ابراهيم حسن
الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 21:32
المحور:
المجتمع المدني
ما يزال الفقهاء والدعاة بين ظهراني المجتمع العربي يرتعون ويينعمون بما لا يستطيعه احد ،وهم الفئة الوحيدة التي انتصرت على الثورات العربية ،فهم قابعون ،لا يزالون يقدمون الفتاوى حسب الطلب ،وما زالوا يخطبون في كل ناد ،ففي حين انهارت النظم السياسية او كادت ،فإن المؤسسات الدينية لا يفتأ دورها في تعاظم واستحواذ اكبر على ثمرة الثورات التي قامت على دماء شباب ابعد ما يكون عن الايديولوجيات الدينيةواريد ان المح بشئ من التفصيل عن طبيعة العلاقة بين الفقهاء والسلطة :
نحن اذا نظرنا قديما الى الاديان وتاريخها وطبيعتها الالهامية ومستندها الغيبي وجدنا انها كانت تمثل نوعا من الثورات على مجتمع كاذب رتع فيه الفساد والظلم والقسوة ،وكان ذلك يثير في نفس( النبي) غضبة الشهامة ورغبة الاصلاح والحب والرحمة والعدل ،ولذلك لاقى من المجتمع كل اضطهاد ومناوءة ،وكانت حكومات المجتمع المعارض تساهم هي الاخرى بنصيب في المعارضة والمطاردة ،ومن هنا كان كفاح (الانبياء) صورة مشرقة من الصبر والشرف وسمو الاخلاق -بصرف النظر عما قيل او طعن في سيرهم واخبارهم- غير ان الانبياء يموتون، ويستمر بعدهم الكفاح ردحا من الزمن ويتولى القائمون على هذا النضال زعامة الرياسة للاتباع ومن ثم الحكومة ايضا وهذا ما حدثتنا عنه حوادث التاريخ على تتابع السنين..
وشواهد التاريخ الاسلامي تثبت بغير شك ان هذا الدين برجاله الجدد قد استحال الى نوع من الجمود والرغبة في الحفاظ على السلطة بذريعة الحفاظ على المبادئ بمساعدة فقهاء السلطة
وكان هذا كله كان بيئة صالحة لنشوء طائفة المتفقهين في الدين وهم طبقة المنتفعين والمرتزقين منه، يكافحون كل تغيير في المجتمع أو الحكومة ،حيث ان تغيير المبادئ والاسس والتابوهات المقدسة تقلب عليهم مائدة الثقة، وتخلعهم من مكانهم الذي ثبتته هالة التقديس المصاحبة للاديان ، وانتقال ذلك كله الى طبقة جديدة او فئات اخرى، او حتى تحطم ذلك كله وضياع مصدر الرزق السهل الذي يدر عليهم السمن والعسل والسلطان في آن واحد
وهذا يفسر عدم ظهور ثائر ديني واحد في التاريخ الا القليل في حدود اصلاح القوانين والتشريعات الدينية كمارتن لوثر
لكن الفاحص جيدا لحال رجال الدين هؤلاء يجد انهم احسن حالا من اصحابنا المتفقهين المعنيين في رأس المقال بالكهنة الجدد،ذلك ان الثورات العربية الحديثة لم تطالب فقط بالاصلاحات السياسية أو تحسين احوال فئات بعينها انما دعت الى عملية اصلاح شاملة تبدأ بازالة رمز الحكم عن مكانه ومحاكمته ومحكامة اعوانه على سابق انتهاكهم السياسي والاقتصادي لتتوالى بعد ذلك عملية تطهير شاملة لرموز الفساد بأنواعه، والذي يطال ايضا المؤسسات الدينية وسدنتها الذين ما يزالون موجودين كأنهم غير مقصودين بعملية التطهير هذه
ان هؤلاء اخذوا اماكنهم استعدادا لفترة تسلط جديدة تحت اليات جديدة ووسائل انعاشية مبتكرة تحفظ دائما وجودهم وتبقي دائما صورتهم شاخصة واضحة امام جمهور التابعين-يعني البحث عن البقاء وليس الحفاظ على الثوابت-
وقد استخدم هؤلاء الفقهاء الياتهم منذ زمان فقد استخدموا فقه التيسير ومبادئ التوسط واخيرا فكرة النظرية المقاصدية للتشريع وهي كلها مبادئ لا تعدو كونها تفاوضية التفافية ،اي تفاوض في امكانية البقاء والتفاف على كل تضحية مبذولة في سبيل الحريات المدنية ،مما يكفل بقاءهم جنبا الى جنب مع الحالة المدنية التي لا تستخدم الدين وسيلة من اليات الحكم والممارسة السياسية
انهم يطبلون لهؤلاء كما فعلوا لأولئك!!
إن عنصرا اساسيا من الثورات يجب ان يكون ماثلا للاذهان ذلك هو الوضوح
فالثورة من طبيعتها الوضوح، وغموض المشهد فيها نذير بضياعها والالتفاف عليها، فالثورة تعلو بوضوحها الذي لا تخطئه عين المراقب كما ان ارادة التغيير لدى شعب لابد ان تشمل جميع نواحي الفساد بغير تجزئة ولا انتقاء
وفي البلاد العربية حالة مزمنة من التعلق بالشخصيات الدينية تعلق فرضته طبيعة المجتمعات التي دأبت على صناعة زعماء من كافة الاطياف بسبب حالة تسلط سياسي دام اربعة عشر قرنا او يزيد من الحكم الديني الشمولي جعل كل ذي راي وفكر محطا للانظار ومثارا للاهتمام، فيصير هو الزعيم الجديد المنعقدة عليه امال الطامحين الجدد ، وما يفتأ هذا الجديد ان يكون الصورة المطابقة لغريمه السابق وهكذا تتوالى حلقات الديكتاتورية والتسلط الديني والفكري
ان دائرة الوعي العربي الان ليس فيها تحديد الاختصاصات واتاحة المساحات اللازمة لكل ذي فكر وراي ،وبات الديني يتدخل في السياسي والغيبي يتدخل في الشأن العلمي، وصارت المعاناة واضحة بسبب تدخل الكهنة في افساد كل جديد باكلشيهات مكررة مثل "انها علمانية مستوردة او ابتداع ضال الخ
ان هذه الثورات مدنية ولا شأن لذي عمامة بها، فإذا كانت هذه ثورات دينية كثورة مارتن لوثر فإن المعممين من ذوي الشأن الديني معنيون بذلك بالدرجة الاولى، لكن ان يتدخل شيخ ويقوم باهدار الدماء جذافا والتدخل في حياة الناس الاجتماعية كاعياد الميلاد والربيع والحب وغيرها من المبتدعات الحسنة التي تعد انسانية بالدرجة الاولى فان ذلك جور واضح على الانسان وحقه في الحياة
#ابراهيم_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟