|
دماء ودخان .. جوهر الإصلاح السوري
محمود زعرور
الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 23:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تدخل حركة الاحتجاجات السورية أسبوعها الخامس، وهي تنتقل من طور إلى طور آخر، أكبر، وأشمل، محافظة على طابعها السلمي، من جهة، وعلى التمسك بشعاراتها الوطنية، عبر التركيز على الهدف الرئيسي، المتمثل بالمطالبة بالحرية والكرامة، من جهة أخرى. لكن اللافت، هنا، أن النظام السوري يقابل هذه الانتفاضة بمعهود الرد الرسمي، الذي ما انفك يستخدمه عبر كل الأزمات السياسية والاجتماعية، التي يواجهها منذ عقود، غير آبه بكل ما يترسب أو يعتمل في المجتمع السوري من تراكمات، قد لا تنفع معها الحلول الماضية، وهي كذلك بالفعل، فما كان يصلح في السابق، فقد نجاعته الآن، بفعل عوامل عديدة تتصل بالناس أنفسهم، وبالعصر وبمتغيراته. تواجه الانتفاضة اليوم أشكالاً جديدة من القمع الممنهج والتضليل الإعلامي، وبجهود متسارعة من أجل احتوائها، درءاً أو تأخيراً لنهاية أكيدة لنهج فقد صلاحيته، وأصبح، بالتالي، خارج التاريخ، لأنه، ببساطة، سليل بنى متقادمة، عاجزة عن تقديم حلول جوهرية وصحيحة. أولى هذه الأشكال، قدمها الرئيس السوري عبر ما سمي بالكلمة التوجيهية للحكومة الجديدة، على هيئة خطاب ثان له منذ اندلاع الاحتجاجات، حيث لوحظت القراءة الخاطئة نفسها لثورة الشباب السوري، والإصرار في سوق الحزمة المألوفة ذاتها من الردود، التي تضمنت سوء الفهم، والتضليل، وإشهار سيف الوعيد عبر اعتماد القمع. لقد تجسد سوء الفهم بالإشارة إلى أن ( المواطن بحاجة إلى خدمات، إلى أمن.)، وكأن الشعارات التي أطلقها المحتجون، من أجل حريتهم وكرامتهم، لم تصل الأسماع بعد، لدرجة أن البعض في إحدى ساحات التظاهر أطلق نداءاته من أجل الحرية باللغة الانكليزية تندراً ! واشتمل التضليل على التعهد ( برفع حالة الطوارئ )، وإعداد ( قانون لمكافحة الإرهاب ) يحل محل قانون الطوارئ. وهذا يجسد الاعتماد على الحلول الأمنية ذاتها، وإن جاءت عبر الإلغاء الشكلي لحالة الطوارئ، ( مثل ما تم عبر قرار الحكومة يوم الثلاثاء في التاسع عشر من نيسان / ابريل الجاري)، كما أنه يفاقم أزمة النظام مع شعبه ومع قواه وتعبيراته المختلفة، في تحويل الرأي الآخر، إلى ( جريمة إرهابية ). وتمثل التضليل أيضاً بدراسة ( قانون للإعلام )، بالرغم من أن النظام السوري منع، ويمنع، حتى الآن، أية وسيلة إعلامية مستقلة، من تغطية ونقل الأحداث الجارية. وينطبق الأمر نفسه، كذلك، عن الحديث حول ( قانون الأحزاب )، وضرورة ( دراسته )، أو طرحه ( للنقاش العام )، في الوقت الذي تمضي الأجهزة الأمنية قدماً باعتقال قيادات وكوادر المعارضة الوطنية الديمقراطية والنشطاء والمثقفين، حيث تم اعتقال كل من غياث عيون السود، جورج صبرا، فايز سارة، أحمد معتوق، محمود عيسى، بالإضافة إلى مئات المواطنين، في مختلف المدن السورية إثر التظاهرات الشعبية. يأتي حديث الأسد قبل وأثناء وبعد عمليات القتل الموجهة للمتظاهرين المحتجين، حيث تم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في كل من حمص ( قبل اعتصام المدينة في الثامن عشر من نبسان / أبريل وبعده)، وتلبيسة والرستن واللاذقية والسويداء والمعضمية، والأنباء الموثقة تحدثت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. تزامن ذلك كله مع الاستمرار في حملة تسويق أضاليل ( المؤامرات)، التي تساق مشفوعة مع ( ضبط السلطات لكميات الأسلحة التي تصدر للأراضي السورية). هذه المرة تتنوع الاتهامات، فمن الإشارات السابقة حول دور( الحدود مع الأردن)، ثم إلى ( ضلوع مواطن مصري في تسريب صور للخارج)، تم، بعد ذلك الإفراج عنه، وقد فضح في مقابلة تلفزيونية ذلك الضغط الذي مورس عليه من أجل أن يقدم تلك الاعترافات المضحكة، مروراً لاتهام فريق سياسي لبناني ( نائب من تيار المستقبل ) وصولاً إلى ( ضبط شحنات أسلحة قادمة من العراق )، لتتعزز ببيان وزارة الداخلية حول ( مجموعات سلفية )، تقوم ( بتمرد مسلح ) يهدف إلى إنشاء ( إمارات سلفية )، تستمر المحاولات الرسمية السورية التي يسوقها النظام بأن البلاد تواجه (مؤامرة ) تهدف إلى ( التخريب وزرع الفوضى )، وتهدد ( الاستقرار). هل يتجه النظام السوري إلى اعتماد الخيار الليبي في الرد على ثورة شعبه السلمية، والمدنية، وقد تجلى فيها الطابع الوطني، بحيث لم يرفع المتظاهرون شعاراً واحداً يشي بالسمة العنفية، أو الطائفية، مبرهنين أن الشعب وقواه المتعددة أثبتوا نضجاً وتفوقاً أخلاقيين على الأجهزة الأمنية، وعلى الإعلام الكاذب، وكذلك على نخب النظام الفاسدة، بكل حججهم المتهافتة. أعتقد أن الشباب السوري أدرك أنه سيواجه من النظام السوري ( رداً ليبياً ) على طريقة الطاغية الهمجي، القذافي، حيث دأب المعتوه الليبي على قتل شعبه، وقد أراد تسويق ذلك للعالم بحجة أنه يقمع ( تمرداً إرهابياً ) تقوده ( عصابات القاعدة )، فعمد المتظاهرون السوريون، على نحو مبكر، برفع شعار ( زنقة.. زنقة ..دار ..دار.. بدنا نشيلك يا بشار..). يأتي هذا كله مع إطلاق قنبلة دخانية من العيار الثقيل كان (بطلها ) محمد سعيد بخيتان، الأمين القطري المساعد لحزب البعث ، الذي أكد، حسب وكالة سانا، أنهم ( دعاة الحرية)، و(جدد العهد) على المضي من أجل ( إنجاز المشروع الإصلاحي الديمقراطي)! فعن أي مشروع يتحدث السيد بخيتان؟ هل يتحدد هذا (الإصلاح ) بقمع الشعب وهو يطالب بحريته وكرامته، وقد تظاهر سلمياً؟، أو يتمثل باعتقال الكوادر الحزبية المعارضة، والنشطاء والمثقفين، في الوقت الذي لا يكف الإعلام السوري عن تسويق نوايا السلطة لطرح قانون الأحزاب ( للنقاش )؟، أو بالتعتيم الإعلامي بالرغم من الضجة المفتعلة حول ( قانون الإعلام ) المزمع إصداره؟ أم بماذا يتحدد جوهر الإصلاح هذا؟ أم هو، هكذا، وببساطة، المزيد من الدم المراق، والكثير من سحب الدخان المضللة، عل الوقت يسعف نظاماً فاته الوقت؟!
#محمود_زعرور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردود وأضاع حاسمة في الحدث السوري
-
النظام السوري بين بلاغة الإصلاح ومواجهة التغيير
-
سوريا وتحديات التغيير
-
لبنان وتعزيز خيار الدولة
-
لبنان يخاطب العالم موحدا
-
اغتيال جبران تويني استهداف لقيم الاستقلال ومعرفةالحقيقة
-
نظرة في تقرير ميليس وتداعياته
-
اغتيال جورج حاوي استهداف لخيار التغيير
-
سورية وسياسة تبديد الفرص ... انسحاب تحت الضغط
-
الانتخابات العراقية ومهام بناء عراق ديمقراطي تعددي
-
مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
...
-
اليوم العالمي لحقوق الإنسان-الاعتصام السلمي في سورية وضرورة
...
-
محمود درويش أو المطلق الأزرق متوجآ
-
المشروع الفلسطيني بعد غياب عرفات
-
نظرة في أزمة الثمانينيات في سورية / بدر الدين شنن وكتاب - ال
...
-
أمطار صيفية- قصة
-
الديمقراطية وتفكيك التوحيد
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|