*
Gerard SOURNIA
تستحق مسألة حماية الموارد الطبيعية ان يُكرَّس لها ما هو اكثر من الاجتماعات الاحتفالية التي لا تؤدي في الغالب الى نتيجة. ويجب عدم توقع الكثير من القمة العالمية حول التنمية المستدامة التي ستعقد بين 26 آب/اغسطس و 4 ايلول/سبتمبر في جنوب افريقيا او من المؤتمر حول المعاهدة الخاصة بالاصناف المهددة بالانقراض في تشيلي والتي تأتي بعد فشل مؤتمر لاهاي حول التنوع البيولوجي في نيسان/ابريل الماضي. اما اللجنة الخاصة الخاصة بالحيتان فإن اوضاعها ليست على ما يرام واستؤنف صيد الفيلة في حين أن الغابات الاستوائية تنحسر حتى في افريقيا...
من بين رئات الارض الخضراء الثلاث اي منطقة الامازون وجنوب شرق آسيا والغابات الافريقية في حوض الكونغو، تتعرض الاخيرة لاعتداءات أقل نسبيا من الاوليين. وفي بعض البلدان نشهد الظاهرة المعاكسة حيث السهول الوارفة الخضرة التي هجرها الناس يتمّ تحريجها من جديد ولا سيما في الغابون وافريقيا الوسطى والكونغو.
بيد ان الانتقادات لا تزال تعم اوساط "المحافظة على الطبيعة" باعتبار ان المس بالغابة يؤدي بها الى الزوال. ففي اطار هذه الديانة الجديدة التي صدّرها العالم الغربي يصبح قطع اي شجرة للاتجار بها جريمة في حق البيئة. لكن كتاب الارشاد الاخضر يهمل بعض الوقائع واهمها ان البلدان الافريقية الحرجية مضطرة للاعتماد قبل كل شيء على مواردها الطبيعية.
هكذا توجد شعوب تعيش في قلب الغابات وتستمد منها القوت حيث نسبة 95 في المئة من البروتيين مصدره الحيوانات البرية كون تربية الابقار غير ممكنة تقريبا. فالزراعة المتنقلة التي تلتهم المساحات مسؤولة عن تناقص تسعة اعشار الغابات. وتشكل الورش الحرجية مدخلا للمزارعين الذين يستخدمون هذه الممرات لعمليات النقل مقتحمين هذه الجروح ما ان يتوقف الاستثمار الحرجي.
ويمثل هذا الاستثمار جزءا اساسيا من مداخيل التصدير في بعض البلدان وهو عرضة للانتقاد ويعمل غالبا على غرار عمليات القطاف الموسمي. لكن مبدأ الادارة العقلانية للموارد وتصاعد تأثير الحركات البيئية او الدعوات الى مقاطعة الخشب الاستوائي، كل ذلك ادى تدريجيا بالمستثمرين الكبار ومن بينهم العديد من الفرنسيين الى اعادة النظر في مواقفهم وولوج باب النقاش وطلب النصح... وانفتح الحوار في النهاية بين المنظمات غير الحكومية والحكومات وممثلي قطاع الغابات ومنظمة الخشب الافريقية. وقد قام المانحون الماليون امثال فرنسا والبنك الدولي والاتحاد الاوروبي بتمويل مشاريع عقلانية للادارة والاستثمار.
هكذا وجدت مساحات محمية للحيوانات البرية اذ وافق المستثمرون على حماية جزء منها من اجل نشاطات المحافظة والابحاث وقامت نقابات مهنية بتوقيع اتفاقات مع منظمات تعنى بحماية الطبيعة كما اعدت برامج لتربية الطرائد من اجل اطعام العاملين في الورش...
الامور تبدو ميسرة من جهة شركاء البلدان المنتجة لكن النقاش الحقيقي يجب ان يدور حول احترام الادارات المحلية لقواعد حسن الادارة في الثروة الحرجية. فالعديد من الحكومات المحلية تعتبر الغابات بمثابة حساب مصرفي يمكن السحب منه بغية الاثراء الشخصي او تأمين المداخيل لدفع رواتب الموظفين في الاشهر الصعبة كما حدث أخيراً في الكاميرون [2] .
وفي اسلوب اكثر مكرا، تقدم التسهيلات لشركات الاحراج الآسيوية الكبيرة (ماليزية وصينية واندونيسية) من دون اي احترام للقواعد المعمول بها لجهة النوعية او الكمية او المساحة المصرح بها. وحدها الازمة الاقتصادية الآسيوية اوقفت هذه الحركة التي استفادت من هشاشة الانظمة المحلية التي عصفت بها الازمات والنزاعات بلا توقف. لكن الطلب الاسيوي على الخشب من القوة بحيث ان هذا التوقف كان مرحليا فحسب. فالتقارير التي يرفعها الباحثون في مركز التعاون الدولي للابحاث الزراعية من اجل التنمية، وهم وحدهم الذين دقوا جرس الانذار، يمكن ان تصلح قاعدة لمفاوضات واقعية مع هؤلاء المستثمرين في اطار يجمع بين البعد البيئي والضرورات الاجتماعية والاقتصادية.
ان الكلام عن الغابة باعتبارها معقلا للتنوع البيولوجي، وعن رغبة المحافظة عليها هو خطاب مغر في طبيعة الحال لكنه لا يصمد في وجه الوضع الذي تعيشه غالبية بلدان الجنوب ولا سيما الافريقية منها. وكان الرئيسان السابقان فيليكس هوفويت بوانييه من ساحل العاج او ديدييه راتسيراكا يذكّران محدثيهما بأن فرنسا نفسها دمرت غطاءها الحرجي وقسما كبيرا من ثروتها الحيوانية من اجل اطعام شعبها...
كيف يمكن الاوروبيين الادعاء بالاقناع بضرورة اتخاذ الاجراءات الآيلة للمحافظة على نوع من الانواع او حتى على بيئة حساسة في حين يدفع بهم انقراض الاصناف الحيوانية الكبرى الى اعادة ادخالها الى هذه البيئات (الدب والصقر والنسر والاوس...) وفي حين تؤدي العودة الطبيعية لصنف من الاصناف (كالذئب مثلا) الى قيام معارضة مستخدمي الحيز المعني؟
ان النقاش الدائر في اوروبا حول قوننة الصيد وما يثيره ذلك من ردات فعل تصل الى العنف، تفاجىء زملاءنا الافارقة. فما القول اذاً حيال المحاولات المتكررة التي تبذلها اليابان والنروج ـ وهي الوطن الام للسيدة غرو هارلم برونتلد كبيرة المدافعين عن التنمية المستدامة ـ لاخذ عينات جديدة من بعض اصناف الحيتان، كما في حالة طوكيو، وعندما يصل الامر بها الى حد شراء اصوات البلدان الصغيرة تأمينا لطموحاتها التجارية والاجرامية.
تردّنا هذه التساؤلات في مجملها الى طبيعة النقاش في حد ذاته حيث ان الافراط في الالتزام البيئي ينتج غالبا عن موقف عاطفي نابع من ثقافاتنا الغربية التي لا يمكن السلطات والشعوب الافريقية فهمها كما يجب. فنحن نمارس من دون ان نفصح تدخلا بيئيا لا يتناسب في الغالب مع الوقائع المحلية ومن دون تأمين الوسائل المالية اللازمة في الكثير من الاحيان.
في مواجهة هذه التساؤلات التي يفترض ان تشكّل محور المفاوضات الحقيقية، ادت مواقف البعض المتصلبة الى رفض اي حوار بناء. فيجب اعادة ترتيب الخطاب وفق العلاقة بين المستخدم والموارد كي لا ينفصل عن المحيط الانساني والاجتماعي والطبيعي. كيف نبرر المحافظة الضرورية في اوروبا على اصناف هدامة وننكر هذا الحق على الشعوب الافريقية التي تواجه العوائق نفسها؟ المطلوب قيام ادارة ذكية وعقلانية ومستدامة للموارد كي تكون اولا في خدمة من يعيشون منها وفي خدمة المناطق التي تنمو فيها.
ليس مفاجئا قصر نظر اهل السياسة ازاء هذه التحديات، لكن المقلق هو موقف بعض الاوساط المناصرة للحفاظ على البيئة. فخلال الحملات الانتخابية الاخيرة في فرنسا لم يتم التطرق الى مسألة تنمية بلدان الجنوب ـ وهي مسألة ندر الكلام عنها ـ من منظور الموارد الطبيعية وادارتها خدمة للتنمية مع الادراك بأنها مصدر للحياة وايضا للاستمرار في بعض البلدان الفقيرة.
تتابع افريقيا باهتمام الالتزام السياسي لانصار البيئة الاوروبيين وتقدمهم في اوساط الرأي العام وكذلك طرحهم الصائب للمشكلات الاجتماعية وتساؤلاتهم حول اشكاليات الاستهلاك، ولتلك المتابعة وظيفة تربوية عن بعد. لكن على هؤلاء المناضلين البيئيين ان يتحاشوا الانزلاق الى عارض "نحيب الرجل الابيض" وادراك حقيقة الواقع والتحديات الافريقية...
--------------------------------------------------------------------------------
[1] خبير في شؤون البيئة ومؤلف (مع آخرين) لكتاب liAtlas des Forêts diAfrique
[2] اكثرت الحكومة الكاميرونية من اعطاء الاذونات بقطع الاشجار الحرجية طمعا بالمال النقدي، لكن تمت اقالة الوزير المختص في شؤون الغابات تحت الضغوط الدولية.
جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم