|
الانتقال من الاستبداد السياسى إلى الطغيان باسم الدين
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3347 - 2011 / 4 / 26 - 18:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رغم أنّ ثورة يناير2011لم تُحقق أهدافها النهائية ، ومن بينها إقامة مجتمع عصرى يتأسس على قاعدة أنّ لافرق بين مواطن ومواطن إلاّبعمله وليس بمنصبه أوديانته إلخ ، فإنّ الثورة حققتْ إنجازًا تاريخيًا تمثل فى سقوط دولة (الحاكم الفرد) الذى ضمّ السلطتين التشريعية والقضائية إلى السلطة التنفيذية وتكون مواد الدستورلخدمة الاستبداد ، من خلال الصلاحيات المطلقة للحاكم. والرئيس المخلوع مبارك لم يخترع هذا النظام الاستبدادى وإنما ورثه عن نظام يوليو52 إذْ رفض عبد الناصرمشروع دستور54الذى تبنى مبدأ (الجمهورية البرلمانية) لوأد السلطة المنفردة. وذكرأ. طارق البشرى أنّ اللجنة انطلقت ((وفق منزع ليبرالى صرف)) (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال ديسمبر91ص197) رفض عبدالناصرمشروع الدستوروأصرّعلى النظام الرئاسى واختراع تنظيمات شعبوية اسمًا ، حكومية فعلا (هيئة التحرير، الاتحاد القومى ، الاتحاد الاشتراكى) إلى الحزب الوطنى. وفى دراسته المهمة عن مشروع دستور54 ذكرأ. صلاح عيسى ((إنّ أخطرسيئات هذا النظام الاستبدادى هوأنه خرّب روح الأمة وحال دون تطورها ويوشك أنْ يقودها فى الظروف التى يمربها عالم مابعد الحرب الباردة إلى محاق التاريخ)) (دستورفى صندوق القمامة- مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام 2001 ص 132) سقوط حكم الفرد المطلق أحد إنجازات ثورة 25ينايرضد نظام يوليو52 الاستبدادى. طغيان اللغة الدينية والسطوعلى ثورة يناير: رفضتْ الجماعات الإسلامية المشاركة فى ثورة يناير2011فى أيامها الأولى ، ومع التصاعد الدراماتيكى لأحداث الثورة (صمود الثوار+ تنازلات النظام المتوالية) صدرالأمرلأتباعهم للحاق بالثورة. وطوال أيام الاعتصام فى الميدان ، لم تظهرأية فروق بين المصريين (باستثناء بعض الأناشيد الدينية) فكانت الفتاة المنتقبة تجلس بجوارمن تعتزبشعرها . وردّد الجميع شعار(إرفع راسك إنت مصرى) ولكن فى مساء 11فبراير، وإعلان تخلى مبارك عن الحكم ، ظهرالوجه الحقيقى للأصوليين. فبعد أنْ كان الشعارالرئيسى طوال 18يومًا (الشعب يريد اسقاط النظام) هتف الأصوليون ((الله وحده أسقط النظام)) وفى اليوم التالى ذبحوا العجول ووزعوها على المحرومين من أكل اللحم مع التهنئة بانتصار((الثورة الإسلامية)) وكانتْ هذه بداية السطوعلى الثورة وسرقة أرواح الشهداء ودماء المصابين الذين لبوا نداء (الحرية) . مع التمهيد ليوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، بدأتْ الحرب الهجومية على شعبنا الطامح فى دولة عصرية. كثفتْ الميديا الأصولية دعايتها بخلط الدين بالسياسة. وكان الأصولى صاحب تعبير(غزوة الصناديق) على حق فى وصفه الدقيق لمرحلة التحول من إسقاط نظام سياسى استبدادى إلى الطغيان باسم الدين. وجاءتْ واقعة قطع أذن مواطن قبطى مسيحى لتؤكد هذا الطغيان ، وبعد يومين من هذه الواقعة تم قطع رقبة قبطى مسلم لأنه لا يحرص على صلاة الفجر، وبعد أيام بدأتْ (غزوة هدم الأضرحة) نجحوا فى هدم أضرحة الأولياء الصالحين المعرفين على نطاق محلى فى بعض المدن والقرى ، ثم أعلنوا أنّ الدورسيأتى على الأضرحة الشهيرة مثل مقام السيدة زينب والسيدة نفيسة إلخ وهكذا تبدأ مصرمرحلة جديدة من الصراع الاجتماعى ، فبعد أنْ كان الاحتقان الدينى السائد بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين ، انتقل إلى الصراع بين المسلمين والمسلمين ، إذْ أنّ شعبنا (مسلمين ومسيحيين) مولع بظاهرة الأولياء ، مع مراعاة أنّ حب الأولياء لم ينتقص من العقيدة الدينية ، ولعلّ إجماع علماء الاجتماع على (تدين) شعبنا أكبردليل على نفى ما يُردّده الأصوليون من أنّ الاحتفال بالأولياء ومقابرهم داخل المساجد نوع من الشرك بالله. ولكن هل ينتهى المشهد بهدم الأضرحة أم سيعقبه الاعتداء على المدافعين عنها كما فعل الوهابيون فى بداية الدعوة الوهابية ؟ ذكر الجبرتى أنّ آل سعود تآمروا مع الوهابيين للاستيلاء على مكة وطرد أهلها الأصليين ، وأنّ أشراف مكة لجأوا إلى مصر لحمايتهم من بطش الوهابيين. إلى أنْ يقول ((أخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال . وهذا دأبهم مع من يحاربهم.. وهدموا قبة زمزم والقباب التى حول الكعبة والأبنية التى أعلى من الكعبة)) (عجائب الآثارفى التراجم والأخبار- ج 6- لجنة البيان العربى- عام 1966من ص 26- 69وما بعدها) ولم تكن مصادفة أنْ يرفع الوهابيون علم السعودية فى قرى مصر، وأنْ يكون دفن الموتى سعوديًا وليس مصريًا. المتعلمون الكباروالترويج للأصولية الدينية: وإذا كان البسطاء من أبناء قنا رفضوا تعيين المحافظ لأنه (مسيحى) فالمعنى أنّ الولاء يجب أنْ يكون للدين وليس للإنتماء الوطنى ومراعاة الصالح العام بغض النظرعن الديانة. جرثومة وضعها جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفغانى وتبناها من بعده المتعلمون الكبارأمثال أ. فهمى هويدى ود. محمد عمارة الذى لايمل من الهجوم على الديانة المسيحية. وإذا كانت مبادىء العلمانية هى التى نجحتْ فى تحقيق الاستقرارلدى الشعوب المتحضرة ، فإنّ فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ذكرأنّ الأزهرسيتصدى للعلمانية (المصرى اليوم 12/4/2011ص8) فى حين أنّ د. عبدالمعطى بيومى عضومجمع البحوث الإسلامية وعى خطورة الأصولية الدينية عندما انتقد الداعية الإسلامى أبوإسحق الحوينى الذى قال ((مش لوكنا كل سنة عمالين نغزومرة واتنين مش كان ح يسلم ناس كتيرفى الأرض واللى يرفض كنا ناخدهم أسرى وناخد أولادهم وأموالهم ونساءهم وكل ما يتعذرياخد راس ويبيعها)) (نقلاعن د. خالد منتصر- المصرى اليوم 15/4/ 2011) ولأنّ الإسلاميين تدربوا على التلون لذا عندما سئل د. سعد الكتاتنى مؤسس حزب (الحرية والعدالة) عما إذا كان الحزب سيدعوإلى تطبيق الحدود قال ((لكل حادث حديث والحديث فى موقع المعارضة يختلف عن الحديث فى موقع الحكم)) (نقلاعن أ. ياسرعبدالعزيز- المصرى اليوم17/4/2011) أما د. محمود عزت نائب مرشد الإخوان فذكرأنّ تطبيق الحدود ((ممكن بعد امتلاك الأرض)) أى أنّ مصرمحتلة وأنّ الأصوليين سيحرّرونها. وذكرت المصرى اليوم أنها بثتْ التسجيل الصوتى لصاحب التصريح على موقعها الإلكترونى (17/4/2011) وإذا كانت الميديا المصرية تحتفى بالأصوليين ، فكيف وصل بعضهم إلى لجنة تعديل الدستورأمثال أ. طارق البشرى وأ. صبحى صالح القيادى الإخوانى ؟ هل هوالتمهيد للدولة الطالبانية وحرق مصركما حدث فى البروفات التمهيدية ( قطع طريق السكة الحديد فى قنا وحرق بيوت ومحال تجارية فى المنيا فى أبوقرقاص يمتلكها المسيحيون- التفاصيل أهرام 20/4/2011ص13) هل تتحول الثورة إلى نكبة على شعبنا ؟ أعتقد أنّ مصرفى مفتر طرق : إما أنْ يحصل شعبنا على حريته لينطلق نحوتأسيس الدولة العصرية التى أول مبادئها أنه لافرق بين مواطن ومواطن إلاّبعمله وليس بديانته. وهذا هوالمدخل الحقيقى لتحقيق التقدم ، أوالاستسلام للإسلاميين الذين (مع افتراض حُسن النية) يسحبون مصر إلى عصرالكهوف . وإذا كان البعض يُهاجم أمريكا (الكافرة) فإنّ عالم اللغويات الكبير(ناعوم تشومسكى) كتب ((عمدتْ أمريكا وحلفاؤها إلى دعم الإسلاميين الراديكاليين بصورة منتظمة لتفادى خطرالنزعات القومية العلمانية. والمثال الشائع لذلك هوالسعودية إذْ هى مركزالإسلام الراديكالى)) (صحيفة الجارديان- 4/2/2011) وأنّ ((التهديد الحقيقى لأمريكا هوإستقلال الشعوب . وأنها تُدعّم الإسلاميين المتشددين لتجنب قيام دولة قومية علمانية. وأقرب مثال على ذلك هوالعلاقة بين واشنطن والسعودية)) (نيويورك تايمز- 5/2/2011) وإذا كان الأحرار يؤمنون بالدورالوطنى للمؤسسة العسكرية المصرية ، فإننى أناشد الوطنيين المخلصين بها العمل على وأد سرقة ثورة شعبنا حتى لاتكون لصالح التخلف . وصدق الشاعرالكبيرأحمد عبدالمعطى حجازى فى قوله الحكيم ((أهل العصورالحديثة يتحرّكون من حاضرإلى مستقبل. ونحن نرجع القهقرى من ماضٍ إلى ماضٍ أبعد. هم يُنتجون ونحن نستهلك. الغربيون لهم العلم والديمقراطية والقدرة على تسخيرالطبيعة. ولنا الطغيان والقدرة على تسخيرالجن)) (أهرام 20/4/2011). *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكتابة واحترام عقل القارىء
-
هل إعدام القتلة والمُفسدين هو الحل ؟
-
إرادة الشعوب جمرة نارتحت رماد الاستبداد
-
هل الرئيس المخلوع وأسرته فوق القانون ؟
-
المستشارطارق البشرى بين المؤرخ والداعية الإسلامى
-
حمام - قصة قصيرة
-
شتاء الحرية وسقوط أوراق التوت
-
مبارة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والاستبداد
-
إقصاء المختلف يبدأ بالكلمة وينتهى بالقنبلة
-
الدكتورجمال حمدان والبكباشى عبدالناصر
-
الاعتدال والتطرف فى ميزان المرجعية الدينية
-
جامعة الدول العربية بين أوهام القدرة ووقائع التاريخ
-
تعليم ضد المواطنة أم أمية تحمى الوطن؟
المزيد.....
-
100 ألف فلسطيني يصلون العشاء في المسجد الأقصى
-
استقبال مواطنين من الطائفة الدرزية السورية أثناء دخولهم إسرا
...
-
وفد درزي سوري يعبر خط الهدنة بالجولان لزيارة الطائفة في إسرا
...
-
80 ألفا يؤدون صلاة الجمعة الثانية من شهر رمضان في المسجد الأ
...
-
بأنشودة طلع البدر علينا.. استقبال وفد من رجال الدين الدروز ا
...
-
كابوس في الجنة: تلوث المياه يهدد جزر الكناري!
-
تعرف على 10 أهم بنوك إسلامية في أوروبا وأميركا
-
حماس: اعتداءات المستوطنين يستوجب موقفا اسلاميا حازما
-
حماس: منع الاحتلال اعتكاف المصلين للمرة الثانية في المسجد ال
...
-
على أنغام -طلع البدر علينا-.. وفد من رجال الدين السوريين من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|