باريس
في الوقت الذي تواصل فيه بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية تطويق وإحتواء العراق وقصفه المستمر بطائراتهما، تنطلق أصوات أوروبية تطالب بالرفع الفوري للعقوبات وإنهاء الحظر الدولي المفروض على الشعب العراقي منذ عام 1990 وبصورة فورية لتخفيف معاناة هذا الشعب ومنح الفرصة للمفاوضات الدولية لكي تبدأ الآن من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم مبني على احترام الكرامة البشرية .
إن المطالبة بتعليق العقوبات أمر واقعي : لأن السلطات الأميركية لن تقبل على الإطلاق الإلغاء الفوري أو السريع للعقوبات التي فرضتها بعد الغزو العراقي للكويت بحجة أنها السلاح السياسي الفعال ضد النظام العراقي ، هذه على الأقل هي القراءة الفرنسية .
من البديهي اعتبار البترول أحد المفاتيح الرئيسية لقراءة وفهم المسألة العراقية . فهذا البلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم . كما أن التوازن في الشرق الأوسط من كافة نواحيه يدخل في الرهان والمعادلة مثلما يدخل في الحسبان تهديدات الرئيس العراقي الأخيرة التي أثارت المخاوف من إمكانية استئناف إطلاق صواريخ باليستية عراقية على السعودية والكويت وربما إسرائيل أيضاً ، بينما يؤكد المفتشون والخبراء الدوليون بأن العراق لا يمتلك معدات من هذا النوع قادرة على التحليق لمسافات بعيدة تزيد على 150 كلم .
العقوبات مستمرة منذ أن فرضها مجلس الأمن إثر غزو العراق للكويت ، بالرغم من تقارير مسئولي المنظمات واللجان المكلفة بنزع التسليح العراقي وتدمير أسلحة التدمير الشامل . فقد أعلنوا مراراً وتكراراً بأن العراق لا يمتلك الوسائل والإمكانات لإحداث مثل هذا التهديد على المنطقة . والبعض الآخر الذي يبدي شكوكاً بهذا الصدد صرّح قائلاً بأن العقوبات لم تثمر شيئاً ولم تؤد إلى نتيجة تذكر في مجال نزع السلاح وان الأضرار التي سببتها العقوبات على الشعب العراقي يجب أن تتوقف فوراً " والذي تفوه بمثل هذا التصريح هو ريتشارد بتلر نفسه رئيس لجنة اليونسكوم من على محطة البي بي سي في 4 حزيران / يونيو 2000 .
وبعد تفاقم الوضع المعيشي للعراقيين وتدهور الأحوال الصحية والغذائية خاصة بين الأطفال وكبار السن والشيوخ ، أوجدت الأمم المتحدة آلية جديدة سميت " النفط مقابل الغذاء " والتي سُمِح للعراق بموجبها ببيع نفطه وشراء ما يحتاجه من الأغذية والأدوية وقطع الغيار لترميم وتحسين صناعته النفطية ووسائل النقل الخ ..ولكن تحت مراقبة وإشراف الأمم المتحدة ، إلاّ أن المراقبة والإشراف بلغ من الشدة والتعسف درجة أن البعض صار يشك بنوايا البريطانيين والأميركيين باتباع سياسة منتظمة ومدروسة لإفقار العراق وإضعافه واستنزافه مع استمرارهما بقصفه يومياً بدون توكيل أو تكليف شرعي من قبل الأمم المتحدة ، ويعملان قصداً على عرقلة المشتريات العراقية من خلال التصويت بالضد واستخدام حق النقض داخل لجنة العقوبات .
وقد استخدمت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية نظرية الاستخدام المزدوج لتبرير عرقلتها للمشتريات العراقية [ وهي النظرية التي تقول أنه يمكن استخدام مادة الكلور لتطهير وتعقيم مياه الشرب ومادة الكوبالت للأشعة الطبية مثلما يمكن استخدامهما لأغراض حربية وعسكرية ] والهدف من ذلك منع العراق من شراء مواد ذات ضرورات أولية وأساسية .
فاتفاقات الاستيراد " التي تنتظر الموافقة والتنفيذ " وصلت إلى عدة مليارات من الدولارات . والعائدات العراقية من مبيعات النفط محتجزة في البنك الوطني الباريسي ـ باري با Paribas في نيويورك ويصل الرصيد العراقي فيه حسب تقديرات وزير الصحة العراقي إلى أرقام هائلة بسبب السياسة التعجيزية التي تتبعها لجنة العقوبات الدولية .وبالرغم من تصريحات منظمة اليونيسيف لرعاية الأمومة والطفولة بحسن توزيع المواد الغذائية على السكان بموجب البطاقات التموينية التي توزعها الحكومة العراقية على السكان ، إلا أن العراقيين وصلوا إلى النفس الأخير في نضالهم من أجل البقاء على قيد الحياة ولأن النظام العراقي يعاملهم كأنهم رهائن ويبتزهم بهذه البطاقات ليضمن ولائهم له وتأييدهم لصدام حسين وأقطاب نظامه .
المنظمات الأهلية الإنسانية ما تزال تواصل تقديم مساعداتها الإنسانية للعراق منذ مايزيد على العشر سنوات في جميع أنحاء العراق في الوسط والجنوب والشمال . فقد استفاد من تلك المساعدات الغذائية من عام 1995 إلى عام 2000 حوالي 250000 شخص، وهناك برنامج آخر يمس 4000 طفل مصابين بسوء التغذية تقل أعمارهم عن خمسة أعوام ، ونساء حوامل أو مرضعات ، إلى جانب إنشاء وحدة لتصفية وتعقيم المياه في مدينة النجف الشيعية المقدسة وتوفيره لـ 500000 ساكن باعتبارها مدينة تستقبل زوار للعتبات المقدسة فيها ، ونفس المشروع قيد البناء في مدينة الموصل لتوفير المياه لـ 500000 شخصاً في كردستان العراقية وأعيد بناء ثلاث مزارع وثلاث مدارس وثلاث كنائس .
تستمر المنظمات الإنسانية الدولية في إطلاق التحذيرات من الوضع المتدهور في العراق، فقد ذكرت اليونيسيف أن وفيات الأطفال قد تضاعفت خلال السنوات العشرة المنصرمة والبطالة بلغت نسبة 53 % من مجموع السكان واضطرت العائلات العراقية الفقيرة والمتوسطة الحال إلى بيع ممتلكاتها وأثاث بيوتها وما لديها من حلي أو كتب أو أدوات ترفيه كالتلفزيونات والبرادات أو الثلاجات والغسالات للتمكن من الاستمرار على قيد الحياة . المنسق الإنساني السابق للأمم المتحدة في العراق هانس فون سبونيك أعلن بعد استقالته من منصبه : " إننا في طريقنا لتحطيم وتدمير بلد بأكمله هذا هو الواقع الرهيب الذي أراه وبكل بساطة " ولاستكمال توفير المساعدة المادية أرسلت هيئة الإسعاف الكاثوليكية بعثات للإنقاذ إلى العراق في الآونة الأخيرة وعاد وفد من 44 دولة من المنطقة بأربعة استنتاجات ختامية لجولته هناك :
1 – ان العقوبات تسبب معاناة فظيعة للسكان المدنيين ولشرائح واسعة من العراقيين من الطبقات الفقيرة والوسطى وتحطم النسيج الاجتماعي للمجتمع . وبلغت ضحايا العقوبات حتى اليوم 1500000 شخصاً ،وإن المجالات الأكثر تأثراً وإصابة هي الصحة والتغذية ونوعية وتوزيع المياه الصالحة للشرب ،وإن الأطفال والشيوخ وكبار السن والمعدمين هم أول الضحايا.
2 – إن العراق الذي كان واحداً من أغنى البلدان في العالم بدأ يفرز أزمة إنسانية لا يمكن أن تظهر إلا في البلدان المدقعة في الفقر .
3 - إن العقوبات المفروضة على العراق تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة ومع مختلف الاتفاقيات الدولية وتتناقض مع روحها إذ لايكفي أن يتقرر فرضها وتنفيذها من قبل مجلس الأمن حتى تكون شرعية وعادلة فالعقوبات الجائرة المفروضة منذ أكثر من عشر سنوات قد أصابت الملايين من المدنيين الأبرياء ولم تمس المذنب الحقيقي .
4 – وإزاء هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة في العراق لم يعد للعقوبات أي تبرير شرعي أو أخلاقي وإن البعثة الدولية المذكورة تطالب برفعها فوراً .
يعتقد البعض أن النظام العراقي هو المسؤول الأول والمذنب الأول عمّا أصاب العراق من خراب وتدمير ، لذلك يعتقد بوجوب إبقاء العقوبات لمعاقبته . ولكن إلى جانب النتيجة التي باتت معروفة وبديهية والتي تقول بأن كل العقوبات في تاريخ الأمم المتحدة لم تكل فاعلة ومثمرة ، فإن هذه العقوبات الاستثنائية في شدتها وصرامتها لم تعاقب المسؤول الحقيقي بل عاقبت شعباً بريئاً يتحمل جريرة حماقة حكامه . دنيس هوليداي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق الإنساني الأسبق للأمم المتحدة في العراق استقال أيضاً من منصبه وصرح في 15 فبراير / شباط 1999 أمام طلبة جامعة واشنطن في سياتيل : " إذا كان من غير الممكن الاتصال والتواصل شخصياً مع صدام حسين والحوار معه لايتقدم ، فإن هذا لايعطينا الحق والسلطة في قتل أطفال العراق ومثلكم لا أريد ولا نريد أن نكون مسؤولين عن إبادة حقيقية في العراق ـ نظراً لأني لم أجد كلمة أخرى تفي بالتعبير عن الوضع القائم هناك " نظرت فرنسا بعيون إنسانية للوضع في العراق بعد أن شاركت في الحرب ضده لإخراجه من الكويت لكنها رفضت المشاركة في العدوان البريطاني ـ الأميركي اليومي عليه وقد أعرب وزير الخارجية الفرنسي السابق هيوبير فدرين عن موقف حكومته عندما صرح آنذاك : " إن العقوبات قاسية ووحشية ولا تصيب سوى الشعب العراقي فقط والفئات الضعف فيه على وجه الخصوص ، وهي غير فعّالة لأنها لاتمس النظام ولن تثنيه أو ترغمه على الانصياع والإذعان إذ لا يشعر بالتشجيع لتعاونه ، وهي خطيرة لأتها تسرّع من وتيرة تفكك وتمزق المجتمع العراقي "ولكن لايوجد أمام العراق سوى خيار التعاون مع المنظمة الدولية وتطبيق قرارتها والموافقة على آخرها وهو القرار 1284 رغم ما لدينا عليه من تحفظ . وكان قد أدلى بتصريحه هذا لوكالة رويتر في ? آب / أغسطس ?2000 .
أما البابا يوحنا بولس الثاني فقد صرح في عام 1998 أمام السلك الدبلوماسي : " أدعو الضمير الإنساني لدى أولئك الذين ، في العراق وفي غيره ، يضعون الاعتبارات السياسية ، والاقتصادية ، والاستراتيجية ، قبل الاحتياجات الأساسية للسكان ، وأطالبهم بإبداء الشفقة والرحمة . فلا يجب أن يدفع الضعفاء والأبرياء ثمن أخطاء ليسوا مسؤولين عنها " .
كما أن الخبراء الدوليين سلطوا الأضواء في الآونة الأخيرة على أخطار اليورانيوم المنضب أو الناضب الذي أستخدم بكثرة في حرب الخليج الثانية ومايترتب عليه من أعراض وقد انفجرت الفضائح بعد إصابة أفراد من القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية بما سمي بـ " أعراض مرض الخليج " ، فقد ازدادت بصورة ملحوظة الإصابات بحالات السرطان واللوكيميا في العراق وارتفاع حالات الولادات المشوهة فقد استخدمت قوات الحلفاء أكثر من 300 طن من اليورانيوم الناضب في العراق مما سيترك آثاراً ضارة وقاتلة لسنوات طويلة جداً على الحياة في العراق.
هناك فرص تتوفر اليوم مثل محاولة استئناف الحوار والمفاوضات بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة ، والنقاش بشأن العراق داخل مجلس الأمن ، ورئاسة أسبانيا للاتحاد الأوروبي وهو البلد المنفتح لمثل هذه المبادرات وهذا النوع من الوساطات ، ينبغي اقتناصها للخروج بموقف أوروبي متميز وإنساني مستغلين وجود قوى أوروبية فاعلة ومؤثرة داخل مجلس الأمن من أجل تأكيد ضرورة رفع العقوبات وإنقاذ الشعب العراقي والتخلي عن ذريعة واهية تتمثل بمنع النظام العراقي من حيازة أسلحة محرمة دولياً واحتوائه لمنعه من تشكيل تهديد على جيرانه في المنطقة وعلى الأمن والسلام العالميين
فلقد جاءت الضربة البريطانية ـ الأميركية الأخيرة لبغداد لتنسف محاولات التقارب والتفاوض لأن الدولتان تدرسان كل السبل لمواصلة " عزل صدام حسين " مع البحث عن سبل لتخفيف العقوبات عن الشعب العراقي . ويواصل دبلوماسيو البلدين مباحثاتهما للتنسيق فيما بينها بخصوص الملف العراقي والتمهيد للقاء القمة بين الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن و رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من أجل إيجاد توافق دولي أوسع لعزل الرئيس العراقي والاستمرار في سياسة الاحتواء وتشديدها وارغام العراق على قبول عودة المفتشين والخبراء الدوليين في لجنة أنموفيك الجديدة وتطبيق القرار رقم 1284 ، وهو الأمر الذي سعى إليه وزير الخارجية الأميركية كولن باول في جولاته الشرق أوسطية المتعددة، وكما هو متوقع أعلن العراق شروطه في استئناف التفاوض مع الأمم المتحدة وحملها وزير خارجية العراق السابق محمد سعيد الصحاف والحالي ناجي صبري ، مراراً إلى نيويورك لعرضها على كوفي عنان والمتمثلة برفع العقوبات وإنهاء الحصار فوراً بلا قيد أو شرط وإلغاء منطقتي الحظر الجوي في جنوب وشمال العراق وتليين مواقف لجنة العقوبات من العقود المعلقة والمبالغ المجمدة وموضوع النقل الجوي غير القانوني وانتقال المواطنين من وإلى العراق بحرية مطلقة وإدانة العدوان الأميركي ـ البريطاني الأخير ، فيما جاء نزار حمدون وغيه من أقطاب النظام العراقي عدة مرات إلى فرنسا ليطرحوا نفس الشروط السالفة الذكر ويحثوا فرنسا للعب دور أقوى داخل مجلس الأمن لتزكية الموقف العراقي ودعمه وتأييده.
وصف توني بلير صدام حسين بأنه " أخطر رجل في العالم " بينما يحاول كولن باول بيع فكرة " العقوبات الذكية " التي يعتبرها العراق سماً خطيراً ، وطالب العراق على لسان نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان اثناء زيارته الأخيرة لتونس بتنقية الأجواء العربية وإحياء التضامن العربي لإنجاح القمة العربية العادية التي عقدت في عمان في شهر آذار / مارس 2001 .
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد قدمت احتجاجاً رسمياً للصين بخرقها لنظام العقوبات الدولية عن طريق إرسالها لخبراء صينيين لترميم وتقوية شبكة الدفاع الجوي الصاروخي العراقية فيما نفت بكين ذلك معتبرة ذلك بمثابة محاولات عقيمة لتحويل أنظار الرأي العام وتضليل الناس .
وإذا كان هذا الواقع يعني شيئاً فهو بلا شك تذبذب وحيرة وتخبط الإدارات الأميركية حيال العراق وعدم الثبات على استراتيجية واحدة ومحددة وثابتة تجاه هذا البلد المبتلى . فتارة يبدو للمراقب أن خيار واشنطن الاستراتيجي غير المعلن هو إبقاء النظام العراقي في السلطة وإحتوائه وجعله ضعيفاً بما فيه الكفاية لكي لايهدد جيرانه بل يبقى قادراً على البقاء في السلطة ومقاومة ثورات وانتفاضات شعبه المعذب من جراء سياسته الوحشية في القمع والبطش والاستهتار بالقيم الانسانية لأن بقاء صدام حسين في السلطة هو أنجع وسيلة لتخويف وترهيب دول الخليج وابتزازها مادياً ومعنوياً لتبرير تواجدها العسكري في المنطقة الأمر الذي كانت الولايات الأميركية تحلم به منذ عقود طويلة ولم تتمكن من تحقيقه إلا بفضل رعونة وحماقة صدام حسين ، إلى جانب ممارسة الضغوط على إيران والتلويح لها بفزاعة صدام حسين إذا لم تذعن وتطبع علاقاتها معها مع مرور الزمن . وتارة أخرى تبدو الولايات المتحدة وكأنها عازمة حقاً على الانتهاء من هذا النظام الذي يتصرف بعناد ويفلت من طاعتها ويتمرد عليها رغم كل ما لقنته له من دروس وضربات التي لم تمسه في الحقيقة بل مست شعبه المسالم ونالت من الأبرياء والضعفاء منهم بشكل خاص. والواضح من هذا التصرف أن أميركا ترغب في تغيير شخص صدام حسين والإبقاء على نظامه لكنها لم تجد الوسيلة لتنفيذ ذلك .وكان هذا الخيار واضحاً في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون طيلة السنوات الثماني من حكمه .فهل سيغير الحزب الجمهوري وإدارة جورج بوش الابن الجديدة هذه المعطيات التي باتت بديهية ؟ .
المشكلة التي تواجه كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية في تعاملهما مع الملف العراقي وفرضهما حظراً جوياً على بغداد هي أن منطقتي الحظر الجوي لاتتمتعان بالغطاء ولا بالشرعية الدولية الضرورية لأن مجلس الأمن لم يخول الدولتين المذكورتين في فرض مثل هذا الخيار الجائر حسب وصف الحكومة العراقية له وبالتالي يتعرض قرار الحظر الجوي إلى انتقادات دولية خاصة من روسيا والصين وفرنسا .
أما هذه الأخيرة ( أي فرنسا ) فلم تتمكن لحد الآن من فرض صوتها ولم تتجرأ على تحدي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في اتخاذ مواقف مبدئية ثابتة ومتميزة تتميز بفرادتها وخصوصياتها كما كان الحال أيام الجنرال ديغول . فقد وعدت فرنسا العراق كثيراً عندما حاولت إقناعه بالتجاوب مع قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها سعياً وراء إمكانية لرفع الحظر تقوم بها بالتعاون مع دول أخرى كالصين وروسيا ، لكنها لم تفعل ذلك . فقد نفذ العراق قرار" النفط مقابل الغذاء الذي رفضه لفترة طويلة ، إثر وعد من فرنسا بأنه ليس سوى إجراء مؤقت يخفف من معاناة العراقيين لكنه ظل ساري المفعول ويتجدد باستمرار دون أن يقود إلى رفع الحظر النفطي . كما امتنعت فرنسا عن التصويت على القرار 1284 الذي لا يترك أملاً للعراق في أن يرى في القريب العاجل نهاية للعقوبات ، وهاهي اليوم تلح على العراق لتطبيق هذا القرار ـ لأنه المنفذ الوحيد والشرط الضروري الذي لابد منه لرفع الحظر عنه ـ ، والحال أن هذا القرار ينص على عودة لجنة التفتيش الدولية بصيغتها الجديدة " أنموفيك " لتستأنف نشاطاتها بلا قيد أوشرط وبلا تحديد سقف زمني لمهمتها . ولم تتجرأ فرنسا منذ عودة شعبة رعاية المصالح للبلدبن لعملها ، في إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين باريس وبغداد برغم الوعود الفرنسية في هذا الصدد . إلى ذلك فإن بغداد تعرف جيداً أنه لايمكن الاعتماد على باريس في الخروج من النفق وأن الحل موجود بيد الأميركيين والبريطانيين ، وهي مستعدة للتحاور معهما شرط إعادة تأهيل النظام العراقي وتطبيع العلاقات معه مع استعداد هذا الأخير لتلبية شروطهما ومنحهما كافة الامتيازات المطلوبة .
لكن العراق لم يكتف بهذه المناورات المتعدد الوجوه بل حاول مراراً وتكراراً كسر حالة الجمود والإهمال تجاهه التي يبديها المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ولامبالاة العالم بالاعتداءات الأميركية البريطانية ضده.
فخلال الأعوام الثلاثة الماضية ، وبناءاً على مصادر وزارة الدفاع البريطانية، واجهت الطائرات البريطاني والأميركية 1800 اعتداءاً من طرف الدفاعات الجوية العراقية ، وذلك أثناء المائتين وخمسين غارة التي قامت بها ضد الأراضي العراقية والتي شاركت في الأخيرة منها ما يقارب الخمسين طائرة.
من الناحية الرسمية ، وفيما يتعلق بغارة يوم 16 فبراير / شباط الماضي، يتعلق الأمر بالقضاء على ما يقارب العشرين راداراً وستة مراكز قيادة للدفاع الجوي تتواجد في ضواحي بغداد ، وذلك عن طريق استخدام صوارخ جو-أرض من طراز هارم التي تستشعر الإصدارات الكهرومغناطيسية المعادية ثم تتبعها. وتؤكد نفس المصادر أن الطائرات البريطانية والأميركية واجهت مقاومة الدفاعات الجوية العراقية إحدى وعشرين مرّة منذ بداية عام 2001 و 51 مرة حتى نهاية نيسان 2002.
يشكل الدفاع الجوي العراقي جيشاً حقيقياً يتكون من 17 ألف رجل . وبالإضافة إلى المدافع السريعة من مختلف العيارات، فإنه يمتلك 600 منصة ثابتة ومتحركة لإطلاق الصواريخ المضادة أرض – جو التي تستطيع الوصول إلى جميع الارتفاعات . وهي صواريخ ذات أصول روسية وفرنسية ( كصاروخ رولاند ) يقوم العراق في أغلب الأحيان بترتيقها وترقيعها ، ولكنها ، رغم ذلك ، تشكل خطراً على الطائرات الأميركية والبريطانية بسبب وجودها ،وعندما يتم تشغيل نظام الدفاع الجوي ، يضطر الطيارون قبل التصويب إلى الاتسام بحذر شديد: تحديد زاوية هجوم لا تعرضهم للخطر وقد تبعدهم عن الهدف ، مناورات تمويه وإطلاق أجسام تمويهية ، والبقاء على ارتفاعات عالية جداً .
بين الولايات لمتحدة البريطانية من جهة ، والعراق من جهة ثانية ، يقول الخبراء أن الأمر يشبه " لعبة القط والفأر " . واليوم ، يتهم البنتاغون الصين الشعبية بأنها تساهم في تجديد وتحديث الدفاع الجوي العراقي . وعلى سبيل المثال ، وحسب أقوال البنتاغون، تقوم الصين بإنشاء شبكة إتصالات مدفونة تحت الأرض بين مراكز القيادة ومنصات الصواريخ أرض – جو ، وهي شبكة تزيد من سرعة الاتصال. تؤدي هذه الشبكة إلى تحسين قدرة إستشعار الرادارات وتحسين التنسيق بينها وبين الصواريخ. وبما أنها مدفونة تحت الأرض ، فإن القدرة على تدميرها تصبح عشوائية.
من المحتمل أن يكون هذا هو السبب الذي دفع إدارة بوش إلى شن غارة السادس عشر من فبراير على بغداد جاذبة وراءها حكومة توني بلير.ولكن ، ومنذ متصف عام 2000 في عهد كلينتون ، كانت الإدارة الأميركية قد أعربت عن مخاوفها من أن تشكل إعادة بناء الصناعات العسكرية العراقية خطراً على دول المنطقة. ومنذ ذلك الوقت ( أي منتصف عام 2000 ) ، استأنف العراق تجارب صواريخ الدفع السائل التي تستطيع حمل رؤوس تقليدية وكيماوية وبيولوجية والتي يقل مداها عن 150 كلم كما تشيع الدوائر الغربية . ولكن هذا لا يشكل مخالفة لقرارات الأمم المتحدة التي صدرت بعد حرب الخليج والتي تمنع العراق عن تطوير صواريخ بعيدة المدى يبلغ مداها أكثر من 150 كلم .
وفي بداية عام 2001 ، أكدت الولايات المتحدة الأميركية أن المصنع الكيماوي المتواجد في منطقة الفلوجة غرب بغداد قد عاد إلى مزاولة نشاطه بعد أن دمرته الطائرات البريطانية والأميركية في ديسمبر 1998 . يتكون هذا المصنع من ثلاثة معامل تنتج مواد سامة يندر استخدامها لأغراض مدنية .
تقول مصادر موثوقة أن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن شعر باستياء شديد لأن الرئيس العراقي صدام حسين " حيّاه " بعد ساعة من تنصيبه في البيت الأبيض بإطلاق صاروخ على طائرة تجسس أميركية كانت تطير في منطقة الحظر الجوي .في خضم هذه الأجواء جاء الفريق الأميركي الجديد ليتعامل مرة أخرى مع الملف العراقي الحساس على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية في إطار حالة من التوتر العام في الشرق الوسط وتفاقم الوضع في الأراضي المحتلة مع تزايد العنف والاعتداءات الإسرائيلية على الشعب اللفلسطيني.
فشل زيارات كولن باول للشرق الأوسط
لا شك في أن المصادفات في بعض الأحيان تدعو للدهشة . ففي الوقت الذي كانت فيه الكويت تحتفل بالذكرى العاشرة لنصر الحلفاء على بغداد، قام كولن باول رئيس أركان الجيش الأميركي إبّان حرب الخليج الثانية ، بجولته الشرق أوسطية الأولى ، ولكن بصفته هذه المرة وزيراً للخارجية في إدارة جورج بوش الابن. أما جورج بوش الأب ، فإنه يحتل مكان الصدارة على قائمة الزعماء الأجانب المدعوين لحضور الاحتفالات.
بعد مرور عشرة أعوام على حرب الخليج، ورغم التصريحات الاضطرارية للإدارة الأميركية الجديدة حول " تمسكها بمشروع السلام في الشرق الأوسط " ، فإن السياسة تجاه العراق هي التي تستحوذ على إهتمام الولايات المتحدة الأميركية. وشكلت بغداد أهم محاور المناقشات في جولة كولن باول التي بدأها في القاهرة ثم تل أبيب والأراضي الفلسطينية ثم عمّان والكويت وسورية. في جميع العواصم العربية، استطاع وزير خارجية جورج بوش الابن قياس مقدار الصعوبة التي يواجهها في إقناع الحلفاء بخطر العراق ،وبالتالي بوجوب تعزيز العقوبات أو بناء وفاق إقليمي ضد العراق. كانت حدّة الانتقادات المصرية للغارة الأميركية ـ البريطانية على العراق في 6 فبراير / شباط ، شديدة اللهجة لدرجة أن كولن باول أعرب عن " دهشته من الغضب العربي " ، وأعترف بأنه " لم يكن يتوقع ردود فعل كهذه " . ولكنه أعلن في تل أبيب أنه ليس لديه اعتذارات يقدمها .
مهما يكن من أمر ، عاد كولن باول إلى بلاده صفر اليدين ، سواء تعلق الأمر بمشروع السلام في الشرق الأوسط أو بالعراق .وتكرر هذا الأمر عدة مرات خلال السنتين الماضيتين عبر جولات وزيارات كولن باول وديك شيني المتعدد للمنطقة لبحث موضوع ضرب العراق وتغيير نظامه بالقوة بمساعدة ودعم وتأييد دول المنطقة لكنها باءت بالفشل الذريع صحيح أنه لايوجد أحد من الحكام العرب من سيذرف الدموع عليه لكنه يخشون غضبة الشارع العربي وإنتفاضة شعوبهم ضدهم فيما لو اشتركوا بالمشروع العسكري الأميركي للعدوان على العراقز
فالعراق يراهن على العالم العربي للخروج من قبضة الحصار وصدام حسين بدأ بجني ثمار استراتيجية مقاومته للعقوبات التي فرضتها عليه المجموعة الدولية قبل أكثر من عشر سنوات .وقد تكلل مسعى النظام العراقي بالنجاح في القمد العربية الأخيرة في بيروت ومعانقة ولي العهد السعودي الأمير عبد الله لنائب رئيس الجمهورية العراقي عزت إبراهيم الدولري ومصافحة وزير الخارجية الكويتي للمسؤول العراقي الأمر الذي أثار غضب وحنق الولايات المتجحدة الأميركية بشكل جدي.
في أعقاب انتهاء الجولة الأولى من المحادثات بين الوفد العراقي والأمم المتحدة والتي لم تسفر عن شيء جدي ، تقرر تمديد المحادثات لأسابيع أخرى في نيويورك وصرح محمد سعيد الصحاف السابق وزير خارجية العراق بعد انتهاء مقابلته لكوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة أن المقترحات الأميركية الجديدة بشأن " العقوبات الذكية " غبية وخادعة " فالمقترحات التي قدمها كولن باول لمسئولي الدول التي زارها في جولته الشرق أوسطية وأوروبا تتضمن مراجعة جدية لنظام العقوبات من شأنها تخفيف الحظر على المواد والمنتجات المدنية بما في ذلك تلك التي تزعم أميركا أنها ذات استخدام مزدوج كالثلاجات ومواد تنقية المياه ومضخاته ومحطات إنتاج الطاقة الكهربائية والسلع التي تستخدمها المختبرات والمستشفيات والشاحنات لنقل الحليب والمواد الطازجة..الخ والتسريع بتنفيذ العقود المعلقة لمختلف البضائع المدنية التي تعرقلها لجنة العقوبات حالياً وتحرم الشعب العراقي منها مع التشديد في العقوبات العسكرية وفرض حظر شديد على المواد العسكرية وأسلحة الدمار الشامل ووقف التهريب الذي يوفر لنظام صدام حسين الأموال اللازمة خارج أية رقابة لحماية نظامه وإستيراد الأسلحة والمعدات العسكرية المحظورة من السوق السوداء .وبذلك تهدف واشنطن كما تعلن المس بالنظام العراقي ومعاقبته بغية إخضاعه للقرارات الدولية .ونفس الشيء تكرر حرفياً مع جولة المفاوضات التي خاضها مؤخراً وزير الخارجية العراقي الحالي ناجي صبري مع كوفي عنان ولم تسفر عن شيء جديأو تحدث أي نقدم ملموس في المسالة العراقية.
من يزور العراق اليوم يلاحظ مظاهر السخط الرسمي على الولايات المتحدة الأميركية ففي مطار بغداد يافطة كبيرة تتصدر واجهته وجدرانه الداخلية تندد بأميركا وتقول الموت لأميركا ، بعد أن عادت الحياة والحركة في هذا المطار مؤخراً بعد إغلاق دام عشر سنوات فعادت حركة الطيران المدني الداخلية رغم الحظر الدولي والمنع ووصول طائرة بوينغ 747 من دمشق وهي طائرة قدمها شيخ قطري هدية للرئيس صدام حسين وتقوم برحلات أسبوعية منذ شهر بين بغداد والدوحة .وهذا يعد بمثابة انتصار صغير لسيد بغداد الذي بات يقطف ثمار مقاومته للحظر بالرغم من استفادته القصوى منه وقد عزز مواقعه وسلطته بفضله وقوى مكانته في مواجهة الفريق الحاكم الجديد في البيت الأبيض فالضربة التي وجهتها الإدارة الأميركية الجديد لبغداد في 16 فبراير / شباط 2001 كانت كضربة السكين في الماء فالحياة اليومية استمرت وكأن شيئاً لم يكن فقد اعتاد الناس على أسوء من ذلك بكثير. ويبقى المواطن العراقي يحلم باليوم الذي سترفع فيه العقوبات عن بلده ليستعيد حياته الطبيعية والخروج من حالة الشحة والقحط والحرمان التي يعيشها منذ أكثر من عقد من الزمن . فالوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والتربوي والتعليمي والثقافي في البلاد على حافة الانهيار وقريب من الكارثة لكن الصمود مستمر .
الشعب جائع وعاطل عن الإنتاج والعمل الحقيقي . كل ما أضافه برنامج النفط مقابل الغذاء أنه أخّر التبعات الكارثية للحظر وجعل الإنسان العراقي يستمر على قيد الحياة ويتحمل المعاناة بصورة أطول مع إخضاعه كلياً لمزاج وإرادة النظام الذي يمسك به من خلال تحكمه بالبطاقات التموينية وتوزيعها على من هم موالين له ومنعها عن المعارضين له . وهناك معوقات كبيرة تقف في وجه هذا البرنامج حيث تحتجز ثلاث مليارات من الدولارات حالياً بسبب تعنت لجنة العقوبات وعدم سماحها للعراق باستيراد مواد ضرورية للسكان الذين يموتون ببطء فيما عدا قلة قليلة جداً من المحظوظين والمقربين من النظام في حين أن الرئيس العراقي بات أقوى من أي وقت مضى منذ وصوله إلى السلطة عام 1968 بانقلاب عسكري . وهو ما يزال يتحدى العالم ويُفهمه أنه لا خيار له سوى التعامل معه للعقود القادمة نافياً الإشاعات التي انتشرت عن مرضه حتى أنه حضر بنفسه العرض العسكري الذي ضم مليون جندي ، ، مع انتشار شائعات تقول أن الذي حضر العرض العسكري المذكور ليس صدام حسين بل شبيهه الذي كان ذو صحة جيدة وهو يطلق العيارات النارية من بندقيته التي يحملها بيد واحدة لساعات طويلة دون تعب أو إنهاك ..
يقول أحد المراقبين الغربيين ان صدام حسين استغل الوضع الدولي والعربي إلى أقصى الحدود لصالحة ولعب على كافة المستويات مستغلا الفراغ الذي أحدثته الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية. ومن بعدها تفاقم الوضع في المنطقة وتصاعد أعمال العنف الإسرائيلي ضد الإنتفاضة الفلسطينية الثانية وإحتلال الأراضي الفلسطينية من جديد وفرض الحصار على عرفات ومذبحة جنين وتطويق كنيسة المهد وتزايد العمليات الإستشهادية التي شجعها صدام حسين وخصص لكل شهيد مبلغ 52 ألف دولار . وبذلك تمكن صدام حسين من إستغلال كل هذه الأوضاع وحقق ثغرات واختراقات مهمة في جدار العقوبات الدولية أي إنه إستغل بقوة الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ليقدم نفسه بطلاً قومياً في الشارع العربي . أما العقوبات فأصبحت كالمصفاة يتسرب إليها الماء من كافة الثقوب حتى وصلت إلى حافة الإخفاق التام .وهكذا تشكلت أبعاد وملامح الاستراتيجية العراقية الجديدة منذ سنتين تقريباً . فبعد أن حاول العراق بلا طائل لسنوات طويلة الحصول من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال أمينها العام أو الأعضاء الدائمين في المجلس ، كفرنسا وروسيا والصين على أمل أو وعد بإنهاء العقوبات ،غيّر من مناوراته اليوم وركّز جهوده على الشارع العربي وأعتمد على الرأي العام العربي وعلى بعض الأنظمة العربية . وقد اتضح ذلك مؤخراً من خلال سلسلة الاتفاقيات التي وقعها العراق لتأسيس مناطق تبادل تجاري حر مع كل من مصر وسورية والأردن وتونس . فمصر أخذت حصة السد من العقود التجارية مع العراق تليها فرنسا وروسيا ونجح العراق في الالتفاف على نظام العقوبات التجارية بعقد اتفاقات تجارية مع جيرانه أو مع دول أبعد كالهند خارج بروتوكول النفط مقابل الغذاء .فسياسة مناطق التبادل التجاري الحر هي طريقة ذكية لتقويض نظام العقوبات التجارية الذي تفرضه الأمم المتحدة على بغداد .
وبهذا صار بالإمكان العثور في أسواق بغداد على الصابون الحلبي ومواد الغسيل التركية ، وبضائع مصنوعة في مصر وتونس وسورية ولبنان ، إلى جانب بضائع صينية وهندية وكورية . وازدهرت محلات البضائع الكهربائية ومحلات الملابس الجاهزة . ولكن ما تزال هناك عقدة الدفع ونقص السيولة وعدم كفاية نظام التبادل بالبضائع .
زادت السلطة العراقية من عائداتها المالية غير القانونية بفضل عمليات التهريب للنفط خارج حصص نظام النفط مقابل الغذاء عبر الحدود التركية والأردنية والسورية . لكن المخرج يبقى مرهوناً بالرفع الكلي والتام لنظام العقوبات وهذا بدوره مرتبط باتخاذ قرار سياسي دولي . من هناك تعمل بغداد جاهدة للحفاظ على علاقات جيدة مع الأمم المتحدة ومع جهات مؤثرة في المجتمع الدولي كما شهد على ذلك زيارات وزير الخارجية العراقية للأمم المتحدة وزيارات مسؤولين عراقيين آخرين لموسكو وباريس وعدد من العواصم العربية والأجنبية والزمن يلعب في الوقت الحاضر لصالح العراق والكرة موجودة حالياً في الملعب الأميركي . وكعادته جرب النظام العراقي مدى إستجابة وإستعداد وردة فعل الإدارة الأميركية الجديدة بإطلاقه رداراته ووسائل الدفاع الجوي العراقية على الطائرات الأميركية والبريطانية المغيرة خلال شهر ينايرالماضي بصورة مكثفة تعادل وتتجاوز عدد المرات التي تعرض فيها للطائرات المعادية خلال عام كامل وتشدقه الإعلامي بأنه لن يسمح بعودة المفتشين الدوليين بالرغم من صدور قرار دولي جديد من مجلس الأمن بهذا الصدد. وجاء الجواب الأميركي حاسماً حيث شنت الطائرات عدة ضربات عنيفة وتحرك الجهاز الإعلامي والدبلوماسي لتشديد القبضة والتركيز دولياً على الملف العراقي . فجورج بوش الابن لا ينسى أن صدام استفزه بعد ساعة من تسلمه مهام منصبه في البيت البيض .وتسارعت الأحداث بوتيرة عالية وبصورة تدعو للقلق بعد الأحداث المأساوية التي وقعت في الحدي عشر من أيلول الماضي في نيويورك وواشنطن مما وفر للإدارة الأميركية ذريعة قوية وتصميماً لايلين في ضرب العراق ، ولم تعد المسألة هي هل ستهاجم الولايات المتحدة العراق عسكرياً بل متى وكيف؟ أي باتت قضية توقيت ليس إلاّ ريثما تنتهي إدارة بوش من تهدئة الجبهة الفلسطينية المستعرة والخروج من مأزق الإنتفاضة الفلسطينية. فلدى الولايات المتحدة عزيمة في فرض نفوذها وهيمنتها على المنطقة العربية والإسلامية بأي ثمن كان ولن يقف حجر عثرة في طريقها أنظمة متمرد أو خارجة على القانون حسب تعبيرها من أمثال النظام العراقي الذي أدرجته بلا تردد ضمن دول محور الشر الذي يضم إيران وكوريا الشمالية وربما تضاف إليه دول أخرى لاحقاً . فالخطط موضوعة وجاهزة للتنفيذ مما سيعرض المواطن العراقي لمحن جديدة ومعاناة إضافية تضربه في صميم وجوده.
لذا يمكن القول إن العراق بات اليوم أكثر من أي وقت مضى داخل مرمآ إصابة واشنطن فقد نشرت الصحف الأمنيركية ووسائل الإعلام الأخرى تفاصيل التحركات الأميركية ، وخصصت مجلة تايم في عددها بتاريخ 13 آيار/مايو 2002 للحديث عن عالم صدام حسين المشؤوم والكئيب وتفاصيل الخطة الأميركية لإطاحتهوقدمت المجلة وباقي وسائل الإعلام الأخرى تفاصيل وافية عن خطة المعركة التي ستنفذها القوات الأميركية لغزو العراق وإحكام السيطرة عليه إنطلاقاً من شماله وبذلك وجدت منطقة كردستان العراق نفسها في قلب هذه المناورات االكبرى وفي وضع لاتحسد عليه حيث لايحق للحكومة الكردي أن ترفض ما ستقرره الولايات المتحدة الأميركية لأنها مدينة ببقائها وإستمرارها وأمنها لطائرات التحالف ـ الأميركية والبريطانية تحديداً ـ بالرغم من تصريحات الزعماء والمسؤولين الأكراد بأنهم ولدوا وسيبقون عراقيين على حد قول سامي عبد الرحمن . والأكراد يعرفون ما يمكن لصدام حسين أن يفعله بالأكراد لو أطلقت يداه . ومع ذلك سيدفع الأكراد ثمناً فادحاً فيما لو فشلت المغامرة العسكرية الأميركية المزمع تنفيذها ، وقد صرح فوزي حريري قائلاً : "لن ندعم أية مبادرة تأتي من الخارج لإطاحة صدام حسين وقلب نظامه بالقوة لكننا مع التغيير الجذري للنظام ولكن من الداخل يأتي بحكومة ديموقراطية تقبل بالصيغة الفيدرالية التي تضمن المكتسبات الديموقراطية للأكراد" . هذا ما يتمناه الأكراد في مرحلة ما بعد صدام ولكن لاشيء يضمن أن الأميركيين سيدرجونهم في سياق مشروعهم التغييري حتى لو كان حماتهم من إعتدءات قوات صدام عليهم منذ إنتهاء حرب الخليج الثانية ولن تراهن واشنطن على الأكراد في تنفيذ خطتها العسكرية والحال إن واشنطن قد جهّزت ، حسبما تقول الشائعات ، أكثر من 400 ضابط وعسكري عراقي من المعارضة ممن يعيشون في المنفى لأخذ زمام الأمور بأيديهم لملأ فراغ السلطة عند الإنتهاء من صدام حسين، وعلى رأسهم الجنرال نزار الخزرجي بالرغم من معرفة الإدارة الأميركية بحقيقة أن هؤلاء العسكريين لايمتلكون الشرعية الشعبية ولا دعم الشارع العراقي ولا الكفاءة والتأهيل اللازمين لإحداث التغيير المنشود خاصة وإن العراقيين لايتمنون ولايرغبون بتنصيب جنرال عسكري مكان آخر ، لاسيما إذا كان هذا " الآخر" من طاقم صدام حسين ومن عناصر نظامه السابقين . ومازالت الأنظار تتجه إلى مؤتمر المعارضة العراقية الموالية لأميركا الذي تنوي هذه الأخيرة تنظيمه في إحدى الدول الأوروبية لإختيار [ قرضاي العراق ] الذي سيحل محل صدام حسين في حكومة مؤقتة ، ولن تتمكن كردستان العراق بالرغم من تشككها من البقاء بعيدة عن الضغوط الأميركية عندما تحل ساعة الصفر.
سيناريوهات التحرك الأميركي تجاه العراق
تتعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع منطقة الشرق الاوسط بمثابة «وحدة مشاكل متكاملة»، وهذا ما كانت عليه ايضاً ادارة الرئيس بوش الاب في مطلع التسعينيات حينما اطلقت «مؤتمر مدريد للسلام بين العرب واسرائيل» على قاعدة نتائج حرب الخليج وافرازاتها السياسية والامنية والاقتصادية.
الإدارة «الديمقراطية» السابقة تجنبت هذا الرابط بين الملفين «العراقي» و«الفلسطيني»، فقد حرص الرئيس السابق بيل كلينتون على تجميد الأوضاع عموماً في الملف العراقي مقابل تحريك واسع لملف عملية السلام بين العرب وإسرائيل، وتحديداً ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، وشهدت الأشهر الأخيرة في ولاية الرئيس كلينتون أقصى درجات الانغماس الأمريكي في هذا الملف. أما الإدارة «الجمهورية» الحالية فقد ابتعدت نسبياً منذ استلامها سلطة القرار في «البيت الابيض» عن الملف الفلسطيني مقابل تركيز شديد على «الملف العراقي».
واستفادة الإدارة الأمريكية الحالية من تداعيات أحداث 11 سبتمبر لكي تدفع المواجهة مع العراق إلى حالات التصعيد القصوى، كما انتقل مؤخراً الخطاب الرسمي الأمريكي عن العراق من تلميح إلى دور للنظام العراقي في احداث سبتمبر واتهامات لبغداد بتورطها في رسائل «الجمرة الخبيثة»، إلى تركيز على مسألة أسلحة الدمار الشامل، إلى الحديث مباشرة عن هدف تغيير نظام الحكم في بغداد.
النموذج الافغاني
وهذا التنقل في الخطاب الأمريكي عن العراق (وإن كانت مضامينه كلها ليست بجديدة) يشير من جهة إلى عجز واشنطن عن توفير اثباتات بشأن اتهاماتها لبغداد، وبالتالي عدم تأمين دعم دولي او عربي للتوجه الأمريكي التصعيدي القادم، كما يوضح هذا التنقل في الخطاب الأمريكي حقيقة الهدف المطلوب للمرحلة القادمة بعد أن نجحت واشنطن في تغيير نظام الحكم في أفغانستان واعتقادها بإمكانية تكرار التجربة في العراق أيضا.
فالحرب الأمريكية القادمة على العراق ستصيب اكثر من غاية منشودة أمريكيا في هذه المرحلة، وهي غايات تشمل تحقيق مصالح على ثلاثة مستويات: مستوى خاص بالرئيس بوش وادارته الجمهورية في هذه السنة الإنتخابية، ومستوى خاص بالقوى الاقتصادية والعسكرية التي تدعم توجهات الادارة الحالية في تصعيد لهجة الحروب مع الخارج، ومستوى خاص بالسياسة العامة للولايات المتحدة والتي يشترك في الحرص على تحقيقها كل الإدارات مهما اختلفت هويتها السياسية. الشيء المميز للحرب الأمريكية القادمة على العراق، إنها تحمل معها «النموذج الأفغاني» دون إدراك دقيق لاختلاف الظروف والوقائع واحتمالات النتائج السلبية على أمريكا نفسها من هذه الحرب. وليس واضحاً بعد إذا كانت الإدارة الأمريكية بنية تغيير النظام فقط في العراق أم أنها بصدد تغيير الخرائط الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط التي وضعها البريطانيون والفرنسيون بعد الحرب العالمية الاولى. فالعراق كيان مركب من مزيج متنوع من الطوائف والأعراق القومية، وستكون أحداثه الداخلية القادمة شديدة التأثير على الدول المجاورة للعراق. ولن تكون تطورات الأوضاع في العراق بمنأى عن التدخل الإسرائيلي المباشر وغير المباشر في ظل حكومة شارون الذي نادى بتغيير خرائط المنطقة منذ أواسط السبعينيات، كما طالب أكثر من مرة بأن يكون الأردن هو «الوطن الفلسطيني البديل».
سيناريو لمشروع أمريكي في المنطقة العربية أفترض سيناريو (كتبت عن بعضه سابقاً منذ سنوات) لمشروع أمريكي، في إطار الرؤية الأمريكية الشاملة للمنطقة، هو كما يلي: ـ سعي الإدارة الأمريكية إلى تحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل وتجميد الأوضاع الأمنية الساخنة في ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي. ـ بدء تنفيذ «صيغة ميتشيل» ثم المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ الاتفاقات مع الفلسطينيين وتأجيل القضايا الكبرى (القدس وقضية اللاجئين) لتمهيد الطرق أمام حل مشكلة القدس من خلال صيغة علاقة مع الأردن، وحل مشكلة اللاجئين من خلال صيغة علاقة مع العراق!. ـ بعد إعلان «الدولة الفلسطينية» التي عليها ـ لكي توافق أمريكا وإسرائيل على الاعتراف بها - أن تتحد مستقبلاً مع الأردن في إطار «اتحاد فيدرالي»، وفي ظل الالتزام الكامل بالمعاهدات مع إسرائيل، والتي نصّت أصلاً على تنسيق خاص بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
ـ السعي لاتفاق إسرائيلي مع سورية ومع لبنان. ثم بعد الاتفاقات مع سوريا ولبنان وتوقيعهما لمعاهدات سلام مماثلة لما هو حاليا مع مصر والأردن، يسقط مبرّر الاعتراض القائم عند بعض دول الخليج العربي عن إقامة العلاقات مع إسرائيل أو التطبيع معها.
ـ إحياء مشاريع الشرق أوسطية كلّها (اقتصاديا وتجاريا وماليا) بين إسرائيل والعرب، وعقد مؤتمر اللجان المتعددة للتطبيع المؤجل حتى الآن. ـ إحراج الموقف الإيراني بعد الاتفاقات مع سورية ولبنان (ماذا سيكون موقف إيران في حال الاتفاقات بين سورية ولبنان وإسرائيل ثم خطوات التطبيع مع الدول العربية؟..).
ـ يرافق الخطوات الواردة أعلاه تحريك الوضع العسكري الداخلي في العراق (خاصة في الشمال) وبدء مرحلة من الصراع الداخلي المسلح ليكون الحل لمستقبل العراق هو «اتحاد هاشمي» مع الأردن (المتحد مع السلطة الفلسطينية تحت مظلة «الاتحاد الكونفدرالي»).. وطبعاً على أساس الاتفاقات القائمة مع إسرائيل، ممّا سيؤدي إلى «حل» المشكلة العراقية على طريقة الصيغة الأمريكية. ومع هذه الخطوة يمكن أيضاً «حل» مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم داخل العراق والأردن باعتبارهما أرضاً مشتركة مع «الدولة الفلسطينية» في إطار «الاتحاد الكونفدرالي»! وربما يسير تنفيذ السيناريو تبعاً لما قاله المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية جيمس وولسي Woolsey) في برنامج Crossfire على محطة CNN (16/11/1998) الذي أشار إلى إمكان إعلان حكومة عراقية في المنفى وجعل كل سماء العراق منطقة محظورة الطيران، وأيضاً جعل مناطق الشمال والجنوب مناطق محظورة السيارات العسكرية إضافة إلى كونها الآن محظورة الطيران، وأشار أيضاً إلى إمكانية أن تتولى المعارضة العراقية في الشمال والجنوب بيع النفط الموجود في أراضيها لدفع ثمن السلاح الذي تحتاجه، وإطلاق اسم «المناطق المحررة» على الأراضي التي تستولي عليها المعارضة بدعمٍ أمريكي... وبأنّ ذلك كلّه سيؤدي إلى إضعاف النظام العراقي دون اضطرار أمريكا لإرسال أيّة قواتٍ للأراضي العراقية.
ما يعني كلّ ذلك؟ صحيحٌ أنّ النظام العراقي استمر في الحكم طوال السنوات الماضية بفعل قوة قهره الداخلي ورفضه الاستقالة وتحمل مسؤولية الدمار الذي ألحقه بالعراق والكويت وجواره العربي وبأمته العربية عموماً، لكن ما ساعد على استمرار هذا النظام أيضا هو سماح الحكومة الأمريكية له عام 91 باستخدام الطائرات المروحية التي قمعت انتفاضة العراقيين في الجنوب والشمال عقب انتهاء الحرب، تلك الانتفاضة التي حدثت تزامناً آنذاك مع دعوة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لتغيير النظام العراقي. وكان ذلك الموقف الأمريكي محيّرا للجميع في تلك الفترة.
ثم استطاعت أمريكا - بسبب استمرار النظام العراقي ومن خلال الحصار الذي استمر طيلة السنوات الماضية - أن تبرّر وجودها العسكري الكثيف في المنطقة وأن تفرض الحاجة الأمنية لها، وأن تزيد طبعاً في إضعاف العراق كدولةٍ وكشعب دون أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الحكم الذي أرجع مصائب أعماله كلّها إلى الحصار المفروض على العراق بشكلٍ منع حتى من إمكان الانتفاضة الشعبية بالداخل على اعتبار أنّ المسؤول عن مآسي الجوع والدمار هو الخارج فقط وليس نظام الداخل أيضاً.
تهيئة الوضع في العراق
ولتحقيق هذا السيناريو، فان مراحل عديدة قد تهيّأت، لكن يبقى الآن تهيئة الوضع في العراق من خلال الآتي: قد تبدأ العمليات العسكرية في إطار المواصفات التي تحدّث عنها المدير السابق للمخابرات الأمريكية مع شبكة CNN: ـ إعلان حكومة في المنفى. ـ إعلان مناطق محررة (في شمال العراق). ـ السيطرة على منابع للنفط وتصديره عبر تركيا لشراء أسلحة. ـ إضافة حظر إستخدام السيارات العسكرية العراقية في المناطق المحظور فيها إستخدام الطائرات.
ـ احتمال اختيار الشريف علي (ابن خالة الملك فيصل الثاني الذي كان يقود العرش الهاشمي للعراق والأردن حتى عام 1958) ليكون رئيس «حكومة المنفى» لاعتبار أنّه الحلّ الوسط الضعيف بين قوى المعارضة المتصارعة، ولأنه -كما يقول هو - وريث العرش الهاشمي الآن. والشريف علي مقيم في لندن ويتحرك منذ فترة تهيأةً لهذا الأمر باسم «حركة الملكية الدستورية».
ـ التشجيع لقيام إنتفاضة جديدة في جنوب العراق، وعدم السماح لإيران بالتدخل فيها (ربما يفسر هذا إدراج أمريكا لإيران في «محور الشر» بهدف عزلها عن التطورات الممكنة في العراق) . وسيكون ذلك مساهماً من جهة في محاصرة النظام في منطقة بغداد وبتفسيخ الكيان العراقي عملياً وسياسياً، كما سيؤدي ذلك، من جهة أخرى، الى تبرير التعزيزات العسكرية الأمريكية في الخليج ومضاعفة المخاوف العربية والدولية من تطورات الوضع في العراق.
من الطبيعي ـ في ظل إحتمالات هذا السيناريو ـ أن يستمر نظام صدام حسين على وسط بغداد، وسيأخذ صراعه مع منطقة الشمال خصوصاً، طابع الحرب الأهلية التي لا يعود هناك ضرورة بعدها للحديث عن الحصار على العراق، باعتبار وجود «مناطق محررة» تحارب النظام في بغداد وتتصل جغرافياً مع الأردن وتركيا وتستفيد من آبار النفط الموجودة في أراضيها. وسيكون المنطق الرسمي الأمريكي حينها: إذا أراد باقي العراق (غير الشمال) الخروج من الحصار فعليه الانضمام للمناطق المحررة ولحكومة المنفى!.
وهنا الإحراج مرة أخرى لجنوب العراق وكيف سيتعامل مع هذا الوضع بما فيه من اعتباراتٍ كثيرة.
ولأنّ الأمر سيأخذ وقتاً من الحرب الأهلية الداخلية (حسب إفتراض هذا السيناريو الأمريكي)، فإنّ النظام العراقي سيبقى حاكماً لفترة على وسط بغداد وربما جنوبها لمرحلة، وبالتالي سيكون مبرراً استمرار الحشود العسكرية الأمريكية والحاجة اليها في منطقة الخليج، لأنّ الأخطار ستزداد في الاحتمالات كلّها.وطبعا فإنّ سورية خارج إطار هذا الصراع وتفاعلاته، وقد جرى توقيع اتفاق تركي معها يمنع تدخلها بالشأن الكردي عموماً، وهي لن تستطيع أن تكون مع «حكومة المنفى» ولا طبعاً مع نظام صدام حسين! (ربما أيضاً يفسر هذا عدم إدراج أمريكا لسورية في «محور الشر» بهدف تحييدها عن التطورات الممكنة في العراق).
في الأحوال كلّها، سيكون واقع حال العراق شبيهاً بما حصل في لبنان في الثمانينيات بعد الإجتياح الإسرائيلي: حكومة مركزية ضعيفة لكن مستمرة، وقوى عسكرية عديدة متداخلة ومتصارعة في المناطق الأخرى. أي كانتونات عسكرية على الأرض في ظلّ شعارات «الحفاظ على وحدة الأرض والسيادة والتحرر».
ترتيبات مشبوهة
لقد أدّى الحكم العراقي خدمته الكاملة (بقصدٍ أو بغير قصد) للولايات المتحدة قي ثلاثة عقود متتالية، وربما حان الآن الوقت الأمريكي لإحالته على «التقاعد» لسببٍ أو لآخر.. أليس هذا ما حدث في باناما مع الجنرال نورييغا في مطلع التسعينيات ؟! وتجد الإدارة الأمريكية مصلحة في ترتيب بناء واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط - لا يُغّير كثيراًمن طبيعة الحدود والكيانات - لكن يقوم على اتفاقات ومعاهدات بين إسرائيل والدول العربية، بحيث تكون التكتلات الإقليمية وصيغ العمل المشترك، مسموح فيها بمقدار ما تساهم فيها إسرائيل وبما يحقق ويضمن المصالح الأمريكية.
وستكون من نتائج هذا الواقع العربي المنشود أمريكياً، إقامة محور إسرائيلي مع الأردن والسلطة الفلسطينية (و«حكومة العراق الجديد» مستقبلاً)، إضافة للمحور الإسرائيلي/التركي القائم حالياً، مما سيفرز مشاريع اقتصادية مشتركة كمدّ أنابيب للنفط من العراق لإسرائيل عبر الأردن، وكإقامة قناة مائية من البحر الأحمر للبحر المتوسط ثم من البحر الأحمر إلى خليج العقبة ممّا يضعف الحاجة لدور قناة السويس.
إن المنطقة العربية تعيش الآن مرحلة انتقالية هامة، وهي مستهدفة في إطار مشاريع صيغ أمريكية مصحوبة بدور إسرائيلي بارز، وليس بالتعامل مع رؤية عربية مشتركة، فعسى أن تتدارك القمة العربية المقبلة ما هو حق يملكه العرب ولكن لم يحافظوا عليه كالرجال.
يضيف أمر الرئيس جورج بوش لوكالة المخابرات (سي. اي. ايه) بتنفيذ خططها لاغتيال الرئيس العراقي صدام حسين حلقة جديدة من حلقات الخيار العسكري وسيناريوهاته المتعددة التي تكثف الحديث حولها في الشهور الأخيرة. وبذلك يفجّر الرئيس بوش قنبلة سياسية غير معهودة لدي رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، في الإعلان عن جواز استهداف اغتيال أي رئيس دولة في العالم بواسطة وكالة المخابرات، حيث كان الطابع سرياً في أواسط القرن الماضي، وهو إعلان يأتي إلي جانب الإعلان عن خيارين آخرين لم يسبق للولايات المتحدة اعتمادهما، وهما : جواز استخدام الأسلحة النووية في مواقع الدول التي يمكن اعتبارها تشكل خطراً علي المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وإمكانية تنفيذ الضربات العسكرية الوقائية ضد أي بلد آخر.
وعلي الرغم من أن تسريب نشر الخبر المذكور وترحيب بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتشكيك البعض الآخر بعدم قدرة مثل هذا الخيار علي تحقيق هدف تغيير النظام القائم في العراق، قد يحمل جانباً من جوانب الحرب النفسية الأمريكية الموجهة ضدّ الرئيس العراقي، لافتراض أن تكون مثل تلك المهمة الخطيرة ذات طابع سري ترتكز علي المفاجأة، فإن هذا الاعلان من جانب آخر قد يشير إلي تراجع في تفضيل سيناريو الغزو العسكري البرّي الواسع اللاحق للضربات الجوية المتواصلة، بالاعتماد علي قوات محلية أرضية من مجموعات قتالية كردية أو عربية والذي عبرت عنه خطة (داوننيج) وهي خطة لا يرجح لها النجاح، أو الخطة المعدّلة المقدمة من (فرانكس) التي لا تعتمد علي تلك القوات المحلية لعدم قدرتها وفعاليتها مثلما توّفر لقوات (التحالف الافغاني الشمالي). في حين ان رئيس المخابرات الأمريكية (تينيت) كان واقعياً في عرض نسبة نجاح خطط مؤسسته أمام رئيسه (10 ــ 20%) ويعتقد بأن مثل هذه الخطط يجب أن تقترن بحملة عسكرية واسعة، وقد يكون سبب ميله الي التعريف بدقة احتمالات النجاح، ما يواجهه حالياً من حملة ظهرت بين أعضاء الكونغرس تدعو إلي اقصائه عن منصبه بسبب عدم قدرة المخابرات علي إبطال تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي.
تقويض الشيوعية
وإذا كانت وكالة المخابرات الأمريكية قد استعادت أدوارها المفقودة في إزاحة الحكومات واقتناص الزعماء ورؤساء الدول منذ العقود الأولي والمتوسطة من القرن الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية تحت هدف تقويض الشيوعية ومنعها من الدخول في بلدان عالم أمريكا اللاتينية بعد ضياع الجزيرة الكوبية وتحكم زعيمها الشيوعي (كاسترو) بالسلطة لحدّ اليوم، وأمثلتها المعلنة (إسقاط رئيس الوزراء الإيراني مصدّق عام 53) حيث كان لوكالة المخابرات الأمريكية الدور القائد في تلك العملية التي لا يمكن وصف نتيجتها بالنجاح الباهر لأن مصدّق كان الشخص الثاني للحاكم الأول (الشاه بهلوي) والذي طلبت منه (سي. اي. ايه) إصدار أمر إقصائه من الحكومة، واستخدمت شقيقة الشاه (شرف) لهذا الغرض. وكانت ساحة أمريكا اللاتينية مسرحاً لاغتيالات الزعماء السياسيين ورؤساء الحكومات، تحت عنوان (مكافحة الشيوعية) وإشاعة الحروب الأهلية مثل (عمليات القتل الجماعي داخل غواتيمالا، وإغتيال الرئيس الشيلي المنتخب (آليندي) بواسطة الجنرال (بونوشيه) الذي كوفئ بتنصيبه حاكماً دكتاتوراً لمدة تزيد علي العشرين عاماً، وإنشاء ودعم قواعد (الكونترا) ضد الحكومة الشرعية في نيكاراغوا، وقتل الثائر (جيفارا) في أدغال بوليفيا، والمحاولات المتواصلة لاغتيال والتآمر علي كاسترو منذ أربعين عاماً) في حين أن تجربة وكالة المخابرات الأمريكية في العراق خصوصاً بعد تسلم حزب البعث للسلطة عام 68 ظلت تقتصر حسبما يشاع حولها علي دعم المؤامرات المحلية لانقلابات مزعومة. والحدث العلني المؤشر الذي ارتبط باجتياح قوات الجيش العراقي لمنطقة كردستان عام 96 هو ازاحة وتدمير نقطة لوكالة المخابرات الأمريكية تم إنشاؤها هناك للمساعدة في عمل تآمري عسكري لقيادة المؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي خذلته في تنفيذه حسب ما أعلن هو ذلك.
لكن تحميل الرئيس بوش لوكالة المخابرات (سي. اي. ايه) لمسؤولية اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين، يزيح عن كاهله ثقل ما تقدمه السيناريوهات العسكرية الأخري من نسب معينة لاحتمالات التضحية بأرواح الجنود الأمريكان لتحقيق هدف قد لا يتمكن الرئيس بوش من ايصاله وفق أساليب الحشد والتعبئة إلي مستوي تعريض المصالح الأمنية الأمريكية المباشرة للخطر، فإنه قد جاء كذلك للتوازن ما بين أطراف الفريق الرئاسي المتمثلة بجناحي التطرف الداعية للتعجيل بالضربة العسكرية الموسعة ويمثلها وزير الدفاع (رامسفيلد ونائبه وولفوتيز ومسؤولة الأمن القومي كونداليدا رايس)، والجناح الداعي إلي تفعيل المسارات الاقتصادية والسياسية الديبلوماسية والأمنية لتحقيق غرض إزاحة النظام العراقي القائم علي قاعدة (تقديم كلف مادية عالية مقابل كلف بشرية واطئة أو معدومة) وأكثر من يمثله وزير الخارجية (باول) وطاقمه الديبلوماسي، وبعض الخبراء والمستشارين من خارج الوزارة. وعلي الرغم مما يبدو علي هدف التغيير بواسطة الاغتيال عبر وكالة المخابرات مباشرة من جاذبية وارتياح لدي الكثير من الأوساط السياسية العراقية والإقليمية لكونه يجنب العراق الخسائر البشرية والمادية الواسعة، ويمنع وقوع تداعيات تعرض الوحدة الاجتماعية العراقية وأمنها للخطر، لكنه لن يكون خياراً سهلاً عند التنفيذ. وليس بإمكاننا إصدار اجتهادات وأحكام مطلقة إلا في جانب التحليل والاستنتاج السياسي العام، أما التفصيلات اللوجستية والأمنية التي تهتم بالمفاجأة والمباغتة والمخادعة وطبيعة المعلومات وكثافتها فهذا خارج عن اهتمامنا، ولا نتوقع تمكن حتي ذوي الاختصاص العسكري الاستخباري من خارج الدوائر الأمريكية الجزم بأحكام تلك السيناريوهات والمخططات. كما ان مثل هذه المسؤولية لوكالة المخابرات الأمريكية لا يمكن ان تكون قد ابتدأت بعد إعلان الرئيس بوش، فلا بدّ إن شبكاتها المعلوماتية الأرضية البشرية والتقنية داخل العراق وخارجه، قد تمّ مدها منذ فترة ليست قصيرة خصوصاً في مجال التعاون والتنسيق مع أجهزة مخابرات دولية وإقليمية لديها مصالح وأهداف أمنية داخل العراق، وفي مقدمتها جهاز (الموساد) الإسرائيلي الذي أعلنت الصحافة أكثر من مرّة عن تدريبات لفرق كوماندوز خاصة بالتحضير لعمليات اغتيال الرئيس العراقي. ولعل نجاح مثل هذه المخططات سيرتبط بعوامل كثيرة من بينها (الصدفة وقدرة الاستهداف والرصد والمتابعة ودقة المعلومات الأرضية ودرجة علاقاتها بفرق العمليات الاستخبارية)، فيما إذا تمّ تنفيذ هذا الخيار من دون حملة عسكرية جوية متواصلة وواسعة، تستهدف قواعد ومراكز الاتصال والتحكم، وما يمكن أن تشيعه من فوضي وتشتيت.
خيارات عسكرية
إن تقليل رئيس وكالة المخابرات الأمريكية من فرص نجاح الخيار المخابراتي لحدود نسبة العشرين في المائة، يعني احتمال التركيز علي خيار الضربة العسكرية الموسعة، وهو ما يتطلب توفير مستلزمات الحشد السياسي الدولي والإقليمي الذي لا يمكن لإدارة بوش من تجاوزه والذي يواجهه حاليا معوقان رئيسان:
أولهما: نقل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي من مستنقع العنف الدموي إلي ساحة الحوار والمفاوضات السياسية، وتأتي خطة بوش الحالية للتسوية لهذا الغرض علي الرغم مما أثارتها في خطوطها النظرية والسياسية من انحياز لصالح إسرائيل وتلبية لرغبات اللوبي الصهيوني الذي ينتظر بوش دعمه في الانتخابات التشريعية في شهر كانون الاول (ديسمبر) المقبل، ومن دعوة واضحة لاستبدال قيادة ياسر عرفات مما خلق حالة من التشتت داخل الوسط السياسي الفلسطيني، وما خلقته من ارتياح بين الأوساط السياسية الإسرائيلية الحكومية والحزبية، وهو أمر حتي لو افترضت فيه الفعالية والتقدم فسيأخذ وقتاً لا يقل عن عام.
الحرب علي الإرهاب
ثانياً: علي الرغم من أن الإدارة الأمريكية تدير الصراع حالياً تحت لافتة (الحرب علي الإرهاب) الذي يتطلب وفق إعلانات الرئيس بوش للشعب الأمريكي (نقل المعركة من حالة الدفاع عن النفس إلي مواقع العدو) ويعتبر ذلك قاعدة شرعية للدخول بأية حرب جديدة ضد أيّة دولة، والعراق في مقدمتها، فإن الرئيس الأمريكي بحاجة إلي تقديم بيانات جدّية لحلفائه وأصدقائه حول توّرط العراق بعلاقات ميدانية تآمرية مع شبكة (القاعدة) أو غيرها. وما زالت هناك شكوك لدي بعض الحلفاء الأوروبيين مثل فرنسا وألمانيا ودول كبري مثل روسيا والصين حول ذلك. أما أصدقاء الرئيس الأمريكي من العرب، فحالتهم في غاية الحرج، وهم لا يفضلون الخيار العسكري الأمريكي الذي سيعرض العراق وبلدانهم إلي مخاطر أمنية جدّية، فقبولهم سيعني تحوّل بلدان بعضهم إلي معابر أو قواعد للإمدادات الحربية الأمريكية والتي سيعني استمرار وقتها المرهون بالوقائع المجهولة، إلي حدوث نقمة شعبية واسعة قد تعرض علاقات سلطات الحكم في تلك البلدان إلي الشرخ، تضاف إلي حالة اليأس والخيبة العامة بسبب القضية الفلسطينية. فلا يمكن تجاهل ان العرب كتلة بشرية تجمعها صلات وروابط قومية ودينية، يقع العراق في مركزها، لا يمكن وضعها في إطار المشاعر العامة مثلما حدث تجاه حرب افغانستان، ولا يمكن مقارنتها زمنياً بحرب إزاحة القوات العراقية من الكويت عام 91.
إن ترجيح الخيار العسكري يعيد دائرة الجدل إلي مربعها الأول حول مدي قدرة أي من السيناريوهات علي النجاح، ما يضاف إلي ذلك تأثير حالة الغموض والتلون والارباك التي سيطرت علي تعامل الإدارة الأمريكية الحالية وأوساط القرار السياسي، مع الجماعات العراقية المعارضة المرتبطة بها، فبالإضافة إلي ما تعنيه مراهنة الرئيس الأمريكي علي دور وكالة المخابرات (سي. اي. ايه) من تأكيد علي ان (قانون تحرير العراق) لم يصمم لمساعدة الفئات العراقية المعارضة للقيام بالتآمر علي السلطة القائمة في العراق، وإنما جاء لأغراض تعامل مؤسسات العلاقات العامة في الكونغرس والخارجية بالمسألة العراقية، وان المخابرات الأمريكية تعود إلي المقدمة في تقرير الشأن العراقي، وهذا سيضعف أدوار بعض من لهم رأي في مسؤولية هذه الوكالة، كما ان السياسة الأمريكية الغامضة قد وضعت تلك الجماعات في (دوار بحر السياسة) فلم يصبح بعضهم يعلم ماذا يريد الأمريكان حقيقة.. فقد أوصلت بعضهم إلي سلم عال من الحلم في رئاسة العراق لمستوي يفوق ما تحقق (لكرزاي) ودفعت بالبعض الآخر لأن يتجمع تحت لافتة (الفتنة الطائفية) وهي لافتة غير معهودة في مجمل تاريخ العراق السياسي، أملاً في المكاسب المقبلة، ولم يفتح الأمريكان المعنيون في الملف العراقي عيونهم نحو حقيقة الواقع السياسي الوطني العراقي، والذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف. كما تجاهلت الشعب العراقي المغيّب عن مجمل المعادلة.
لا يمكن التشكيك بقدرة المخابرات الأمريكية علي تحقيق ما تهدف إليه.. ويبقي للزمن ومداه والوسائل والأدوات لتحقيق هذا الهدف، وطبيعة المقاومة لهذا المشروع وقدرتها عناصر مهمة في نجاح ذلك، وهل سيظهر جنرالات من الداخل يلعبون لعبة السلطة في العراق..؟
امكانيات اكبر
المؤشرات العامة تقول ان المزج ما بين خيار (الرصاصة المخابراتية) والضربات العسكرية المحدودة سيكون أكثر السيناريوهات إمكانية وقدرة في التنفيذ، ومعني ذلك لن يكون هناك سيناريو (أفغنة أو كرزاي) في العراق.
ما ندعو إليه تجنيب الشعب العراقي كوارث حرب عسكرية واسعة.. لا يعرف ماذا سيستخدم فيها من أسلحة قتل وتدمير، وقد يصبح العراق ساحة لأبشع حرب جرثومية وبيولوجية أو نووية.. حينما تخرج من إطار الحرب الخاطفة وتتحول فيها الإرادات إلي درجة من التنازع يفقد خلالها المتصارعون القدرة علي التحكم، أو محاولة الحفاظ علي الوجود..
وان تعود القضية العراقية إلي موقعها الطبيعي، خصوصاً في شأن السلطة إلي العراقيين أنفسهم لكونهم وحدهم القادرين علي تقريرها، وتخليص بلدهم مما هم عليه من ظلم ودكتاتورية واستبداد، وحصار بشع، نحو نظام ديمقراطي متعدد، أما إذا أراد الآخرون معاونتهم بعد أن يأتلفوا في إطار وطني واضح المعالم والأهداف، فهذا أمر آخر.
يذهب المراقبون الي أن العد التنازلي للضربة الأمريكية للعراق أصبح في تسارع واضح وخطير، والرئيس الأمريكي لا زال يردد أنه مصمم علي إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، مخاطباً العالم أن يؤيده في مهمته لأن (نظام صدام حسين دكتاتوري، بقيادة رجل خطير علي من حوله) حسب تعبير الرئيس الامريكي يشاركه في ذلك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بقوله (إطاحة صدام هدفنا ومفتشو الأسلحة ليسوا القضية)، وزادت علي ذلك مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس قائلة (يجب إطاحة الرئيس صدام حسين، حتي لو سمح بعودة المفتشين). كل هذا حفز رجل الإدارة الأمريكية (الحمائمي) وزير الخارجية كولن باول الي أن يتحول الي (صقر) ويقول (العراق بحاجة الي قيادة جديدة بغض النظر عما اذا كان صدام سيسمح بعودة المفتشين الدوليين الي بلاده ام لا).. ناهيك عن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد.
ولو دققنا في هذه التصريحات لوجدناها تصب في الحرب النفسية المتناغمة مع صعود وتيرة (الصقرنة) داخل الإدارة الأمريكية يقابله اضمحلال في وتيرة النغمة (الحمائمية).
لنكن صريحين، إن الاذارة الامريكية ليست بصدد إنقاذ العراق والعراقيين، كما تدعي أحياناً، لكن لها أسبابها التي تتعلق بخوفها من أن تتسرب الأسلحة الكيميائية والبايولوجية العراقية الي منظمات إرهابية لن تتأخر في ضرب المصالح الأمريكية والغربية، كما إن الرئيس الأمريكي جورج بوش يحاول أن يثبت للناخب الامريكي أنه لا زال علي وعده الذي قطعه أثناء حملة الانتخابات الامريكية.
الي ذلك، فإن عملية التصعيد والتسخين من قبل الرئيس بوش وإدارته رسالة قوية وواضحة الي الكونغرس الامريكي الذي سيشهد انتخابات مهمة في الأشهر القليلة المقبلة، ولقد لاحت بوادر نجاح الرئيس وإدارته عندما صفق له الجميع علي خطته التي تجيز اغتيال الرئيس العراقي.
تفاصيل سيناريو الضربة
هناك إشارات في بعض تصريحات صناع القرار تؤيد ان الضربة قادمة وبشكل مفاجئ، حيث سيكون هناك اجتياح أمريكي للعراق علي غرار ما حدث لليابان وقريب من سيناريو ألمانيا ابان الحرب العالمية الثانية، وهي علي مراحل:
أولاً: ستستعمل الطائرات المقاتلة والقاصفة، ومن مختلف الاتجاهات، منطلقة من القواعد الأمريكية في تركيا، جورجيا، رومانيا، بلغاريا، الخليج وبحر العرب، ومن حاملات الطائرات الأمريكية الراسية في المياه الدولية سواء كانت بحاراً أم محيطات، وذلك لضرب مراكز الاتصالات والمطارات ومخازن الأسلحة، ومحاولة عزل العاصمة بغداد تماماً ومن مختلف الاتجاهات لعزل القيادة العراقية وتضييق الخناق عليها ومن ثم إعطاء الفرصة لوحدات الجيش خارج العاصمة لفك ارتباطها بالنظام ومن ثم التمرد والسيطرة علي الوضع والشارع تماماًً.
ثانياً: يلي ذلك قصف بصواريخ كروز وتوماهوك موجه بشكل رئيس من البارجات الامريكية والدول المتحالفة معها، وذلك لضرب البنية التحتية والعددية التابعة للحرس الجمهوري وجهاز الأمن الخاص والأجهزة الحساسة الأخري، ناهيك عن قطع الجسور الساقطة فنياً وهندسياً منذ عاصفة الصحراء عام 1991.
ثالثاً: إنزال جوي للقوات الخاصة الأمريكية والقوات الخاصة المتحالفة معها، وذلك للتمركز في الاماكن الحساسة والعالية مع تزامن الزحف البري للقوات الامريكية والقوات الحليفة الاخري ومجاميع لقوات المعارضة العراقية التي سيكون نصيبها الإعلام، منعاً للكلام واللغط الذي سيحدث من دول وشعوب عربية وإسلامية.
رابعاً: تقوم الولايات المتحدة الامريكية بتفكيك أسلحة الدمار الشامل العراقية وإتلافها، ومن ثم البحث عن المخازن الأخري لكي يتم تدميرها، وعند التأكد أن العراق أصبح نظيفاً من أسلحة الدمار الشامل يتم الانتقال الي:
خامساً: يتم اختيار حكومة عراقية بديلة وجديدة، مع شرط وجود المستشارين الأمريكيين، علي الأقل في السنوات الخمس الاولي من عمر الحكومة الجديدة، وذلك لطمئنة الحلفاء العرب، ومن ثم لتدريب الحكومة الجديدة. بعد ذلك تقوم الولايات المتحدة الامريكية بالخطوة التالية:
سادساً: عقد معاهدة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة الامريكية والحكومة العراقية الجديدة، علي غرار المعاهدة اليابانية الامريكية ابان الحرب العالمية، تنص علي منع العراق من تصنيع أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة بعيدة المدي، وهذا ما تريده اسرائيل، ودول مجاوره للعراق.
من هم الحلفاء الجدد للسيد بوش الابن؟
اسميناهم حلفاء بوش الابن أ للتفريق عن حلفاء بوش الاب الذي قاد التحالف الدولي ضد العراق في عام 1991، وهم:
أولا: دول من أوروبا الشرقية، وعلي رأس هذه الدول، رومانيا، بلغاريا التي ابلغتا الادارة الامريكية استعدادهما للمشاركة في الحملة القادمة ضد العراق، وذلك من خلال موافقتهما علي فتح المجالين الجوي والبحري لرومانيا وبلغاريا، مع فتح القواعد الحربية لتكون في خدمة الولايات المتحدةالامريكية، مقابل التسريع في انضمامهما الي الاتحاد الأوروبي، وهذا ما تسعي لاجله الولايات المتحدة الامريكية:
ثانيا: الحليف بدرجة امتياز هي تركيا هذه المرة، لانها عرفت كيف تضع شروطها، ولهذا ستشترك في الضربة القادمه نحو العراق، لتفرض نفسها ومن ثم تقول قولها، تركيا جاءت علي حساب تحييد ايران من القضية العراقية.
ثالثا: جمهوريات اسيا الوسطي،(الاتحاد السوفيتي السابق)، مثل ادريبيجان، كازاخستان، جورجيا واحتمال الدول الباقية. لقد سمحت هذه الدول للخبراء الامريكان ان يدخلوا القواعد الجوية والبحرية، وذلك لوضع اللمسات التي تلائم سيناريو ضرب العراق، وذلك من خلال تحديث شبكات السيطرة والنظم التابعة لتلك القواعد لتكون مؤهلة لاستضافة القوات والمعدات الامريكية، وكانت اكثر الدول انفتاحا هي جورجيا( شيفرنادزة)!.
رابعا: النرويج، مستعدة للمشاركة جنبا الي جنب مع الولايات المتحدة الامريكية، وذلك جاء علي لسان وزير دفعها السيدة (كرستين) عندما قالت( اننا سنرسل طائرات اف 16 لدعم واشنطن ضد حكومة الرئيس صدام حسين، لان لدينا جالية نرويجية كبير ة في امريكا، تقدر بعدد سكان النرويج الحاليين، وعلينا النظر في مصالحهم).
خامسا: هناك دول ابرقت للولايات المتحدة واعلمتها انها علي استعداد للمشاركة معها ضد العراق ولكن فضلت عدم الاعلان عنها لحين موعد الضربة.
سادسا: لن يعول الرئيس الامريكي (جورج بوش) علي الحلفاء العرب، وسوف يكتفي بثلاث اواربع دول عربية، وستكون مصر في مقدمتها، وما استعاء الرئيس حسني مبارك علي عجل الي واشنطن في بداية هذا الشهر الا من اجل هذا الموضوع، اي الانضمام الي الحملة الامريكية القادمة نحو العراق، مع البدأ باقناع بعض الدول العربية الذي حددها الرئيس بوش.
ما هو دور الحلفاء العرب الذي فضلتهم واشنطن، ومن هم؟
هناك ادوار بنيت علي ضوء الرفض العربي للضربة الامريكية نحو العراق، والذي تفهمته الولايات المتحدة الامريكية، ولهذا وزعت الادوار حسب الترتيب التالي:
مصر: ستكون مهمتها فتح قناة السويس امام البارجات الامريكية والغربية، وحتي السفن التابعة لهذه الحملة، ومن ثم ضبط الشارع العربي وخصوصا المصري، الاعلان عن عقد قمة عربية طارئة في القاهرة بعد استكمال سيناريو اسقاط نظام صدام حسين، الغاية منها التنديد بالتواجد الامريكي والغربي في العراق وذلك لامتصاص الزخم العربي والاسلامي من جهة، ولضمان استمرار الانظمة الحليفة، بعدها ستقرر القمة الاعتراف بالحكومة العراقية الجديدة.
الكويت: ستكون مهمتها هي الاغاثة، والامداد المدني علي الاقل في الايام الاولي للحملة، وذلك لقرب المسافة الفاصلة بين العراق والكويت مقارنة مع السعودية، ولوجود مخازن جاهزة وقريبة في الكويت، لان الدراسات ترشح ان يكون النزوح كبير جدا نحو الحدود الكويتية.
دولة قطر وعمان: سيفاجئ الرئيس العراقي، بموقف دولتين حسبهما انهما الصديقان الحميمان، ولكن هاتين الدولتين ستكونان رأس الحربة في الحملة القادمة نحو العراق، ستكون قطر قاعدة الانطلاق الاولي لضرب العراق، ونقطة الامداد اللوجستي، وذلك لوجود مخازن عملاقة فيها تابعة للجيش الامريكي. اما سلطنة عمان فستكون نقطة مهمة لتبديل القطعات الامريكية والمتحافة معها، ومقر لمراكز الورش الفنية ومستودعات التصليح والوقود، وتجمع القوات.
الكويت تسابق الزمن وايران تبحث عن موقع!
كل هذه المعطيات والتي لم تكن الكويت غائبة عنها، جعل الكويتيون يسابقون الزمن للافراج عن اسراهم الموجودين في السجون العراقية، يريدون اخراجهم قبل ان يهلكوا بالقصف الامريكي او بحراب حراس المخابئ التي موجودون فيها، هذا جعل (ايران) تلتقط طرف الخيط، فسارعت للاعلان عن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي يخصص لبحث قضية الاسري الكويتيين ويعقد في طهران/ ثم حث النائب الايراني (جلال موسوي) الكويت الضغط علي العراق لان ايران لها خبرة طويلة بهذا النظام الذي انكر الاسري الايرانيين وبعد عشر سنوات تم الافراج عن الالاف منهم حسب قول النائب الايراني، توجت ايران هدة الاشارات بايفاد وزير دفاعها (الادميرال شمخاني) والقريب جدا من مرشد الثورة في ايران (علي خامنئي) وذلك في 2/5/2002 لزيارة الكويت.
اولا: لجس النبض الكويتي حول سيناريو الضربة الامريكية ضد العراق، ومعرفة الخبر اليقين من الكويتيين، هل امريكا جادة في اسقاط النظام في العراق هذه المرة.
ثانيا: هناك معلومات تسربت انه عرض علي الكويتيين، فتح المجال الجوي الايراني امام الطائرات الامريكية، بضمانات كويتية، بشرط ان تكون الولايات المتحدة الامريكية صادقة في نواياها اتجاه العراق، مع التعهد بتسليم اي مسؤول عراقي يفر الي الاراضي الايرانية.
الكويت من جانبها قطعت الطريق علي الايرانيين، خصوصا بعد ان فقدوا جميع أوراقهم تقريبا، وبعد ان طوقوا من جميع الجهات تقريبا، قطعت الطريق الكويت من خلال ايفاد مسؤول ملف الاسري والمفقودين الكويتيين الشيخ (سالم الصباح) الي مصر، سوريا، ولبنان، ومطالبته بعقد مؤتمر دولي في القاهرة، وليس باشراف الجامعة العربية، الغاية منه بحث قضية الاسري الكويتين، مما اربك الايرانيين، وزاد في خناقهم، مما جعلهم ان يقوموا بتجربة اطلاق جيل جديد من صواريخ (شهاب)، وذلك لجدب الانظار، ولرفع معنويات الشعب الايراني، ولتخويف دول المنطقة، وبحركة مفاجئة تسامحت مع الاماراتيين من خلال زيارة وزير خارجية الامارات الي طهران.
المؤشرات التي اعتمدها محللون لقرب الحملة الامريكية
اولا: الجولة التي قام بها الرئيس الامريكي (جورج بوش) الي أوروبا والتي بدأها بالمانيا، روسيا، فرنسا، ايطاليا، الفاتيكان، والتي تركزت حول الملف العراقي، وربما زيارة الفاتيكان، هي زيارة ايمانية، تذكرنا بالرئيس (بوش الاب) عندما اتصل بالكنيسة طالبا الصلاة والدعوات وذلك يوم 16/.1/1991، ي قبل سويعات من بدء عاصفة الصحراء (حرب الخليج الثانية)، هل (بوش الابن) طلب صلوات البابا لانجاح مهمته في العراق؟
ثانيا: دخول روسيا حلف شمل الاطلسي (الناتو) لتصبح العضو العشرين، مع ضمانات مصالحها في العراق.
ثالثا: استبدال الجنرال البريطاني (روجر لين) قائد القوات العاملة في افغانستان بجنرال اخر هو (جيم داتون)، والاستبدال جاء لحاجة الجنرال (لين) في مهام أخري، وهناك معلومات تؤكد انضمامه الي الغرفة المغلقة وزارة الدفاع الامريكية لوضع اللمسات الاخيرة لخطة اسقاط نظام صدام حسين، وذلك لأنه ذو خبرة طويلة في افغانستان، والتي تتشابه فيها الظروف الجغرافية والمناخية مع العراق، ولطمأنت الجانب البريطاني ان كل شيء يتم بالتنسيق مع بريطانيا.
رابعا: طلب كندا سحب قواتها من افغانستان، لتشترك في مهام اخري جديدة حسب مصدر القوات الكندية، باعتقادنا لا يوجد ملف ساخن، ومهام اخري الا العراق، خصوصا وان القوات الكندية اثبتت نجاحها في المهمات التي أوكلت اليها، وكذلك نجاحها في التاقلم مع الظروف المناخية، وقوة الانضباط.
خامسا: جولة وزير الدفاع الامريكي (رامسفيلد) في المنطقة وتصريحاته النارية ضد النظام الحاكم في العراق، وبث امنياته وتأكيداته ان الولايات المتحدة الامريكية ستنجح في ازالة صدام حسين، لتعيش المنطقة بسلام حسب قوله الولايات المتحدة الامريكية أعدت سيناريو تغيير النظام في العراقي علي نار هادئة، وسط سياسة التهدأة والتصعيد، وغض النظر عن امر كثيرة وجتها تخدم مصالحها علي المدي البعيد، لا بل شجعتها، ومنها:
اولا: ان فتح الاسواق الحرة المشتركة بين العراق وكثير من الدول العربية جاءت بعد اعطاء الضوء الاخضر الامريكي وذلك لارضاء هذه الدول لحين يوم الشدة، ولمليء الاسواق العراقية بالبضائع والمعدات التي يحتاجها الفرد العراقي بحياته اليومية، وجدته امريكا يصب في مصلحتها، ومصلحة الدول المجاورة وخصوصا الكويت والسعودية وذلك لتخفيف عبء الاغاثة في حالة بدء الحملة الامريكية، من جانب آخر وجدت امريكا ان فتح هذه الاسواق صاحبها صيانة للطرقات والمعابر الحدودية، اضافة لصيانة وبناء المستودعات الضخمة علي جانبي المعابر الحدودية وذلك لخزن المواد المستوردة، وهذا يصب في مصلحة امريكا ويخدم حملتها المرتقبة.
ثانيا: الانتصار الاعظم هو موافقة مجلس الامن وبجميع اعضائه علي القرار المرقم 1409 والصادر في 14 آيار (مايو) الماضي والذي ينص علي تعديل العقوبات الدولية المفروضة علي العراق، اي ينص علي عملية مبسطه وسهلة لتصدير السلع المدنية الي العراق والذي وافق علي نصه العراق ايضا. لقد كان نصرا سياسيا ودبلوماسيا للولايات المتحدة الامريكية لان هذا القرار سوف يملئ السوق العراقية بجميع البضائع والحاجيات المدنية وهذا ما تريده امريكا لانجاح حملتها.
امريكا تجاوزت العقبة الكبري
لا توجد عقبة حقيقية امام الولايات المتحدة الامريكية الا روسيا الاتحادية، لهذا سعت وتسعي امريكا لاقناع الرئيس الروسي... فلاديمير بوتن.. بالمشاركة في اسقاط نظام صدام حسين، مقابل ضمانات مستقبلية لروسيا في مجال النفط، والمصالح في العراق والدول الخليجية، علما ان لروسيا ديون في دمة العراق تقدر بثمانية مليارات دولار، وهناك تقديرات تقول ضعف هذا الرقم.
من جانبها روسيا استغلت توسل الولايات المتحدة الامريكية بها، لتقوم بعقد اتفاقية مع العراق اخيرا قيمتها... اربعين مليار دولار... وذلك لتنفيذ...67.... مشروعا في العراق، الغاية منها هو ابتزاز الولايات المتحدة الامريكية.
المصالح هي التي تحرك القادة في الولايات المتحدة الامريكية، وهذا ارث سياسي قديم، لذا سارع الرئيس بوش لزيارة موسكو، وذلك لعقد معاهدة تخفيف الؤوس النووية، ولحضور حفل انضمام روسيا كعضو دائم في حلف شمالي الاطلسي، وبالتالي اصبحت روسيا تدور في فلك الناتو وامريكا، لهذا تمكنت امريكا من من تجاوز عقبة مهمة جدا في طريقها الداهب نحو تغيير النظام في العراق، القيادة الروسية اصبحت معذورة الان امام شعبها واصدقائها، بقولهل انها تسير علي ضوء اتفاقيات مبرمة مع حلف الناتو/ لا يمكن المساس بها، بهذا ووجدت القيادة الروسية مخرجا مريحا، كل هذا تزامن مع ايفاد.. جورج تينت.. مدير وكالة المخابرات المركزية، ومعه.. نائب وزير الخارجية الامريكي.. الي منطقة الشرق الاوسط/ وذلك لوضع اللمسات الاخيرة لاسقاط عرفات مع سقوط صديقه صدام، ولترويض شارون والطلب منه التهدأة لحين الانتهاء من موضوع العراق.
هناك تصعيد في اكثر من مكان في العالم، وأهمها التصعيد الهندي الباكستاني، الغاية منه هو الهاء العالم عن ما يرتب ضد العراق، والذي بات شبه المؤكد ان الضربة الامريكية ستكون محصورة ما بين أواخر حزيران (يونيو) الماضي ونصف تشرين الاول (اكتوبر) المقبل من هذا العام وذلك للأسباب التالية:
اولا: ان بداية شهر تموز (يوليو) من كل عام سيكون بداية العطلة الصيفية للطلبة والموظفين في أوروبا والعالم، وتنتهي هذه العطلة في منتصف آب (اغسطس) في الدول الأوروبية وأواخر ايلول (سبتمبر) في الدول العربية.
ثانيا: في هذه الفترة ستتخلص الولايات المتحدة الامريكية من هاجس التظاهرات المعادية لها ولحملتها علي العراق، لذا سيكون من الصعب تسيير مظاهرات ضخمة في هذه الفترة التي تخلو فيها الجامعات والمدارس وكثير من المؤسسات من البشر.
ثالثا: اختيرت هذه الفترة حتي اذا شعرت الولايات المتحدة بالاحراج او الفشل في حملتها، سوف يكون لديها رديف متفرغ من الطلبة والموظفيين، ليكونوا جاهزين للتبرع بالدم، والتطوع في الجبهة الداخلية، وفي خطوط امداد الجيش الامريكي.
رابعا: في هذه الفترة سيكون الشارع العربي خاصة والاسلامي عامة في حالة خمول وكسل نتيجة الظروف المناخية القاسية في فصل الصيف، ولعدم وجود روتين الدراسة.
خامسا: في هذه الفترة ستكون الحاجة الي الطاقة.... النفط والغاز.... قليلة لانها فترة صيفية.
سادسا: في هذه الفترة ستكون الرياح هادئة، والمناخ معتدل تقريبا أ بحيث لن يحصل انتشار واسع للاسلحة الكيميائية والبايولوجية في حالة استعمالها.
سابعا: ستكون الامطار شبه معدومة في هذه الفترة، والسماء صافية وهذا سيساعد الطيارين في مهماتهم وتمييز اهدافهم، كما سيساعد القوات التي ستقوم بعمليات الانزال جوا وبحرا.
من خلال تفحصنا للأمور وجدنا ان حرب الخليج الثانية.. عاصفة الصحراء.. لم تنتهِ، فادوات الصراع هي هي، والخصوم هم هم، والحصار لا زال مستمرا، ما سر في ذلك؟ هل هو قدر العراق ام قدر صدام حسين؟
الرئيس بوش الاب استبدل بوش الابن، ومن خلفة.. ديك تشيني.. وزير دفاع عاصفة الصحراء، وكولن باول.. رئيس اركان عاصفة الصحراء، والسيد... شيفرنادزة... وزير خارجية الاتحاد السوفييتي السابق، ورئيس جورجيا الحالي، والذي كتب عنه، صديق الرئيس العراقي، ووزير الخارجية الروسي السابق السيد... بريماكوف... قائلا ذهبت الي واشنطن قبل حدوث عاصفة الصحراء بأيام وذلك لايجاد حل سلمي ودبلوماسي للمشكلة بين امريكا والعراق، واذا بي افاجئ ان السيد شيفرنادزة ابرق للمسؤولين الامريكيين ان لا يستقبلونني، ولا حتي سماعي، وان الذي أحمله افكار شخصية.. والان نري ان.. شيفرنادزة.. يفتح كل شيء في جورجيا ليضعة في خدمة الامريكان لضرب العراق، هل هو رد جميل لمساندته في حكمة لجورجيا ام يريد مساعدة امريكا للقضاء علي الثوار الابخاز الذين جلهم من المسلمين؟
لا يسمع رأي المحللين
الرئيس العراقي يعيش الزهو كعادته، لأنه يراهن علي قلب الطاولة في آخر لحظة، كما حصل في فلسطين، بين.. شارون.. واجتياحة لمناطق السلطة الفلسطينية. اليوم يراهن علي الصدام النووي بين الهند وباكستان، وهذه امنية لم ولن تتحقق لان هناك صمام امريكياً ــ اسرائيلياً، يمنع وصول الصراع الي مرحلة كسر العظم بين الجانبين أو يمنع الأنامل الهندية والباكستانية من الوصول الي الازرار النووية. ان التصعيد مقصود لترتيب الاوراق فقط. فما علينا الا أن ننظف آذاننا لسماع العد التنازلي الامريكي لضرب العراق، ومن ثم سنري دور الحلفاء الجدد، وهل سيكون بمقدورنا ان نعطي شهادة براءة الي الولايات المتحدة الامريكية هذه المرة، نتيجة صدقها مع الشعوب والامم، ام ستصدم هذه الشعوب وهذه الدول بكدبة جديدة تحرق الاخضر واليابس وتزيد من الكراهية اتجاه الولايات المتحدة الامريكية، وتحطم العراق وشعب العراق اكثر واكثر...وإن الأيام قادمة ستفشي جميع الاسرار.