|
من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (2)
سعيد هادف
(Said Hadef)
الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 13:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ـــــــــــــــــــــــــ عندما تصبح الهوية نارا وقودها الأبرياء والشعارات الجوفاء
لقد رأينا كيف دخل صدام حسين في حرب مع إيران حبا في القومية، وكيف أجهز على الكويت حبا في القومية، وفضل أن يبقى وحده الحاكم، وكيف قدم العراق برمته إلى الغزاة، وكيف لجأ ككل الجبناء والسفهاء إلى استغلال الدين، فكتب "الله أكبر" على العلم وكيف فضل الحياة في حفرة على الموت في ساحة المعركة، وكيف رفض الاعتراف بأخطائه لشعبه،.... إنه الجهل المسلح بالعناد، أما القذافي، فقد جند كل ما لديه ليعلن الجهاد ضد "سويسرا الكافرة"، فقط، لأنها رفضت أن ينتهك ابنه حقوق الناس على أرضها؛ وأمعن الجبان في جبنه، فرصد كل الأسلحة الثقيلة من طائرات ودبابات، وأنفق الملايير لشراء المرتزقة والذمم، وشن حربه الشعواء على من وصفهم "الجرذان". فصدام ابن الأيديولوجيا البعثية التي وفرت الغطاء لشبكة إجرامية ذات نسق معاد للإنسانية والديمقراطية، وهي الأيديولوجيا ذاتها التي جعلت من سوريا بلدا مغلقا وغامضا ومفتوحا على المصير العراقي والليبي، مع فرق أن النظام الليبي الانقلابي نجح في فرض أيديولوجياه من منطلق "الثورة" الملفقة والزائفة، وظل القذافي يحمل لقب "قائد الثورة" كما لو أن الثورة جزء من كينونته ولا يحق للشعب الليبي أن يثور، وإذا ما ثار فليس ضد القائد. إن التدمير الذي لحق بالعراق وبليبيا تجل للنسق المضاد لدينامية التاريخ، عكس ما حدث في تونس ومصر، وعلى الطرف النقيض تماما، مع ماحدث في المغرب عبر الخطاب الملكي يوم 9 مارس. ويبدو لي أن الدول التي ستعرف تغيرات عنيفة ومدمرة، إلى جانب ليبيا والعراق، ستكون سوريا "البعثية" والجزائر "الثورية" ودولة ثالثة سنتطرق لها لاحقا . لقد نجحت الآلة الاستخباراتية، عبر الدعاية الماكرة، في تحويل عصابات إجرامية إلى جمعيات ناطقة باسم الإسلام، فخلقت من الإسلام فزاعة ترهب بها كل من سولت له نفسه فضح السلطة الفعلية المعادية لأي تغيير، وجعلت من الجماعات المسلحة اليد التي تضرب بها، دون رحمة، كل من تجرأ على الجهر بالحقيقة، أو حتى الهمس بها. وتأكد أن الأحزاب الناطقة باسم "الله" أو الناطقة باسم "الأسلاف" ذات النزعة العرقية أو القومية أو المتطرفة أيديولوجيا، ظلت توفر الغطاء المثالي للمخططات الإجرامية والإرهابية. إنها سياسة "فرق تسد"؛ لقد ثبت أن جهاز أمن الدولة في مصر، كان جهاز أمن شبكة الفساد، وعناصره لبست كل الأقنعة، غير أن ما حدث في "ميدان التحرير" بالقاهرة، كذب ما ظل يروج حول إرهابية الإسلام، لقد التحم المسلمون والمسيحيون في صف واحد، وذابت الانتماءات الشكلية وانصهرت في انتماء واحد، جوهري وحقيقي؛ شعاره الكرامة والحرية. ظلت الفضائيات تبث ذلك المشهد الرائع طيلة أيام الاحتجاج؛ أما الإرهاب فقد تجلى في أنصار النظام، وفي غاراتهم اليائسة والهمجية التي فشلت من أن تنال من عزيمة المحتجين، لقد سقطت عن النظام ورقة التوت وخانته حيله الهوليودية، فانكشف وجهه المقيت وهو ينظر، مبهوتا، إلى مجده يتهاوى كصرح من رمل. لقد فشل هذه المرة في تأليب الشعب ضد الشعب، وكل أساليبه ما عاد لها ذلك المفعول السحري، لقد أخفق، هذه المرة، سَحَرتُه الذين ما فتئوا يخلقون من نار جرائمه أحلاما بألوان قزحية. واتضح أن رئيس الدولة، حسني مبارك، لم يكن سوى رئيس تنظيم إرهابي، أو رئيس عصابة من اللصوص والقتلة، كذلك فعل قبله زين العابدين، ثم بعده القذافي الذي جند المرتزقة وأعلن أمام العالم أنه سيحرق ليبيا، أما نظام بوتفليقة فقد هيأ ليوم الكرب العظيم منذ شهور، بإعادة هيكلة الأمن. لقد دأب النظام الجزائري، منذ الاستقلال على بث سياسة "فرق تسد"؛ تجييش الشعب ضد المغرب أو ضد فرنسا أو مصر أو العالم كله، بطريقة عنصرية وأعرابية؛ أو ببث العداء بين منطقة القبايل وباقي الجهات، أو اتهام الغرب الجزائري بالولاء للمغرب وقد ظل يلعب بورقتين رابحتين على الدوام: الأمازيغية والإسلام؛ وهذه بعض أهم المحطات الأساسية ذات البعد الإسلامي أو الأمازيغي، التي عرفتها جزائر الاستقلال: بيان عشرين أوت جمعية العلماء تطالب اعتماد الإسلام(1962)، انتفاضة القبايل(1963)، منع جمعية العلماء(1963)، تأسيس جمعية القيم ذات التوجه الإسلامي(1963)، البشير الإبراهيمي يخرج من صمته لإدانة النظام(1964)، منع جمعية القيم واغتيال كريم بلقاسم وإلغاء كرسي البربر من الجامعة الجزائرية (1970)، تأسيس (الجماعة الإسلامية)، التي يتم تغيير اسمها بداية الثمانينيات تحت اسم (مجلس الشورى) (1975)، تأسيس جماعة النهي عن المنكر(1976)، جماعة الجهاد أواخر السبعينيات، فتوى الفعاليات الدينية ضد الاختيارات البومدينية(1976)، تنظيم (الموحدون) يصدر بيان "إلى أين يابومدين؟(1976)، الربيع الأمازيغي(1980)، الحركة الإسلامية بالجزائر(1982)، أحداث جامعة الجزائر بين الإسلاميين واليسار، بيان النصيحة، هجوم جماعة بويعلي على ثكنة الصومعة(1982)، مقتل الناشط الإسلامي مصطفى بويعلي(1987)؛ ثم بروز جمعيات إسلامية مسلحة(اصطنعها نافذون في الدولة، أو اخترقوها) بعد 1990، وخاضوا من خلالها حرب إبادة ضد الشعب. بروز نزعات عرقية ومذهبية (القبايل، غرداية، شعابنة، بريان). إن مأسسة النزعات الدينية والعرقية كانت ولا تزال الورقة المثالية لدى الأجهزة العربية المرتبطة بشبكات الفساد، وقد وجب الحسم – دستوريا- في كل ما من شأنه أن يشكل غطاء للقوى المعادية للديمقراطية، لقد لعب النظام الجزائري بورقة الهوية لعبته القذرة، بعد أن عمق لدى الشعب التمثل المأساوي للهوية. ولأن النظام الجزائري أدرك أن هاته الورقة انتهت مدة صلاحيتها، فقد تفتقت قريحته على بديل آخر لتمديد عمره، وهذا ما سنراه في المقال القادم.
ـــــــــــــــــــــــــ حلم التغيير بين سلطة متمرسة وشباب يحاصره اليتم
قبل موعد الثاني عشر من فبراير، تحدثت بعض المنابر الإعلامية عن نجاح العشرات من ممثلي اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين، في تنظيم مسيرة واعتصام احتجاجي أمام مقر وزارة العمل بشارع محمد بلوزداد وسط العاصمة ، رغم تدخل قوات مكافحة الشغب لتفريقهم، رددوا خلالها شعارات مناهضة للنظام والحكومة، في الوقت الذي أكد فيه السياسيون المشاركون في المسيرة أن العد العكسي لبقاء النظام الحالي من عدمه قد بدأ في الجزائر. وقد جاء المحتجون من مختلف ولايات الوطن بعضهم قدم من أقصى الجنوب كولايات ورقلة وأدرار وتمنغاست، إضافة إلى ولايات قسنطينة وسطيف وبرج بوعريريج وجيجل ووهران وعين تموشنت وبلعباس. وحمل المعتصمون شعارات مناوئة للمسؤولين وأخرى منددة بالحقرة والتهميش، ولافتات كتب عليها أعيش سعيدا أو أموت شهيدا ، كما تخلل الاعتصام الذي عرف توافد العديد من المشاركين الشباب من الجنسين، ترديد شعارات شديدة اللهجة بركات بركات من سرقة المليارات ، إضافة إلى تغيير الشعار المعروف وان تو ثـري فيفا لالجيري بشعار آخر وان تو ثـري أوفا لا لجيري ، تعبيرا عن سخطهم من الأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية.
وانضم إلى المسيرة أعضاء من التنسيقية الوطنية من أجل التغيير الداعية إلى مسيرة الثاني عشر من فبراير.
وقبل المسيرة بعشرة أيام، يوم الأربعاء 2 فبراير سارع الوزير الأول، يزيد زرهوني، بتصريح أعلن فيه منع المسيرة، و رفض الدولة لرفع حالة الطوارئ. و كان رد يزيد زرهوني أكثر وضوحا بالمقارنة مع رد وزير الداخلية دحو ولد القابلية، و الذي اكتفى فقط بالتذكير بأن المسيرات في العاصمة ممنوعة لدواع أمنية. يوم الثاني عشر من فبراير، قبل التاسعة صباحا، احتلت قوات الأمن ساحة أول ماي، في قلب العاصمة، وقد استبقت قوات الأمن المتظاهرين حتى لا تترك لهم موقع قدم للتظاهر، إنها خطة ذكية، فقوات الأمن احتلت الساحة وطوقتها، وهكذا سرقت المكان من المتظاهرين، ونظمت ضدهم "وقفة"؛ حيث لا يمكنهم التظاهر، وحيث أي حركة منهم ستكون بمثابة محاولة منهم لتفريق "قوات الأمن"، فمسرح الأحداث يبدو مقلوبا، حيث لا يمكن للمتظاهرين أن يتظاهروا إلا إذا أزاحوا قوات الأمن عن الساحة، وهو أمر مستحيل وهكذا وجد المتظاهرون أنفسهم في فخ يدفعهم دفعا إلى الاصطدام بقوات الأمن دون أن يتمكنوا من التظاهر. وبعد أكثر من تسع مسيرات دعت إليها التنسيقية الوطنية من أجل التغيير، لم ينجح دعاتها في تجاوز هذه العقبة التي وضعتها في طريقهم السلطة. فعلى ماذا تراهن السلطة؟ وكيف ستخرج التنسيقية من الحلقة المفرغة التي استدرجتها إليها السلطة؟ لحد الآن، تبدو التنسيقية عاجزة ومتشرذمة وغير منسجمة إزاء سلطة متمرسة على فن قمع الانتفاضات وتحريفها عن مقاصدها المنشودة. لقد دمر الاحتلال الفرنسي ثم ورثته بعد الاستقلال الشكلي، ذاكرة الجزائريين وقدرتهم على المواجهة الخلاقة، فلا أواصر قبلية ولا مواطنة حقيقية ولا أحزاب تتمتع بالسيادة ولا تنظيمات حقوقية ومدنية. لقد ظل النظام في الجزائر يلعب بعدة أوراق: الشرعية الثورية، النزعة الجهوية والعرقية والإرهاب، وتصعيد العداء ضد المغرب وفرنسا.... لقد استهلك كل مالديه، واتضح له أن خطابه الذي ظل يقتات من هذه "الذرائع" اهترأ، ولم تعد لغة ذلك الخطاب تقوى على حمل الأكاذيب، فاختار أسهل المقاربات وأكثرها تخلفا وعدوانا. فاستبق الأحداث وبدأ، مع منتصف عام 2010، في تعزيز ترسانته البوليسية. ليس غريبا أن تطغى المقاربة الأمنية على باقي المقاربات وتلقي الاستخبارات بثقلها، مادام عناصر المالغ وضباط فرنسا هم من يتناوبون على دفة الحكم، فمع حلول عام 2014، ، سيتم إنجاز 630 مقر أمني مختلف للشرطة و190 للدرك و330 للحماية المدنية. لقد استفادت المديرية العامة للأمن الوطني من أضخم برنامج لإنجاز مقرات جديدة للأمن عبر مختلف الولايات في تاريخها، بميزانية تفوق الـ350 مليار دينار، من أصل 895 مليار دينار حصلت عليها وزارة الداخلية في إطار البرنامج العمومي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتقرر، إنجاز 20 مقرا جديدا للوحدات الجمهورية للأمن التي ستعزز بإمكانات إضافية مادية وبشرية. وحصلت المديرية العامة للأمن الوطني على حصة الأسد من مخصصات الحكومة الموجهة لتنمية قطاع الجماعات المحلية الذي استفاد في إطار برنامج الاستثمارات العمومية 2009 /2014 من ميزانية قابلة لمراجعة تقارب الـ900 مليار دينار أو ما بين 9 و10 مليار دولار تقريبا. وحسب مصادر إعلامية، فإن الحكومة ستخصص ميزانية سنوية إضافية للمديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك حسب المداخيل المتاحة من أجل توفير تجهيزات جديدة لتحديث القطاعات الأمنية، ومن أجل تقريب الأمن من المواطن وتفعيل دور الشرطة الجوارية و توسيع تواجد مصالح الشرطة على مستوى كامل التراب الوطني والتقرب من المواطن أكثر. هذا هو الإصلاح الذي فكرت فيه السلطة، وأبدعت فيه أيما إبداع وقررت العزم على قطع الطريق على كل من تسول له نفسه في حلم التغيير؛ لكن المشكلة ليست هنا، إنها في دعاة التغيير، في تشرذمهم وهشاشتهم؛ فهل سنهتدي – نحن الحالمون بالتغيير- إلى سر اتحادنا، وشرط انتصارنا؟؟؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــ هل آن الأوان ليصبح الربيع الأمازيغي ربيع الشعب الجزائري؟
تقف الجزائر، في خضم هذه التحولات، على تخوم باهتة المعالم: نظام يعاني من تصدع تحالفه الرئاسي وتناقضاته البنيوية، وحركات احتجاجية عاجزة عن توحيد صفوفها. إلى متى سيستمر الوضع على هذا الحال؟ كل المعطيات المحلية، الإقليمية والعالمية تؤشر على أن الجزائر ستعرف تغييرا لن يكون سهلا، وقد لا يقل مأساوية عما يحدث ببعض البلدان العربية. لقد صممت السلطة على إجهاض كل المسيرات ذات المطالب السياسية التي دعت إليها الجهات الداعية إلى الإصلاح والتغيير بدعوى أن الأزمة اجتماعية بحتة وليست سياسية، في حين غضت الطرف عن الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية. فهل هذا التكتيك الذي تعتمده السلطة سيزيد من قوتها، أم سينقلب السحر على الساحر؟ يرى بعض الملاحظين الإعلاميين والسياسيين، أن السلطة تسعى بطريقة أو بأخرى إلى تغليب كفة الحراك الاجتماعي على السياسي، من خلال تشجيع الحركات الاجتماعية البحتة التي تصاعدت وتيرتها بشكل كبير وفي ظرف قياسي وحتى في قطاعات لا تتوفر على تمثيلية نقابية، مثلما هو حال الحرس البلدي، الباتريوت، ضحايا الإرهاب والطلبة. منذ البداية، حسمت وزارة دحو ولد قابلية في الأمر، ورفضت الترخيص للمسيرة التي دعت إليها التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية، وحذرت من أي منزلق قد يحدث، مبررة ذلك باستغلال الجماعات الإرهابية للوضع، وهو مخرج سهل للسلطة، لكنه غير مقنع، خصوصا وأن السلطة لم ترفض الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي. فكيف لم تستغل الجماعات الإرهابية هذه الاحتجاجات؟؟؟ لم يعد خافيا على أحد أن "الإرهاب في طبعته الإسلامية" اصطنعته الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، لأهداف قد تكون من أجل السيطرة على المد الأصولي المتطرف، لكن تبين أنه أسلوب أفضى إلى نتيجة عكسية، وهذا يعني أن الجماعات الإرهابية لا تتحرك إلا بإيعاز الأجهزة التي أدمنت على اللعبة، واستغلتها ضد التغيير الديمقراطي، وهذا يعني أن أي عملية إرهابية قد تحدث في غمار الاحتجاجات السياسية، فهي من تدبير السلطة التي أصبحت في يد القوى الرافضة للتغيير. إن الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه الجزائر، في تفاعل مع الحراك العربي، ورغم كل الإجراءات الاحترازية التي وضعتها السلطة، فإن هذا الحراك سيدخل نفسا جديدا مع الذكرى الحادية والثلاثين للربيع الأمازيغي. لقد أدركت منطقة القبايل مبكرا أن النظام الحاكم تأسس منذ البدء على أديولوجيا التضليل وآليات النهب وقد كانت دوما في الطليعة حيث كانت دوما متقدمة على سائر أنحاء الوطن. كما كانت بعد الاستقلال من أوائل المناطق التي خاضت الكفاح للمطالبة بالحرية والدموقراطية ومقاومة القمع والاضطهاد. لقد ظلت، ولا تزال منطقة القبايل المنطقة الأكثر حضورا ووعيا على الصعيد السياسي والمدني. عندما برزت تنسيقية العروش الى الوجود، قال المؤرخ الجزائري ومدير مجلة (نقد) دحو جربال في حوار أجرته معه الأسبوعية المغربية ( العمل الدموقراطي)، سنة 2002، أنه "أمام غياب النجاعة الفعلية أو المفترضة لمؤسسات الأحزاب السياسية اتجاه المطالب المعبر عنها من لدن الحركة الجماهيرية تقرر إحياء الأشكال التمثيلية القديمة من سباتها، الجديد فيما حصل هو أن الشباب المنتفض استولى على هذه البنيات ووضع جانبا الأعيان وشيوخ الجماعات، بالضبط كما وقع في الثمانينات عند استيلاء الشباب على المساجد.وفي مقال بجريدة (لوموند ديبلوماتيك) وتحت عنوان " الجزائر، هل هو صراع عشائر أم صراع طبقات ؟ " تحدثت الصحفية الجزائرية غانية موفق عن الخلفيات الاجتماعية والسياسية لبروز (العروش) كتنظيم وآلية لمواجهة الأزمة وتدبير الشأن المحلي كما قاربت تقاطع الصراع في الجزائر بين الطبقي والعشائري. إن ما حدث في ربيع 2001 بمنطقة القبايل واتسع ليشمل منطقة الشاوية كان يؤشر على إمكانية اتساع بؤرة الرفض الشعبي من جهة، ومن جهة ثانية انكماش هامش المناورة لدى السلطة. حول أحداث العنف والصدامات، انتقل الجدل بين السلطة والمعارضة خارج الحدود ووصل إلى سويسرا حيث قدم زعيم جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف أسماء مفقودين بعد مظاهرة 14 يونيو 2001 بالجزائر العاصمة. كما جدد طلبه بإرسال لجنة أممية للتحقيق في الأحداث. لم يتورع أحد البرلمانيين، من المطالبة تحت قبة البرلمان بنزع الجنسية عن آيت أحمد. في تلك الأثناء، وبعد أن عالجت السلطة الأمر مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بأسلوب لا يقل غموضا عن أسلوب القذافي، صممت على منع كل أشكال التظاهر و الاحتجاج، ودخلت في حوار مع التنسيقية، وظنت أنها أفلحت في احتواء الأزمة، غير أن أحداث 2008، التي عرفتها مناطق من الجزائر، كشفت أن الأزمة لا تزال، وشروط انفجارها متوفرة، وهي في حالة كمون، وتنتظر فقط من يوقظها. ستضطلع القبايل بدور ريادي، خصوصا وأن الخطاب السياسي لدى النخب القبايلية، بدأ يخرج من نزعته الجهوية إلى أفق أرحب، وكلما اكتسى هذا الخطاب طابعا عقلانيا في نظرته للتاريخ وللحقوق والحريات في بعدها الكوني الإنساني، سيحظى بثقة كل الجهات الجزائرية. لقد آن الأوان ليخرج "الربيع الأمازيغي" من أسوار القبايل، ومن الحدود التي تريد السلطة أن يظل رهينها، آن الأوان أن يصبح ربيع كل الجزائريين من أجل دولة ديمقراطية أساسها التضامن بين كل الجهات، وبين كل فئات الشعب الحالمة بالتغيير.
ـــــــــــــــــــــــــ مأزق النظام بين الحراك الاجتماعي والتحولات الإقليمية
عرف الحراك الاجتماعي في الأسبوع المنصرم منحى جديدا، حيث نجح آلاف الطلبة، في كسر الحظر المفروض على المسيرات بالعاصمة، رغم الانتشار الكثيف لمصالح الأمن المدعومة بقوات مكافحة الشغب. وعبر الطلبة عن غضبهم ضد العنف الذي استعملته مصالح الأمن، التي استعملت معهم القوة، وأصابت العشرات منهم بإصابات متفاوتة. وتزامنت مسيرة الطلبة مع احتجاج الأطباء المقيمين والأساتذة المجازين وضحايا الأخطاء الطبية. وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن، أسفرت عن سقوط العشرات من الجرحى في صفوف الطلبة. ومن بين الشعارات التي رددها الطلبة، حسب ما أوردته منابر إعلامية "زنكة زنكة دار دار الحكومة تشعل النار"؛ ويحمل هذا الشعار اتهاما صريحا للحكومة يضعها جنبا إلى جنب، مع عصابة القذافي الإرهابية التي أجهزت على المدنيين، ولم تتورع في قصفهم بالدبابات والطائرات. هذا الحراك الاجتماعي الذي شجعته السلطة، بهدف إعطاء انطباع كاذب عن الوضع في الجزائر، باعتبار أن البلد ليس لديه مشاكل سياسية، يؤكد أن السلطة عمياء، وتصر على جر البلد برمته إلى الكارثة، وهي حين تصر على الفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي، تؤكد بالملموس أنها عاجزة عن التغيير الإيجابي، وتنسى أن المشاكل الاجتماعية ليست سوى تجل لأزمة سياسية، وبالتالي فإن حلها لا يكون إلا سياسيا. وفي ضوء تصاعد هذا الحراك الذي يروق للسلطة أن تصفه بالاجتماعي، يمكن القول، أن الشارع الجزائري يسزداد امتلاء بالاحتجاج، وبالمقابل ستتفاقم تناقضات النظام، وسيتولد عن هذا الوضع سلوك إرهابي من المافيا التي لن تتوانى في تعميم الفوضى وإشعال نار الفتنة. كل المعطيات تؤشر على هذا السيناريو، فالمافيا التي تشكلت، واستقوت في ظل السياسات القاصرة، أفرغت الجزائر من كل أشكال الحوار والانفتاح، واستولت على عائدات المحروقات، ورفعت من عقيرتها الانفصالية ضد محيطها. فالسيرة الذاتية لهذا النظام مليئة بالخطايا والأخطاء: - تورطه في سياسة معادية لمحيطه، وذلك من خلال دعمه اللامشروط لجبهة بوليساريو، وإصراره على فصل الصحراء عن المغرب. - احتجازه لأناس أبرياء بمخيمات تندوف. - إصراره على عزل شعبين شقيقين بإغلاق الحدود. - رفضه لكل أشكال الحوار وللمسيرات الاحتجاجية. - تورط رموزه في نهب المال العام والفساد. - فشله الذريع في المجال التنموي. - تورطه في دعم عصابة القذافي. إن النظام الجزائري، بنسقه الاستخباراتي المتحكم في قراراته، يراهن على صوملة ليبيا، وهو رهان ضعيف، وهذا النسق الاستخباراتي حرمه من رؤية النسق العميق للتحولات التي يشهدها العالم. فالمستقبل يتشكل في الاتجاه المعاكس لإرادة النظام الجزائري؛ من الحراك الذي يصفه بالاجتماعي، إلى ثورة ليبيا، إلى نزاع الصحراء، فضلا عن سقوط نظام بن علي ونظام مبارك، دون أن نغفل التحولات الحاصلة في المغرب.
فماذا عسى هذا النظام أن يفعل في ظل هذه التحولات؟ الحراك الاجتماعي يزداد حدة، والمشهد الحزبي يزداد تشظيا، وذكرى الربيع الأمازيغي على الأبواب وجدار الصمت بدأ يتصدع في مخيمات تندوف، وحلفاؤه المغاربيون في الفساد بدأ نجمهم في الأفول. هناك حادثة وقعت الأسبوع المنصرم، مر عليها الإعلام مرور الكرام، أو اللئام لا أدري، وتتمثل في هجوم مجموعة من الشباب بالسلاح الأبيض على طلبة المدارس العليا المعتصمين أمام مقر وزارة التعليم والبحث العلمي بالعاصمة، وهي حادثة تدخل في سياق تطور الأحداث، فقد سبق أن خرج متظاهرون يوم 12 فبراير يهتفون باسم بوتفليقة مثلما يفعل جماهير مدرجات الملاعب، ولأن هتافات التأييد لم تعد تكفي، تم استبدالها بالسكاكين، وهذا يؤشر على أن الحل الوحيد الذي يجيده النظام في حال تعاظم الاحتجاجات، هو انتقاله من بلطجية بالسلاح الأبيض إلى قناصة بالرصاص الحي، ولن يجد حرجا في استعمال الصواريخ حبا في الوطن.
#سعيد_هادف (هاشتاغ)
Said_Hadef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (1)
-
الدستور ذلك الكتاب: الملك محمد السادس وخطاب الحسم والقطيعة
-
الأفق المغربي-الجزائري في ضوء همجية النظام الليبي
-
الراهن العربي: دينامية الشارع، همجية الحاكم وقصور النخبة
-
الانفصال في ضوء نظرية المؤامرة: تأملات في المخطط / الجزائر ن
...
-
المغرب الكبير وسؤال المستقبل: تونس ساحة أخرى للصراع بين القو
...
-
نزاع الصحراء: من يكسب الرهان؟؟؟
-
الجهوية الموسعة والحكم الذاتي: الدينامية الدموقراطية والدينا
...
-
الاتحاد المغاربي: التاريخ المعطى والتاريخ البديل
-
الجزيرة في المغرب والمغرب في الجزيرة
-
مؤتمر السمارة وقمة سرت: التاريخ واللاتاريخ
-
المغرب والجزائر: رحلة السلام تبدأ من تندوف
-
مناطق للسلام وأخرى للفوضى : من يصمم خارطة المستقبل المغاربي؟
-
العلاقة الأمريكية بالعالم الإسلامي: أي آفاق؟
-
حمى المونديال : الجزائر صيف 2010
-
محمد لبجاوي:صوت الشجاعة والأمل
-
الشعر، السياسة، التاريخ....
-
الحريات في الجزائر ملف معقد وستكون له تبعات على مستقبل النظا
...
-
على هامش أربعينية وفاة عائشة مختاري:متى تخضع كل القوانين إلى
...
-
محمود درويش/ شهادة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|