فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3340 - 2011 / 4 / 18 - 04:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو أن المثل القائل أن الطبع يغلب التطبع صحيح بل صحيح جدا, فأنا بطبعى مقروص ومفروس ومبئوس, ليس من فترة وجيزة ولكن منذ بداية حكم العسكر واكتشافى أنهم لا همّ لهم غير كراسى الحكم حتى ولو كانت على أشلاء المواطنين الأبرياء, فعطلوا الدستور وألغوا الأحزاب وكمموا الأفواه, وسرنا خلفهم منومين مزعورين مرعوشين مرتعدين كالأغنام أو كالحمير مع الاعتذار للأغنام وبوس رأس كل حمار من الحمير. وحاولت فى الأيام الأخيرة بعد اندلاع ثورة اللوتس أن أغير طبعى وأخلع النظارة السوداء وأضع بدلا منها نظارة وردية حتى أرى الدنيا ربيع والجو بديع وقفللى على كل المواضيع. وظننت أننى تطبعت بالانشراح والليالى الملاح وحلمت بمصر كما أتمناها ويتمناها كل مواطن يعيش على ترابها ويرتوى من نيلها. ولكن بعد فترة اتضح لى أننى ما زلت مفروس وموكوس ومبئوس ومش ممكن يعلقوا على قفايا أو مؤخرتى كلوب أو فانوس.
هل ممكن أن أحس بالانشراح وأرسم على وجهى الكالح المالح الابتسام وأنا أرى القاتل يستقبل على كل وسائل الميديا المصرية استقبال الأبطال والمنتصرين؟ بل ونسمعه يأخذ موقف المفتى ويطالب بفرض الجزية على أقباط مصر المسيحيين؟ خرج علينا هذا الزُمُر من كهوف تورا بورا أو من مخلفات العصر السحيق بلا رابط ولا طريق يتهم ويحاكم ويريد أيضا أن يكون بيده منجل التنفيذ. يكفر من يكفر ويغفر لمن يغفر ويوزع على مريديه الثواب والمغفرة وجنات تجرى من تحتها الأنهار. ويبشر كل من جاهد جهاد السلف الصالح أو الطالح بالحور العين والغلمان المخلدين فى نعيم الدنيا والآخرة. استُقبل هذا القاتل بزفة ولا زفة عروسة فى ليلة جلوتها ودخلتها بالزغاريد والزينات وإقيمت له أقواس النصر والفخار والكل يعلم أنه لا هو بوطنى شارك فى أى انتصار إذا كان لدينا انتصار. ولا هو شارك فى مفاوضات السلام التى أعادت لنا سيناء بعد الوكسة والنكسة والانكسار. لكنه قاتل عربيد خطط وشارك فى قتل رمز من رموز مصر حتى لو اختلفنا معه فى كثير من التوجهات, لكنه رئيس مصر ورمزها. هذا القاتل قتل بطلا مصريا خاض غمار الحرب وسبح فى بحور مفاوضات السلام, قتله بلا مبرر والله لا يغفر لمن يسفك الدماء. هذا التركيز الاعلامي يحمل بين طياته رسالة تحول القاتل الي قدوة تقتدي بها الأجيال القادمة والصاعدة, رسالة واضحة كل الواضوح تنادى بالصوت الحيانى يأيها الصاعدون الصغار أقتلوا الأبطال والرؤساء, وأيا كانت المشانق أو السجون فستكونون عندنا أبطالا ولديكم عندنا تكريما وإجلالا, وعندما تنتهي فترات عقوابتكم سنطوق اعناقكم بالزهور وقلائد الغار ولكم الفخار وسنصنع منكم نجوما وزعامات, وسندفع بكم الي الأمام لتكونوا نوابا للشعب تحت قبة البرلمان, وقد تنالون مقاعد بمجلس الوزراء وقد يكون منكم الرؤساء. ورحت أفكر وأفكر لماذا هذا القاتل بالذات ولماذا لا يعامل كل القتلة والأفاقين مثل ما يعامل هذا الزُمر؟ ولماذا لا يجعلون كل القتلة أبطالا وقدوة وأمثولة للشباب ويدينون القضاة الذين حاكموهم ويخفسون بهم أرض المحاكم؟ وتوصلت لنتيجة أن هذا الزمر يعتبرونه بطلا لأنه رمزا إسلاميا للجهاد والتكفير ونحن اليوم نسير فى طريق الأسلمة ونفرش الطريق لدولة الخلافة وبئس المصير.
هل ممكن أن أحس بالانشراح وأرسم على وجهى الكالح المالح الابتسام وأنا أرى المعتدى عليه بعد أن قطعت أذنه وحرقت شقته التى يستكمل من إيجارها معاشه وحرقت سيارته, فقط لأنه أجّر هذه الشقة لفتاتين مسلمتين سيئتى السمعة, واتهامه بممارسة الفحشاء معهما, فقامت قيامة السلفيين والمتأسلمين وثارث ثائرتهم ليس لأن هاتين المارقتين تقومان باستقبال طالبى المتعة, ولكن لشائعة بأن مسيحى تجرأ ومارس الفحشاء مع مسلمتين. كأن الفحشاء مع المسلمين لا تهمهم ولا تشكل لهم معاناة ولكن المشكلة تكمن فى نوعية الزبون, وكان يجب عليهم تعليق لافتة على باب شقتيهما تعلن أن غير المسلمين يمتنعون. وأنا لا يهمنى هذا الأفاق إذا كان حقا قام بهذه الفعلة بل كنت أتمنى أن تقطع رقبته من لغاليغها, ولكن ما أغضبنى وألجمنى وفرسنى أن يتنازل بعد كل هذا الاعتداء على جسده وسمعته ورزقه ويقبل الصلح مع من اعتدى على كرامته ومرغها فى الطين. وأثار عجبى وحنقى أن من قام بمراسم الصلح هو قائد عسكرى من جيشنا الباسل, بل أن الجانى جلس عن يمينه معززا مكرما كأنه هو المجنى عليه, أما المجنى عليه فقد كان جالسا منكسرا مهموما ذليلا, وبرر تنازله بالتهديد والوعيد له ولأسرته ونسى أو تناسى أن الله وحده الذى يجب أن يعتمد عليه ولا يخشى سواه فملعون من يتكل على ذراع بشر. وهل إذا تنازل المجنى عليه خوفا وجبنا أليس من حق الدولة إقامة الدعوى مطالبة بحق المجتمع وسطوة القانون؟ ورحت أفكر وأفكر لماذا يسكت المتأسلمون عن بيوت الفحش والرزيلة ويتعامون عن وجودها ولكن حين يخطر على بال أحدهم أن مسيحيا زار هذه المواخير ذات المومسات المسلمات تكون طامة وهوجة أشد وأنكى من هوجة عرابى؟ وتوصلت لنتيجة أن الأسلاميون يتلككون لأى مسيحى وينتظرون له هفوة أى هفوة وإن لم يجدوا يختلقونها للتخلص منهم بالإذلال أو بالقتل والتهجير, فنحن اليوم نسير فى طريق الأسلمة ونفرش الطريق لدولة الخلافة وبئس المصير.
هل ممكن أن أحس بالانشراح وأرسم على وجهى الكالح المالح الابتسام وأنا أقرأ فى الصحف وأسمع وأشاهد فى الراديو والتلفاز أن فى قنا مظاهرات حاشدة وشغب وهياج وقطع المئات منهم الطريق السريع (مصر أسوان) وخط السكة الحديد وذلك بعد علمهم بأداء محافظ قنا الجديد عماد ميخائيل لليمين الدستوري يوم السبت (16 أبريل) وكان الألاف من المواطنين الرفضين تعيين محافظ قنا الجديد قد احتشدوا أمام مبني ديوان محافظه قنا وافترشوا الشوارع المؤدية للميدان الذي اتخذوه كنسخه مصغره من ميدان التحرير, وهتف المتظاهرون الذين يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث علي التوالى ( يامشير يا مشير مش عاوزين ميخائيل ) فيما ردد المئات مطالبتهم بمحافظ مسلم. ورحت أفكر وأفكر وأسأل نفسى, ما الفرق بين موظف عام مسلما كان أو مسيحى أو حتى بهاءئ طالما هو يؤدى واجبه بإخلاص ويتفانى فى أداء عمله؟ ولكننى اكتشفت أن النية مبيتة على رفض الدولة المدنية, فنحن اليوم نسير فى طريق الأسلمة ونفرش الطريق لدولة الخلافة وبئس المصير.
يا سادة مشكلاتنا معقدة تحتاج الي وقت ومجهود واعادة ترتيب اوراق واعداد خطط قصيرة وطويلة المدى, واذا كان هؤلاء المتأسلمون سواء سلفيون أو جهاديون أو حتى أخوانيون يعملون بهذه الصور الشاذة بدعوى إعلاء شأن الدين كما يدعون, نرجوهم ونتوسل إليهم أن يكفوا عن التدخل في شئون البلاد ويتركوا أهل الخبرة لأداء أعمالهم وبناء ما أفسده المفسدون.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟