعات القائمة والقوانين النافذة، استناداً إلى المعايير الدولية على هذا الصعيد . السمة الثالثة، غياب الخطط للتنمية الشاملة والمستدامة بمعناها الإنساني، الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحقوقي والقانوني، وبالطبع بالمعنى السياسي أيضاً . وهذا يتطلب استثمار الموارد باعتماد اقتصاد يعزز الإنتاجية ويقوم على تنوّع السوق، ويوفّر فرص عمل للجميع، مع مراعاة خصوصية البلدان التي دمّرت الحروب والنزاعات الأهلية اقتصادها. السمة الرابعة، ضعف مستوى التعليم وشحّ المعارف، ولا يمكن الحديث عن التنمية ذات الطابع الإنساني بوجود نسبة عالية من الأمية في مناطق معينة من العالم وخصوصاً في العالم الثالث، ففي العالم العربي وحده يوجد نحو 70 مليون أمي، ناهيكم عن انخفاض مستوى التعليم، وإذا كان هذا الرقم المخيف يتعلق بالأمية الأبجدية فإن نسبة الأمية سترتفع كثيراً إذا ما احتسبنا عدم إمكانية التواصل مع العلوم والتكنولوجيا الحديثة . إن هذه النسبة لا تشمل كبار السن فقط، بل نسبة الأمية الأبجدية لمن هم في سنيّ التعليم تبلغ أكثر من 13%، وتضاف إلى ذلك الفجوة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، لاسيما في الاستخدامات المحدودة للحاسوب، وفجوة في المهارات، فالشباب هم الفئة الأكثر تأثّراً بتحدّيات سوق العمل الجديدة المرتبطة بالاتجاهات الاقتصادية المتغيّرة، حيث تصل نسبة بطالة الشباب في الشرق الأوسط إلى نحو 25% . السمة الخامسة، هجرة العقول والأدمغة، وهي سمة عامة للعالم الثالث، فالموهوبون والعلماء لا يمكنهم تحقيق ما يصبون إليه في بلدانهم، لأسباب تتعلق بشحّ فرص الحريات ولاسيما حرية التعبير وحرية البحث العلمي، وعدم توافر أجهزة ومعدّات كافية، ناهيكم عن استشراء ظاهرة البيروقراطية، وانتشار ظاهرة الفساد والرشا، وكذلك انعدام معايير التقييم والكفاءة، وخصوصاً في تزايد الحاجة إلى الولاء، وتدنّي مستوى الأجور وغيرها من الأسباب التي تشكّل بيئة طاردة للكفاءات العلمية، في حين أن بيئة الدول المتقدمة هي بيئة جاذبة للكفاءات، بما توفّره من حريات وظروف عمل مناسبة وأجهزة وأدوات ومردود مالي وأجواء نفسية واجتماعية مساعدة وتقييم إيجابي . السمة السادسة، عدم الإقرار بالتنوّع الثقافي أو ضعفه، سواءً الديني أو القومي أو اللغوي أو غيره، بل يمكن القول إن الضعف يشمل “قبول الآخر”، ولعل الشائع الغالب حالياً والذي برز على نحو حاد هو صراع الهويات في البلدان النامية، لاسيما بين الهوية العامة والهويات الفرعية، الأمر الذي يحتاج إلى إدارة سليمة للاعتراف بالمكوّنات والأطياف المتنوّعة والتعامل معها على أساس قواعد المساواة الكاملة في المواطنة، والاحتفاء بالتنوّع الثقافي واحترام الخصوصيات، وضمان حق التعبير بما يقي هذه المجتمعات من الانزلاق إلى التناحر، حيث عانت طويلاً من الاستعمار والتدخل الخارجي والصراعات والنزاعات الأهلية وهضم الحقوق والحريات، ويوفر عليها فرصة اللحاق بالأمم المتقدمة، ولاسيما بإتباع تنمية بشرية مستدامة وتأمين كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، بعيداً عن محاولات الإلغاء والتهميش . السمة السابعة، أن المجتمعات النامية تعاني من استمرار ظاهرة العنف والإرهاب، واللجوء إلى السلاح لحلّ الخلافات السياسية، الأمر الذي يضع جدلية القوة والضعف في إطار تناحري، إقصائي، في حين أن البحث عن السلام وتعزيز المناعة الاجتماعية بالموارد والمشترك الإنساني هما اللذان ينبغي أن يكونا الأساس . السمة الثامنة، تغييب دور المرأة وعدم تمكينها بما يتناسب مع دورها كإنسان على قدم المساواة في الحقوق والكرامة وفي تولّي الوظائف العليا دون تمييز . ولعل وجود نصف المجتمع خارج دائرة التأثير والعمل والتنمية، هو انتقاص لمبدأ المواطنة الكاملة والتامة . السمة التاسعة، مشكلة اللاجئين والنازحين، وهؤلاء تتعاظم مشكلاتهم سواءً داخل البلدان النامية أو لدى البلدان الأوروبية والغربية، حيث تزداد ظاهرة الهجرة واللجوء، وهذه تسبب أيضاً مشكلات خاصة بها، مثل الاندماج والبحث عن الهوية وغيرها، وتؤدي أحياناً إلى صراعات جديدة داخل المجتمعات المستقبلة (بالكسر) . وينبغي البحث عن إيجاد حلول جذرية تضمن حقوق اللاجئين والنازحين، لاسيما حل المشكلات الحقيقية المتعلقة بقضايا الفقر والتهميش والعنف، ناهيكم عن بعض الكوارث الطبيعية، وبالأساس في مساعدة المجتمعات النامية والفقيرة من جانب الدول المتقدمة والغنية، فذلك واجب عليها أيضاً في بناء حياة دولية سليمة ومستقرة وتليق بالإنسان وكرامته ووفقاً للاتفاقيات الدولية لحقوق اللاجئين . السمة العاشرة، عدم احترام البيئة والتعامل معها باستخفاف ولامبالاة، بل وعدم شعور بالمسؤولية، الأمر الذي يتطلب سنّ قوانين للمحافظة عليها وحمايتها وإدارتها على نحو مستدام، والالتزام بالمعاهدات والقوانين الدولية على هذا الصعيد وكذلك العمل على تفعيلها . السمة الحادية عشرة، اتّساع ظاهرة الفساد في العالم الثالث بسبب غياب منظمات الرقابة والشفافية، وكذلك ضعف المساءلة، وأحياناً تتماهى الدولة والسلطة، وتتغوّل الأخيرة، على الدولة، بل تندغم السلطة بالمال والإعلام والتجارة والاستيراد والتصدير والثقافة والسياحة والرياضة على نحو شاذ، وهو ما جعل كاتباً وروائياً عراقياً اسمه شمران الياسري يعلّق على ذلك في السبعينيات من القرن الماضي وبين الجد والهزل بقوله: "أهي دكتاتوريات حسب، أم طغم فاشية، ريفية أو بدوية"، وإذا ما دخل عنصر الدين أو المذهب وتم استغلالهما سلبياً، فالأمر ولا شك يضعنا أمام طغم فاشية دينية أيضاً . لعله من دون تعاون شامل وتكامل وحلول محلية داخلية ودولية تتجاوز الحدود الإثنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن مواجهة هذه المشاكل، وهو ما كان ميثاقاً جديداً قد تبنّاه منتدى غرب آسيا- شمال إفريقيا مؤخراً بوصفة وثيقة للتعاون ترتكز على الكرامة الإنسانية وصولاً إلى تأمين العيش المشترك للأجيال الحالية والقادمة .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجنادرية والتويجري والأسئلة
-
جاذبية التغيير
-
الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
-
مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
-
روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
-
دستور مصر ووصفة السنهوري
-
السياسة بوصفها علماً
-
الشباب والتنمية!
-
العراق من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاهدي
-
النيل وحرب المياه
-
العرب وإسرائيل: أي جدل قانوني؟
-
حرية التعبير و-حرية- التشهير
-
جدلية الضعف والقوة
-
- النموذج- العراقي وعدوى التغيير!
-
سبع رسائل لاستهداف المسيحيين
-
الموجة الثالثة للتغيير
-
الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
-
تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
-
رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
-
-اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|