|
استعادة الوعي .. ووهم الخصوصية
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 13:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حادثة إشعال الشاب الجامعي التونسي العاطل عن العمل محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر الفائت، احتجاجا على منعه من بيع الخضار ومصادرة عربته الخاصة، ومن ثم التعدي عليه بالضرب من قبل شرطة البلدية، كانت بمثابة الشرارة التي فجرت ثورة عاتية كان الشباب وقودها وقاطرتها، وشملت تونس من أقصاها إلى أقصاها (بما في ذلك تونس العاصمة) للتحرر من الاستبداد السياسي، والظلم والاجتماعي، والكبت الفكري، واليباس الثقافي، والإعلام الأحادي، وشتى صنوف الاستغلال والفساد، وانتهاك آدمية وكرامة الإنسان التونسي، على مدى عقود طويلة من احتكار النخبة الحاكمة في تونس لمكامن السلطة والثروة والقوة، حيث التزاوج المعلن بين رجال السلطة وممثلي المصالح الخاصة في ما يشبه بعصابة المافيا. حادثة حرق محمد البوعزيزي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث تحقق بنجاح وفي غضون أقل من شهر من الحراك الثوري / المدني المتواصل، إسقاط أحد أقوى الأنظمة الاستبدادية / الأمنية في العالم العربي، مخالفا بذلك كافة التوقعات، بما في ذلك توقعات النظام نفسه، ناهيك عن توقعات الخارج (الإقليمي والدولي) في الآن معا، بما في ذلك تقديرات وتحليلات مراكز الأبحاث والدراسات، وأجهزة المخابرات في الدول الكبرى، وتقارير الجهات الدولية التي تعنى بالتنمية وقطاعات المال والأعمال والتجارة في العالم مثل صندوق النقد الدولي والبك الدولي للإعمار ومنظمة التجارة العالمية، حيث كانت تونس تدرج في خانة الدول الأكثر استقرارا في بلدان العالم الثالث على الصعيدين السياسي والاجتماعي، مع نسبة نمو اقتصادي جيدة مقارنة بالوضع الاقتصادي / المالي العالمي، ووجود طبقة متوسطة متعلمة واسعة، مع إن تاريخ وقانون الثورات في العالم يؤكدان أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. الرد على الحدث التونسي جاء متباينا من قبل مكونات النظام العربي. من جهة هناك مزيج من القلق، الخوف، والترقب الحذر المغلف بكياسة سياسية حول اعتبار ما جرى في تونس شأنا داخليا، وأنه ستحترم رغبة الشعب التونسي في اختيار مساره الخاص نحو التغيير. بالطبع يستحضرنا هنا الموقف المستهجن لديكتاتور ليبيا معمر القذافي، الذي انتقد بصفاقة الشعب التونسي على قيامه بالثورة وإجباره الرئيس السابق زين بن علي على الفرار في 15 يناير الماضي. بغض النظر عن هذا الطرح السقيم والوقح للقذافي، غير أنه كان إلى حد كبير يعكس ما يعتمل من خوف وهلع من القادم من الأيام. ضمن هذا السياق، بعض القيادات والمسؤولين في بعض من النظم العربية أخذت تطلق تصريحات متتالية بأن الحالة التونسية هي حالة خاصة و لا تنطبق بالضرورة على أوضاع بلدانها المحصنة (أمنيا في المقام الأول) من انتقال العدوى التونسية اليها. نستعيد هنا تهكم جمال مبارك نجل الرئيس السابق حسني مبارك، و رئيس لجنة السياسات العامة في الحزب الوطني الحاكم، والذي كان مرشحا قويا لخلافة والده ، وذلك في معرض رده عن دور الشباب في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات والإعلام الجديد وتأثيرها المتنامي، وخصوصا شبكات التواصل الاجتماعي، وعن إمكانية انتقال العدوى التونسية لمصر. تهكم جمال مبارك وقهقهاته الفارغة تجاوب معها الفور وبشكل كاريكاتوري أبله ، بعض أركان النظام السابق من الحاضرين معه في نفس القاعة، وقد كرر وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط الحديث عن استحالة تكرار السيناريو التونسي في مصر. غير أن التغيير الكبير حصل في مصر، وأرغم الرئيس المصري السابق على الاستقالة في 14 فبراير الماضي بعد مضي 18 يوما من المظاهرات والاعتصامات المليونية التي قادها شباب ثورة 25 يناير، وكان مقرها الأبرز ساحة التحرير بالقاهرة. الثورة المصرية كانت بمثابة الحلقة المركزية لسلسلة متواصلة من التحركات والهبات والانتفاضات التي اندلعت في بعض بلدان العالم العربي، رغم أن قياداتها بدورها كانت تتحدث وتصر على عدم إمكانية انتقال العدوى التونسية ثم المصرية إليها. لقد تبين مدى هشاشة مقولة الخصوصية العربية العامة أو الخاصة بكل بلد عربي على حد سواء . لقد تأكد على نحو ساطع بأن شعوب المنطقة العربية مهما طال الزمن ، هي كبقية شعوب العالم تواقة للحرية والعدالة والمساواة ، وبأن بقاء الحال من المحال ! . وانه ليس هناك من قوة تسلطية في العالم العربي قادرة مهما بلغ بطشها واستبدادها على لجم فكرة أزفت ونضجت وآن أوانها . فكرة المطالبة بالتغيير الجذري والشامل نضجت بالنسبة للشعوب العربية التي تعاني من الاستبداد وذلك ليس بفعل التسونامي الثوري الجارف في المنطقة فقط، وإنما باستعادة وعيها المغيب وإرادتها المستقلة على مدى عقود بل وقرون من زمن الانحطاط والاستبداد. الشعوب العربية لم تعد مستعدة للعودة إلى الوراء أو قبول المراوحة والتسويف من قبل الأنظمة العربية الحاكمة إزاء مطالبها العادلة والمشروعة ، ومحاولاتها شراء الوقت ، عبر تقديم الفتات الذي يأتي في الغالب كإجراءات استباقية ، على شكل مكرمات أو تحسينات وترقيعات فوقية و شكلية عفا عليها الزمن. فما كان مقبولا قبل الزلزال العربي ، لم يعد مقبولا اليوم . لقد لجأت بعض القيادات والنخب العربية وأجهزتها التابعة في محاولة بائسة ويائسة ، إلى التلويح مجددا بالمخاطر والمؤامرات الخارجية ، وكذلك الحديث عن مخاطر التفتت الديني والمذهبي والقبلي والمناطقي بل والعمل على تأجيجه ، ناهيك عن الاسطوانة المشروخة عن خطر الإرهاب وخطر مجيء الأصولية المتطرفة المعادية للغرب والحداثة إلى سدة الحكم . وبالتالي الخيار الوحيد المتاح المطروح من قبلها هو: بين استمرار وجودها وتربعها على سدة الحكم ، أو الفوضى الشاملة ، وهو ما نلحظه في أنظمة حكم عربية عديدة مثل ليبيا واليمن وسوريا والبحرين وغيرها . النظام العربي والدولة العربية باتا أمام خيارين فقط لا ثالث لهما، الإصلاح أو الثورة. تحديد هذا الخيار يقرره ميزان القوى على الأرض بين السلطة ومرتكزاتها من جهة، وبين قوى الشعب والمعارضة وفي مقدمتهم الشباب من جهة أخرى . بالتأكيد هناك فوارق بين الدول العربية، سواء في درجة وسرعة وعمق التغيير، وفي عوارض وآلام مخاض الولادة فيها، قد تكون سهلة ويسيرة نسبيا كما حصل في تونس ومصر، أو تكون قد تكون الولادة صعبة وعسيرة مما يستدعي ولادة جراحية قيصرية كما الحال في بلدان عربية أخرى ، وهذا ما لا نتمناه للشعوب والبلدان العربية وخصوصا في تلك البلدان التي ابتليت بحكام يعتبرون أنفسهم فوق المحاسبة، وبأنهم أنصاف آلهة . ولسان حالهم يقول أنا أو الطوفان.
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسار المتعرج للتغيير في العالم العربي 2-2
-
المسار المتعرج للتغير في العالم العربي
-
المخاض الليبي العسير!
-
حقوق المرأة في يومها العالمي
-
المخلص المنتظر؟
-
نجيب الخنيزي في حوار استثنائي مفتوح حول: الحراك الاجتماعي وا
...
-
الجيش والسلطة في البلدان العربية
-
بقاء الحال من المحال !
-
العالم العربي .. إصلاح أم ثورة؟
-
ياسيد البيد .. كم نفتقدك حين تغيب وسط الضباب!
-
العالم العربي .. أزمة بنيوية شاملة ! الحلقة 2-2
-
العالم العربي .. أزمة بنيوية شاملة! «1/2»
-
مثقفون وحقوقيون يدينون العمليات الإرهابية ضد المسيحيين في ال
...
-
الدولة العربية .. ومستلزمات ترسيخ الوحدة الوطنية!
-
السودان إلى أين؟
-
دول مجلس التعاون الخليجي ومستلزمات الوحدة الخليجية (2-2
-
دول مجلس التعاون الخليجي ومستلزمات الوحدة الخليجية
-
مثقفون وحقوقيون خليجيون يصدرون بياناً بشأن الأحداث الأخيرة ف
...
-
تسريبات ويكيليكس في ظل القانون الدولي
-
اليوم العالمي للطفولة «2-2»
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|