|
منظومة المعرفة البشرية والعقل الكوني
ساسي سفيان
الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة باجي مختار - عنابة BADJI MOKHTAR - ANNABA UNIVERSITY السنة الجامعية :2005-2004 كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية
قسم علم الاجتماع
الباحث : ساسي سفيان
منظومة المعرفة البشرية والعقل الكوني مقدمة: يحفل تاريخ المعرفة البشرية بالتطورات المهمة الكبيرة ، ويمكن تقسيمه إلى مرحلتين بارزتين: 1- مرحلة الفلسفة النظرية : وهي فترة ترجع جذورها الموغلة في القدم إلى الحضارات القديمة المعروفة في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل والحضارة اليونانية وقد وجدنا عند الأخيرة أوضح بدايات المعرفة النظرية ( الفلسفة ) والتي ترجع أصولها إلى طاليس ( في حدود 585 قبل الميلاد) (1))، ثم تمتد هذه الحقبة لتشمل ظهور الفلسفة الإسلامية وأعلامها البارزة مرورا بالعصور الوسطى المسيحية التي يسميها البعض بالعصور المظلمة (5) وهي فترة تميزت بسيطرة الكنيسة على الفكر والحياة في أوربا وتنتهي هذه الفترة عند بداية عصر ما يسمى بعصر النهضة(حدود 1300-1600 للميلاد)(1). ومن خلال ذلك يمكننا إيجاز ملخص عن طبيعة الأفكار في هذه الحقبة: (احتوت النظرات التي قدمتها فلسفة الطبيعة القديمة عن العالم على عدد من الآراء العبقرية التي كان لها تأثير كبير على تطور العلم مثل النظرية الذرية ومبدأ حفظ المادة وفكرة التطور ولا نهائية العالم إلا إن كل ذلك لم يكن يعدو نطاق التأملات التي هي رغم صوابها لم تستند على الفحص التجريبي والدراسة المفصلة لظواهر الطبيعة الجزئية(2)). 2- مرحلة العلوم التجريبية : وتبدأ بعصر النهضة ( ما بين 1300- 1600 للميلاد ) حيث ظهر المنهج التجريبي لبيكن ومنهج الشك عند ديكارت، ثم طور هذا المنهج لاحقا عند أصحاب الدراسة العقلية من بعده ليعرف فيما بعد باسم منهج البحث العلمـي والذي يقوم أساسا على الفحص التجريبي للظواهر في الطبيعة(1)، تطورت على اثر ذلك المعارف والعلوم والمجتمع البشري بصورة عامة ولا نزال ضمن الإطار الزمني لهذه الفترة ،لكننا نجد وفي هذه الدراسة إن هذه الفترة هي الأخرى يمكن إن تنقسم إلى حقبتين بارزتين: الأولى: حقبة المعرفة العلمية الأممية وهي حقبة تتميز بتطور العلوم في بقاع العالم المختلفة بصورة منفصلة عن بعضها البعض وتجد الدراسة بأنها تمتد من بداية عصر النهضة وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي أواخر القرن العشرين، ويمكن إيجاز حالة التطور العلمي في هذه الفترة بالأتي : لقد تميزت اغلب الدوافع في تطور العلوم و المعرفة في هذه الفترة بالأممية كما حدث في حرب أوربا الأولى والثانية (ما تعرف بالحروب العالمية) وكذلك العقائدية كما حصل في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبالتالي فهي فترة انتقالية طارئة وان كانت تمتد إلى ما يقارب الثلاثة قرون، فالدراسة تجد بان هناك تطورا نظاميا في مسيرة المعرفة العلمية للبشر كما سيأتي ذكره لاحقا . الثانية: حقبة المعرفة والعلوم العالمية وهي حقبة تتميز بزوال الدوافع الأممية والعقائدية بشكل ملحوظ وان كان لا يعني زوالها نهائيا، لكن الملاحظ هو (بداية) زوال الحدود ما بين الأمم والثقافات والشعوب فيما يعرف حاليا بعصر العولمة. إن الصورة النهائية لهذه الحقبة لم تتضح بعد، إلا إن الدراسة وفي ضوء المعطيات الحالية الاقتصادية والمعرفية تتوقع ظهور الفترة الثالثة من فترات التطور المعرفي فتكون هذه المراحل الثلاث كالآتي: 1- مرحلة الفلسفة النظرية 2- مرحلة العلوم التجريبية 3- مرحلة المعرفة الموحدة للبشر( منظومة المعلومات الموحدة)، والمرحلة الأخيرة هي محور هذه الدراسة. منظومة المعرفة البشرية ( الموحدة) : تعد هذه الفترة مستقبلية ولها بدايات أولية تتداخل مع الحقبة الثانيـة من مرحلة العلوم التجريبية (عصر العولمة) حيث ستؤدي العولمة إلى تقريب الأفكار العالمية وسيادة الأصلح منها وقد تفلح في خلق هوية جديدة للأفراد في العالم بالإضافة إلى هوياتهم الأممية العقائدية. إن منظمة الثقافة والعلوم العالمية UNESCO ( اليونسكو)والشبكة الدولية العامة للمعـلومات ( الإنترنت ) فضلا عن شبكات الأخبار والإعلام الدولية المختلفة هي الأسس الأولية لولادة هذه المنظومة والتي ستخلق الحاجة إليها في ظل عصر التطورات السريعة الذي نشهده انبثاق نظام خاص بها من شانه إن يكون إطارا معرفيا عاما للجنس البشري بأسره. قد يحسب هذا التوقع تنبؤا .. لكن في الوقت نفسه يمكن تسميته اقتراحا على المدى البعيد لإنشاء مثل هذه المنظومة والتي قد يلاحظ أي باحث (موسوعي) في التطورات الدولية حتمية انبثاقها في ظل التطورات السياسية والاقتصادية التي يشهدها القرن الحادي والعشرين . إن هذه المنظومة من شانها برمجة المعلومات التاريخية والعلمية وغيرها من مصادر مختلفة بحيث تظهر في صورة جديدة تكون بها هذه المنظومة "مصدرا" جديدا ومعتمدا وشاملا للمعلومات المطلوبة من قبل أي فرد في هذا العالم خصوصا إذا ما بوبت هذه المعلومات في برامج دولية متفق عليها من قبل الباحثين والمختصين في العالم عبر الشبكة الدولية العامة للمعلومات ( الإنترنت )، قد يؤدي حدوث ذلك إلى تعميم المعرفة وتوحيدها لتصبح في متناول الجميع. إن انبثاق نظام معرفي عالمي يستند إلى المصادر المعرفية الأصيلة من شانه تثبيت هوية جديدة للمعرفة وذلك بالتأكيد سيضيف هوية جديدة للفرد يعتز بها بالإضافة إلى انتماءاته السابقة التي تكون قريبة إلى نفسه بالتدرج الآتي: الاسم الشخصي، اسم العائلة، اسم المدينة، اسم الوطن أو الدولة، القومية أو الدين و الـ (( الكونية أو العالمية ))، قد تكون هذه العالمية موجودة في الوقت الحاضر لكنها ستتعزز أكثر في ظل نظام معرفي دولي (منظم) لان الواقع الحالي للعولمة لا يرقى إلى مستوى المنظومة التي نتوقعها إن تكون امتدادا للتطور المعرفي الطبيعي للمجتمع البشري والذي سيشهد في النهاية تبعا لدرجة التنظيم العالمي (على نطاق المعرفة والعلوم) ولادة ما تسميه الدراسة بـ(( العقل الكوني أو العالمي )) وهي مرحلة متقدمة جدا من تطور منظومة المعرفة البشرية. العقل الكوني والاقتصاد الكوني Universal mind & Universal economy ( تمر المجتمعات البشرية في الوقت الحاضر بفترة تحول سوف تعيد ترتيب سياسات واقتصاديات القرن القادم فلن يكون هناك منتجات قومية أو تكنولوجيات قومية ولا شركات قومية، فالقرن الحادي والعشرين هو بداية لظهور الاقتصاد الكوني ليرسم صورة جديدة تعكس بوضوح أكثر حقائق الاقتصاد في العالم الذي بدأ في الظهور والمجتمعات التي تتشكل تبعا لذلك(3)، إن دراسة المعرفة وحقول تطورها في هذا البحث تجد بان هناك توافقا عميقا بين التحولات الاقتصادية والتحولات ( المعرفية) وكما هو معلوم فان الاقتصاد عصب الحياة وأساس التطور الحضاري والعلمي في هذا القرن، وتطور أي شيء في هذا العالم يتأثر بصورة كبيرة بالتطور الاقتصادي، وتزامن ظهور الاقتصاد العالمي ومنظمة التجارة العالمية مع تطور الإعلام العالمي والشبكة العالمية للمعلومات ( الإنترنت )ومنظمة الثقافة والعلوم العالمية UNESCO (اليونسكو) دليل على إن الاقتصاد و المعرفة يسيران باتجاه نقطة واحدة وهي: العالمية أو الكونية. ولا يقتصر هذا التوافق بين الاقتصاد و المعرفة على هذا القدر فحسب بل يتعداه إلى بعد خفي وربما غير متوقع.. وهو ازدياد الثقل الاقتصادي للعلماء والمخترعين والاستراتيجيين وذوي الخبرات والمهارات على مستوى الاقتصاد العالمي..( ففي العام 1920 كان يذهب أكثر من 85% من تكلفة سيارة لدفع أتعاب العمال الروتينيين والمستثمرين، وفي عام 1990 حصلت هاتان المجموعتان على اقل من 60 % بينما ذهب الباقي للمصممين والمهندسين وواضعي الأساليب والمخططين والاستراتيجيين وخبراء المال والمديرين التنفيذيين والمحامين والمعلنين والتسويقيين، أما اليوم فيذهب أكثر من 85% للتصميمات المتخصصة والخدمات الهندسية وبراءات الاختراع وحقوق المؤلف على المكتشفات السابقة) (وبينما تتضاءل بانتظام أجزاء الناتج القومي الإجمالي التي تذهب للعمالة الروتينية والمستثمرين، فان الجزء الذي يذهب إلى الذين يقومون بالتعرف على المشاكل وحلها كان ينمو بانتظام(3) وهكذا فان الشكل الجديد للاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين سيكون: (اقتصاد عالمي يعتمد على مهارات ذات قيمة عالية مرتفعة بدلا من العمـالـة الـروتينية وراس المال (3) ولعل العبارة الأخيرة مثيرة للاهتمام، فهي تهديد صريح للرأسماليين من خلال بيان إن المهارة والخبرة بدأت تظهر كقوة فاعلة بدلا من راس المال... لكن من هم أصحاب المهارات والخبرات؟ إن الذين سيعتمد عليهم الاقتصاد الكوني في المستقبل هم بلا ريب الذين ستعتمد عليهم منظومة المعرفة البشرية التي ستتحول بعد تدرج عالِ في التنظيم إلى (العــقـل الـكـونـي) . إن انبثاق النظام الاقتصادي الجديد والنظام المعرفي الجديد على ( نفس ) الدعائم البشرية في العالم والمتمثلة بالعلماء والمخترعين والاستراتيجيين والاقتصاديين ورجال القانون البارزين وأصحاب المهارات والكفاءات في المجالات العلمية والثقافية دليل على إن التحول إلى العالمية حتمي ومؤكد والمسالة مسالة وقت لا أكثر لظهور دستور ( علمي ) عالمي ودولة عالميـة يحكمها علماء وخبراء ومثقفي الجنس البشري، بحيث يكون الاقتصاد الكوني والعقل الكوني وجهان لعملة واحدة هي: (الجمهورية الكونية). قد لا نستطيع التكهن أكثر بتفاصيل هذه (الجمهورية) ونظامها السياسي والاقتصادي أو العقائدي، لكن ومن خلال لمحة عابرة على واقع التطور التاريخي للجنس البشري فان (العلم) ومنهج البحث العلمي هو عقيدة وسياسة واقتصاد جمهورية المستقبل. التوصيات 1. تحتاج منظومة المعرفة البشرية إلى انعقاد مؤتمر علمي عالمي لتأسيس مجلس علمي عالمي يضم ابرز العلماء والمتخصصين وأصحاب الكفاءات العالية في العالم. 2. يحدد المجلس علماء وذوي اختصاصات بارزين لوضع آلية علمية خاصة لإدارة هذا المجلس. 3. يشكل المجلس لجان علمية في الاختصاصات الثقافية والعلمية لتحديد أهم المصادر العلمية والثقافية للمعلومات ودراستها على مدى سنوات ومن ثم برمجتها لتكون في متناول أفراد الجنس البشري كمعلومات (ثابتة) عبر الشبكة الدولية للمعلومات، وكلما تطورت عملية (التثبيت المعرفي) كلما اقتربنا من منظومة معرفية متطورة، حتى نصل في النهاية وبعد درجة عالية من التنظيم إلى خلق ((العقل الكـونـي))، والذي سيكون بحق في آخر المطاف أروع وأعظم إنجاز للجنس البشري في مسيرة التاريخ وعندها سوف لا يكون هذا العقل مصدر التطور والتحضر البشري في مستقبله وحسب وإنما مركز هائل لإدارة الجمهورية الكونية. 4. بالإمكان البدء بتأسيس هذه المنظومة على مستويات إقليمية، ونقترح أن تبـدأ في عالمنا العربي أو الشرق الأوسط بتأسيس مجلس لعلماء وخبراء و اختصاصي الشرق الأوسط، إن انبثاق مثل هذه المجالس على الصعد الإقليمية سيسهل أكثر انبثاق المجلس العلمي العالمي. الباحث ساسي سفيان المصادر العربية: 1. احمد، قيس هادي 1986، نظرية العلم عند فرنسيس بيكن، الطبعة الثانية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد صفحة 15-38. 2. مطلب، محمد عبد اللطيف 1985، الفلسفة والفيزياء ج 2، دار الحرية للطباعة، بغداد، صفحة 13- 14. 3. رايتش، روبرت. ب. القاهرة. اقتصاد الأمم ورأسمالية القرن الحادي والعشرين، ترجمة سمية شعبان، الطبعة العربية 1999، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافــة العالميـة. القاهرة. صفحة 19-131. References: 4- Williams, Henry Smith/ A history of science V1, forum and chat at http:// jollyroger.com/zd/ a history of science WH forum/ shakespeare1.html: PP. 50-60. 5- Lloyd, G.E.R.1970.Early Greek science: Thales to Aristotle. W.W. Norton& company. New York.PP.156. مجلة علوم إنسانية : العدد 8 أبريل 2004 : www.uluminsania.com
#ساسي_سفيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة و المعرفة في ضل القرن الحادي و العشرين
-
الـساحة الـثقــــافية العربيــــــــة
-
الـتـنـمـيــة الـثـقـافـيــة والـمـسـتـقـبــل
المزيد.....
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|