أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكالية الدور )















المزيد.....



القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكالية الدور )


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 23:41
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


القطاع الخاص و أنماط التشغيل في العراق
( أبعاد المشكلة وإشكالية الدور )



مقدمة :


يتطلب التصدي لمشكلتي البطالة والتشغيل في العراق ( وهما مشكلتان مترابطتان , ولكنهما مختلفتان تماما ) صياغة وتنفيذ سياسة تشغيل وطنية تأخذ بنظر الاعتبار ثلاث قضايا رئيسة تعد بمثابة تحديات أساسية تواجه صياغة وتطبيق أية سياسة في العراق , وهي .
1- وجود إشكاليات عديدة في كيفية تحديد واحتساب المؤشرات والمتغيرات الأقتصادية الكلية , وفي مدى دقتها . وليس بالأمكان تحديد الرؤى والتصورات ودالة الهدف الخاصة بسياسة ما , دون الاتفاق على حجم وطبيعة المشكلة التي تتصدى هذه السياسة لتذليلها .
2- لايمكن طرح أية سياسة تشغيل وطنية , بمعزل عن نمط التشغيل الحكومي القائم . إن هذا النمط يتعارض , ويعيق , ويبدد , أية جدوى إقتصادية أو تنموية من سياسة التشغيل الوطنية , البديلة عن هذا النمط , والتي صادق مجلس الوزراء العراقي عليها مؤخرا , ليؤسس لتعارض صارخ بين واقع نمط التشغيل المعتمد من قبله , وبين توجهات السياسة البديلة التي صادق هو ذاته عليها .
3- إن سياسة التشغيل الوطنية , التي أقرّتها الحكومة العراقية , بحاجة ماسّة الى آليات عمل محددة , وفاعلة , وملزمة , لكافة الشركاء المعنيين بها .
وهذه السياسة ليست معنيّة بالخوض في جدل عام حول الخصوصيات الأثنية والجغرافية ( وغيرها من الخصوصيات الفرعية ) . فالعراق ,( ككيان مجتمعي وسياسي ) , هو نموذج خاص بحد ذاته , وله خصوصيات كليّة , وليست جزئية أو مناطقية ( إذا صح استخدام هذه المفاهيم ) . ويستمد العراق خصوصيته الفريدة هذه من خصوصية مكوناته ( على إختلاف تصنيفها ) , ومن تكاملها – وليس تنافرها – قبل أي إعتبار آخر .
ومع ذلك , فإن هذه السياسة , ( كما هو شأن الخطط والستراتيجيات الوطنية الأخرى ) , ينبغي أن تكون مُلزمة إبتداءً , بالأجابة على أسئلة محددة تتعلق بطبيعة وحجم المشاكل والمؤشرات والأولويات القطاعية ( والأجتماعية ) في التشكيلات الأدارية والفيدرالية في العراق , وعما اذا كانت سياسة التشغيل هذه ستلبي طموحات وإحتياجات هذه التشكيلات , بأعتبارها شريكا حقيقيا وفاعلا فيها , وليس العكس .
إن التصدي لمشكلة البطالة في العراق يتطلب أيضا العمل بآليات تنفيذ تأخذ بنظر الأعتبار إمكانات ومحددات عمل القطاع الخاص في بيئة أعمال معينة , وضمن إشتراطات مرحلة معينة هي مرحلة الانتقال من الاقتصاد المركزي إلى إقتصاد السوق .
فلا يمكن التعويل إلى الأبد على قيام القطاع العام بتشغيل نسبة من العاطلين عن العمل , مع تضاؤل هذه النسبة عاما بعد آخر , بسبب تزايد أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل ( بفعل المعدلات المرتفعة لنمو السكان وارتفاع وتيرة التحضر وزيادة مخرجات التعليم , وغيرها من الأسباب ) , مما يفرض مهام ومسؤوليات ضخمة على قطاع هش ومتواضع الأمكانات ومستنزف كالقطاع الخاص في العراق.
من جانب آخر لا تشكل بيئة ممارسة الأعمال في العراق عنصراً جاذباً للقطاع الخاص الأجنبي . لهذا كله فأن من الصعب مطالبة قطاع كهذا بتبني سياسات تشغيل طموحة ( يتطلبها حجم البطالة في الاقتصاد العراقي ) في حين يعاني هذا القطاع ذاته من ضعف الدور و إلتباس الوظيفة وهشاشة بنية العمل وإختلالها على مدى عقود طويلة .
تهدف هذه الورقة إلى طرح المعطيات والمؤشرات ذات الصلة , وما تفرضه هذه المعطيات من تحديات على صناع السياسة , وصولاً الى تحديد فهم أفضل لمشكلة البطالة في العراق والدور الذي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم به في إطار سياسة تشغيل محددة وممكنة , قبل أن تكون فاعلة ومستدامة ,ضمن أشتراطات ومحددات البيئة الصعبة التي يعمل القطاع الخاص في إطارها حالياً .


أولاً : المعطيات والمؤشرات الرئيسة

سيتم التركيز هنا على طرح أهم المعطيات والمؤشرات ذات الصلة بموضوع البطالة والتشغيل في العراق , مع إيضاح دور هذه المؤشرات في تكوين رؤى وتصورات محددة قد تعمل على تأسيس مقاربات معينة يمكن من خلالها للقطاع الخاص ( المحلي والأجنبي ) أن يسهم ( بطريقة ما ) في معالجة مشكلة البطالة في العراق . كما يمكن لهذه المعطيات والمؤشرات أن تزيل اللبس بصدد سياسات التشغيل المعتمدة , ومدى كفاءتها , وإمكانية صياغة سياسات بديلة عنها , مع تحديد أكثر دقة لدور القطاع الخاص ( المحلي والأجنبي ) فيها . ويمكن طرح هذه المؤشرات والمعطيات ( بحسب أهميتها النسبية في موضوع البحث الرئيس )
كما يأتي :

1- السكان والقوى العاملة ومعدلات النشاط الاقتصادي
. أن نسبة السكان في سن العمل الى أجمالي السكان في العراق هي 54.20%
. أن معدل النشاط الأقتصادي للسكان في سن العمل هو 29% . وتعد هذه النسبة من أوطأ نسب المشاركة في النشاط الاقتصادي في العالم .
. أن نسبة النشطين في سن العمل ألى أجمالي عدد السكان في سن العمل هي 52% . وهذا يعني ان نصف السكان في سن العمل ( من 15 إلى 64 عاماً ) هم من العاطلين عن العمل .
. رغم تقارب نسبة الذكور من نسبة الإناث إلى أجمالي حجم السكان , وتقارب هذه النسبة أيضاً إلى إجمالي عدد السكان في سن العمل ( أذ بلغت بحدود 53% لكل منهما في العام 2008 ) , ألا أن نسبة مساهمة الذكور في النشاط الاقتصادي هي بحدود 83% , في حين لم تمثل نسبة مساهمة الأناث سوى 17% ( حسب أحصاءات و مسوحات العام2008 ) .
وهذا يتطلب وجوب مراعاة سياسات التشغيل المقترحة , للتحديات التي تفرضها هذه المؤشرات . فقطاعات الأنتاج السلعية , وقطاع البناء والتشييد (وهي من أهم قطاعات التشغيل المستهدفة بالتطوير وزيادة القدرة على إستيعاب العاطلين ) لا يمكنها إستيعاب فئة الإناث , مما يتطلب منحها فرص أفضل للعمل ( وبشكل رئيسي ) في قطاعات الخدمات والسياحة والتمويل والبنوك , مقارنة ً بالقطاعات الاخرى .
. أن 24% من المساهمين في قوة العمل هم من الأميين . و من بين هؤلاء 41.2% يقرأون ويكتبون و 43.1% أنهوا المرحلة الأبتدائية .
ولا يمكن الاستفادة من هؤلاء ألا في قطاعات كثيفة العمل – منخفضة الإنتاجية. ومع ميل القطاع الخاص الى المشروعات المتوسطة الحجم – كثيفة رأس المال , فأن قدرته على أستيعاب هؤلاء تبقى محدودة للغاية . وفي ظل سعي الحكومة العراقية ( لأسباب سياسية ) لتحديد سقف أدنى ( مرتفع للأجور) مع وجود سقف رواتب وأجور مرتفع في القطاع الحكومي , فأن القطاع الخاص لن يجد أي حافز يدفعه لتشغيل هذه الفئة من العاملين . وسيبقى هؤلاء بأعدادهم الغفيرة وإنتاجيتهم المنخفضة , ولوقت طويل , جزءاً اساسياً من قطاع العمل غير الرسمي , وتجارة التجزئة , وكل صنوف العمل غير الماهر في قطاعات البناء والتشييد والخدمات والزراعة .

2- معدل البطالة ومؤشرات البطالة الناقصة
. على وفق تقديرات الجهاز المركزي للأحصاء وتكنولوجيا المعلومات لعام 2009 , فأن معدل البطالة في العراق يقدر ب 15% ( مقارنة ً ب 17.5% في عام 2008 ) . مما يعني على وفق هذا التقدير وحده وجود مليون عاطل لايجدون أية فرصة عمل ولو لساعات قليلة في الاسبوع .
. ولكن مؤشرات " البطالة الناقصة " ( التي لا تعتمدها منظمة العمل الدولية كمعيار للبطالة ) , لا زالت ترتفع باستمرار , ووصلت الى 30% في العام 2009 . (مؤشر" العمالة الناقصة " يعني نسبة العاملين الذين يعملون بساعات أقل من 35 ساعة في الاسبوع الواحد ) .
ان جميع العاملين عمالة ناقصة , يعملون في القطاع الخاص . ومع ذلك فليس من المعقول أن نقول ان القطاع الخاص يقوم بتشغيل 30% من قوة العمل العاطلة في العراق " تشغيلا ناقصا " ( كما لايمكن أن نقول أن معدل البطالة في العراق هو 15% ) . فالعمالة الناقصة تعني ما هو أكثر من البطالة الجزئية, لأنها لا تستطيع تأمين متطلبات الحد الادنى من العيش المتسم بالكفاية والكرامة .
وهكذا فأن معدلات البطالة في العراق ( حتى بأفتراض دقة بيانات الجهاز المركزي للأحصاء ) للعام 2009 قد تصل الى 45% ( بإضافة العمالة الناقصة) , أو الى 39% ( حسب تقديرات البنك الدولي للعام 2010 ) .
وهذا المعدل مرتفع جداً وخطير , وتتطلب تداعياته السلبية على جميع الصعد ما هو أكثر من توفير 170 الف درجة وظيفية ( ضمن الموازنة العامة الاتحادية للعام 2011 ) . أن مثل هذه المعالجات تعيد إنتاج نمط التشغيل المبدد للموارد الذي دأبت عليه الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عقود . وهو نمط يعمل على تعميق مشكلة البطالة وإستدامتها بدلاً من تفكيكها ( كما سيتضح لنا لاحقاً ) .
. أن التركز الواضح للبطالة هو بين الشباب , حيث تبلغ معدلات البطالة بين الشباب 30% وبين النساء 32.5% .
. ولأسباب عديدة ( أهمها البيئة غير الملائمة لممارسة الاعمال ) لم يمارس القطاع الخاص أي دور في تقليص الأحجام المطلقة , أو المعدلات النسبية للبطالة في العراق بعد العام 2003 . لقد أنخفضت معدلات البطالة من 28% في العام 2003 الى 15% في العام 2010 بسبب طبيعة سياسة التشغيل التي تبنتها الحكومة بعد العام 2005 , والهادفة الى زيادة أعداد المشتغلين في المؤسسات الحكومية ( وأهمها الأجهزة الأمنية ) .
وهذا الأمر لا يمكن أن ينسب الى " ضعف كفاءة سياسة التشغيل في الاستجابة لمتطلبات سوق العمل العراقي , وذلك لأبتعاد الأخير عن النواظم الأقتصادية التي تتحكم بمسار مكوناته " ( كما ورد نصاً في خطة التنمية الوطنية للأعوام 2010-2014 ) بل يعود لمنطق الفوضى والتخبط ( سواء على مستوى الواقع الاقتصادي , أو مستوى القرار الاقتصادي ) . وهو المنطق الذي يستحيل معه بناء أي سياسة تشغيل , مهما كانت طبيعتها , ليس في القطاع الخاص وحده , وإنما في القطاع الحكومي أيضاً .

3- حجم ومعدلات التشغيل حسب الأنشطة والقطاعات الاقتصادية .
. يقدر المجموع الكلي للمشتغلين في العراق ( وللقطاعين العام والخاص ) بـ 7.664مليون في العام 2007 .
. يستحوذ القطاع الخاص على نسبة التشغيل الأكبر للقوى العاملة في العراق والتي قدرت ب 85.3% في العام ذاته ( مقارنة ب 14.7% للقطاع الحكومي).
. هذا التباين في نسب توزيع قوة العمل ما بين القطاعين العام والخاص رافقه تباين واضح المعالم في توزيع المشتغلين من قوة العمل حسب الأنشطة الأقتصادية , حيث كانت نسب التشغيل الأكبر للقطاع الخاص في كل من أنشطة الزراعة والصيد وتجارة الجملة والمفرد بواقع 98% لكل منهما ( مقابل 2% للقطاع العام ) و 90% في أنشطة التشييد والبناء (10 % للقطاع العام ) , و82% في أنشطة النقل والاتصالات (18% للقطاع العام ) و 66.5% في الصناعة التحويلية (33.5 % للقطاع العام ) , في حين سجل القطاع الخاص مستويات تشغيل متدنية في كل من قطاع التعدين والاستخراج (14.5 % ) والماء والكهرباء (18.5 % ) وقطاع الخدمات ( 35% ) , بينما توزعت نسب التشغيل مناصفة ً بين القطاعين الحكومي والخاص في نشاطي التمويل والتأمين .
وتعكس هذه المؤشرات والنسب أهمية عمل القطاع الخاص ومدى قدرته على توسيع نطاق التشغيل في أنشطة معينة قابلة للنمو والاستدامة , رغم انها لا تسهم حالياً ألا بحصة متواضعة في توليد الناتج المحلي الاجمالي (9.2 % للزراعة و 2.3% للصناعة في العام 2007 ) . ولو تمت مقارنة حصة القطاع الخاص بحصة التعدين والمقالع والاستخراج ( أي النفط الخام بدرجة أساسية ) في توليد الناتج المحلي الإجمالي المقدرة ب 85.8% لأتضح لنا أن حصة القطاع الخاص في توليد الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 15% , وهي حصة متدنية جداً في اقتصاد يفترض أنه شرع في عملية الانتقال نحو اقتصاد السوق الحر منذ العام 2003 .
. أن حصة قطاع الصناعة التحويلية ( من إجمالي عدد المشتغلين في جميع القطاعات الاقتصادية ) لا تزيد عن 13.7% في العام 2008 . وهذا يعود الى مساهمة هذا القطاع المتواضعة في توليد الناتج المحلي الإجمالي والمقدرة بـ (2.3 %) . وهذا يعني أن منح القطاع الخاص ( المحلي والاجنبي ) حوافز حقيقة لتنمية هذا القطاع ( ضمن بيئة أعمال ملائمة ) بحيث ترتفع حصته في توليد الناتج الى حدود معقولة ( تفي على الأقل باحتياجات السوق المحلية ) سيكون كفيلاً باستيعاب عدد كبير من العاطلين عن العمل , مقارنة بمعدلات استيعابه المتواضعة حالياً .

4- تكوين رأس المال الثابت

. يقدر حجم تكوين رأس المال الثابت في العراق بما قيمته 33.8ترليون دينار للعام 2007 , ( بالأسعار الجارية ) أي ما يقرب من 28 مليار دولار .
. تقدر حصة القطاع الخاص فيه ب 258 مليار دينار ( ما يقرب من 215 مليون دولار فقط ) , أي ما نسبته 4.5% من أجمالي تكوين رأس المال الثابت.
. وهذه الحصة المتواضعة تتوزع على الأنشطة السلعية بنسبة (28 %) والأنشطة الخدمية بنسبة (41%) والأنشطة التوزيعية بنسبة (31 % ) .
. يتضح من ذلك أن القطاعات الأساسية المكونة لرأس المال الثابت هي القطاعات السلعية المتمثلة بالنفط الخام والتعدين والمقالع والكهرباء والماء الى جانب خدمات التنمية الاجتماعية التي تقدمها الدولة ( كالصحة والتعليم والصرف الصحي ) .
وهذا يفسر هيمنة القطاع العام على القرار الاقتصادي, بما في ذلك القرارات المتعلقة بسياسات التشغيل الكلية ( أو على مستوى كل قطاع) . فلا يمكن لقطاع هامشي ( كالقطاع الخاص ) أن يمتلك أية قدرة للتأثير في النمط احادي الجانب لصنع القرار الاقتصادي في العراق . وبالتالي فأنه لايمتلك أية قدرة على فرض تصوراته بصدد طبيعة سياسة التشغيل التي تتسق ومصالحه , والتي يفترض بصناع القرار أخذها بنظر الأعتبار .
. قدر صندوق النقد الدولي مجموع الاستثمار الخاص ( المحلي والاجنبي ) في الاقتصاد العراقي ب 1080 مليون دولار , وبما نسبته 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2004 . وارتفعت قيمته المطلقة في العام 2005 ليصل الى 1161 مليون دولار . غير أن نسبته انخفضت إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي . ولم تتحسن هذه المعطيات كثيراً في السنوات اللاحقة , مما يعكس قصوراً في دور القطاع الخاص في تمويل التنمية في العراق ( لأسباب معروفة للجميع) .


ثانياً : سياسة التشغيل في القطاع الخاص في أطار خطة التنمية الوطنية (2010- 2014 )

. أن جميع إستراتيجيات وسياسات وخطط التنمية والتشغيل المعدة في العراق لا تمتلك أية فرصة للتطبيق ( أو النجاح ) على أرض الواقع . ولا يعود ذلك الى المغالاة في صياغة مؤشرات دالة الهدف , بل الى الواقع الذي يؤشر عدم ظهور أي مشروع أستراتيجي طيلة الأعوام السابقة , ولم تظهر أية تجديدات ذات قيمة , تسمح بالإرتقاء بالوضع المزري للبنى التحتية والخدمات , ولم تشرع المؤسسات المعنية بخطوات فعلية وفاعلة على صعيد تطبيق مفردات خطة التنمية خاصة مايتعلق منها بالمشاريع الإنتاجية الكبيرة .
. ولهذه الأسباب ( وغيرها ) تراجع القطاع الزراعي , لا عن دوره التقليدي في التشغيل , بل حتى عن دوره في تأمين الغذاء . وأصبح العراق يستورد 85% من احتياجاته الغذائية , بينما يؤمن القطاع الزراعي 15% فقط من هذه الاحتياجات .
. ولا يزال دور القطاع الصناعي محدوداً وضعيفاً ويعاني من معوقات عمل وترهل وإنتاج تقليدي وبطالة مقنعة . كما يعاني السوق من إغراق سلعي خارجي منظم لم يشهد له العراق مثيلاً من قبل .
. و بدلاً من قيام الحكومة بإنفاق 186 مليار دولار لإنجاز مشاريع خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010 – 2014، وبما يسمح بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (9.38 %) كمعدل نمو سنوي , وخلق ما بين 3 – 4.5 مليون فرصة عمل جديدة , وتنويع الاقتصاد العراقي من خلال دعم القطاعات التي يمارس النشاط الاقتصادي الخاص دوراً تاريخياً فيها , ويتمتع في بعض فروعها بأمكانات تنافسية جيدة ( كالزراعة والصناعة والسياحة والبناء والتشييد ) ... فأن واقع تنفيذ هذه الخطة يشير إلى عدم تطابق المدة المتبقية لتنفيذ الخطة , مع حجم المشاريع المقررة فيها . كما تم تكريس معظم تخصيصات الموازنة العامة الأتحادية لتلبية إحتياجات ربما كانت بعيدة ( وبعيدة جداً ) عن تحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقي .
. وهكذا مارست البيئة التنظيمية دوراً اساسياً في أخفاق الخطة ( حتى الآن ) في تحقيق أهدافها , حيث لم يلتزم الشركاء الأساسيون فيها ببنود الخطط المساعدة الهادفة الى رفع معدلات النمو الاقتصادي , رغم وفرة التخصيصات المالية والخبرات والكفاءات وقدرات التنفيذ .
. قدرت خطة التنمية الوطنية قيمة الاستثمار المطلوب تأمينه لتحقيق أهدافها بحوالي 186 مليار دولار خلال مدة الخطة , يموّل 100 مليار دولار فيها من الموازنة الأتحادية , و 86 مليار دولار من القطاع الخاص ( المحلي والأجنبي ) بحيث تكون مساهمة القطاعين الحكومي والخاص (53.7 %) و (46.3 % ) على التوالي .
. تم توجيه 5% من إجمالي تخصيصات الاستثمار الحكومي على مدى سنوات الخطة الخمسة الى قطاع الصناعة التحويلية . والهدف من ذلك هو ترك هذا المجال وعلى أوسع نطاق ممكن للقطاع الخاص ( المحلي والأجنبي) . وتعد هذه أوطأ نسبة تخصيص مقارنة ً بقطاعات النفط والكهرباء والزراعة التي استأثرت ب 15% و 10% و 9.5% من إجمالي تخصيصات الاستثمار الحكومية والمقدرة ب ( 100مليار دولار ) .
. أن نشاط الصناعة التحويلية ( عدا النفط ) يشهد تراجعاً غير مسبوق في نسبة مساهمته في توليد الناتج المحلي الإجمالي ( بالأسعار الجارية) . فبعد أن كانت هذه النسبة 6% عام 1979 و 13.9% عام 1988 و 3.8% عام 1990, فأنها لم تزد عن 1.7% في عام 2008 .
. أن حصة نشاط الصناعة التحويلية للقطاع الخاص ( عدا النفط ) لا تزيد عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2008 . وهذا يعكس ضآلةحجم الاستثمار الصناعي للقطاع الخاص حيث لم تزد نسبة مساهمته في تكوين رأس المال الثابت عن 4% لعام 2007 ( وبالأسعار الثابتة لسنة أساس1988 ) .
. ولعدم حدوث أي تحسن سواء في هذه المؤشرات والمعطيات أم في بيئة ممارسة الأعمال , فأن بإمكاننا الجزم بأن القطاع الخاص لن يتمكن من الإيفاء بالتزاماته المفترضة في هذه الخطة ( هذا أذا تمكن من الحفاظ على مؤشرات أداءه الحالية دون انتكاسات وتراجعات جديدة ) .
أن وجود الفرص ( وتتيح الخطة فرصاً كبيرة في العديد من المجالات ) لا يعني بالضرورة قدرة القطاع الخاص على أستغلال هذه الفرص . فحين تؤكد الخطة على الحاجة لوحدات سكنية ملائمة تقدر ما بين 1- 3.5مليون وحدة سكنية فأن القطاع الخاص ( المحلي والأجنبي) لن يتمكن من تحويل هذه الأحتياجات المخططة الى فرص استثمارية حقيقية ما لم يتم تهيئة بيئة أعمال منظمة ومستقرة وضامنة للاستثمار طويل الأجل ومعززة بإطار مؤسسي مناسب وفعال.
. كما أن هذه الفرص ليست معزولة عن إطارها الاقتصادي والاجتماعي الأوسع . ولما كان 23% من السكان هم تحت خط الفقر الوطني ( المقدر بـ 77000 دينار شهرياً ) فأن هذا يعني أن حجم الطلب المحلي سيكون له دور محدود في تحفيز القطاع الخاص ( المحلي والأجنبي) على القيام باستثمارات منتجة طويلة الأجل , وكفيلة بتحقيق مستويات تشغيل مقبولة ومستقرة ومستدامة .


ثالثا ً : أنماط وسياسات التشغيل في القطاعين العام والخاص : المحددات والأمكانات والأهداف الرئيسة .

• أن نمط التشغيل الحالي هو انعكاس للبنية الاقتصادية القطاعية,والخصائص التقنية والتنظيمية للاقتصاد العراقي . وهذا النمط مبدد للموارد النفطية من خلال استيعاب جزء يسير من العاطلين بفرص عمل زائفة , بدلاً من استخدام هذه الموارد في إنجاز تنمية حقيقية تتيح فرص تشغيل متزايدة ومستدامة .
لقد تدهورت جميع مؤشرات نمو القطاعات الإنتاجية منذ العام 1990 . وبعد العام 2003 تعرض ما تبقى من النشاط الخاص الى ضربات مميتة أدت الى انحسار كبير في قدرته على التشغيل , في ذات الوقت الذي تفاقمت فيه معدلات البطالة المقنعة في القطاع الحكومي .
• وهكذا فأننا لم نحافظ لا على قدرات التنظيم البيروقراطية – المركزية السابقة التي نجحت الى حد ما في استيعاب جزء من قوة العمل , ولا على ديناميكية القطاع الخاص الذي وجد نفسه ضائعاً في خضم عملية تحول ( لم تنجز ابداً ) من الاقتصاد المركزي الى أقتصاد السوق .
وهذا يعني أن دور الدولة في التشغيل بعد العام 2003 ( وبالذات في القطاعات المنتجة – وهي قطاعات التنمية الحقيقية ) قد تراجع , بينما لم يتمكن القطاع الخاص ( العراقي والأجنبي ) من ملء الفراغ .
• وفي حين لم تتمكن الدولة ( بكل إمكاناتها ) من مواجهة تحديات تشغيل ثلثي السكان في سن العمل ( بإنتاجية مقبولة ومستمرة, وبما يسمح بمستوى معيشي لائق ومستقر) فأن السؤال الجوهري هنا هو كيف يستطيع القطاع الخاص ( ببنيته الاقتصادية والمؤسسية الحالية ) تحقيق ذلك ؟.
• أن مواجهة هذا التحدي تتطلب ضمان مستويات مرتفعة من الاستثمار تقترب من 35 % من الدخل الوطني , مما يتطلب تخصيص 45 % من موارد النفط للاستثمار , ومغادرة نمط تخصيص موارد النفط للاستهلاك العام ( تحت تأثير الالتباس في فهم معنى نظام الاقتصاد الحر في العراق, وإقتصار هذا المعنى على تكريس السياسة التجارية لخدمة نزعة الاستهلاك الاستيرادي المنفلت والسيء الأثر بكل المقاييس ) .
وهذا الالتباس يتيح للدولة تخصيص الجزء الأكبر من الموارد النفطية للأنفاق العام ( التشغيلي ) – الاستهلاكي على إفتراض أن القطاع الخاص هو الذي يتولى ( تلقائياً ) خلق فرص الاستثمار والإنتاج والاستخدام على المستوى الكلي , مقابل إيمان الدولة ( وإيمانها فقط ) بضرورة الأنتقال من الاقتصاد المخطط مركزياً الى اقتصاد السوق .
• أن من المستحيل تكليف قطاع أو أنشطة مستنزفة وهزيلة و متشظية الامكانات كأنشطة القطاع الخاص العراقي ( الهامشية والطفيلية بكل المقاييس) بحجم هائل من المسؤوليات الاقتصادية الحكومية الرئيسة (كدعم وتفعيل قطاعات الزراعة والري والطاقة والبناء والتشييد والأرتقاء بالوضع المزري للبنى التحتية ) .
• أن تفعيل هذه القطاعات هو الشرط الضروري – بل والكافي حالياً - لخلق بيئة ملائمة لتشغيل نام ومستقر يتجاوز بمراحل قدرات وأمكانات الحكومة العراقية الحالية ( على الصعيد التنظيمي المؤسسي , وعلى صعيد توفير التمويل اللازم , المرتبط هو الآخر بالنمط المتخلف لإدارة الموارد الاقتصادية ). فكيف يمكن للقطاع الخاص العراقي ( أو حتى الأجنبي) أن ينجح في تحقيق ما لا يمكن للدولة العراقية المتخمة بالريع النفطي تحقيقه ( في ظل ظروف ومعطيات معينة معروفة للجميع ) ؟
• أن مشكلة التشغيل في العراق هي أكبر وأهم من مشكلة البطالة . فحين يجسد نمط التشغيل السائد الطابع اللا إنتاجي للاقتصاد العراقي , ويعمل على إعاقة عملية التنمية الحقيقية ( من خلال التركيز على تهيئة فرص العمل الزائفة في القطاع الحكومي ) , فأن هذا النمط ذاته سيعمل على تفاقم مشكلة البطالة وعلى أستدامتها , وسيصبح هو أساس مشكلة البطالة بدلاً من أن يكون أحد الحلول الرئيسة , هذا أذا لم يكن هو الحل الناجح الوحيد لها .
• وتشير تقديرات موثوقة ألى أن عدد سكان العراق سيكون في حدود 33 مليون نسمة في العام 2011 . ومع وجود نمو سنوي مركب للسكان يقارب 3% . ومع أستقرار متوسط حجم الأسرة عند 6.9 من مدة طويلة , فأن هذا يحتم على الجميع ( الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ) الالتزام الصارم باشتراطات ومسؤوليات وأعباء وتكاليف عملية تحول العراق من أمة مستهلكة وطفيلية وفاسدة ومبددة للموارد الى أمة صناعية منتجة .
أن أول ما ينبغي أصلاحه هو نمط التشغيل الحكومي السائد , فهذا النمط لا يشكل فقط نمطاً معيباً وشاذاً للتصرف بالفائض الاقتصادي , بل أن مخاطره تتجاوز ذلك بكثير لتصل الى حد تخريب نظام الحوافز في القطاع الخاص ( والذي يعد الأجر المكتسب فيه واحداً من اهم عناصر ديناميكيته الذاتية ) .
• وأنها لمفارقة محزنة – و كارثية – أن تتمتع الأسر التي يعمل أثنان من أفرادها في القطاع الحكومي ( دون أي إنتاجية تذكر) بمستوى معيشي مُرضي بينما ينهش الفقر وعدم أستدامة الدخل , والأفتقار الى الاستقرار الاقتصادي أسر العاملين في القطاع الخاص , وذلك في تعارض صارخ مع ما يحدث في جميع الأمم والدول المنتجة في العالم ( بما في ذلك الكثير من الدول النامية ).
• أن الدولة العراقية تنتهج نمط تشغيل يقوم على الإعانة . و لأنها لا تمتلك نظام لإعانة البطالة ( بسبب تخلف أساليب التنظيم الاقتصادي بشكل عام ) فأنها تستبدل هذا النظام بنظام تشغيل زائف يعمل على تكديس الالآف من الموظفين في مؤسسات متخمة بالبطالة المقنعة والسافرة على حد سواء .
• أن حل مشكلة التشغيل يتطلب تغيير بيئة الأعمال في العراق تغييراً جذرياً . وهذه المهمة تتجاوز قدرات القطاع الخاص ( الحالي ) بكثير . فالمتطلبات والاشتراطات والأمكانات ذات الصلة بخلق هذه البيئة ليست اقتصادية فقط . أنها مؤسسية – قيمية – سلوكية – ثقافية . وأن وجود هذه البيئة يفترض الالتزام بضوابط ومدونات سلوك , و آليات لبناء الثقة بين جميع الأطراف ذات العلاقة . وبدون ذلك لا يمكن أن يتحقق الأمن الاقتصادي للجميع , ولن يتحرر المستثمر من رعب المخاطرة . ولا توجد أي فرصة حقيقية للإنجاز في غياب الإيمان بضرورة الإيفاء وعلى نحو سريع بجميع هذه الاشتراطات بإرادة اجتماعية وسياسية واضحة ومعلنة وملزمة للجميع .
• ورغم مرور ثمان سنوات على ما يفترض انه بداية الانتقال الى اقتصاد السوق , فأن التقرير الذي أصدره البنك الدولي بخصوص واقع أداء الأعمال في العالم , قد كشف عن تدهور موقع العراق في الجدول الخاص بذلك ليصبح تسلسله 166 من أصل 183 دولة مشمولة بالمسح في العام 2011 , فيما كان تسلسله 153 في مسح عام 2010 .
• ولأن التقدم , أو التراجع , في مؤشرات هذا المسح تمثل , أو تشكل , معياراً لمدى التحسن في البيئة الاستثمارية بالنسبة للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي ) , فأن هذا التراجع يعد بمثابة صدمة لهؤلاء الذين يفكرون في إمكانية إستغلال الفرص المتاحة أو الواعدة في الاقتصاد العراقي .
• أن من أهم مشاكل العراق الحالية هو عدم وجود إرادة سياسية قادرة على دعم وتعزيز جهود المختصين ( سواء أكانوا خبراء محليين أم منظمات دولية ) لتمكينهم من توجيه أو تصويب مسار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ككل , أو عملية الاستثمار بشكل خاص , وبما يسمح لهؤلاء الخبراء والمختصين بتوقع تغيرات سوق العمل والتنبؤ بها , لتشكل دليل إرشادي , وخارطة طريق يمكن للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي) الأسترشاد بها والعمل على وفقها , بدرجة معقولة من التوكد من المستقبل .
• إن العمل على وفق هذا المنظور طويل الأجل , يسمح بتبني مشاريع استثمارية تستديم من خلالها فرص الإنتاج والتشغيل , ولا تبقى محصورة في مشاريع طفيلية تحاول اقتناص فرص آنية قصيرة الأجل ليس لها أي تأثير إيجابي على واقع التشغيل في العراق .
• أن تحليل تأثير السياسات على الوظائف هو من المهام الرئيسة لمنظمة العمل الدولية ( وبقدر أقل للبنك الدولي) . ومن دواعي القلق هو أن هاتين المؤسستين لاتكادان تملكان أي تأثير على الأداء الاقتصادي للحكومات ( وبالذات في مجال صنع السياسة العامة ) , وبما يجعل هذه الحكومات مطلقة اليد في صياغة الأهداف الوسيطة والنهائية للسياسة الاقتصادية على نحو يخدم التوجهات السياسية الآنية ( التعبوية -الشعبوية ) على حساب المنظور الأكثر جدوى واستدامة , أي المنظور طويل الأجل .

رابعاً : التوجهات المقترحة : القطاعات المستهدفة وسياسات
الدعم

1- القطاعات المستهدفة

. أن الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي في العراق يعود الى النمو في إنتاجية القطاع النفطي ( أي صادرات النفط الخام ) فنمو حصيلة الصادرات النفطية (بفعل زيادة الإنتاج والأسعار ) هو المحدد الرئيسي للنمو الاقتصادي في العراق . وهذا النمو لا يسمح بتوفير فرص تشغيل كافية ( حتى بأفتراض استمراره بالتصاعد) لسبب بسيط وهو أن قطاع إستخراج النفط هو من أقل القطاعات تشغيلاً للأيدي العاملة .
. ولهذا ففي بلد شبه مدمر كالعراق فان قطاع البناء والتشييد ( وهو قطاع يستطيع النشاط الخاص المحلي والأجنبي أن يعمل فيه بيسر وكفاءة ) هو القطاع القادر على توفير أفضل فرص التشغيل الممكنة , وبأقل قدر من تكاليف الإعداد والتدريب , ولخلق أفضل مصادر الدخل للعاطلين كلياً أو جزئياً عن العمل .
. ويمكن من خلال إصلاح واقع عمل قطاع البناء والتشييد ( شديد التخلف حالياً ) إستيعاب مليون ونصف المليون مشتغل , في حال عملت الحكومة على تطوير إمكانات هذا القطاع , والنهوض بمستوى القدرات الوطنية المرتبطة به ( بتشابكاتها القطاعية الأمامية والخلفية) .
. ونقطة الأنطلاق في هذا التوجه , هي الدعم الحكومي لتأسيس شركات متخصصة في مختلف فروع قطاع البناء والتشييد الكبيرة والقادرة على توظيف أحدث التقنيات وأساليب الإدارة والتنظيم .
. وتستطيع الحكومة طرح أسهم هذه الشركات للاكتتاب , وبما يسمح للقطاع الخاص بإدارتها وملكيتها تدريجياً , على أن يتسق ذلك مع تحول الحكومة الى جانب العرض في هذا القطاع من خلال برامج دعم سخية لمشاريع إنتاج المواد الأنشائية المختلفة , وذلك بدلاً من الكلفة المرتفعة لاستيراد هذه المدخلات من الخارج .


2- سياسات الدعم

يمكن أيجاز أهم سياسات دعم القطاع الخاص بما يأتي :

. سياسة أقتصادية واضحة الرؤية , تقوم على توصيف دقيق لطبيعة النظام الاقتصادي في العراق , وتوزيع للدور والوظيفة على وفق هذا التوصيف , وبما يضمن إنجاز عملية التحول الى اقتصاد السوق على مراحل وبأقل كلفة اجتماعية ممكنة .
. سياسة استثمارية تدعم فاعلية الاستثمار الخاص المحلي والاجنبي من خلال الأرتقاء بقطاع البنى التحتية والخدمات الاساسية في الاقتصاد العراقي .

. سياسة تشغيل وطنية يتم بناءها على أساس الإيمان بأن القطاع الخاص هو القطاع الخالق لفرص العمل والمعزز للنمو المستدام .
. سياسة للتدريب وأستراتيجية للتعليم ( بمختلف مراحله) لا تجعل المخرجات عالة على سوق العمل , وتأخذ أحتياجات واولويات القطاع الخاص الآنية والمستقبلية بنظر الإعتبار .
إن برامج التدريب الحالية غير فاعلة في مجال التشغيل الخاص , ومبددة للجهد والموارد , لأن المتدربين فيها يجدونها وسيلة لتسهيل توظيفهم في القطاع الحكومي حصرا . وحين لاتتوفر لهم هذه الفرصة ,فأنهم سيقبلون بأية فرصة متاحة للعمل , بغض النظر عن مجالات تدريبهم السابق .
كما ان مخرجات التعليم هي أبعد ماتكون عن احتياجات سوق العمل . وتتسم هذه المخرجات بالعشوائية وانعدام الكفاءة المهنية . وعلى وفق بيانات وزارة العمل والشؤون الأجتماعية ( أيلول – سبتمبر 2010 ) فأن عدد العاطلين المسجلين في قاعدة البيانات التابعة لدائرة العمل , من بين الخريجين , بدءا من العام 2003 وحتى العام 2009 قد بلغ 1.5 مليون عاطل .


. سياسة تشغيل وسياسة لتحديد الحوافز والأجور في القطاع العام تعمل على تصحيح مسار نمط تخصيص الموارد لكي يتحول من جديد نحو القطاع الخاص الأكثر ديناميكية والأكثر مرونة في الإستجابة لتحديات التشغيل واحتياجات سوق العمل .
. ولا تحظى الأطر المؤسسية – القانونية بدور فاعل في تنظيم عملية التشغيل العشوائية في مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية . ولايبدو ان أحدا يأبه في العراق لكل هذه الفوضى وغياب المعايير الموضوعية عند إقرار أنظمة الأجور وأنظمة الحوافز في القطاع العام , ودورها في عرقلة عملية التشغيل في القطاع الخاص , في جميع أوجه النشاط , وللأجلين القصير والطويل معاً .
. أن هناك حاجة ماسة لأستحداث " هيئة وطنية للتشغيل وتخصيص الموارد البشرية " , تعمل على تطبيق أصلاحات جذرية في قطاع التوظيف بهدف التأسيس لنهج أكثر عدلاً في هذا المجال : نهج يعتمد المتغيرات الديناميكية في سوق العمل , ويعزز آليات الربط بين الأجور والإنتاجية , ويحترم قواعد التنافسية وقيم السوق, ويعمل على بناء الثقة بين الدولة والقطاع الخاص ( على الأقل في مجال إختصاصه الرئيس ) .

. أن مجلس الخدمة العامة الأتحادية المقترح ( في حال تأسيسه) سيكون مؤسسة حكومية بيروقراطية معنية أساساً بتوزيع جزء يسير من قوة العمل العاملة على المؤسسات الحكومية بغرض توظيفهم , ومن ثم تكريس نمط التشغيل المبدد للموارد ( الذي تمت الإشارة اليه آنفاً ) . وهذا يعني أن هذا التدبير المؤسسي سيكون معنياً أيضاً بتوزيع " إعانة ريعية " على عاطلين غير منتجين بفعل آلية تشغيلهم ذاتها . ومثل هذه التدابير رغم كونها " حكومية" و " عامة " ( وربما لكونها حكومية وعامة أساسا ) فهي غير مؤهلة لتأسيس نهج جديد في التشغيل يأخذ بنظر الإعتبار إزالة التعارض ما بين احتياجات واشتراطات وامكانات ومحددات العمل في القطاع الخاص , والعمل في القطاع الحكومي .

. وينطبق الأمر ذاته على غياب الأفق المعرفي , والتصور الواضح لدى صناع القرار , أو المشرعين , بصدد توصيف النظام الاقتصادي الانتقالي , وما يترتب على هذا الإلتباس من قرارات وقوانين وإجراءات وتدابير وسياسات تقرها وتعمل على نهجها السلطات التنفيذية , رغم تعارضها الصارخ مع أبسط متطلبات عمل القطاع الخاص , وخاصة فيما يتعلق بأنظمة الأجور والحوافز وسياسات التشغيل والنمط المتحيز للقطاع العام في تخصيص الموارد .


خاتمة:-

في حين لاتأخذ سياسات التشغيل، وبرامج التدريب، وأنظمة الحوافز المختلفة، التي تقوم الدولة العراقية بصياغتها واعدادها والعمل بها، إحتياجات وأشتراطات البيئة التي يعمل القطاع الخاص في إطارها حاليا ( وهي بيئة صعبة وغير مؤاتية على جميع الصعد )، فأن هذا الأخير سيبقى يعاني من تحديات لاقبل له على مواجهتها منفردا، وهي الأكثر أهمية بالنسبة لوجوده من صياغة سياسة التشغيل الخاصة به .
وهذا يعني ان اولوية هذا القطاع في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة ( من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق ) وما يحيط بها من غموض والتباس هي ليست سياسات التشغيل المستهدفة بل بذل اقصى جهد ممكن من قبل جميع الشركاء الاخرين لاعادة تفعيل ( ان لم يكن اعادة بناء ) القطاع الخاص، واطلاق انشطته في السوق الوطنية بقدر معقول من التنافسية والكفاءة، ودعمه دون شروط .
إن أية سياسة تشغيل لن تكون فاعلة وكفوءة الا اذا اتسمت بالتشاركية في انتهاج اساليب واليات متفق عليها، وفي صياغة ورسم دالة الهدف .
ان سياسة تشغيل بهذه المواصفات هي وحدها القادرة على ارساء حلول ناجعة لمشكلة البطالة في الضروف الحالية، وذلك بدلاً من سياسات وانماط التشغيل العشوائية المبددة للجهد والموارد، المعمول بها الان.




تم إعداد هذه الورقة بالإعتماد على المصادر الآتية :

1- جمهورية العراق . وزارة التخطيط , خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010- 2014 بغداد 2009 .
2- جمهورية العراق : سياسة التشغيل الوطنية ( مسودة أولى) آب – أغسطس 2010 .
3- وزارة التخطيط . الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات
- مسوح التشغيل والبطالة في العراق للأعوام 2003-2008
- المجموعات الإحصائية السنوية 2003-2008
4- أحمد ابريهي العلي . الصباح . العدد 2211 في31-3-2011 .
5- أحمد أبريهي العلي . الصباح . 5-3-2011.
6- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي : تقارير مختلفة عن مؤشرات الأقتصاد الكلي في العراق
2003-2010
7- د. مهدي العلاق , و د. مهدي الحافظ . الصباح . 23-2-2011
8- حسن الربيعي . الخطط الوطنية ومعوقات التنفيذ . الصباح. 29-3-2011
9- د. كمال البصري , الديموقراطية وتلكؤ التنمية في العراق . الصباح . 5-3-2011



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزن هنا .. فوق قلبي
- - فوضى هوبس - : الفرد الخائف .. والدولة التنين .
- أحزان مستلة .. من الفرح القديم
- همرات .. ورعاة .. ومسالخ
- الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب
- الشرق الأوسط الجديد : من مملكة المغرب .. الى سلطنة عمان
- مختارات من الكتاب الأخضر , للرجل الأخضر , القادم من - جهنم -
- ذل ٌ بارد ٌ .. ذل ٌ حار ْ
- حمّى الوديان المتصدّعة
- عندما لاتنخفض السماوات .. في الوقت المناسب
- لماذا راحتْ .. ولم تلتفتْ ؟
- وطن من صفيح .. وطن من ابل
- الرفاهية والأمثلية في الدولة الريعية الديموقراطية ( أعادة تو ...
- الأقتصاد السياسي للفصل السابع ( صندوق التعويضات , وصندوق تنم ...
- مواسم الهجرة من النهار الى الليل
- دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقي ...
- صحراء الربع الخالي
- الحوار الممكن .. بين الظلمة والنور
- مباديء الأقتصاد السياسي
- وطن الوجع .. ووجع الأمكنة


المزيد.....




- زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
- -الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج ...
- إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
- عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس ...
- الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول ...
- نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
- بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين ...
- الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك ...
- عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
- الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكالية الدور )