|
على شاطئ البحر... لقاء مع الإله...
جورج فارس
الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 25 - 23:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كنتُ ما زلت أسير عندما بدأ الظلام يحل شيئاً فشيئاً، لم تكن الأفكار المتلاطمة في داخلي أقل اضطراباً من أمواج البحر بجانبي. لقد كان البحر يحاول الإمتداد في عمق الشاطئ وإدراك ما لم يدركه منه قبلاً، تماماً كمحاولتي الوصول إلى ما لم أصل إليه من قبل. رميت بنفسي على رمل الشاطئ وما زالت دوامة التساؤلات تعصف بي ولم أكن أهتم برذاذ الماء الذي كان يرشقني به البحر بقوةٍ. من وسط الفوضى التي كنت أقبع بها لم أصدق ما رأته عيناي، فإنه لم يشق السماء لينزل لكنه من بعيدٍ ومن بين أمواج البحر المضطرب كان آتياً باتجاهي، ظننتني أهذي لكنه بالحقيقة كان كمن يسير على البحر ويقترب، وفي الوقت الذي حل فيه الظلام تماماً وقبل أن أدرك ما الذي كان يحدث وصل إليّ ورمى نفسه بجانبي. وقبل أن يتكلم عادت بي الذاكرة وأنا في وسط دهشتي إلى ذاك اليوم الذي استقبلني فيه في مكتبه المريح وكشفتُ أوراقي المرتبة أمامه وأدرت حواري معه، لكن اليوم وقد تناثرت أوراقي بالكامل وتبعثرت أسئلتي لم أكن أعرف ما أريده منه، ولعله أحس بحاجتي إليه لذلك أتاني. أحسست به يتسلل إلى عاصفتي بابتسامته الواثقة ونظرته الشاردة فبدأت ألتقط أسئلتي من هنا ومن هناك وأرميها وسط الريح القوية التي عصفت بنا معاً. هل صحيحٌ كما يقولون أنك جئت كإنسانٍ في يومٍ ما في الماضي؟ وهل صحيح أنك متّ؟ ومن حكم الكون عند موتك؟ وماذا عن أسطورة قيامك من الموت؟ وكيف لعاقل أن يصدق كل تلك الحكايا عنك؟ ولماذا...؟ وهنا قاطعني بيده التي أشار بها للبحر طالباً منه أن يهدأ ولكن الغريب هو أن عاصفتي هي من هدأت وليس البحر، وعندها ربّت على كتفي بيده وهمس لي قائلاً لا تخف أنا هنا... رغم الجو العاصف لكني بعد كلمته التي ملئتني سكينةً استجمعت شتات أفكاري وبدأت سائلاً:
يقولون أنك جئت كإنسانٍ على الأرض، فهل هذا صحيح؟ وكعادته ابتسم ثم قال: وما المانع إن أنا أردت أن آتي وأعيش كإنسان؟ هل سينتقص هذا من إلوهيتي؟ أم سيُظهر هذا العمل عظم قيمة الإنسان في نظري؟ وأيهما برأيك أفضل، الملك الذي يجلس في قصره بعيداً عن شعبه يسن القوانين والشرائع؟ أم الملك الذي يعيش بين شعبه ويشعر بآلامهم ومعاناتهم ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم وتكون كل قوانينه نابعة من حاجة شعبه؟ صمت قليلاً وربما ليعطيني بعض اللحظات كي أفكر في أسئلته ثم استطرد قائلاً: أعتقد أن النقطة الجوهرية هنا هي نظرة الإنسان إليّ وإلى نفسه، فمن يراني متعالياً ويرى نفسه بلا قيمة سيعتبر أن قدومي كإنسان هو عمل فيه إهانةٌ لي وانتقاصٌ من قداستي، وأما من يراني محباً ويرى نفسه ذا قيمةٍ كبيرةٍ فسيعتبر هذا العمل طبيعياً بل وضرورياً من قبلي، وهذا ما يشكل الفارق بين الموقفين، طبعاً إن افترضنا سلفاً أنهم مؤمنون بوجودي.
لنفترض أنه لا مانع من قيامك بهذا العمل أي مجيئك كإنسان، فما هو الهدف من ورائه؟ وطبعاً كان هذا سؤالي الثاني.. نظر إلى يديه والتي بدت عليها بعض آثار الجراح ثم تنهد وقال: الموضوع كبير جداً ولكن إن تجاوزنا ما يمكن اعتباره هدفاً أساسياً فيمكنني وضع بعد النقاط المهمة كتساؤلات وهي أنه كيف يمكن للإنسان أن يتواصل مع إله لم يره؟ وكيف يمكن لعملية التعارف بين البشر وإلههم أن تتم بأفضل صورة ممكنة إن لم يدركوه كصورة مرئية مثلهم؟ وهل الأفضل هو أن أقوم بسن قوانين المسموح والممنوع عليهم أم أن آتي وأقدم لهم نموذجاً حياً لما يجب أن يكونوا عليه؟ بمعني أن إدراكهم للعيش بمحبة وسلام سيكون أفضل في حال وجود نموذج حي أمامهم وسيغنيهم عن سلسلة الممنوع والمسموح والتي تكون عبارة عن مجرد أوامر والتي لا يتقبلها عادةً الإنسان الواعي الناضج.
إذاً يمكنني أن أفهم من كلامك أن النموذج الحي سيعمل على تحسين إدراكنا كبشر لك، وكذلك عملية التواصل ستكون أفضل كما أنه سيقدم صورة واضحة وهي ما ندعوها قدوة عن كيفية العيش وفق مفاهيم أساسية وضرورية للحياة، أليس كذلك؟ هذا ما سألته إياه في محاولةٍ مني لإيجاد جوابٍ أعتبره مشبعاً لفضول معرفتي. وهنا هز رأسه الذي امتلأ من رذاذ مياه البحر، لكن في عينيه كان هناك بعدٌ أعمق من مجرد الإجابة بالإيجاب لم أفهمه ولكني تابعت متسائلاً:
إذاً كيف لنا أن نتعرف على هذا الشخص النموذج وندرك أنه أنت؟ وبعد قليلٍ من التفكير أجاب: من المؤكد أنه ليس كل من قال عن نفسه أنه أنا سيكون كلامه صادقاً حتى وإن جاء بمعجزات خارقة للطبيعة، لأن العبرة ليست بالمعجزات ولا بالقوى الخارقة وليست أيضاً في مجرد التعاليم والكلام كما أنها ليست فقط في سيرة الحياة، بل إن النقطة الحاسمة هنا هي في الصورة الشاملة أي في كل مكونات وتصرفات وكلمات هذا النموذج وكذلك أيضاً فيما يدعمه من أحداث جرت وأمور تحققت سبق الإعلان عنها من قبل. إن العملية ليست سهلة ولا يوجد معيار ثابت ولكن من المؤكد أن المعيار الأخلاقي سيكون حاسماً بشكل كبير وكذلك الإضافة التي قدمها هذا النموذج على حياة البشر والتي يمكن اختصارها بالتغيير الحقيقي للقلوب نحو الأفضل لأن القوة الحقيقية هي في تغيير القلب لينعكس على الحياة سلاماً ومحبةً وفرحاً.
وهنا أوصلني إلى سؤالي الذي كان يؤرقني والذي كنت أتوق أن أسأله إياه منذ البداية: كيف يمكن لعقل إنسان في القرن الحادي والعشرين أن يصدق كل تلك الخوارق وقصة حياتك وموتك وقيامتك والتي يدعوها الكثيرون بالأساطير؟ وهنا أخذ نفساً عميقاً والتقط حجراً صغيراً كان قربه ورماه وسط أمواج البحر ثم قال: أنا معك بأنها قد تبدو غير مألوفة وغير منطقية وتفوق العقل، وما يزيد المشكلة هو كون هذه الأحداث قد حدثت في الماضي حيث لا يمكن للإنسان أن يعود للوراء ويعيد الأحداث ليراقبها من جديد ويقرر هل هي حقيقة أم لا، لذلك لابد من البحث في التاريخ والتنقيب فيه عمّن يسموَّن بشهود العيان واختبار مدى دقتهم ومصداقيتهم وعندها يكون الإيمان هو نتيجة ما توصل إليه الفرد وما لمسه من خلال بحثه وتجربته، وهنا اسمح لي أن أستعير ما قاله يوماً بوذا بأنه: لا تؤمن بشيء لمجرد أن رجلا حكيماً قاله... لا تؤمن بشيء لمجرد أن كافة الناس تؤمن به.... لا تؤمن بشيء لمجرد أن انسان عزيز عليك يؤمن به... لا تؤمن بشيء لمجرد أنه وجد في الكتب الدينية القديمة... ولا تؤمن بشيء لمجرد أنه إلهي المصدر... لكن آمن فقط بما لمسته من خلال التجربة وتأكدت على أنه حقيقة... مع جملته الأخيرة كان البحر قد هدأ تماماً كما بدأت أولى خيوط الفجر بالبزوغ، نظرت إليه فلم أجده تلفتّ حولي لكنه كان قد اختفى، تجمدت في مكاني برهةً وظننت أني كنت أحلم، لكن وللغرابة كانت آثار جلوسه على الرمل ما زالت محفورة وأدركت أنه بالفعل كان هنا فصرخت بأعلى صوتي أين ذهبت؟ ما زال عندي سؤال، ما زال عندي سؤال.... من حكم العالم عندما كنت ميتاً...؟ ورغم عدم وجود أي حواجز لكن صدى صوتي تردد في المكان صارخاً من حكم العالم عندما كنت ميتاً؟... من حكم العالم عندما كنت ميتاً؟.. ومن بين أصداء صوتي سمعت صوت ضحكته وقد ارتفعت عالياً وطغت على سؤالي، نظرت حيث كان جالساً فوجدت عبارةً كان قد خطها على رمل البحر بإصبعه تقول: منذ متى يموت النور عندما تغرب الشمس؟ وعندها انتابتني نوبةٌ من الضحك الشديد لم أجد نفسي بعدها إلاّ وأنا أجري وأصرخ النور لا يموت حتى وإن غابت الشمس... النور لا يموت حتى وإن غابت الشمس. وهنا كانت الشمس قد ارتفعت عالياً، عدت حيث كنا جالسين لكن مياه البحر كانت قد غمرت المكان نظرت إلى الأفق البعيد وقد أدركت أن معظم أسئلتنا لا تحتاج إلى أجوبةٍ جاهزةٍ لكنها تحتاج مفاتيح ننطلق من خلالها كي نصل إلى أبعد من مجرد الإجابات، وهذا ما حصلت عليه اليوم.
#جورج_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة... ولكن من نوع آخر...!
-
موجة التزييف... وإعلاء راية الحق....
-
مجرد أفكار متناثرة....(من هنا وهناك)....
-
ما لم يفعله المسيح...
-
الإله مالك مصنع تصميم وإنتاج وبرمجة الآلات الإنسانية...!
-
رسالة إلى إله اللا إنسانية...
-
قدسية الأنبياء...
-
النص أم الإنسان.... من يقدّس الآخر؟
-
إنسانية الإنسان... ودور الألوهة...
-
أبي وأنا وإلهي.... وأيضاً إله القنابل...
-
إلهٌ من صُنعِ العبيد...
-
وجود الإله... هل يعني عدم حدوث كوارث؟
-
كل شيءٍ يبدأ من الداخل...
-
الإيمان بالغيبيّات...
-
الوجود الأزلي... ما بين المادية والألوهة
-
حول وجود قوة ماوراء كونية واعية...
-
إلهٌ ما... وحقائق...
-
قصة الحياة والموت...
-
الصليب... وأفكار...
-
يسوع المسيح... ومجرد تساؤلات...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|