أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسر قطيشات - واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2)















المزيد.....

واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2)


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 01:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التنافس السياسي الدولي والإقليمي على الخليج العربي
تنبع الأهمية السياسية أو أهمية الدور السياسي لدولة ما أو لنظام إقليمي معين ، من مخرجات التفاعلات بين المعطيات السياسية والاقتصادية والجغرافية والديموغرافية التي تتشكل في إطارها هذه الدولة أو هذا النظام الإقليمي ، وبذلك فإن الأهمية السياسية لإقليم منطقة الخليج العربي هي تفاعل بين مفرزات هذه المعطيات المختلفة والتي بدأت بالظهور والتبلور منذ فترة طويلة لتشكل نظام إقليمي ذو أهمية سياسية كبيرة على صعيد العلاقات الدولية في العالم المعاصر .
وقد درج علماء السياسة في تحليل موقع الخليج العربي في الصراعات الدولية المعاصرة على تقبل مفهومين أساسيين : الأول : يدور حول أن أهمية إقليم الخليج لم تبرز في صورة واضحة لتعلن بصراحة عن موقعه كأحد عناصر القلب في التوازن الاستراتيجي الدولي إلا خلال الأعوام الثلاثين الماضية ، وعلى وجه الخصوص في أعقاب حرب الأيام الستة ، والثاني أن هذه الأهمية تنبع أساساً من الثروة النفطية التي يتميز بها الإقليم.
الدور التاريخي الجيوسياسي للخليج العربي في الصراع والتنافس الدولي :
لقد برزت أهمية الخليج العربي في العلاقات الدولية خلال القرن المنصرم ، بعد تبلور الصراع التاريخي الطويل بين الدول الاستعمارية الكبرى بهدف السيطرة على أجزائه لأغراض شتي بعضها استراتيجي والآخر اقتصادي . و إذا كانت الاستراتيجية قد تأكدت في محاولات الاستعمار المتكررة ، الحديثة والمعاصر لربط أقطار هذه المنطقة بسياسته فإن الأغراض الاقتصادية‌ المتعاظمة الأهمية قد برزت عقب اكتشاف منابع النفط الغريرة التي أصبح العالم المتقدم بحاجة ماسة إليها باعتبارها أهم مصادر الطاقة المتوفرة بأقل التكاليف.
لقد كان الخليج العربي على مدي التاريخ هو الجسر الذي سهل الاتصالات البشرية بين بغداد وشط العرب من جهة ، و إمارات الخليج والعالم الخارجي من جهة ثانية .
و قد كان ظهور الحركات التحررية العربية ضد القوى الاستعمارية من العوامل التي جعلته يحتل مكانا لائقا في القضايا العربية و سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية . يكفي أن نذكر بخصوص أهمية هذا الدور بعض الأحداث المهمة التي شهدها هذا الوطن:
ـ فالعراق قد تم احتلاله من قبل بريطانيا مرتين عن طريق الخليج العربي في عام 1914 انطلقت حملة ديلامين من الخليج – وبالتحديد إيران- لتحتل البصرة أولا ثم لتندفع بعد ذلك نحو بغداد و بقية المناطق الشمالية منه . و في عام 1941 اندفعت القوات البريطانية من الخليج ثانية لتحتل البصرة و تؤمن سيطرتها على قاعدة الشعبية وليسهم في إنهاء الانتفاضة الوطنية التي اندلعت في مايو من ذلك العام .
- والاتحاد السوفيتي تأمنت احتياجاته العسكرية والاقتصادية من الخليج العربي عبر إيران عام 1941 . فغزو ألمانيا للاتحاد السوفيتي في يونيو 1941 لم يوفر للولايات المتحدة الأمريكية سوى فرصة‌ تقديم المعونة له عن طريق الخليج نظرا لأن الاتصال بين الدولتين عبر بحر الشمال كان شبه متعذر بفعل نشاط الغواصات الألمانية من ناحية و تجمد الموانئ السوفيتية‌ الشمالية بعض الوقت من ناحية أخرى .
ـ و بريطانيا لم تتردد في استخدام أو تسخير قواتها الجوية في منطقة الخليج العربي ضد مصر إبان العدوان الثلاثي عليها عام 1956م .
و لقد فرضت بريطانيا بعد أن حسمت الصراع مع القوى الاستعمارية الأخرى لصالح سيطرتها على هذا المنطقة الاستراتيجية بأساليب عديدة تراوحت بين عقد المعاهدات الثنائية غير المتكافئة مع حكامها و بناء القواعد العسكرية تأمينا لاستمرار وجودها العسكري فيها . و قد تعاصر مشروع بريطانيا في تنظيم و إقامة القواعد العسكرية‌ في هذه المنطقة من توتر الموقف الدولي خلال العقد الثالث من القرن الماضيٍ . فتم إنشاء قاعدة الجفير البحرية في البحرين عام 1935 و قاعدة جوية في الشارقة منذ عام 1937 و قاعدتين أخريين في صلالة بسلطنة مسقط وأخرى في جزيرة مصيره بمحاذاة الساحل الجنوبي الشرقي لعمان .
الدور المعاصر لجيوسياسية منطقة الخليج العربي في التنافس الإقليمي والدولي :
ولم تتخلف الولايات المتحدة الأمريكية عن دخول هذا الميدان خصوصا بعد ازدياد حاجتها خلال الحرب العالمية الثانية‌ ، لنقل قوات الحلفاء إلى الشرق الأقصى لمتابعة الحرب مع اليابان مما اقتضى إقامة قاعدة كبيرة في منتصف الطريق فكان اختيارها لقاعدة الظهران الجوية . و إذا كانت القواعد العسكرية قد أمنت لهذه الدول النفوذ السياسي والاقتصادي بالنظر لإمكانية انطلاق قواتها منها عند الضرورة لمساعدة الحكومات الصديقِة لها ولتأمين مصالحها دونما حاجة إلى احتلال شامل للمنطقة فإن هذه القواعد من ناحية أخرى قد شكلت بالنسبة لشعب هذه المنطقة :
ـ تهديدا لسلامة الخليج و مساسا بكرامة شعبه ووسيلة لاستمرار استغلاله .
ـ نقطة لضرب الحركات والانتفاضات الوطنية‌ .
ـ نقطة‌ للتحرك ضد الدول العربية المجاورة ومركزا لضرب التيارات التحررية في آسيا و إفريقيا .
لقد ظل الخليج العربي ، وحتى وقت قريب ، من أهم مناطق القواعد العسكرية في العالم بالنسبة ‌لبريطانيا لا سيما بعد أن فقدت هذه الدولة قواعدها العسكرية في كل من مصر والسودان وليبيا والعراق وعدن ، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن الخليج العربي يعتبر بعدا استراتيجيا على درجة بالغة‌ من الأهمية . فهذه المنطقة كانت تمثل السهم المصوب إلى قلب المناطق الصناعية في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، ومنها فقط كانت تستطيع قوات الولايات المتحدة أن تصيب بطائراتها الضخمة جميع المناطق الصناعية في منطقة الاورال بل وتستطيع أن تصل أيضا إلى الهند والصين .
وحيث أنه لا يمكن إنكار أن أهمية الخليج قد ازدادت بعد اكتشاف النفط ، إلا أنه لا يمكن أيضاً تجاهل العديد من العوامل الأخرى التي ساهمت في زيادة الأهمية السياسية لهذه المنطقة خصوصاً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فالنهوض القومي (الإيراني والعربي) وطموح شعوب المنطقة إلى التحرر والاستقلال والوحدة القومية العربية قد جعل الدول الاستعمارية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تشدد من قبضتها ، وتضع الخطط لإقامة الأحلاف السياسية والعسكرية لعزل المنطقة عن محيطها العربي ، خاصة بعد حرب السويس عام 1956 والثورة العراقية عام 1958 ثم اليمنية عام 1962 ، والإيرانية عام 1979.
واكتسبت منطقة الخليج أهمية سياسية كبيرة إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ، حيث سعت الولايات المتحدة إلى إقامة حزام من الأحلاف الممتدة من أوروبا إلى باكستان لمواجهة الاتحاد السوفيتي ومنعه من الامتداد جنوباً نحو هذه المنطقة . ففي حزيران 1973 وصف جوزيف سيسكو مساعد وزير الخارجية الأميركي آنذاك، منطقة الخليج بأنها منطقة للولايات المتحدة فيها، "مصالح سياسية ـ اقتصادية ـ استراتيجية هامة جداً جداً". وفي الوقت نفسه تقريباً قام جيمس نويس نائب وزير الدفاع الأميركي، بتحديد مصالح أميركا وأهدافها في المنطقة على أنها "(أ) احتواء القوة العسكرية السوفيتية ضمن حدودها الحالية (ب) استمرارية الوصول إلى نفط الخليج (ج) استمرار حرية السفن والطائرات الأميركية في التحرك من المنطقة واليها ". أما على الصعيد السياسي فقد ارتبط الوضع بالخليج بركن آخر من الاهتمامات السياسية الأميركية الرئيسية، أي الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
وعند قيام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان ، أظهرت الولايات المتحدة الأهمية الكبيرة لمنطقة الخليج في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية ، حين أعلنت بوضوح أن أي محاولة من أية قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستكون بمثابة تهديد للمصالح الحيوية للولايات المتحدة ، وستواجهه بكافة الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية . وبذلك تحددت استراتيجية جديدة للولايات المتحدة تجاه منطقة الخليج وعرفت هذه الاستراتيجية بـ ( مبدأ كارتر ).
ونتيجة لذلك اصبح الأمن والاستقرار في الإقليم ذو أهمية حيوية ومطلب لدول العالم أجمع ، حيث أن تناقض المصالح الوطنية على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي قد يؤدي إلى حدوث الصراعات الدولية ، ولا سيما أن من يسيطر على الإقليم يستطيع فرض رؤيته الأمنية عالمياً وتحقيق السيادة الدولية عليه . وهو ما دفع ديفيد نسيوم - وكيل وزارة الخارجية الأمريكية – إلى القول : " إن كان العالم دائرة مسطحة وكان المرء يبحث عن مركزها ، فيمكن إعطاء حجة جيدة مفادها : (أن هذا المركز هو الخليج سواء العربي أو الفارسي حسبما تنظر إليه) وما من مكان في العالم اليوم فيه ذلك القدر من التقاء المصالح العالمية ، وما من منطقة هي بمثل هذه الأهمية الأساسية لاستمرار استقرار العالم وسلامته الاقتصادية كمنطقة الخليج .
ولأن الخليج يقع فى منطقة التماس بين القوميتين العربية والفارسية ، فمن الطبيعي أن تبرز النزاعات بينهما على مناطق الحدود ، وبالذات أن هناك تداخل بشري وتاريخي بينهما ، فمثلاً توجد أقلية عربية في إقليم عربستان (خوزستان) في ايران ، كما توجد اقليات إيرانية في كل من الدول العربية الخليجية ، ومن هنا فأن نمو القدرة العسكرية والسياسية لإيران أو لأية دولة عربية خليجية يؤدي إلى طرح مسألة الحدود السياسية والسيادة على المناطق المتنازع عليها. ويؤدي كذلك إلى تعريض الاستقرار الإقليمي للخطر ، ويبرر للدول الكبرى التدخل لحماية مصالحها .
على هذا النحو لم يكن مستغرباً أن تصبح منطقة الخليج محوراً للصراع الدولي بين القوى الدولية الكبرى المتنافسة حول السيادة العالمية منذ القدم ، ابتداءاً من الحروب الفارسية – الروماينة ، ومن بعدها العصور الإسلامية ، وامتداداً إلى عصر الهيمنة الأوربية.
إن أهمية الإقليم جعلت منه عنصراً جاذباً للاهتمامات الدولية ، فلم توجد دولة حاولت أن تكون لها سيادة عالمية معينة ولم تهتم بمنطقة الخليج ، البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والبريطانيون ، وأعقبهم الألمان ، ثم الصراع الأمريكي – السوفيتي ، امتداداً إلى الاندفاع الأمريكي الراهن للتفرد بالإقليم والهيمنة المطلقة عليه ، كل ذلك ما هو إلا مراحل متتابعة من مساعي السيطرة على هذا الإقليم.
هذه الأهمية المميزة للإقليم من الناحية الجيوسياسية لم تستطع دول الخليج الاستفادة منها وتوظيفها بالكفاءة المناسبة . فمنذ بداية العصور الحديثة ، وعلى وجه التحديد منذ القرن الخامس عشر وحتى اليوم ، لم يملك إقليم الخليج إدارة إقليمية ، بل ظل يخضع لتلاعب القوى الدخيلة على المنطقة التي راحت تسعى لفرض نوع من السيادة العالمية لها . ومن الطبيعي إزاء منطقة تملك أهميتها الإستراتيجية ولا تملك إرادة الدفاع عن الذات أن تسعى تلك القوى ذات الطموح العالمي إلى فرض التبعية عليها . هذه الحقيقة لا تزال حتى هذه اللحظة ، على الرغم من اختلاف الإطار واختفاء بعض الأطراف المتعاملة وبروز أطراف أخرى جديدة ، هي المتحكمة في حقيقة العلاقة بين إقليم الخليج والنظام الدولي.
ويلاحظ بأن النظام الإقليمي للخليج العربي يستمد أهميته الدولية جيوسياسياً من ثلاثة مصادر أساسية هي :
أولاً : الموقع الجيوستراتيجيا المميز للإقليم على مدى التاريخ ، فقد ظل محط أنظار القوى الدولية الطامحة إلى تحقيق السيادة العالمية ، لأنه يشّكل حلقة الوصل بين الشرق والغرب تجارياً وحضارياً .
ثانياً : ثروته النفطية الضخمة والاحتياط المتزايد يومياً منه ، وخصوصاً أن النفط يشّكل عصب اقتصاديات الدول الصناعية ، كما أن القدرات المالية لدول الإقليم نتيجة عائدات النفط ، قد أكسبها مكانة دولية سواء بالنسبة للنظام النقدي العالمي أو لموازين المدفوعات للدول الغربية أو للعديد من دول العالم الثالث وبالذات العربية والإسلامية منها ، فقد استخدمت دول الخليج دبلوماسية المساعدات لاكتساب المكانة وفتحت الباب أمام العمالة العربية والأجنبية منها.
ثالثاً : الوزن التاريخي والحضاري والمعنوي لإقليم وشعوب الخليج في التاريخ القديم والمعاصر ، فقد شهد هذا الإقليم مولد الحضارات القديمة في بلاد فارس ووادي الرافدين ، كما شهد ميلاد الإسلام برسالته الحضارية العالمية واحتضن أهم الأماكن المقدّسة لجميع المسلمين في العالم.
خلاصة : تقييم واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي بعد احتلال العراق .
التداعيات الجيوسياسية التي انعكست بسبب الحرب على العراق وتمركز ساحة عمليات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، لها تأثيرات تذهب إلى أعمق مما يمكن رصده خلال المرحلة الحالية .
المسألة تنعقد باختصار في أن تلازم مصطلحي الجغرافيا السياسية الجيوبوليتيكا من جهة والجغرافيا الاستراتيجية(الجيوستراتيجيا) من جهة أخرى ، هو الذي يعيّن الاستقرار السياسي عموماً واستمرارية أداء اللعبة السياسية عالمياً وإقليمياً وفق قواعد السياسة الناظمة .
المقصود هنا بدقة هو أن الجغرافيا السياسية يجب أن تتزامن وتتساوى مع الجغرافيا الاستراتيجية ، وهو ما يبدو اليوم غير متوافر على الإطلاق في معادلة السياسة في المنطقة
فالأمريكيون باتوا جزءاً من الجغرافيا السياسية (أصبحوا جيراناً لست دول) دون أن تكون هذه الجيرة أكثر من إخلالاً بالجغرافيا الاستراتيجية .
ذلك أن الأرض ليست أرضهم والموارد ليست مواردهم ، وكل ما هنالك أنهم يديرون الأرض والموارد ويريدون أن يكونوا جزءاً من الجغرافيا الاستراتيجية بالتدخل في شؤون الدول الحالية ورسم سياساتها ووسائلها عبر ما يسمى"بالشرق الأوسط الجديد" .
المشكلة تتمثل بأن كل وافد على الجغرافيا الاستراتيجية صحيح أنه يستطيع أن يدير الأرض والموارد مهما كانت الصعوبات لكن البشر والتاريخ ( أي الثقل الإيديولوجي وثقل المعطيات والموروث التاريخي للبشر ) أمر لا يمكن إدارته وهو جزء من الجغرافيا الاستراتيجية بل وهو الجزء الأكثر أهمية في تلك المعادلة كما يقول الأميرال "سيليريه" و "ماكس سور" عندما يصيغان معادلة أن الجغرافيا البشرية تغدو أكثر وأكثر كجغرافية الإنسان بمعنى التمييز بين العوامل الثابتة والعوامل المتغيرة .
فإذا كان ثقل تاريخ البشر (بما فيه التاريخ الإيديولوجي للبشر) يفرض نفسه بشدة في المعادلة الجيواستراتيجية فإن ثقل المكان يفرض نفسه بنفس الشدة في تلك المعادلة ، ذلك أن تغيير الدول ليس ممكناً أو قابلاً لأن يكون مثمراً لصالح دولة واحدة على حساب الدول الأخرى لهذا السبب بالذات كما يؤكد سيليير .
ولكي تُترجم هذا إلى معادلة الواقع الحالي يمكن القول :
إن الولايات المتحدة تستطيع أن تكون جزءاً من الجغرافيا السياسية عبر النفوذ أو الأنظمة الحليفة أو الموالية لكنها لا تستطيع أن تكون جزءاً من الجغرافيا الاستراتيجية لأنها تفتقد إلى الامتداد مع الأرض والاحتكاك مع البشر والتاريخ، وهذا ما يفسّر جزءاً من السؤال الذي يطرحونه : "لماذا يكرهوننا" ؟؟ (وهو نفسه السؤال الذي يطرحه الباحث أيضاً) والجواب كامن في عدم قدرة الطرفين على التمازج جغرافياً وبشرياً وتاريخياً .
فالاحتكاك مع البشر والأرض أمريكياً يحدث لأول مرة منذ عام 2003م في العراق ، وهو احتكاك مقطوع عن السياق ، لا يوجد فيه مؤشر لما يمكن أن يتحول إلى تراكم جدّي ، ذلك أن الأمريكيين اعتادوا على التجارب التي تبدو(كانبثاقات) تأتي فجأة وتنسحب فجأة الأمر الذي لا يراكم تجارب عن الشعوب تماماً كما فعلوا في فيتنام وكوسوفو والصومال وحتى إيران... إذ أن الاستراتيجية السياسية والعسكرية قد بُنيت لديهم على أساس أنهم جزيرة معزولة مكتفية بذاتها تستطيع أن تمدّ يدها انتقائياً واختيارياً على المستوى العسكري ، ولا داعي لفهم الناس والأرض والتاريخ إذ ان العقدة المركزية تجعلهم- كما يريدون تعميم نموذجهم السياسي على المنطقة بما فيها دستورهم (كما يقول المحافظون الجدد)- لا يلتفتون إلا إلى ضرورة أن يفهمهم الآخرون لا أن تكون العلاقة متبادلة للفهم .
القدوم الأمريكي خرّب كل المعادلات (الجيواستراتيجية) ، فجأة أصبح على الجيوسياسة أن تحتوي الجيواستراتيجية بما لا يمكن إلا أن يكون كمن يسير على رأسه أو كمن يريد أن يحمل الوليد أمه في أحشائه أو أن تكون علاقة التضمّن مقلوبة ، بحيث يكون الصغير يحتوي الكبير أو الجزء يحتوي الكل .
منطق غير مقبول ، ولا تستطيع سياسة القوة أن تفرضه أو أن تجعله واقعاً قابلاً للحياة طويلاً، عندما أتى الأمريكيون إلى المنطقة أحدثوا اختلالاً في المعادلة الجيواستراتيجية والجغرافيا السياسية ، أرادوا أن يحلوا ثقلهم ككبار في المنطقة وإلغاء كل (الكبار) الإقليميين ، كانت النتيجة أنهم يمارسون جيوسياسة في صيغة جيواستراتيجيا .
لا يمكن إلغاء الكبار إقليمياً لأن الجغرافيا والبشر لا يمكن إلغاؤهم ، وغياب الكبار يفسح في المجال أمام الصغار كي يأخذوا مكانهم وهو أمر يستدعي وقفة عاجلة وخاصة .



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (1-2)
- الرئيس الراحل ياسر عرفات ... زعيم ثورة وقائد دولة
- الأردن وفلسطين .. قصة توأمة ووحدة شعبين
- -لغز- وجود النفط في الأردن: أحجية عصية على الفهم
- -الجبهة الشرقية ومكونات الصراع مع إسرائيل-: أسئلة جوهرية وإج ...
- الإخوان المسلمين والدولة: أزمة الحوار وعقدة الإصلاح!!
- -الإخوان المسلمين- وفن المراوغة والانتهازية !!
- المواطنة في العالم العربي وعقلية الرعية !!
- شباب اليمن الثائر ونظام العقيد الجائر !!
- اما أن الاقتصاد الاردني -معجزة- أو أن علم الاقتصاد بحاجة للت ...
- التجربة الديمقراطية في البحرين (الجزء الأخير)
- أزمة البحرين وتداعياتها بين قلق الخليج وطمع إيران
- الولايات المتحدة وثورة ليبيا: عين على المصالح وأخرى على الإص ...
- التجربة الديمقراطية في البحرين (6)
- ليبيا: مفترق طرق خطر .. ومرحلة خيارات ضيقة
- التجربة الديمقراطية في البحرين (5)
- -الحرية- المظلومة !!
- ديغول فرنسا يرحل وزعماء العرب باقون حتى القيامة !!
- التحديات التي تواجه بناء دبلوماسية عربية موحدة
- المشهد الأخير للقومية: أزمة الدولة العربية


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسر قطيشات - واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2)