أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - المكان بوصفه مادة














المزيد.....

المكان بوصفه مادة


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 01:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عام 1854 نشر جورج برنهارت ريمان عمله الرئيسي في الهندسة والذي يحمل العنوان “بصدد الفرضيات الواقعة في أساس الهندسة”، وشكل هذا العمل انعطافة كبرى في تاريخ الهندسة والفيزياء. إذ أرسى ريمان فيه نظرية عامة شاملة في هندسة المكان شكلت هندسة إقليدس وهندسة غاوس ولوباتشفسكي وبلياي وهندسة ريمان الإهليلجية حالات خاصة منها. وقد لخص ألبرت آينشتاين فضل ريمان في هذا الصدد بثلاث نقاط. فريمان كان أول من أشار إلى إمكانية أن يكون الكون كرويا، أي محدود الحجم وبلا حدود في آن واحد، وذلك بابتكاره الهندسة الإهليلجية الموجبة الانحناء والتي لا تتضمن فكرة الخطوط المتوازية معاً. وهي الفكرة التي استثمرها آينشتاين عام 1917 في بناء أنموذجه الكوني الذي شكل أساساً لعلم الكون الحديث. والنقطة الثانية هي أن ريمان عمم نظرية الهندسة وأرسى قواعد ما يسمى الهندسة التفاضلية التي تأخذ بعين الاعتبار تغير هندسة المكان من نقطة مكانية إلى أخرى ومن لحظة زمانية إلى أخرى، فاتحاً المجال أمام الرياضيين والفيزيائيين للربط بين الهندسة والفيزياء ومجهزاً إياهم بالإطار المفاهيمي اللازم لدراسة المكان الفعلي دراسة تفصيلية دقيقة. إذ أضحى المكان، في ضوء نظرية ريمان، نظاماً ماديا معقداً ذا بناء مجالي متشعب على قدم وساق مع المادة الجسيمية المألوفة. وفتح ريمان المجال لدراسة المكان رصديا وتجريبيا، شأنه شأن النظم المادية الأخرى. ذلك أن نظريته في الهندسة شكلت إطاراً واسعاً للخصائص الممكنة للمكان الفعلي ولغة محكمة لطرح الأسئلة الصحيحة بصدد خصائصه الفعلية، تاركاً الإجابات للفيزياء والتجربة الفيزيائية. بذلك حوّل ريمان الهندسة إلى نظرية فيزيائية قابلة للاختبار، شأنها شأن نظريات الفيزياء الأخرى. إذ، فيما كانت الهندسة قبل ريمان جزءاً لا يتجزأ من الرياضيات البحتة، وكان البحث فيها رياضيا بحتا، فقد أضحت بعد ريمان، في جانب مهم منها، جزءاً من الفيزياء النظرية، وأضحت من ثم قابلة للاختبار العملي شأنها شأن جميع قضايا الفيزياء النظرية.

أما النقطة الثالثة التي تلخص بها إنجاز ريمان، فهي إدراكه العميق للعلاقة بين مادة الكون وبين خصائص المكان. وبصورة خاصة، فقد أدرك إمكانية أن تكون العلاقات الهندسية بين الأجسام معتمدة على الأسباب والقوى الفيزيائية. وكان ذلك أول إشارة إلى هذا الاعتماد، الذي بلّره آينشتاين وفصل معالمه لاحقاً في نظرية النسبية العامة. لكن ريمان لم يكتفِ بالإشارة إلى ذلك، وإنما أورد أيضا بعض التكهنات الخصبة جداً بصدد التركيبة المجهرية للمكان الفعلي وعدد أبعاده وما إذا كان متصلاً أم غير متصل على الصعيد المجهري. وهي تكنهات مهمة تشكل اليوم مادة أساسية للبحث الفيزيائي والرياضي النظري. ويظن بأن ريمان حاول أن يقدم تفسيراً هندسيا لخصائص المجال الكهرمغناطيسي وقوة الجاذبية على أساس نظريته العامة في هندسة المكان الثلاثي الأبعاد، إلا أنه أخفق في ذلك. وقد وافته المنية وهو في سن الأربعين في غمرة انشغاله بهذه المسألة.

لكن ريمان لم يكن الرياضي الوحيد في الربع الثالث من القرن التاسع عشر الذي طرح فكرة العلاقة بين قوى الطبيعة والخصائص الهندسية للمكان. إذ شاركه في ذلك الرياضي الإنجليزي وليم كليفورد (1845 – 1879)، الذي عبرّ عن أفكاره في هذا الصدد في كتاب له بعنوان “المنطق العام للعلوم الدقيقة” صدر بعد موته بست سنوات. وهو كتاب مذهل بحق، حيث إنه توقع العناصر الأساسية لنظرية النسبية العامة قبل وضعها بست وثلاثين سنة! وقد ربط كليفورد بصورة صريحة ما بين انحناء المكان الريماني وبين خصائص المادة وقواها. وتساءل عما إذا كانت قوى الطبيعة، بعضها أو كلها، مظاهر مختلفة للتركيبة الهندسية للمكان. ولفت النظر إلى إمكانية أن تكون بعض الظاهرات المألوفة جداً في بيئتنا تعبيراً عن انحناء في المكان. وبالفعل، فقد تبين لاحقاً في نسبية آينشتاين العامة أن حركة مألوفة كحركة القمر حول الأرض مثلاً إن هي إلا تعبيراً عن انحناء الزمكان السالف ذكره. كما لفت كليفورد النظر إلى إمكانية أن يكون انحناء المكان متجانساً، أي هو نفسه في كل نقطة مكانية، وأن يكون متغيراً في الزمان. وهذا بالفعل ما أكدته نظريات الكون الحديثة التي تفيد بأن الكون يتمدد، أي يتغير انحناؤه مع الزمن. كذلك أشار كليفورد إلى إمكانية أن يكون هناك تذبذبات في انحناء المكان تنتقل من نقطة إلى أخرى. وهي التذبذبات التي أخذت تعرف بأمواج الجاذبية التي ما زال البحث عنها على أشده اليوم. وحاول كليفورد تفسير المجال الكهرمغناطيسي بدلالة انحناء المكان، لكنه أخفق في ذلك. لكنه أصرّ على فكرة إمكانية أن يكون الوجود المادي برمته مظهراً لهندسة المكان، وهي الفكرة التي طورها لاحقاً (في النصف الثاني من القرن العشرين) الفيزيائي الأميركي جون ويلر.

وهنا لا بدّ من طرح السؤال: لماذا أخفق ريمان وكليفورد في ربط قوى الطبيعة بهندسة المكان، في حين أفلح آينشتاين في ذلك بعدهم بحوالي أربعين عاماً؟



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تميز العقلانية المادية
- مشروعنا الفلسفي
- هندسة ريمان
- المعزى التاريخي للحضارة العربية الإسلامية
- من الفلسفة إلى علم الإنسان
- فلسفة ماركس
- سمير أمين مستغرباً
- هشام غصيب في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: من الثورة ا ...
- جدل العلم والثورة
- الفلسفة والجماهير
- الشيوعية وفخ الوجودية
- المغزى النهضوي للفلسفة
- الاستغراب وتحدي الحداثة
- تميز العقلانية الماركسية
- علمنة الوعي
- من الفلسفة إلى نقد الاقتصاد السياسي
- مفهوم النهضة عند الحركات اليسارية العربية
- ماذا يعني لك أن تكون يساريا اليوم؟
- هل الماركسية علم؟
- تجديد لينين في مجابهة تجديد ماخ


المزيد.....




- رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، يسائل ...
- إضراب عاملات وعمال شركة “سينماتيكس” (SINMATEX) للخياطة في بر ...
- -14 مليون بطل ووسام خالد-.. كيف كرّم السوفييت أبطالهم؟
- المزارعون في جنوب أفريقيا: بين أقصى اليسار الأفريقي وأقصى ال ...
- مئات المتظاهرين في فرنسا احتجاجا على استهداف الصحافيين في غز ...
- بالفيديو.. -البيسارية- الشهادة والشهيدة على جرائم الاحتلال ا ...
- الحفريات الحديثة تدحض أسطورة حول حتمية وجود فجوة كبيرة بين ا ...
- توجهات دولية في الحرب التجارية الضروس
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 600
- العدد 601 من جريدة النهج الديمقراطي


المزيد.....

- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام غصيب - المكان بوصفه مادة