|
ما أشبه اليوم بالأمس...
صالح كركر
الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
اليوم 25 أكتوبر 2004، و الأمس 24 أكتوبر من نفس الشهر، يوم عرس الفجار في تونس المطحونة والمغلوبة على أمرها. و ما أشبه اليوم بالأمس في بلادنا من جهة الحكم و الحاكم. إلا أننا لا نريد أن يكون اليوم والغد شبيهين بالأمس من جهة الشعب و إرادته و تصميمه، و من جهة الشباب التونسي و من جهة القوى الوطنية للتغيير في بلادنا. اليوم شبيه بالأمس، بل هو أدهى و أمر من الأمس، من جهة النظام القائم المتعفن. فماذا ننتظر من عرس الفجار الذي حصل بالأمس على أرض تونس الحبيبة الطاهرة أن يغير في الأوضاع السائدة من جهة السلطة الجائرة؟ فالصنم لم يتغير بل إن عرس اللئام ما هو إلا فرصة للاحتفال بتثبيته، و سحرة الصنم هم كذلك يحيطون به من كل مكان، و جميعهم متمرس على الفساد و الإفساد أكثر من ذي قبل بحكم مزيد التجربة. و إذا كان الإنسان العاقل يتطور نحو الأفضل، فهؤلاء الرعاع الهمج لا يتطورون إلا نحو الأسوأ، و ما بالطبع لا يتغير... اليوم 25 أكتوبر 2004 و المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و غيره في البلاد، لم يتغير قيد أنملة على ما كان عليه بالأمس و قبل أمس. الصنم ثبت نفسه من جديد في السلطة، أو ثبته أسياده و حماته فيها. وهو كعادته في ضلاله القديم و توحشه المعلوم و لم تصدر عنه توبة و لم يعبر عن أي استعداد لها. و لست أحسب أنه سيعامل الشعب التونسي مستقبلا بأفضل مما عامله به إلى حد الآن من إرهاب و إذلال و قمع و قسوة و إهمال. و فالمساجين السياسيون، هؤلاء الأحياء الأموات، لا يزالون مقبورين في سجون الطاغية المتوحش، يسامون الذل و الهوان والإهمال داخلها، بينما ذويهم يسامون نفس البضاعة في السجن الكبير و تحت قسوة سجانه الأعلى. و جلادو الأمس هم أنفسهم جلادو اليوم، لا يزالون ماسكين بهراواتهم و سياطهم، متربصين بالشعب ومرهبين له. فالبلاد لا تزال في كل شبر منها تحت قبضة البوليس، هذا البوليس الذي لم يسأم إلى اليوم من إرهاب الشعب الذي هو منه، و الذي منه أبناءه و إخوته و أمهاته و آبائه و أقاربه و جيرانه و خلانه... فمتى سيثوب هذا البوليس إلى رشده و يدرك أنه ظالم لبلاده و لشعبه و أنه هو المسئول عن تثبيت الصنم و جوره و طغيانه و فساده في البلاد، و يكف عن أخطائه و ينحاز بالشكل الذي يراه مناسبا إلى قضية بلاده و شعبه؟ و مصاصو دم الشعب و ثرواته هم أيضا لا يزالون حاضرين على الساحة يمتصون بشراهة أشد ما تبقى من دم في الجسم الهزيل للشعب. و كل من تعودوا بالعيش بالتصفيق و التطبيل للصنم لا يزالون كعادتهم يصفقون و يطبلون و يهرولون و يتمرغون على التراب و يركعون للصنم لأنهم تعودوا على ذلك مثلما تعود المدخنون على التدخين و لم يعودوا يستطيعون تركها و كأنهم لم يخلقوا إلا للنفاق و الذل. هؤلاء المصفقون و المطبلون هم مادة السمنة المرضية لحزب التجمع العتيد الذي دمر البلاد فلم يبق فيها و لم يذر. و هذا الحزب اللعين لا يزال مهيمنا على الإدارة في البلاد وعلى جميع المؤسسات فيها. و ما دام هذا الحزب النجس قائما في الحكم، جاثما على رقاب العباد، فلا أمل مطلقا في أي إصلاح إداري ولا أمل أبدا أن تتحول هذه الإدارة إلى إدارة وطنية في خدمة المواطن وخدمة البلاد و مصالحها، و ستبقى الإدارة في وضعها المزري لا تقدر إلا على تحقيق أطماع الطامعين من أعضاء حزب التجمع و أعضاء حاشية الصنم... اليوم 25 أكتوبر 2004، فماذا غيرت مهزلة الانتخابات التي حصلت البارحة؟ بطبيعة الأمر لم تغير شيئا في المشهد العام للحياة في البلاد، اللهم نحو الأسوأ. فالغاية من المهزلة الانتخابية هي تمرير استمرار الصنم وتمرير استمرار كل ما أوجده و نشره من فساد في البلاد. أما التغيير الذي ينتظره الشعب بفارغ الصبر فسوف لن يأتي أبدا من جهة الصنم إذ الأصنام لا يأتي من قبلها الخير، بل هي سبب البلية في البلاد، و لا من جهة حزبه المتعفن و لا من جهة نظامه النجس، أبدا. إن كل هؤلاء سوف لن يأتي من طرفهم في المستقبل إلا ما هو أشد و أمر من الأضرار التي ألحقوها بالبلاد إلى حد الآن. و الخير كل الخير يبدأ بكنس هؤلاء و طي صفحتهم إلى الأبد. فما هو العمل المطلوب منا جميعا لإنقاذ بلادنا من هذه الكارثة التي حلت بنا و ببلادنا منذ زمان؟
ما أطرحه على الشعب التونسي هو أن نحول معا هذه الفترة "الرئاسية" 2004 ـ 2009 إلى فرصة لأن يرفع الشعب التونسي صوته عاليا بالرفض للصنم و لنظامه المنحرف القائم. لا بد للشعب التونسي أن يحول معارضته الصامتة إلى معارضة مسئولة ناطقة مسموعة الصوت، يشهد عليها العالم أجمع، لا بد لنا جميعا من أن نحول معارضتنا الخافتة و المحتشمة و الخجولة إلى معارضة جريئة و شجاعة، لا بد لنا أن ننزل إلى الشارع و نواجه التحديات و نتحمل التضحيات. إن الفترة القادمة من المفروض أن تكون فترة المواجهة السلمية ضد السلطة المتعفنة. إن على الشعب التونسي أن يدرك أنه لم يعد هناك مجال لمشاركة النظام المتعفن القائم في مشاريعه ومبادراته المغشوشة و لا مجاملته في الظاهر، و لم يعد المجال يسمح حتى بالاكتفاء بمقاطعته في ذلك، إن المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة الهجوم و انتزاع الشعب لزمام المبادرة من أجل الإطاحة بهذه السلطة الخبيثة. كل ذلك لا يمكن تركه لمجرد العفوية و الصدفة التي أثبتت الأيام و التجارب أنها لا توجد شيئا ذات بال و لا تجدي نفعا، فالعفوية و الصدفة لا يمكن أن توجد إلا أناس عاجزين متفرقين ينظر كل واحد منهم إلى البقية، و ينتظر كل واحد الآخرين من حوله أن يسبقوه بالمبادرة و بالتحرك. لقد آن الأوان أن تتجمع الجهود و الطاقات و تنظم الصفوف و تفرز المؤسسات التي تتولى تحمل مسئولياتها و وضع البرامج المناسبة و السهر على إنجازها في الواقع وعلى الالتحام بالجماهير على الساحة في النضال الميداني اليومي. لقد آن الأوان أن تبرز إلى الوجود جبهة وطنية للتغيير الديمقراطي للبلاد تتولى النضال السياسي والاجتماعي الميداني، يشارك فيها كل الوطنيين الغيورين على الوطن و المستعدين للنضال الحقيقي الميداني و لما يتطلبه من جهود جبارة وتضحيات جسيمة بالنفس و النفيس. و لا يستثنى من هذه الجبهة إلا من يستثني نفسه، لكن يجب أن يستثنى منها أعداء الوطن ممن تربطهم التزامات مع قوى خارجية أمنية أو إيديولوجية. هذه الجبهة يجب أن تقوم على رجال متشبعين بالعزة و النخوة و الوطنية الصادقة، كما يجب أن يكونوا من ذوي الإرادة القوية و التصميم الكامل على الانتصار، كما يجب أن يكونوا أيضا من ذوي الأيادي النظيفة و الإخلاص الكامل للوطن، و إلا فلا طمع في الانتصار و النجاح، إذ أن الفساد لا يزيله الفساد، و الأطماع لا تزيلها الأطماع. و إذا كان الفساد و انحطاط الهمم هما اللذان خربا البلاد، فلا يعيد بناؤها إلا الصلاح و علو الهمة و الاقتدار و الإخلاص... و لسنا نقول هذا الكلام من موقع المتفرج المنتظر و إنما نقوله بروح عاقد العزم و المصمم على خوض المعركة مهما كانت التكاليف و التضحيات، و كل شيء يهون من أجل تحقيق عزة الأوطان. و سوف يأتينا المستقبل القريب بالجديد في هذا الموضوع بإذن الله تعالى.
25 أكتوبر 2004
#صالح_كركر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول مهزلة الانتخابات في تونس من جديد...
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|