|
المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 997 - 2004 / 10 / 25 - 08:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بداية - ولتحاشي سوء الفهم أو سوء القراءة لهذا المقال – أرى ضرورة توضيح بعض الحقائق: · كاتب تلك السطور مصري قبطي يعيش في داخل مصر الحبيبة. · أقرر أن المناخ المصري بما يشمل من أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية، الرسمية منها والشعبية، وقبل كل هذا الثقافة والعادات والتقاليد السائدة، والتي أنجبت ورعت هذه النظم، هذا المناخ المصري مناخ متخلف عن مستوى الحضارة الإنسانية المعاصرة، وهو مناخ يعيد باستمرار إنتاج نفسه في دائرة جهنمية مغلقة. · يعاني الشعب المصري بصفة عامة، وبمختلف فئاته الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وإن اختلفت طبيعة المعاناة من فئة لفئة ومن شخص لآخر، كل حسب موقعة واهتماماته وطبيعة نظرته للأمور، وفي هذا الوضع يتحمل الأقباط معاناة خاصة بموجب صفتهم الدينية. · قضية الحريات والديموقراطية في عصرنا صارت قضية عالمية، ويتضمن ذلك قضية الأقليات في العالم، والتي تعتبر قضية أقباط مصر واحدة منها، ومن يندد بما يسمى التدخل الخارجي في هذه القضية أو ما يماثلها لا يفعل ذلك في رأيي من منطلق الحرص على استقلالية وطنه، وإنما لمحاولة دفع رياح التغيير وتأبيد الأوضاع المتخلفة القائمة، سواء كان يفعل ذلك انطلاقاً منه مواقفه المبدئية، أو يعلن ذلك مضطراً أو نفاقاً وتزلفاً. · نشطاء الأقباط في الخارج هم طليعة من المصريين المخلصين المحبين لوطنهم وشعبهم بوجه عام، ولأبناء طائفتهم بوجه خاص، ويستحقون من جميع المصريين التحية والاحترام والتشجيع، ذلك أن جميع فعالياتهم تصب في نهر التغيير والتحديث الذي ننتظر فيضانه على أحر من الجمر، وإن اختلفنا على مدى فاعلية تلك الأنشطة.
لكن دعونا نناقش الأمر بموضوعية، والفكرة الأساس أنني أرى أن نشطاء الأقباط سواء في الداخل أو الخارج عليهم أن ينتبهوا إلى المثل الذي ضربه السيد المسيح عمن يمتلك ثوباً قديماً مهلهلاً فيأتي برقع من قماش جديد يرتق به ثقوبه، ماذا ستكون النتيجة، هل سيصلح أمر الثوب، أو أمر الرقع محل الاهتمام، أم سيتمزق تماماً كما قال السيد المسيح؟!! هنالك منهجان رئيسيان: منهج الترقيع أو ما يمكن تسميته بالإصلاح، ومنهج التغيير الشامل، ومن غير العلمي تحديد أفضلية لمنهج على آخر بصفة مطلقة، فالتعامل مع المطلقات هو أقصر طريق للخطأ بل والضلال، لأن علينا أولاً دراسة الحالة التي نحن بصددها لنقرر أي المنهجين نختار، فإذا كنا بصدد مجتمع ليبرالي متقدم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ورصدنا مثلاً مشكلة لأقليات مهاجرة أو ملونة، فإن منهج المعالجة الصحيح يكون الإصلاح سواء بتشريعات أو حملات توعية أو ما شابه، وبكلمات أخرى يكون المنهج الصحيح هو الترقيع مادام الثوب جديداً متجدداً، بل سنجد أن النظام القائم في الحالة التي ذكرناها يتضمن آليات الإصلاح والتطوير التي تنتظرنا لنفعلها في الاتجاه المطلوب. أما الحالة المصرية، والتي توصد الباب أمام أي نوع من التحديث أو التطوير، بل وينفتح الباب على مصراعيه الآن للسقوط في هاوية الثيؤقراطية والفاشية العروبية، بما يهددنا بالارتداد لأحلك فترات تاريخنا ظلاماً، ثم نصرف انتباهنا إلى أحاديث عن حقوق مواطنة كاملة للأقباط!! شر البلية ما يضحك كما يقولون، ربما لأنني لم أستطع تحديد المعنى الدقيق للمقصود، فهل المقصود هو الحصول على حقوق المواطنة كاملة للأقباط وحدهم دون المسلمين، أم المقصود مساواة الأقباط بالمسلمين في درجة الحرمان من حقوق المواطنة الكاملة؟!! هل هذا هو طموحنا، وإذا كان هذا السقف المتدني للطموح مقبولاً من أقباط الداخل، المحدودين بقصر ذات اليد، فكيف يتصور أو يقبل من أبنائهم في الخارج، والذين يرفلون في نعيم الليبرالية؟!! أنا أزعم – لا أقول أتهم – أن من لا يؤرقهم في مصر غير المسألة القبطية، هم جزء من المناخ الثقافي البائد الذي جعلنا في مؤخرة الأمم، فبعض الصيحات تبدو كما لو كان كل ما تهدف إليه – بإلغاء الخط الهمايوني – هو توفير الفرص المتكافئة للأقباط للدخول في السباق الماراثوني لبناء المعابد، ذلك السباق الذي بدأه أجدادنا الفراعنة، وحققوا فيه أمجاداً غير قابلة للمنافسة، الأقباط الذين يتلقى أبناؤهم العلم في فصول رديئة التهوية ومكتظة بالأطفال بطريقة غير آدمية، ومن يبحث حتى ميسورو الحال منهم عن سرير للعلاج بسعر مناسب وخدمة بالحد الأدنى فلا يجدون، هؤلاء يقيم صفوتهم الدنيا ولا يريدونها أن تقعد من أجل حرية بناء الكنائس، لا ننكر بالطبع أهمية هذا الموضوع مادياً ورمزياً، لكن هنالك يا سادة ما يسمى بالأولويات!! والمنادون بعدالة توزيع الوظائف الحكومية رغم أن الأجدر أن تتجه دعوتهم لتسريع إصلاح الجهاز الإداري للدولة وتقليصه للحد الأدنى تمشياً مع تيار الخصخصة، الكفيل وحده بإصلاح العديد من أوجه الخلل، ومنها ما يعنون، مثلها من يهمهم عدد الوزراء الأقباط في وزارات نعلم جميعاً أنها مجرد دمى في يد واحدة صاحبة كل قرار، أليسوا كمن يقتل نفسه للحصول على نصيب عادل من كعكة مقددة ومتعفنة؟!! يتصور بعض أو كل دعاة التحديث والتنوير من المفكرين المسلمين أن أقباط مصر هم قاعدتهم الشعبية بوصفهم أصحاب المصلحة الأولى في دفع هجمة الردة الحضارية في الربع قرن الأخير، وعندما يصادف أحد هؤلاء المفكرين ما يخيب ظنه هذا، ويأتي إلي معاتباً أو مستوضحاً، أبادره بقطعية ووضوح، موضحاً أن الأقباط بما أنهم مكون مصري أصيل، فهم جزء أصيل من حالة الجمود والتخلف والتدهور الحضاري الممسكة برقابنا، إنهم فقط يرفضون ما يختصون به من ثمار هذا التخلف، وهو بعض ملامح التفرقة بموجب الديانة، لكنهم مساهمون أصلاء في الأفكار والقيم والمثل والعادات والتقاليد التي أنجبت أو أثمرت ليس ما يشتكون منه فقط من ممارسات، وإنما سائر ما نتفق جميعاً على أنه حالة تدهور حضارية تكاد تكون ميئوساً من علاجها. لاشك أن الأولوية الآن لتطوير وتحديث الخطاب الإسلامي لعزل التأسلم السياسي الذي يختطف الدين من ملايين المؤمنين البسطاء المحبين للحياة وللإنسانية، لكن بعد ذلك - وربما بالتوازي معه – لابد من تحديث خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتحديث نظمها الداخلية القادمة إلينا من ألفي عام مضى، ففي هذا الخطاب وتلك النظم تتجسد كل ما نعاني منه في مصرنا المبتلاة بنا، الشمولية والخنوع والتكتم وانعدام الشفافية، والانغلاق والانكفاء على الذات، والقدرية والتواكل، ورفض التجديد والإبداع كأنه من وحي الشيطان، إلى درجة الدعاء في الصلوات على أهل البدع ( أي الإبداع ): "ولينقض افتراق فساد البدع، أعداء كنيستك المقدسة يا رب مثل كل زمان والآن أذلهم، حل تعاظمهم، عرفهم ضعفهم سريعاً، أبطل حسدهم وسعايتهم وجنونهم وشرهم ونميمتهم التي يصنعونها فينا، يا رب اجعلهم كلهم كلا شيء، وبدد مشورتهم يا الله"، كل هذا الهجوم الدُعائي في خطاب كنيسة تتسامح مع أعدائها، لكنها لا تتسامح مع من يتجرأ من أبنائها ويأتي بفكرة جديدة، والنفاق وازدواجية الخطاب والممارسة، بين "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم" على مستوى الخطاب، وبين اللهاث خلف مغريات العالم إلى درجة الفساد، سواء في ممارسات الأفراد الحياتية، أو في أداء الكنيسة المؤسسي ذاته. إلى أهلي وأبناء وطني الأقباط أقولها صراحة: أنتم جزء أصيل من هذا الواقع المتردي الذي تشتكون من بعض ثماره، لكن هذا ليس من حقكم، فإما أن تقبلونه كله أو ترفضونه كله، إما أن تقبعون مكانكم كصخرة تمر عليها السنون وهي ما هي لا تتبدل، تقبل الذل والهوان كأنه أمر طبيعي، أو كما يقول الخطاب الكنسي صليب لابد لكم من حمله، أو أن تتغيروا وتغيروا خطابكم وحياتكم، وتكونوا في طليعة الصفوف المطالبة بتفشي الليبرالية والحداثة والإبداع الفردي والمؤسساتي.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع صديقي الملحد
-
غلب حماري
-
خواطر من عرس ابنتي
-
ليس رداً على صنديد العروبة عبد الباري عطوان- العراق وفلسطين
...
-
هموم مشرقية 2 - تقييم الذات بين الحقيقة والادعاء
-
الفتاوي القرضاوية ومصير العقارب
-
!شيراك يا سادة يغوص في الوحل، فهل من مغيث؟
-
القتل أقصر طريق إلى الجنة
-
هموم مشرقية 1- البعد الزمني والقيمة المهدرة
-
إلى حضن العروبة يا عربنان - طقطوقة
-
هل حقاً كلنا مقتدى وكلنا بن لادن وكلنا صدام؟
-
الظاهرة الصدامية
-
العولمة. . سقوط وتغير المفاهيم
-
أزمة السلطة الفلسطينية
-
شجرة الكراهية . . من الجذور إلى الثمار
-
قبل تغيير الشرق
-
دوائر الانتماء بين التفاضل والتكامل
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 6
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 5
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 4
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|