جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 09:47
المحور:
الصحافة والاعلام
كل شيء من الممكن أن تستفيده من أوراق الصحف الأردنية ما عدى تحقيق المتعة والرغبة في القراءة وإذا كنت مواطنا صالحا تستثمر وقتك وتحاول الاستفادة من الخردوات والمواد المستعملة البلاستيكية والحديدية والنحاسية, فما الممكن أن ستفيده من أوراق الصحف الأردنية غير تلميع الزجاج والأبواب والشبابيك وإطار السيارات وزجاج النظارات أو عدسات النظارات ومسح قفاك إذا كنت في منطقة لا يوجد فيها ماء أو ورق تواليت , ومع أن أهلي وجيراني وأقربائي وأنسبائي وأحبابي وأصحابي لا يقرؤون في السنة الواحدة كلهم مجتمعون مع بعضهم البعض كتابا أو ورقة واحدة, غير أن بيوتهم جميعا تعج بالصحف الأردنية بهدف المسح والتنظيف والتلميع , بداية من تلميع الزجاج ومسحه وانتهاء بتلميع بعض الناس ومسح مؤخراتهم حتى تصبح نظيفة ولامعة بأوراق الصحف الأردنية تماما وكأنهم يستعملون ورق التواليت.
وخصوصا صحيفة الرأي والدستور والعرب اليوم, وأنا مستعد لآخذ أحدكم إلى أي ورشة فيها عمال لأريكم كيف يضعون أوراق الصحف الأردنية في جيوبهم, لآخذكم بعد ذلك إلى أي منزل أردني تختارونه بشكل عشوائي لأريكم كيف يستخدم الشعب الأردني الصحف الأردنية بساطا تحت الأحذية في خزانة الأحذية كما هو الحاصل في منزلي, وتحت رفوف الأواني المطبخية, وأنا مرة من ذات المرات سألت أمي عن سر الصحف المتراكمة فوق خزانة المطبخ وفوق الثلاجة وتحت السرير وذلك في بداية عهدي بالصحافة الأردنية والتي لم أكن وقتها أعرف ما الفرق بين أكياس الخُضرة المصنوعة من الورق وبين ورق الصحف الأردنية وخصوصا صحيفة الشعب التي كنتُ أشهدها وهي تتكوم بأعداد كبيرة في منزلنا ليس بهدف القراءة وإنما بهدف شيء آخر جدا ما عدى القراءة, فجميع سكان المملكة الأردنية الهاشمية يستفيدون عدة استفادات من الصحف الأردنية ما عدى فائدة القراءة والثقافة, والمهم في الموضوع يا أصدقائي أنني سألتُ أمي عن معنى الصحف المتكدسة,فقالت: للصحف الأردنية فوائد عظيمة لا يمكن أن ننكرها ويجب أن نشكر ألله على هذه النِعمة العظيمة والتي لولاها لعانينا كثيرا وكثيرا فهي أداة لتلميع الزجاج, فبدون ورق الصحف لا يمكن أن يكون زجاجُ بيتي لامعا وبرّاقاً ونظيفاً, وكانت هذه أول مرة لي وأنا شاب في مقتبل العمر أعرف بجد قيمة الصحيفة أو الصحف الأردنية وحين نشأت وكبرت شيئا قليلاً كنتُ أسمع أقربائي وأقرباء أمي يقولون عن أبي رحمه ألله كلاما غير لائق بحقه بسبب قراءته لصحيفة الرأي الأردنية فكنت أسمعهم يقولون: طيب هذول كل الناس بشتروا الجرائد بسعر الكيلو ويستعملونها عدة استعمالات ما عدى (أبو جهاد) يشتري الصحيفة بشلن (خمسة قروش) لكي يقرأها أي والله هذا إنه مجنون , شو بلقى بالصحف؟ وصدقوني هذا سبب رئيسي لكرهي الشديد لصحيفة الرأي الأردنية والدستور حيث ظهرت أمامي في بداية حياتي كعقدة نفسية وكنت كلما تقدم بي العمر أتأكد من صدق كلام الناس وهو أنه فعلا من الممكن أن تستفيد من الصحف الأردنية فائدة كبيرة بل وفوائد متعددة ما عدى أن يكون للصحف الأردنية فائدة المتعة الصحفية.
كنت أعتقدُ بأني أمي فقط من تستفيد من تلميع الصحف الأردنية لأوانيها المنزلية وخصوصا الزجاجية, ولقد اكتشفتُ مع مرور الزمن بأن أمي مثلها مثل الجيران وكل أقربائي الذين يشترون الصحف الأردنية بسعر الكيلو فيقفون إلى جانب أي دكانة أو أي بقالة ويسألون صاحبها عن سعر كيلو الجرائد(الصحف) كما يسألونه عن سعر كيلو البطاطه أو الليمون أو الخيار ولا يسألون عن المواد أو اسم الصحيفة التي يشترونها بسعر الكيلو جملة ومُفرّق.
وليس من الغريب أن تبقى فائدة الصحف الأردنية فقط للمسح وللتلميع, فهذا شخص لم يعرفه أحد من قبل وفجأة وبدون سابق إنذار تعمل صحيفة الرأي الأردنية على مسح سمعته القديمة واستبدالها بسمعة جديدة وتلميعه حتى تصبح سمعته من جديد لامعة وبراقة أكثر من الزجاج الذي تُلمعه صحيفة الدستور أو الرأي الأردنية في مطبخ أمي, ونفس الشيء سمعة وزير الداخلية أصبحت تلمع لمعانا شديدا أكثر من سيارة جاري أو أحمد, وهذا كاتب لم يسمع به أحد ولكن في الآونة الأخيرة كانت سمعته تلمع في الأسواق الثقافية لمعانا يكاد أن يضاهي لمعان حذائي الأسود المصنوع في إيطاليا.
ولي جار أخبرتكم عنه قبل قليل وهو أبو أحمد أحترمه جدا وأحترم منظر سيارته الدائم اللمعان والسر طبعا معروف وهو أنه يستعمل الصحف الأردنية لتلميع سيارته وخصوصا الزجاج الأمامي والخلفي والجانبي, حتى أن وزير الثقافة الأردنية صار وجهه وقفاه زي بعض من شدة وكثرة التلميع وهذا طبعا بفضل استعمال الصحف الأردنية للتلميع, حتى أن مهربي الدخان والمتهربين من الفساد بكل أنواعه وأشكاله يستفيدون من الصحافة الأردنية , ولا يستعمل جاري الصحف الأردنية استعمالات أخرى غير تلميع سيارته وكلما أمسك به متلبسا وهو يقوم بتلميع سيارته وأخذت منه ورقة للقراءة فورا يخطفها من يدي وهو يقول كما تقول أمي: ألله خلق الصحف الأردنية لتلميع الأوساخ اللي في البلد ولتلميع الزجاج والأواني المطبخية فقط لا غير ولم يخلقها للقراءة وأنا أقنعك بذلك خذ مثلا أي صحيفة أردنية أو أي عدد منها صادر قبل 5 خمس سنوات وقارنه بالعدد الصادر اليوم ستجد نفس الأسماء ونفس الكتاب ونفس العناوين, وقد انتقلت لي هذه العادة في فن التلميع وبما أنني لا أملك سيارة فإنني أستعمل الصحف الأردنية لتلميع حذائي الأسود اللون فحين أقوم بمسح حذائي بورق الصحف والجرائد والمجلات فإنه يأخذ لونه الطبيعي مع زيادة في اللمعان والعنفوان والكل يستخدم الصحف الأردنية للتلميع.
ومن الناس مَنْ أدخل مكاتبهم التجارية أجد بأنهم يغطون الزجاج والأبواب والنوافذ بورق الصحف الأردنية وبذلك يتخذون الصُحف ستارا وديكورا يزينون به واجهات الأبواب وهذه فائدة أخرى وعظيمة للصحف الأردني وهي أنها تتستر على الناس ولا تكشف عيوبهم بعكس الصحف الأوروبية التي لا يتخذها المواطن له سترا وحجابا من دون الناس وأجهزة الرقابة وحين أمد بصري عند أي صديق أو زميل عمل لقراءة ما هو مكتوب ينظرون لي باستغراب واستهجان وهم يقولون كما تقول أمي: الصحف الأردنية الله خلقها للمسح وللتلميع وللتستر خلفها, أما بعض نساء حارتنا فإنهن يستعملن ورق الصحف الأردنية لتجليد الكتب المدرسية للأولاد, فلقد كنت وأنا طالب في المدرسة أقوم بتنضيد وتجليد الكِتاب المدرسي بأوراق الصحف الأردنية وما زالت هذه العادة منتشرة بين الناس فجميع الأولاد الذين يذهبون إلى المدرسة يذهبون وبيدهم الكتب المجلدة بورق الصحف الأردنية.
وهنالك فائدة أخرى وعظيمة لأوراق الصحف الأردنية وهي أن جميع سكان بلدتنا من مسلمين ومسيحيين وأصدقاء وأقارب ومعارف يتخذون من الصحف الأردنية بِساطا يبسطونه ويفرشونه تحت مائدة الطعام, فإذا أحضرنا حمص وفول وفلافل فورا تهرع أمي أو زوجتي لإحضار ورقة كبيرة من الصحف الأردنية لتضعها تحت الطعام, وإذا اشترينا 100 كيلو ملوخية لفرطها وتنشيفها وتفريزها فورا تحضر أمي صحيفة أردنية كاملة وتبدأ بخلع الورق لتضعه تحت الملوخية وذلك لكي تحافظ على نظافة السجاد المنزلي وحين أريد مد بصري لقراءة مقال مكتوب أو صحيفة تنظر أمي في وجهي وتقول وهي مستغربة: هذه الصحف ألله خلقها على شان انحطها تحت الأكل والطعام مش على شان نقرأها, حتى في الشوارع ومحلات التجارة والدكاكين والمكاتب يفرشون ويبسطون أوراق الصحف الأردنية تحت الطعام , تلك الصحف التي يشتريها أصحابها بسعر الكيلو أو بسعر الباذنجان المقلي أو أحيانا بسعر الخُضار المخمجه.
وصدقوني يا أصحابي بأن المسألة ساخرة للترفيه وهي كلها مصخره وكما يقولون (مصخره وقلة حيا) فأنا أصف واقعا حقيقيا ومحزنا ومؤلما عن قصة تلميع الصحف الأردنية للناس وللزجاج ولهياكل السيارات, وكذلك المسألة لا تتوقف عند هذا الحد فالصحف الأردنية أيضا تقوم بتلميع أشخاص كما تقوم أمي بتلميع الزجاج وكما أقوم أنا بتلميع حذائي وكما يقوم جاري بتلميع سيارته, فطالما أن الموضوع للتلميع فأعتقد بأن المسألة ليست غريبة
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟