|
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:10
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إذا كان صحيحا القول بأن الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في العراق في كانون الثاني من السنة القادمة ليست هي المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات في ظل احتلال بلد فليس من الصحيح إطلاقا استنباط نوع من الشرعية المفقودة لهكذا عملية سياسية لمجرد إنها جرت في بلدان محتلة أخرى سيما وأن المآل العام لتلك التجارب التي جرت آخرها منذ فترة قريبة في أفغانستان يُجهز تماما على أية محاولة لتسويق وتبرير هذا النوع من المسرحيات الانتخابية . وبالاقتراب أكثر من المثال العراقي ، وبغية تقديم تصور أوضح وأعمق للعملية الصراعية الجارية يمكن تلمس برنامجين أو استراتيجيتين رئيسيتين من بين مجموعة استراتيجيات متناقضة تسودان اليوم في الساحة العراقية هما استراتيجية المحتل والتي أسميناها ستراتيجية بوش واستراتيجية المعولين على الخيار الانتخابي حاليا بعد أن كانوا يروجون طيلة العامين الماضيين تقريبا من عمر الاحتلال لما يسمونه خيار المقاومة السلمية والتي - في الحقيقة - لا علاقة لها بأي نوع من المقاومة إن لم تكن نوعا من الانتظار السلبي وسنطلق عليها استراتيجية السيستاني . تقوم استراتيجية بوش السياسية في العراق على مخطط بسيط تكرر في أغلب التجارب الاحتلالية ويهدف إلى إنهاء مرحلة المواجهة المسلحة الشاملة والعالية المستوى بين قوات الاحتلال والقوى الرافضة للاحتلال من أهل البلد المحتل ، والإسراع في استيلاد وتصنيع حكم " صديق " عن طريق القيام بانتخابات تشريعية ورئاسية متحكم بها ومسيطر عليها . لقد جربت هذه الاستراتيجية بشكل حرفي قبل فترة قريبة كما أسلفنا في أفغانستان التي – بالمناسبة - لا أحد في الإعلام العربي والدولي ينعتها بأنها بلد محتل كما كانوا يفعلون معها أيام الاحتلال السوفيتي ، ولقد جاءت النسخة الأفغانية شديدة البؤس والهزال وانتهت إلى انسحاب مبكر لجميع المتنافسين بعد فضيحة الحبر القابل للزوال الذي يختم به على أيدي الناخبين وهي الفضيحة التي يعرف الكرد العراقيون نسختها منها جرت في بداية التسعينات في شمال العراق / إقليم كردستان ، لقد انسحب الجميع ما عدا الرئيس الفائز " بالتزكية "حميد قرضاي فسارع إلى تأييده الجنرال الأوزبكسي وأمير الحرب المعروف رشيد دوستم . والواقع فإن مآل الاستراتيجية الأمريكية في العراق لن يكون مختلفا من حيث الأهداف والوقائع وعلى الرغم من أن احتمال قيام الاحتلال بإجراء تغييرات جذرية أو محدودة على برنامجه وبما يتناسب وحالة المقاومة المتوقعة أو الانفجارات الشعبية المحتملة عما حدث في أفغانستان . أما استراتيجية السيد علي السيستاني ، إن كان لنا أن نصف بكلمة " إستراتيجية " مجموع التوجهات والمواقف والتصريحات السياسية لهذا المرجع الديني الذي يتمتع بجماهيرية واسعة على الرغم من أدائه المثير للتساؤلات خلال معركة النجف الثانية ومغادرته العراق إلى بريطانيا آنذاك في خضم المعركة ، ولكنه - كما يبدو - استطاع استعادة بعض ما فقده من جماهيرية بعد عودته ودوره الفعال في تجنيب المدينة مجزرة ضخمة كان الأمريكان وحلفاؤهم يعدون لها ، نقول أما استراتيجية السيد السيستاني فتقوم على مخطط أكثر تعقيدا من حيث الشكل يستهدف عبر الموافقة على التعاطي مع خيار الانتخابات في ظل الاحتلال إيجاد قطب تشريعي وتنفيذي رسمي ومعترف به شعبيا ودوليا يتمثل بالبرلمان والرئيس المنتخبين ليكونا - من ثم - ورقة ضغط هائلة القوة تجبر الأمريكان على التسليم بالمطالب الاستقلالية للعراقيين ووضع جدل زمني محدد ومناسب لسحب قواته وهو مخطط مغر دون شك وذو ألوان جذابة ولكنه ليس أكثر أو أقل من مراهنة على جواد خاسر سلفا . إن نقطة الضعف الكبرى التي تعاني منها هذه الاستراتيجية هي أنها تسلم مسبقا ودون وجود أية ضمانات فعلية أو محتملة بأن المشروع الانتخابي الأمريكي في العراق سيكون نزيها وشفافا ولن يقع التلاعب بنتائجه في حين أن واقع الحال يشير بسطوع إلى عكس ذلك وهذه مغامرة خطيرة ستؤدي إلى عواقب وخيمة . وحين يُسأل المؤيدون للسيستاني عن هذا الموضوع تحديدا ، وعن خطتهم لمواجهة احتمال تزوير الانتخابات - إن كانت لديهم خطة أصلا - فهم يسارعون إلى التلويح بالثورة الشاملة والانتفاضة العارمة وغير ذلك من الكلام الذي يظل وحسب كلاما في ميزان الصراعات الدولية والإقليمية إذ أن التاريخ يعلمنا أن من يريد انتخابات نزيهة من محتل عليه أن يقوم بالثورة الشاملة والانتفاضة العارمة أولا ليفرض بعد ذلك الانتخابات النزيهة فرضا على العدو وليس بعد أن يوضع في القفص الدستوري الذي أعده المحتل نفسه ومن حالفه وأدخله فيه حيث ستوصم أية دعوة للمقاومة والثورة على الاحتلال و النظام العميل بأنها تمرد أقلوي وستواجه هذه المرة بوصفها تمردا على الحكم "الشرعي المنتخب " تقوم به مجموعة مغامرة خسرت الانتخابات! نحن ببساطة شديدة إزاء حالة احتلال أجنبي يعترف حتى المحتل بصفته هذه ، ويطالب العالم والدول الكبرى بانسحاب قوات الاحتلال في حين ينجح المحتل في تسويق مخطط سياسي مبرمج سلفا هدفه الأول ترسيخ الاحتلال وتعويم نظام حكم يدور في فلكه وهنا جوهر التناقض المستعصي الذي يؤشر منذ الآن أن الأمور والمصائر لن تكون في مصلحة الشعب العراقي وقضية تحرره من الاحتلال . لقد كان – ومايزال - أمام الحركة الوطنية العراقية الاستقلالية طريقا أقصر وأضمن وأسهل وأكثر مشروعية وطموحا من هذا الطريق ( الذي يعني ضمن ما يعني الرغبة في القضاء على الاحتلال بمساعدة الاحتلال ) ونعني بالطريق الآخر : طريق الحوار الوطني الشامل بين العراقيين ضمن مؤسسة تأسيسية وطنية مستقلة عن الاحتلال استقلالا تاما وذات قدرة تمثيلية شعبية واسعة تجبر المحتل على التعامل مع برنامجها الاستقلالي وتضع شرط جدولة انسحاب قواته على رأس برنامجها . إن هذا البرنامج مازال ممكنا ومتاحا خصوصا بعد تبلور ثلاثة أطراف وطنية مستقلة تحمل وتبشر بجوهر هذا المشروع ولها وجود مهم على الأرض هي المجلس التأسيسي الوطني المستقل الذي عقد مؤتمره التحضيري في بيروت نهاية شهر آب الماضي والمؤتمر التأسيسي إضافة إلى مجموعة أحزاب عراقية أخرى متحالفة في تجمع سياسي ثالث . إن هذا الخيار الذي وصفناه بالأقصر والأضمن والأسهل له ثمن باهظ قياسا للثمن الذي يدفعه المعولون على نوايا المحتل "الحسنة " وهذا الثمن هو ما يجب أن يستعد لدفعه الوطنيون منذ الآن لأنهم قرروا القطع عن الاحتلال ومؤسساته والتحرك شعبيا بما تتيحه الامكانات الشعبية بما فيها إمكانيات المقاومة العراقية الباسلة والتي نجحت في التمايز عن النشاطات الإجرامية الإرهابية التي استهدفت المدنيين الأبرياء العزل بغض النظر عمن يقوم بها إضافة إلى القوة التضامنية العالمية التي لا يمكن الاستهانة بها والتي ظلت إلى الآن ضعيفة الاستثمار . بين استراتيجية أو مخطط بوش البسيط والقاتل الذي سيعني في نهاية المطاف تكريس الاحتلال وإدخال العراق في الفلك الأمريكي الصهيوني لزمن قد يطول وبين مخططات التعويل على صندوق الانتخابات المصنوع والمدار أمريكيا مع بعض الديكورات الضرورية من مخازن الأمم المتحدة ستطل الحقيقة برأسها لتقول : لن يتغير جوهر وطبيعة الصراع الجاري اليوم على أرض الرافدين بين الاحتلال ومناهضيه وستبدأ جولة جديدة من المقاومة بكافة أشكالها وستختفي شعارات وبرامج ووجوه وعمائم كثيرة من الميدان وستحل قوى تخففت أخيرا من الأوهام وتعززت بخبرات التجارب السابقة الثمينة لتواجه المحتل الذي سيكون هو الآخر قد تغير ونزف الكثير من الدماء فصار أكثر ضعفا و هشاشة مما كان عليه في بداية مغامرته مما يجعله أكثر استعدادا للركوع ومن ثم الرحيل مكسورا .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
-
/قراءة في تقرير المعهد الدولي للعدالة الانتقالية 6لكي لا ننس
...
-
كيف ينظر العراقيون إلى مأساتهم وجلاديهم وقضائهم /قراءة في تق
...
-
القنبلة الطائفية والعنصرية جاء بها الاحتلال وسيفجرها العملاء
...
-
نظام القمع والحروب والاضطهاد الشامل وصمت الغرب .قراءة في تقر
...
-
/قراءة في تقرير معهد العدالة الانتقالية 2مشهدية الانتقال من
...
-
الاحتلال هو النقيض التام للعدالة ولا يمكن للنقيض تحقيق نقيضه
...
-
الموجبات التاريخية والمجتمعية لمشروع المجلس التأسيسي الوطني
...
-
تحالف الدوري والزرقاوي سيدمر المقاومة العراقية من الداخل !
-
حكومة المنفى كحكومة علاوي غير شرعية و كلتاهما مرفوضة !
-
الانمساخ من مداح للطاغية صدام إلى مروج لحكومة -الوايرات - !
-
الطائفيون وحقوق الإنسان وأكذوبة الستين جثة .
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|