كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يذبح يومياً في العراق عشرات الناس على طريقة الإسلام السياسي الإرهابية وأتباع صدام حسين وغيرهم تماماً كما كان يحصل على أيدي المتطرفين الإرهابيين من المسلمين في الجزائر منذ سنوات وما نزال نعيش أفعالها الإجرامية هناك بين فترة وأخرى. تدمر يومياً المشاريع الاقتصادية وتنسف أنابين نقل النفط والغاز الطبيعي وتعطل عملية إعادة إعمار البلاد وتهدم البيوت على رؤوس أصحابها وتضع العبوات الناسفة على الطرق العامة وتمارس العمليات الانتحارية على أيدي عصابات الإجرام السياسي المنظم المنفلتة من عقالها. كل هذه الأفعال الدنيئة يحصل في العراق, رغم ذلك ترفع بعض قوى اليسار العربي صوتها وكأن النداء قادم من أعمال الأرض والماضي الأصفر السحيق لتهتف بشعارين لا غيرهما: لتسقط الولايات المتحدة الأمريكية, لتنتعش حركة المقاومة الشعبية في العراق.
لم يعد الشعب العراقي بغالبيته ولا أي إنسان عاقل على هذه الأرض يفهم ويعي مضمون هذين الشعارين وهو يرى 49 عراقياً من الناس الفقراء الذين رغبوا في الحصول على عمل في الجيش العراقي يقتلون دفعة واحدة على أيدي هؤلاء القتلة العتاة في 24/10/2004, إضافة إلى ألاف القتلى الذين سقطوا جراء تلك العمليات الإجرامية في مختلف مدن العراق خلال الأشهر المنصرمة.
لا يستطيع الإنسان أن يمتلك أعصابه إلا بجهد كبير وهو يحاور أحد اليساريين العرب أو أحد اليمينيين منهم, حول ما يجري في العراق حالياً, إذ تراه يتحدث بدم بارد عن ضرورة قتل الأمريكيين والعملاء العراقيين. وعندما تسأله عن العملاء الذين يقصدهم يجيبك بانفعال, أنهم جميع من يتعاون مع الأمريكيين ومن يشارك في الحكومة القائمة ومن يؤيدها, وأن رئيس وزراء العراق الحالي ليس إلا عميلاً للمخابرات المركزية الأمريكية, وأن الحزب الشيوعي ارتكب جريمة بشعة بمشاركته في الحكومة الحالية!
يحاول البعض من هؤلاء اليساريين العرب, وهو مجبر, أن يميز أحياناً بين الإرهاب والمقاومة, إذ يرى أن اختطاف النساء الأجنبيات عملاً إرهابياًً, ولكن قتل العراقيين الذين يعملون في القوات المسلحة العراقية عملاً عادلاً وهو حق من حقوق مقاومة الاحتلال قتل هؤلاء العملاء!
في يوم 22/10/2004 عُقدت في نادي الرافدين الثقافي العراقي في برلين ندوة حوارية بين السيدين الدكتور جلبير الأشقر (من لبنان) والدكتور كاظم حبيب (من العراق) وأدار الندوة السيد الدكتور حامد فضل الله (من السودان). وكان الحضور واسعاً حيث لم تسعهم القاعة وأجبر البعض على الوقوف في الممر. دار الحوار حول الواقع العراقي وطرح الدكتور فضل الله أربعة محاور للنقاش, وهي:
المحور الأول: الاحتلال, النتائج والتداعيات
المحور الثاني: مقاومة أم إرهاب في العراق
المحور الثالث: علاقة العراق مع دول الجوار وخاصة البلدان العربية.
المحور الرابع: المشاهد المستقبلية للعراق.
اتبع السيد مدير الندوة طرح المحاور على شكل أسئلة يجيب عليها المتحاورين بالتتابع ثم يناقشان بعضهما حول الأفكار الواردة في كل محور. وفي النهاية أعطى لمجال للحضور للمشاركة في النقاش والتعليق وطرح الأسئلة.
كان الحوار في بداية الندوة هادئاً, حاول كل من المحاضرين طرح وجهة نظره, اختلفا في بعض الأمور واتفقا في البعض الآخر, ولكن ما اختلفا عليه كان واضحاً جداً يصعب التوفيق فيه, ولا شك بأن الحوار أفرز بعض الحقائق المهمة, منها, كما أرى, ما يلي:
* أن هناك اختلافاً صارخاً بين ما عاناه الشعب العراقي طيلة العقود الثلاثة المنصرمة وواقعه الراهن وبين تصورات الكثير من العرب عن تلك المعاناة وموقفه منها, ومنه بعض قوى اليسار العربي, وخاصة الجماعات التروتسكية, دع عنك القوى القومية اليمينية الشوفينية والقوى الإسلامية المتطرفة.
* إن بعض قوى اليسار العربي ليس في مقدورها, وربما لا تريد ذلك أصلاًُ, أن ترى بأن السبب وراء ما حصل في العراق هو بسبب سياسات النظام العراقي الذي قدم العراق ومنطقة الشرق الأوسط على طبق من ذهب إلى ألولايات المتحدة الأمريكية بغض النظر عن الأهداف التي كانت تحرك الولايات المتحدة في المنطقة, وأن العراق كان قد فقد سيادته واستقلاله وفقد قراره الوطني المستقل قبل سقوطه تحت الاحتلال الأمريكي بسنوات كثيرة وفق قرار مجلس الأمن رقم 1483 في 20/5/2003.
* وان بعض قوى اليسار العربي, التي نادراً ما تحركت لدعم نضال الشعب العراقي ضد النظام الصدّامي ومجازره وقبوره الجماعية في العراق, ومنها مجازر حلب?ة والأنفال في كردستان العراق وضرب الانتفاضة في عام 1991 وما حصل للكرد الفيلية وعرب الجنوب على امتداد العقود التي حكم فيها صدام حسين, ترفع اليوم عقيرتها بشتم القوى الوطنية والديمقراطية العراقية التي تحاول إرساء أسس جديدة للعلاقة السياسية الديمقراطية في العراق وإعادة إعمار العراق والخلاص من قوى الاحتلال الأجنبي. وإن هذا البعض في سياساته وأساليب المتطرفة والصبيانية يمكن أن يقود إلى ضياع العراق تماماً كما ضاعت فلسطين بسبب سياسات الرفض القاطعة والصبيانية اليسارية أو السياسات البائسة والخانق للقوى القومية اليمينية المتطرفة وقوى الإسلام السياسي المتطرفة.
* وإذا كان من حق كل العرب التعبير عن وجهات نظرهم السياسية في الوضع القائم في العراق ونقد السياسات الراهنة, فليس من حقهم في كل الأحوال الإساءة للعراقيات والعراقيين المناضلين في سبيل إعادة بناء وطنهم, كما ليس من حقهم التدخل الفظ لدعم نشاط القوى المعادية للشعب العراقي بحجة مقاومة الإمبريالية الأمريكية, في وقت تحتل الإمبريالية الأمريكية الوطن العربي كله تقريباً. وإذ يفرح الكثيرون من العرب لأحاديث قناة الجزيرة ويتعاونون معها, بمن فيهم بعض اليساريين الأقحاح, ينسون تماماً أن قطراً محتلة أكثر من العراق بأضعاف المرات, وإذ سيتسنى للشعب العراقي إخراج القوات المحتلة من للعراق في وقت غير بعيد بفضل نضاله الوطني وفق الأسس التي يختارها والأساليب التي يرتضيها, فأن قطر ستبقى محمية أمريكية زمناً طويلاً ما لم يأخذ الشعب القطري على عاتقه إنجاز هذه المهمة وفق ظروفه الملموسة. إن النقد مطلوب, ولكن المهاترات والشتائم والإساءات والتدخل الفظ في شئون العراق الداخلية ومحاولة التحكم بأساليب نضاله مرفوضة تماماً ومن أي جهة جاءت.
ً
يمكن تلخيص أفكار السيد الدكتور جلبير الأشقر في الندوة على النحو التالي, وأرجو أن أكون تلخيصي لها مقبولاً منه:
1. العراق يشكل حلقة واحدة في سلسلة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة, ولكنها حلقة مهمة, لاحتلال المنطقة والهيمنة عليها في إطار سياسة العولمة الأمريكية.
2. إن القوى المتعاونة مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ابتداءً من مجلس الحكم الانتقالي وانتهاءً بالحكومة الحالية, ترتكب خطأً فادحاً وجريمة كبيرة بحق الشعب العراقي. والحزب الشيوعي العراقي يرتكب جريمة جديدة بدخوله الوزارة الحالية, تماماً كما ارتكب سابقاً جريمة التحالف مع البعث الحاكم في السبعينات.
3. أن رئيس وزراء الحكومة العراقية الحالي, الدكتور أياد علاوي, عميل مكشوف ومعروف للمخابرات المركزية الأمريكية ولذلك لا يجوز القبول به والعمل معه ويستوجب مقاومته.
4. أن مقاومة الاحتلال وعملاء القوى المحتلة عملاً مشروعاً, وبالتالي فما يجري في العراق هو مقاومة ضد الاحتلال يفترض تأييدها.
5. يمكن التمييز بين القوى المقاومة وبين القوى الإرهابية ولا يجوز الخلط كما لا يجوز الإساءة للمقاومة الشعبية, إذ من حق الشعب أن يقاوم الاحتلال بكل الأساليب الممكنة.
6. من الممكن اختيار أساليب أخرى في النضال وربما يكون الطريق السلمي مناسباً, ولكن لا يجوز شجب الطرق الأخرى في الكفاح ضد المحتلين.
7. إن السيد السيستاني يمارس أسلوباً وطنياً مهماً في مقاومة الاحتلال وفرض الانتخابات وحل محل القوى الديمقراطية في هذا الشأن.
كانت أطروحات الدكتور كاظم حبيب مختلفة كثيراً عن أطروحات السيد الدكتور جلبير الأشقر بشأن العديد من القضايا. ففي الوقت كان هناك اتفاق بأن الحرب لم تكن الوسيلة المناسبة لإسقاط النظام العراقي, إذ أنها جلبت معها الكثير من التداعيات, ولكنه اختلف معه في كون المسؤول عن الحرب ليس الشعب العراقي وليست المعارضة العراقية, بل النظام الاستبدادي الدموي المخلوع. يفترض هنا الإشارة الواضحة بأن الغالبية العظمى من العراقيات والعراقيين يدركون طبيعة مضمون وأبعاد الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ولا يحتاجون إلى من يعلمهم بها, وهم إذ اتفقوا على إسقاط الفاشية في العراق, فهذا لا يعني بأي حال بأنهم يتفقون مع جميع أهداف الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة سياساتها في فلسطين أو سياساتها العولمية والرغبة في الهيمنة...
وإذ اتفقَ الدكتور كاظم حبيب على أن من حق كل شعب في مقاومة المحتلين, أختلف معه بشكل واضح حول ظروف احتلال العراق, وأن ما حصل في العراق يختلف كلية عن ظروف احتلال أخرى, إذ أن الشعب العراقي قد تخلص من دكتاتور بغيض ونظام مقيت أولاً, وأن الشعب العراقي إذ رحب بالقوات القادمة إلى العراق في الفترة الأولى, فأنه اعترض ورفض قرار الاحتلال الذي صدر في 20/05/2003 عن مجلس الأمن الدولي, كما شجب الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية وإدارة الحاكم المدني في بغداد في حينها وطالب بإنهاء الاحتلال, وإذ كانت غالبية قوى المعارضة العراقية قد ساندت تلك الحرب, فإنها قد رفضت قرار الاحتلال أيضاً, وإنها تناضل لإنهاء الاحتلال بالطرق السلمية والديمقراطية. وبالتالي, أن الأعمال المسلحة جارية في العراق لا تعتبر مقاومة وطنية بل إرهاباً وعدواناً على الشعب العراقي يرفضها الشعب, وهي موجهة ضده بالدرجة الأساسية.
وإذ اعتقد الدكتور جلبير الأشقر بأن السيد رئيس الوزراء ينفذ سياسة السفير الأمريكي في لعراق نيغروبونتي, رفض الدكتور كاظم حبيب هذه الأطروحة مؤكداً بأن ما يجري في العراق هو صراع المصالح بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية والسياسة هي فن الممكنات, وأن الاتفاق حاصل بين الولايات المتحدة والعراق في محاربة الإرهاب الجاري, وإذا شئنا إخراج القوات الأمريكية وغيرها من العراق فينبغي إيقاف الإرهاب أولاً وقبل كفل شيء. وعلينا أن نعرف بما لا يقبل الشك بأن من الصعب بمكان إخراج القوا لأجنبية من العراق قبل وقف الإرهاب للأسباب التالية:
• صعوبة مقاومة قوى الإرهاب الفاعلة في العراق, وهي متعددة ابتداءً من فلول وأجهزة مخابرات وأمن صدام حسين وفدائييه وحسه الجمهوري وبعض العسكريين, ومروراً بالزرقاوي وعصابات أنصار الإسلام الكرد وأنصار السنة وجماعات أخرى تابعة للابن لادن والقوى القومية المتطرفة,
• عدم استكمال بناء المؤسسات الشرعية العراقية, بما فيها أجهزة الجيش والشرطة والأمن والدفاع المدني التي يفترض أن تأخذ على عاتقها حماية العراق من هذه المنظمات والقوى ألإرهابية.
• احتمال نشوب حرب أهلية بسبب الصراعات التي لم تؤطر وتوضع لها آليات ديمقراطية سلمية لمعالجتها.
• احتمال اتساع رقعة الإرهاب في سائر أنحاء العراق أولاً وامتداده إلى الدول العربية والمجاورة ثانياً.
كان وما يزال العراق يطالب بقوات دولية لحمايته من النشاط الإرهابي, ولكن هناك ثلاثة عوامل مانعة حتى الآن, وهي:
1) الصراع الأمريكي-الأوروبي الذي يمنع الاتفاق على صيغة مناسبة لعمل القوات الدولية في العراق.
2) المصاعب التي تواجهها الأمم المتحدة في تكوين قواتها المسلحة وسبل الصرف عليها والمخاطر التي تتهددها وعدم وجود ضمانات عدم تعرضها إلى القتل.
3) صعوبة إقناع الولايات المتحدة بضرورة التنازل عن قيادة القوات هناك وتسليمها إلى الأمم المتحدة.
الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية تقول نعم لقوات الأمم المتحدة, ولكن هذا لا يعني صدور الموافقة فعلاً على ذلك, وخبرتنا تؤكد صعوبة ذلك, ولكن يفترض مواصلة المطالبة.
وإذا كان الاتفاق قائماً في أن الحزب الشيوعي قد ارتكب خطأً فادحاً بتحالفه مع البعث العراقي في السبعينات واعترف بذلك الخطأ في تقييمه لسياسته فيما بعد, فأن من الخطأ الفادح تسمية ذلك بالجريمة التي ارتكبها الحزب الشيوعي, كما أن من الخطأ الفادح القول بأنه يرتكب الآن جريمة أخرى بدخوله في الوزارة, إذ أن هذا تجاوزاً غير مبرر واستخداماً لتعابير غير مطابقة للواقع بررة تثير الآخرين ولن تنفع أحداً. وإذ غير الدكتور التعبير إلى خطأ تاريخي أو فادح, ولكنه كان كثير الاقتناع بما كان يتحدث به, إذ أنه ينتمي إلى رؤية فكرية ماركسية أخرى غير الرؤية الفكرية الماركسية التي يعمل في ضوئها الحزب الشيوعي العراقي أو حتى معادية لها بحجة الحرص على الحزب الشيوعي العراقي. إن الاختلاف في وجهات النظر يفترض أن لا تتجاوز حدود المعقول في الحوار الذي يقود إلى مهاترات على طريقة قناة الجزيرة في اتجاهها المعاكس. ولا بد من الاعتراف بأن الحزب الشيوعي كان وما يزال فصيلاًً وطنياً من فصائل الحركة الوطنية العراقية, بغض النظر عن مدى الاتفاق معه في سياساته أو الاختلاف بشأنها.
لقد تضمنت مطالعة الدكتور جلبير جملة من الأفكار التي اعتبرها الحضور استفزازاً لمشاعرهم, وهو كذلك, وكان رد فعل البعض قاسياً أحياناً وشديد الانفعال أحياناً أخرى واتهامات لا مبرر لها. وكنت أتمنى أن لا يحصل ذلك.
أشير هنا إلى بعض المسائل التي كان بالإمكان تفاديها في الحوار الذي عاشه نادي الرافدين أخيراً, وهي تجربة أولى في الحوار بين العراقيات والعراقيين من جهة, وبين بعض قوى اليسار العربي من جهة أخرى:
• لم أجد أي مبرر من جانب بعض المشاركين في الحوار تعميم الموقف إزاء المثقفين العرب, إذ من غير الصائب الحديث عن لمثقفين العرب وكأنهم كتلة واحدة من جهة, أو كأنهم جميعاًً إلى جانب ما يتحدث بع بعض المثقفين اليساريين واليمينيين من جهة ثانية, وأن اختلفاً في الهدف.
• ولم يكن مناسباً الانفعال ورفع الأصوات ومحاولة الإساءة للمحاضر من البعض القليل في القاعة, رغم أن الغالبية العظمى رفضت أطروحات الدكتور جلبير الأشقر بشكل واضح.
• ومع ذلك كانت هناك مساهمات جيدة في الحوار مع أطروحات الدكتور جلبير من النساء والرجال الذين شاركوا في اللقاء. تميزت ملاحظات النساء بالهدوء والموضوعية والتشخيص الجيد لمواطن الخلل في تقديرات الدكتور جلبير الأشقر, إذ أنها قد وضعت الأصبع على الجرح النازف حقاً.
ناقش الدكتور جلبير الأطروحات المضادة لأفكاره بطريقة متوترة وانفعالية وقاسية عبرت عن إحساسه بأنه عومل معاملة قاسية وبطريقة غير منصفة من قبل الحضور, وفجة أحياناً عندما صوره أحد المشاركين في النقاش بالبدوي الذي يريد الانتقام من الأمريكيين. تميزت ملاحظات الدكتور الأشقر بما يلي:
• الصوت المرتفع جداً والانفعال الشديد ومجابهة مباشرة مع المنتقدين هي السمة البارزة التي هيمنت على إجابات الأخ الدكتور جلبير الأشقر
• تضمنت الردود إساءات جديدة للحضور وبشكل خاص لمناضلي الحزب الشيوعي العراقي وأصدقاء الحزب الشيوعي دون أدنى مبرر, وعبرت عن موقف إيديولوجي ساخط وكأنه مناهض للحزب الشيوعي ويريد الانتقام بالإساءة وليس نقداً موضوعياً وبناءًً. وكان الأسوأ في الأمر هي الطريقة التي رد بها على الحضور وليس في المضمون فقط.
• إن الطريقة التي استخدمها في النقاش تشير بما لا يقبل الشك بأن السيد الدكتور حلبير الأشقر يشكو من القناعة بامتلاك الحقيقة المطلقة, الحقيقة كلها, أما بقية الناس فلا يمتلكون غير الباطل. وهي إحدى سمات ماركسيي الماضي من مختلف الأجنحة والاتجاهات, وكنت أعتقد بأن هذه الصيغة قد ولت وإلى البد. وتبدو هذه الملاحظة واضحة حتى في عنوان كتابه الأخير الموسوم "الشرق الملتهب, الشرق الأوسط في المنظور الماركسي". فالعنوان ذاته يشير إلى أن الكاتب يصادر المنظور الماركسي لكتاباته فقط, في حن كان المفروض أن يكون العنوان كالآتي " الشرق الملتهب, الشرق الأوسط في منظور ماركسي" وبالتالي يفصح في المجال لآخرين أن ينظروا إلى الأحداث من مناظير ماركسية أخرى أيضاًً.
كنت أتمنى أن يكزن صدر الدكتور الأشقر أرحب وأكثر تقبلاً للنقد والحوار الهادئ, وأن لا تستفزه الملاحظات حتى لو كانت جارحة, إذ أنه كان جارحاً وبعيداً عن الأسلوب المنشود أيضاً, وكانت ردود فعل العديد من الحضور غير مبررة وغير سليمة في آن, وتعبر عن عدم احتمال النقد حتى لو كان جارحاً. لا يمكن منع الآخرين عن إبداء ملاحظاتهم ومواقفهم إزاء ما يجري في العراق, فهو حق كل إنسان في العالم, ولكن من حق الشعب العراقي أن يتصرف كما يراه مناسباً, ومن حق العراقيات والعراقيين أن يطالبوا بممارسة النقد وليس توجيه الإساءات والتهم.
أشعر بأن المشاركة العربية المحدودة من بعض الأخوة العرب الحاضرين, وكانوا قلة, لم تكن إيجابية, إذ أن بعضهم حاول كيل الاتهامات للشيوعيين العراقيين وغيرهم أيضاً بسبب عيشهم في ظل النظام السوري في وقت كان الحكم يذبح في حماة المناهضين له أو وجود شيوعيين في السجن, إذ لم تكن هذه الملاحظة مبررة, كما إنها لم تكن عادلة في أسلوب طرحها, وقد كررها بعض السوريين كثيراً خلال الفترة الأخيرة وتسببت باستمرار في خلق أجواء مهاترة لا مبرر لها.
كان للنساء حضور جيد ومساهمة جيدة في الحوار الهادئ والرصين والمعبر عن وعي إزاء القضايا المثارة وعن ضرورة خوض الحوار بكل هدوء وموضوعية بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق في وجهات النظر.
لقد كانت تجربة جديدة, ولكنها تضمنت الكثير من الهنّات التي يفترض تجاوزها في المستقبل. يفترض أن لا يكون الحوار طريقاً لمزيد من الاختلاف, بل لفهم الرأي الآخر ومحاولة معرفة العوامل الكامنة وراء تلك المواقف المتباينة, إن طريق النضال طويل جداً ومعقد في آن واحد ويمكن أن تختلف القوى السياسية الديمقراطية في ما بينها, ولكن من الواجب تماماً احترام الرأي والرأي الآخر وأن تكون لنا آذاناً صاغية لما يقوله الآخر والعكس صحيح أيضاً. هذا ما عبر عنه رئيس النادي السيد الدكتور علي إسماعيل جودت الذي دعا الحضور إلى الهدوء والحوار الأكثر موضوعية والابتعاد عن الاتهامات المتبادلة.
بذل الأخ والصديق الدكتور حامد فضل الله جهداً طيباً وناجحاً في إدارة الاجتماع والحوار وفي تهدئة الخواطر بطريقة مناسبة جسدت قربه من العراقيات والعراقيين وفهمه للمشكلات التي عانوا منها وما زالوا يعانون منها حتى الآن.
برلين في 25/10/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟