|
تسونامي المادة الثانية من الدستور يضرب قنا بصعيد مصر
محمد عبد النبى الهالة
الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 02:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تسونامي الطبيعة يضرب بجبروته الدول ليقضي على كل أشكال الحياة عندما ترتجف الأرض تحت الأقدام - وتلفظ الأشجار من جذورها وتسقط البنايات ليعم الخراب والموت في كل الكائنات الحية – وعلى إيقاع تسونامي اليابان جاء تسونامي السلفيين في قنا في صعيد مصر ليضرب بجبروته عقول وقلوب المصريين في مقتل على إيقاع حادثة قطع أذن مواطن مصرى "مسيحى" باسم الدين نتيجة لادعائهم معاشرته سيدة سيئة السمعة كانت تسكن بشقته التى يؤجرها – في هزة اجتماعية وسياسية تعدت حدود المنطق والعقل تحت دعوى تطبيق شرع الله. لنرجع لما نعتقده تمهيدا للحكاية من وجهة نظرنا والتى كنا نرى بعض شواهدها التى تدعو للعجب!! عندما نرى شيخ جماعة الجهاد الإرهابية عبود الزمر بلحيته الشاردة وزميله المتهمين بالتخطيط والتنفيذ لاغتيال الرئيس الراحل السادات وبدون أى مقدمات قد أفرج عنهما ضمن زفة الثورة - ونصاب بالدهشة لهذا اللهاث الإعلامى حين يسيطران على هذه المساحة الكبيرة في الصحافة والتليفزيون لعدة أيام بعد خروجهما من السجن ولا نجد لذلك تفسيرا!! – حين نجدهم يروجون لنفس أفكار الجماعة السلفية الجهادية الإرهابية التي ينتمون إليها والتي روعت الشارع المصري بالإرهاب في حقبة السادات – ولا نفاجأ بتلك الجرأة الوقحة من هذا الشيخ عندما يعلن بضرورة دفع المسيحيين الجزية علما بأن الذين تحدثوا مع الشيخ فى وسائل الإعلام كانوا يعرفون تماما أنه زعيم جماعة إرهابية فاللوم لايقع على الشيخ ولكن على من أفسحوا له المجال ليصبح بطلا على طريقة (هي فوضى) للمخرج خالد يوسف. لترتجف الأرض تحت الأقدام ــ ليأتينا تسونامي المادة الثانية من الدستور في قنا بقيام دولة السلفيين الإسلامية داخل دولة مصر والتي حكمت فيها الجماعة بإقامة الحد على أحد المواطنين المصريين (مسيحي الديانة) كما جاء في صدر صفحة الأهرام الصادر يوم الجمعة الموافق 25 مارس 2011 م وجاء تنفيذ الحكم فورا من الجماعة السلفية على النصرانى "كما يلقبونه" وذلك بقطع أذنه اليمنى وإحداث قطع في رقبته – وحرق شقته – وسيارته - وإحداث إصابات بالغة متفرقة في جسده بعد إطلاقهم لشعارات حماسية عن تطبيق شرع الله (كما جاء بالجريدة) ثم أجبر المقهور بالتوقيع تحت إرهاب الجماعة على التنازل والمصالحة خوفا منه على أشقائه وأسرته - ياسادة إننا أمام جريمة متكاملة الأركان والفاعل معروف بصورته فى جريدة الأهرام - هنا ستبرز حجة الخوف من الفتنة الطائفية أو حجة الانفلات الأمنى وهذه ليست بمبررات لحكومة الثورة. والأدهى والأمر أنه قبل أن يجف دم الرجل أفتى شيخ آخر ويدعى ياسر برهامي عضو مجلس الدعوة السلفية بالإسكندرية في نفس الصحيفة – بأن هذه الواقعة ليس لها علاقة بالإسلام ولا بالحدود ليفتي شيخنا الحاكم بأمر الله (عضو مجلس الدعوة السلفية) مؤكدا أن قطع الأذن ليس من الحدود في الإسلام بل في الواقعة المشار إليها – إذا ثبتت بشروط معينة فالحد يكون بالرجم أو الجلد - هي فعلا فوضى عندما ترتكب الجرائم باسم الدين لدولة فى داخل الدولة تحت سمع وبصر الجميع - مما يزيد من مساحة التوجس للرأى العام. للذين يدافعون عن ترك المادة الثانية من الدستور المصري بنص التعديل الذي وضعه الرئيس السادات على الدستور عام 1980 بإضافة (مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع) لترضية شريحة المتأسلمين المتعصبين في ذلك الوقت - ورغم ما جاء في نفس الدستور من مواد تخص المواطنة لتتناقض مع هذه المادة بشكل تلفيقي لا يخفى على أحد. حقا إننا في وطن نجح رؤساؤه في تقسيمه بهذه المادة إلى مسلمين وأقباط الأمر الذى يعني أننا في دولة إسلامية تستمد تشريعاتها من المصدر الرئيسي وهو الإسلام وفيها نجد خلطا واضحا للدين بالسياسة ليصبح الوطن حكرا للإسلام والمسلمين ويتحول الدين بالقانون إلى سلطة قاهرة فى يد الجماعات المتطرفة التى يجدون فيها مرجعا لعملياتهم الإرهابية ولا مجال فيها لأي شكل من أشكال التعددية أو الحرية أو الديمقراطية. لقد قلنا في مقال سابق بجريدة القاهرة إن هذه المادة هي الأساس الذي ارتكنت إليها جماعة الجهاد المتطرفة لاغتيال الرئيس السادات بحادث المنصة الشهير لأنه لا يحكم بما أنزل الله. ألم تكن هذه المادة هي أيضا التي ارتكن اليها القضاء المصري في حكمه بالردة على المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد في أغسطس 1996 حين أيدته محكمة النقض ليصبح لا رجعة فيه ونظرا- لعدم توافر وسائل قانونية لتنفيذ تهمة الارتداد فعمل خصومه على الاستفادة من أوضاع محكمة الأحوال الشخصية التي يطبق فيها فقه الإمام أبو حنيفة والذي وجدوا فيه مبدأ يسمى "الحسبة" – فطالبوا من المحكمة التفرقة بينه وبين زوجته بحكم قضائي وحكمت المحكمة بناء على هذه المادة بالتفريق بينه وبين زوجته قسرا على أساس أنه لا يجوز للمسلمة الزواج من غير المسلم – فهاجر وقتها هو وزوجته إلى هولندا. للمدافعين عن هذه المادة هل وصلكم تسونامي الجماعات المتطرفة في صعيد مصر – لنتصارح بأن التعصب المتدين يسري في عروق هذه الجماعات التى روعتنا بعملياتها الإرهابية فى نهايات القرن الماضى ــ هل نسينا عمليات إهدار الدم وجز الرقاب في شرع هذه الجماعات – ألم نشعر بخطورة هذه المادة لاستغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية لنعطيهم في الدستور نصا لبرنامج قانوني يحمل مسوغا لصناعة القهر والموت بدعوى المرجعية الدينية لتطبيق شرع الله والحكم بما أنزل الله ــ إلى جانب كارثة قناعاتهم بملكيتهم للحقيقة المطلقة ليتحول هنا الدين إلى سلطة قاهرة بالقانون لا وجود فيها لأى شكل من أشكال الحرية أو الديمقراطية أو حتى الإنسانية لأن الحاكم أو الخليفة يستمد شرعيته من السماء - لتخمد كل الأصوات إلا صوت أصحاب اللحى. إننا نريد دستورا يحمل آمال الارتقاء بالمساواة بين أبناء الوطن الواحد في الحقوق والواجبات والعدل الاجتماعي. نريد دولة مدنية خالصة حاضنة للمثل الإنسانية للوطن في أوج نضجها الإنساني والتى تتضمن التشريعات الإنسانية للديمقراطية التى واكبت التطور ــ لتضمن حقوق البشر فى اختيار وإسقاط الحاكم لنصبح مواطنين أحرارا فى وطننا ــ ليس بالهروب داخل حوار النصوص كما يدعي الإخوان المسلمون ومن لف لفهم بالمطالبة بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية "لتفريغ الدولة المدنية من المضمون وخلط الدين بالسياسة" لنعلنها صريحة لا لن نقبل إلا بدولة مدنية تكون مرجعيتها دستورا جديدا يتضمن ما أبدعته قوانين حقوق الإنسان وقوانين المواطنة الحقيقية التى لا تميز بين أبناء الوطن ــ الذى نتمنى فيه أن يكون الدستور الجديد شاهدا من شواهد نجاح الثورة. محمد عبد النبى الهالة كاتب سياسى مصرى 27/3/2011
#محمد_عبد_النبى_الهالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|