|
ذكرى 80 سنة على تأسيس الحزب الشيوعي السوري
أحمد علي القضماني
الحوار المتمدن-العدد: 997 - 2004 / 10 / 25 - 08:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن مشكلة الانسانية في كل مكان على مدى الأزمان هي ذات وجهين لعملة واحدة هما الفرد والمجتمع حيث لكل شخص هدف يسعى لتحقيقه والأهداف الشخصية لها صلة بالواقع الاجتماعي سواء كان المجتمع متحضرًا أو بدائيًا. فالانسان البدائي أهدافه محدودة ومقتصرة بالدرجة الأولى على تأمين الغذاء والمأوى والأمن لنفسه ولأسرته. والانسان المتحضر لا تقتصر أهدافه على ذلك فهو يسعى باستمرار لينال مستلزمات الحياة بأحدث الوسائل وأرقاها ودائمًا يحاول تطوير ومضاعفة مكاسبه وما يستأثر به من امتيازات. وهذه قضية ليست بسيطة فإن الحضارة في تقدمها المستمر تنشئ وتنمي في قلوب الناس وعقولهم مزيدًا من الشعور بالحاجة الى المزيد من المكتسبات والترف والاستمتاع بثمرات الحضارة. من هنا ينمو باستمرار التمايز الطبقي في المجتمعات بين الأغنياء المترفين من ذوي الأملاك والعقارات والمقتنيات والأموال المتوارثة. وبين المواطنين غير الميسورين والمحرومين من مكتسبات الحضارة الذين حياتهم متواضعة ولم تبتعد في تقدمها كثيرًا عن الحياة البشرية البدائية أي الذين يعيشون في البيوت الوضيعة والخالية من أبسط المقتنيات الحديثة ومستلزمات الحياة المعاصرة، أضف الى ذلك ان دولاب التطور في الحياة البشرية لا يتوقف وبذلك تصبح الهوة عميقة ومتسعة بين الأغنياء والفقراء عاما بعد عام. فالأغنياء لم يقنعهم ما بلغوه من النعمة والترف وزادهم الغنى شرهًا ورغبة في الحصول على المزيد وباتوا لا يبالون بالطرق التي يسلكونها لتحقيق مبتغاهم، وباتوا لا يبالون ولا يكترثون بمظاهر البؤس والتعاسة البادية على الفقراء في مجتمعهم الذين هم من العمال وصغار الفلاحين وصغار الموظفين ومثلهم أكثرية أصحاب الحرف اليدوية الذين مداخيلهم واجورهم بسيطة وغير دائمة وعملهم الشهري أو اليومي غير مستمر بانتظام. ومن الطبيعي ان المواطنين من هذه الطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل ان تدفعهم أحوالهم المعيشية الصعبة للمطالبة بحقهم في حياة لائقة وكريمة مع أسرهم وذويهم ثم من الطبيعي ان يشعرهم ذلك بالسخط على الجماعة التي تتحكم في مستوى معيشتهم، وأن تدفعهم آلامهم المشتركة لطبقة مجتمعية فقيرة الى التكتل والتعاضد والمطالبة بتحسين أجورهم ورواتبهم، ولأن مساعيهم تذهب سدى على الغالب وبدون فائدة يغدو من الطبيعي ان تجتمع كلمتهم على رأي معين وخطة متفق عليها في الكفاح ليظفروا بحقهم في الحياة الكريمة الخالية من استغلال الانسان لأخيه الانسان، والمواطن لأخوته المواطنين. لذلك يتم الانخراط في النقابات والأحزاب التي تدافع عن حقوقهم وتتبنى مطالبهم وتناضل من اجل انصافهم. ويغدو اشتراكهم في الانتفاضات الشعبية من أجل اصلاح الاحوال وتحسين الظروف المعيشية للعمال والاجراء والشرائح الفقيرة وغير الميسورة ضرورة موضوعية. وبالمقابل يعتقد الأغنياء وأصحاب الاملاك والثروات الكبيرة إن ما بأيديهم هو حق لهم اكتسبوه بجدّهم واجتهادهم وليس من حق أحد أن يقاسمهم إياه او ينتقص منه مهما كان ذلك قليلا، ويقولون فليبذل الفقراء من الجهد مثلما بذلنا وبذل آباؤنا ليكون لهم مثل ما لنا، ويرد الفقراء ان خيرات الوطن هي لجميع ابنائه على قدم المساواة ونحن الذين نبذل أرواحنا ودماءنا رخيصة من اجل استقلال الوطن وحريته كلما تطلب الحال ذلك وما نطلبه هو حقنا وثمرة ما بذلناه من جهد وما تؤديه من أشغال شاقة. فبأي حق يكون للأغنياء كل هذا النعيم يكون لنا الحرمان والفقر مع العلم اننا اكثرية الشعب وانتم الأقلية، ومنا أكثرية الشهداء في حروب التحرير ضد الغزاة والمستعمرين، ويقول الذين يقفون بين أولئك وهؤلاء. صدق الفريقان. ولكن العدل الاجتماعي والانساني ومصلحة أهل الوطن جميعهم الأغنياء والفقراء تقتضي أن لا تعيش طبقة من ابناء الوطن في رغد ونعيم، وأن تعيش طبقة أخرى من أبناء الوطن نفسه في حرمان وفقر وشقاء، وليس من مصلحة أصحاب الثروات أن يعاني غيرهم من المواطنين من الفقر والشقاء والحرمان والفشل في تأمين متطلبات العيش الكريم، فيرد الأغنياء سنبذل لهم ما تسمح به نفوسنا من الاحسان، فيرد العمال والحرفيون وصغار الفلاحين والموظفين ليس احسانا ما نطالب به بل هو حقنا الطبيعي لأنه ثمرة ما بذلنا من جهد وتعب وما نؤديه من عمل يومي ولولا ذلك ما نمت وتضاعفت ثرواتكم أيها الأغنياء. فيتساءل البعض من المواطنين أهو إحسان أم هو حق؟ وتتعدد الآراء ووجهات النظر وتتعارض وتتصارع الأفكار والمذاهب السياسية ويدلي أهل الفكر والعلم والفلاسفة بآرائهم ويؤلفون الكتب حول ذلك محاولين ايجاد حلول عملية تحل هذه الاشكالية المزمنة، فيصل بهم التفكير لتسمية هذا الصراع بالصراع "الطبقي" وتسمية كبار الأغنياء بـ "الرأسماليين" وتسمية الذين يناضلون حزبيًا من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية بـ "الاشتراكيين" ويتخذ ذلك في البرلمانات ومجالس الشعب شكلاً رسميًا فيجلس ممثلو الأغنياء الكبار على يمين المنصة، وممثلو العمال والفئات الكادحة من الشعب على يسارها، وفي الوسط يجلس المستقلون الذين يعتبرون "اصلاحيون" وسعيهم ينصب على التقريب بين ممثلي اليمين وممثلي اليسار، فمنذ أواخر القرن الثامن عشر وتزايد المصانع التي يشتغل فيها الألوف والمئات من العمال بدأ يتعمق الصراع الطبقي في الدول المتقدمة صناعيًا، وظهرت الاحزاب السياسية الداعية للحلول الاشتراكية، لكن مسببات الصراع الطبقي لا تزول الا بزوال تعدد تلك الطبقات في المجتمع وجعل جميع الموطنين طبقة واحدة لا وجود فيها للتمايز المادي والمعيشي بين المواطنين. وعلى هذا الأساس وضع الفيلسوفان "كارل ماركس – وفريدريك انجلس" فلسفتهما المنادية بالشيوعية (التي يجب) ان تعقب مرحلة الاشتراكية، وفيها تنتفي تعددية الطبقات الاجتماعية وتتحقق العدالة الاجتماعية التامة في مجتمع الطبقة الاجتماعية الواحدة التي لا وجود فيها لأغنياء وفقراء بل جميع المواطنين متساوين في مستوى المعيشة. والفارق الوحيد الذي يستمر حينئذ بين الناس هو الفارق المعنوي فقط حيث يكون في المرتبة الوظائفية وليس في الأجور والرواتب. فأصحاب المواهب والمقدرة القيادية، والعلمية، والفكرية، والفنية، وفي مجالات الحياة العديدة الأخرى منها الاختراعات والتبحر في العلوم، مكانهم طبعًا هو في مقدمة الصفوف، لكن لا فرق بين مواطن ومواطن آخر في مستوى المعيشة والرفاهية والمسكن والتعليم والاستشفاء والدواء ووسائل الراحة وجميع متطلبات الحياة الكريمة والطيبة. وبهذا تتحقق العدالة الاجتماعية الصادقة، وحيئذ تزدهر مشاعر الاخاء الصادق بين الانسان وأخيه الانسان بغض النظر عن مذهبه الديني أو انتمائه القومي وما شابه، وبتحقق حينئذ السلم الدائم داخل المجتمع الواحد، وبين الشعوب، وتصل البشرية الى حياة سعيدة ومستقرة يحظى فيها المواطنون بالمساواة وينتفي فيها التمايز المادي بينهم، وفي هكذا مناخ انساني حقيقي يتسارع تطور البشرية في الاتجاه الصحيح والسليم، هذا ما يعتقده ويسعى لتحقيقه الشيوعيون، رغم انهيار الاتحاد السوفييتي ودول أخرى كان حكامها يدينون بالشيوعية، والشيوعيون مقتنعون بأن الانهيار جاء نتيجة للأخطاء في الممارسة والتطبيق وبسبب انحراف وفساد بعض القادة الرئيسيين والى جانب ذلك بسبب التآمر الامبريالي والصهيوني، وليس لأن العقيدة الشيوعية خاطئة.
(الجولان العربي السوري المحتل)
#أحمد_علي_القضماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|