|
خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الخامسة) (1)
محمد علي زيني
الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 09:33
المحور:
الادارة و الاقتصاد
«لا يمكن أن تكون هناك حرية فردية حقيقية مع غياب الأمن الأقتصادي» «جستر باولز»
إن العراق بحالته الحاضرة، ولمدة عشرين سنة قادمة على الأقل، سيحتاج إلى الاستثمار الخاص المكثف في مختلف قطاعاته الاقتصادية غير النفطية، وبالأخص في قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية، كما ذكرنا في الحلقات السابقة. والاستثمار الخاص هذا لا بد له أن يأتي من الخارج نظراً لحاجة العراق إلى استثمارات هائلة، كما أوضحنا سابقاً، وعدم كفاية ما سيتوفر له من الداخل. أن هذا النوع من الأستثمار – وهو ما يسمى بالأستثمار الأجنبي المباشر – سوف لن يدخل العراق ما لم تتوفر له البيئة المؤاتية. أن أول الشروط الواجب توفرها لخلق البيئة المؤاتية هو توفر الأمن والأستقرار داخل البلاد. ذلك أن الأمن والاستقرار يمثلان صخرة الأساس أو الأرضية التحتية الصلبة التي يستند عليها البناء، وبانعدام الأمن والاستقرار تنعدم القدرة على توفير البيئة المؤاتية للاستثمار. أن الهدف المنشود من الأستثمار هو ليس فقط أعادة أعمار البلاد، وإنما يشمل أيضاً – وهذا هو المهم – بناء أقتصاد مزدهر ذو نمو مستدام، وبقطاعات أنتاجية قوية ونشطة، وقاعدة واسعة ومتنوعة تدر على الحكومة ضرائب مختلفة تكون بذاتها هي المموّل الأساسي للميزانية الحكومية كل سنة – وليس النفط.
لقد ذكرنا في الحلقة الماضية – إضافة الى أولوية توفر الأمن والأستقرار داخل البلاد – شرطين آخرين من الشروط الواجب استيفائها من أجل تحقيق حالة مُرضية من النمو الأقتصادي المستدام الذي، هو الآخر، سيعتمد مدى نجاحه على حسن التخطيط وتوفير البيئة المناسبة لاستثمارات القطاع الخاص التي يأتي على رأسها الأستثمار الأجنبى المباشر. ونُضيف في هذه الحلقة لتلك الشروط شرطاً آخراً فائق الأهمية – إن لم يكن أهم الشروط – ألا وهو: تطوير الموارد البشرية إن الاستثمار الحكومي الدافع لعملية التطور الاقتصادي هو الاستثمار في البنية التحتية، وهو على نوعين مادي وبشري. فالاستثمار المادي يتمثل في توفير الكهرباء والماء والمواصلات وبناء شبكات الصرف الصحي والطرق والجسور والسدود والخزانات وشبكات الإرواء...الخ. إن الاستثمار في البنية التحتية المادية يشجع الاستثمار الخاص ويقلل من كلفته ويزيد من كفاءته الإنتاجية. فهو، إضافة لمساهمته في تعزيز رفاهية المواطنين وتوفير الحياة الأفضل لهم، يكمل النشاط الاقتصادي الخاص ويدعمه ويساهم بذلك في تنشيط الإنتاج وزيادة الناتج المحلي. أما الاستثمار البشري، أي تطوير الموارد البشرية، فهو ـ بحق ـ غاية من غايات التطور الاقتصادي باعتبار أن خير الإنسان هو المنشود من هذه العملية، كما أنه عامل أساسي في زيادة الإنتاجية (Productivity) وفي ارتفاع نمو الناتج المحلي. لقد دلت تجارب الخمسة عقود الماضية على أن الاستثمار البشري هو القاعدة الأساسية التي يستند إليها التطور الاقتصادي. ويكفي أن ننظر إلى تجربتي اليابان وكوريا الجنوبية في توسعهما الكبير في برامج التعليم والتدريب ومدى التطور الاقتصادي الذي حققتاه، لكي ندرك أهمية الاستثمار البشري في عملية التطور الاقتصادي. ويشمل الاستثمار البشري الإنفاق الحكومي على نشر التعليم وتوسيع التدريب الفني وتوفير المياه الصالحة للشرب والعناية بالصحة العامة والاهتمام ببرامج التغذية والتلقيح وتعليم المرأة والتخطيط العائلي. وقد دلّت التجارب على أن مردود الاهتمام بالتعليم الابتدائي والثانوي هو أعلى من مردود الاهتمام بالتعليم العالي، وأن مردود العناية بالصحة العامة هو أعلى من مردود العناية بالصحة العلاجية العالية الكلفة. كما دلت التجارب على أن تعليم المرأة ومساواة فرصها في التعليم مع الرجل يضاعف من أثر التعليم في عملية التطور الاقتصادي. على أن النظام التعليمي الحالي بالعراق، والذي أُعد أساساً لتخريج موظفين حكوميين، قد عفى عليه الزمن وأصبح لا يتماشى مع متطلبات قطاع خاص ناهض يقود عملية التنمية كما نريد لها في العراق. ذلك أن القطاع الخاص، لكي يتميز بإنتاجية عالية وقدرة على المنافسة الخارجية، في عصر المعلوماتية هذا، سيحتاج إلى عمالة ماهرة ذات معارف واسعة وقدرة على استعمال الكومبيوتر والإلمام باللغة الإنجليزية لاستغلال ما تقدمه الشبكة العالمية (الانترنت) من علوم وتكنولوجيا ومعارف إنتاجية وإمكانيات تسويقية. إن ذلك يتطلب مراجعة عامة للمناهج التعليمية الحالية التي تركز على الحفظ والاستذكار وتطويرها لتنشئة أجيال ذات إمكانيات تحليلية قادرة على البحث عن المعلومات والوصول إليها واستغلالها بما يفيد أصحاب المصالح وأرباب العمل(2). محنة ذوي الكفاءات من جانب آخر، يتعين على الدولة خلق مستلزمات الحفاظ داخل البلد على العراقيين من أصحاب الكفاءات والطاقات والمهارات والإمكانيات الخاصة من خلال توفير المناخ المناسب للعمل والإبداع والأبتكار وصيانة الكرامة والشعور «بالوطنية الاقتصادية» إضافة إلى الوطنية السياسية. أن مناخ الرعب والقمع والخوف والإذلال الذي كان يسود العراق في ظل نـظام صدام هو مناخ طارد لذوي الكفاءات والمهارات والقدرات. كما أن مناخ الأغتيالات والإرهاب والعنف وانعدام الطمأنينة كما أصبحت الحال عليه الآن منذ سقوط النظام هو أيضاً مناخ طارد لتلك الشريحة المهمة من الشعب. إن مغادرة العراق من قبل ذوي الكفاءات والقدرات الخاصة لازالت تجري على قدم وساق حتى الآن، وإن مثل هذا النزيف المخيف والمدمر إقتصادياً سيستمر طالما انعدم الأمن وانتشرت الجريمة واستمر العنف والإرهاب وبقي علماء العراق دون حماية من حكومة أو مظلة من سلطة، تهوى نجوم منهم بين الحين والآخرنتيجة طلقة جبانة من كاتم صوت. وعادة ما يتبع هذه الجريمة النكراء والحدث الجلل أستنكار في جريدة هنا أوحشد تأبيني هناك ثم تُنسى الجريمة النكراء ويبقى القتلة المجرمون، حاملوا كاتم الصوت، يصولون ويجولون في مدن العراق المنكوبة دون رادع يردعهم، وكأن العراق قد خلا من ملايين الشرطة والعساكر وضباطهم بآلافهم المؤلفة وهم جميعاً يثقلون خزينة الدولة بمرتباتهم ومخصصاتهم. ومحنة المغتربين وحتى أولئك العلماء المغتربين الذين بدأوا يعودون الى العراق بين الفينة والأخرى بعد سقوط الدكتاتورية، مدفوعين بحبهم الشديد للوطن والتفاني في خدمته، لم يشاهدوا من المسؤولين صدوراً رحبة أو آذاناً صاغية، بل واجهوا شتى العراقيل توضع أمامهم لمنعهم من الألتحاق بخدمة الوطن، وكأن المسؤولين الحاليين الذين تسنموا مقاليد السلطة الحكومية على اختلاف طبقاتها ومستوياتها لا يحسنون للتفاهم مع العلماء العائدين لخدمة الوطن إلا لغة الأنانية والأقصاء. وشاهدٌ على مايحدث لهؤلاء كاتب هذه السطور حينما حظر بغداد في أواخر سنة 2008 ضمن مجموعة كبيرة من ذوي الكفاءات والأختصاصات النادرة توجهت الى العراق من مختلف أقطار العالم تلبية لدعوة خاصة من مجلس النواب. وفي صبيحة افتتاح ذلك الحشد الكبير في فندق الرشيد حظر عليةُ القوم يتقدمهم رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وممثلٌ عن رئيس الجمهورية، وتوالت الخطابات والقصائد الطنانة الرنانة، كلٌ يضع ذوي الكفاءات على الرأس وداخل القلب وفي حدقة العين، وكلٌ يطلب – بل يتوسل – من ذوي الكفاءات الرجوع الى الوطن الحبيب من أجل البناء وأعادة الأعمار والمشاركة بشرف نهضة العراق بشتى الجوانب بما فيها العمرانية والعلمية والفكرية والأقتصادية ...ألخ. ولكن ما أن انقضى وقت الأفتتاح وأُطفئت الأنوار المسلطة على المسرح وتوارت كاميرات التلفزيونات الفضائية توارى معها المسؤولون على اختلاف مراكزهم وألوانهم، وكأن واجبات هؤلاء قد انتهت بمجرد ألقاء الكلام الفارغ على المسرح والتطبيل أمام كاميرات التلفزيون بوعود دونكيشوتية سرعان ما تلاشت على موجات الأثير. ولم يتحقق بعد ذلك أي شيئ يستحق الذكر بخصوص تشجيع ذوي الكفاءات وتسهيل عودتهم للمشاركة حقاً في بناء الوطن. لقد كان الأمر كله جعجعة بلا طحين! أو ليست الحال كانت كذلك وما زالت منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ولغاية الوقت الحاضر - جعجعة بلا طحين؟ التخطيط العائلي يشمل الاستثمار البشري أيضاً التخطيط العائلي للسيطرة على النمو السكاني. إن نسبة النمو السكاني إذا كانت عالية ستقود إلى حلقة فقر مغلقة، خصوصاً إذا تجاوزت بحجمها نسبة النمو في الناتج المحلي. ذلك أن الفقر يشجع على التكاثر السكاني العالي وهذا بدوره يؤدي إلى تكريس الفقر وهكذا تكتمل الحلقة، ولا يمكن كسرها إلاّ بتخفيض نسبة النمو السكاني لتصبح أقل من نسبة نمو الناتج المحلي، أو زيادة نسبة نمو الناتج المحلي لتصبح أعلى من نسبة النمو السكاني، أو بكليهما معاً. إن الدول التي خطت خطوات ثابتة في طريق التطور الاقتصادي وحققت مستويات جيدة من التطور هي تلك الدول التي زادت فيها نسبة نمو الناتج المحلي على نسبة النمو السكاني بنحو 2 بالمائة سنوياً كحد أدنى(3). إن تطوير الموارد البشرية هو ـ كما قلنا ـ غاية بحدّ ذاتها، وهو أيضاً وسيلة لتحقيق التنمية. فالاستثمار في نشر التعليم وتطوير المهارات وتحسين المستوى الصحي هو ـ باختصار ـ من أجل تحضير إنسان صالح جسمياً وعقلياً، قادر على الإنتاج والابتكار. كما أن التخطيط العائلي، والذي يتضمن تثقيف العائلة وتوعيتها للسيطرة على حجم العائلة وبالتالي الحد من التكاثر السكاني، هدفه فسح المجال أمام نمو الناتج المحلي لكي يفوق النمو السكاني، وذلك من أجل تحقيق نمو معقول في الدخل الفردي وبالتالي تحسين المستوى المعاشي للفرد. على أن سياسة النظام العراقي السابق كانت منافية لسياسة الاستثمار البشري فيما يخص التخطيط العائلي. فذلك النظام ـ على عكس سياسة التخطيط العائلي السليمة ـ كان يشجع التكاثر السكاني ويوفر الحوافز المادية للعائلة الكبيرة. وقد تجاوزت نسبة النمو السكاني في العراق خلال الثمانينات 3.5 بالمائة سنوياً، ولا تزال من أعلى النسب بالعالم. والنظام بهذه السياسة ـ وهي سياسة صدام الشخصية ـ كان يفكر بعقلية بدوية قبلية تعتقد بأنّ القوة تأتي من العدد، وأن البلد ـ طبعاً ـ بحاجة إلى هذه القوة خصوصاً في أوقات الحروب والغزوات. وقد رأينا بعد ذلك ماذا حلّ بالدخل الفردي نتيجة تدهور الناتج المحلي المستمر من جهة، والنمو السكاني بوتيرة عالية جداً من جهة أخرى. فقد باتت شريحة كبيرة من الشعب العراقي تعيش على أقل من دولار واحد باليوم وهو مستوى للمعيشة بلغته أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية قبل مائتي عام. تشوه الشخصية العراقية لقد أصاب الاستثمار البشري في ظل النظام السابق نكبتان، نكبة الحرب ونكبة الحكم. فبينما تعرقل الاستثمار البشري خلال حرب الخليج الأولى (الحرب مع أيران) فإنه أصيب بنكبة كبرى خلال حرب الخليج الثانية وما بعدها (الحرب إثر غزو الكويت زائداً الحصار الأقتصادي). ولعل جميعنا يعرف الآن تفاصيل ما حلّ بالإنسان العراقي خلال تلك الحرب وما جرى داخل العراق في ظل الحصار الاقتصادي الذي ضُرب على العراق، ولا نريد أن نكرر هنا تفاصيل المأساة التي حلت بالتغذية وبالصحة العامة(4). أما التعليم الابتدائي والفني فإنّه لا شك قد تعرض لانتكاسة كبرى رغم إلزامية التعليم الابتدائي. ذلك أن التوسع في التعليم يتناسب مع توفر الأموال الاستثمارية لهذا الغرض، وأن مثل هذه الأموال لن تتوفر طالما بقيت الحكومة مفلسة، كما أصبحت عليه الحال في ظل الحصار. أما النكبة التي أصابت الاستثمار البشري بسبب الحكم الصدامي الرهيب فهي أشمل وأنكى من نكبة الحرب، ذلك أن الأخيرة ستزول آثارها تدريجياً ـ كما نأمل ـ بعد أن زال الحصار، أما الأولى فإنها ستبقى لسنين طويلة بالعراق قد تستغرق جيلاً كاملاً رغم زوال الحصار وسقوط النظام. وماهيّة نكبة الحكم هو التشوه الخطير الذي أصاب الشخصية العراقية إضافة إلى سياسات النظام الخاطئة. فبينما الغرض الأساسي من الاستثمار البشري هو تنشئة الإنسان السليم جسمياً وعقلياً، القادر على الإنتاج والابتكار، نرى ـ بعكس ذلك ـ إصرار النظام السابق على تنشئة «العراقي الجديد» كما كان يسميه صدام حسين. وهذا «العراقي الجديد» معطوب في بنيته الجسمية والفكرية، مكبل بالأغلال، مهدور الكرامة، مسلوب الإرادة. إن إنساناً في ظل عبودية كهذه وفي ذعر دائم يترسخ عنده شعور قوي بكراهية السلطة، كما تترسخ عنده كراهية الدولة أيضا نتيجة للخلط المضطرب بين السلطة والدولة. وينتج عن هذه الحالة أن ينخفض عنده الشعور بالمواطنة والمسؤولية والانتماء ويفقد الأمل ويعتل جسمه وتنعدم كفاءته وينغلق تفكيره وتتبدد قدراته. إن إنساناً كهذا يكون على طرفي نقيض مع الإنتاج والابتكار والإبداع! ثم يأتي ـ فوق تشوه الشخصية ـ دور سياسات النظام الاقتصادية الخاطئة لتزيد عملية الإنتاج في العراق دماراً. إن عائد الاستثمار البشري عالي جداً ولكنه ينخفض إذا صاحبته سياسات غير سليمة. ومن بين السياسات الاقتصادية المشوهة، أو غير السليمة، سياسات نقدية ومالية مضطربة، عجز مستديم في الميزانية الحكومية، تضخم عالي، سعر صرف رسمي مرتفع للعملة المحلية من شأنه إعطائها قيمة عالية تجاه العملات الأجنبية (Overvalued Currency). إن السياسة الاقتصادية في العراق أضحت تتسم بكافة الاختلالات المذكورة خلال النظام المقبور. إرتداد الى النظام القبلي كذلك من بين السياسات التي كان النظام يتبعها، وذلك من أجل أحكام السيطرة على شرائح الشعب المختلفة، هي الارتداد إلى النظام القبلي المتخلف. فبالإضافة إلى الانعكاسات السلبية الاجتماعية والقانونية لمثل هذا النظام، فإن له انعكاسات سلبية على الاقتصاد أيضاً. ذلك أن النظام القبلي يرسخ مبادئ الأوتوقراطية والتفرد باتخاذ القرار بعيداً عن سلطة القانون والدولة(5) وإن الولاء في ظل هذا النظام يتراجع عن الوطن ليتوجه بصورة رئيسية نحو العشيرة أو القبيلة. وينتج عن ذلك أن تتقدم الصلات القبلية ـ ولربما الصلات الطائفية والعرقية أيضاً التي كان يؤججها النظام العراقي ـ على المؤهلات والجدارة الشخصية المتعلقة بالمهارات والتحصيل العلمي والخبرات المهنية في مليء الوظائف الحكومية وغير الحكومية، كما قد تؤثر تلك الصلات على اتخاذ القرارات والمسائلة في العمل، فيتراجع الإنتاج كماً ونوعاً تبعاً لذلك. هل تعلم حكام العراق الجدد؟ أن كل ما جاء تحت شرط تطوير الموارد البشرية ما هو إلاّ إخطار جلي وفائق الأهمية إلى حكومات العهد الجديد التي جاءت على أنقاض النظام السابق، مفاده أن السياسات التي تبناها ذلك النظام في تعامله مع موارد العراق البشرية هي سياسات خاطئة وخطرة، فهي مسخت شخصية الفرد العراقي من جهة وتراجعت باقتصاد البلاد إلى الوراء من جهة أخرى. لذلك ينبغي على حكومات العهد الجديد تلافي تلك السياسات والاعتبار بما حدث، وليس تكرارها أو ربما تبني سياسات أسوأ وأخطر منها. على أن ما جرى منذ سقوط النظام، ويستمر جارياً الآن، وللأسف الشديد، يمثل خيبة أمل كبرى لا يستحقها الشعب العراق المظلوم الذي عانى أشد الويلات لعقود طويلة تحت نظام صدام المقبور. فالأصطفافات الطائفية والأثنية والحزبية والحكم على أساس المحاصصة فيما بينها، كما يجري الآن، هي أكثر سوءاً من الارتداد إلى النظام القبلي المتخلف. فهذه السياسات الخطرة جداً تولد، دون أدنى ريب، انحرافاً في الولاء الواجب توجهه إلى الوطن، ليتحول هذه المرة إلى الطائفة والعرق والحزب والكتلة. والمحاصصة على هذه الشاكلة يستشري في ظلها فساد رهيب يقود الدولة بالنهاية إلى الفشل. وينشأ في ظل دولة فاشلة كهذه(6) شعب مسخ، فاسد، لا يعرف معنىً للمواطنة ولا ولاءاً للوطن. حتى النظام القبلي الذي تراجع بشدة بعد ثورة تموز 1958، والذي أعاد صدام حسين الحياة له من أجل أحكام السيطرة على فئات الشعب، لازال يترعرع في العراق بصحة وعافية، وقد أعطاه رئيس مجلس الوزراء، السيد المالكي، جرعة منشطة من خلال تكوين مجالس إسناد العشائر وتمويلها، بنفس الوقت، من خزينة الدولة.
(1) هذا المقال مقتبس – مع أجراء بعض الأضافات والتحويرات المناسبة – من كتاب الدكتور محمد علي زيني "ا لأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل"، الطبعة الثالثة 2010. يمكن تنزيل الكتاب كاملاً من الموقع: www.muhammadalizainy.com كذلك يمكن الأطلاع على الحلقات السابقة من هذا المقال بالرجوع الى موقع الكاتب في الحوار المتمدن، وهو على الأنترنت بعنوان: http://www.ahewar.org/m.asp?i=3340 (2) من أجل الأطلاع على العديد من الأصلاحات الأقتصادية المطلوبة للوطن العربي، والتي تنطبق على حالة العراق أيضاً، أنظر: نشرة الشرق الأوسط الأقتصادية، تموز/آب 1999، العالم العربي، الأستعداد للأنتقال الى عصر جديد من النمو: مجموعة الشرق الأوسط للأستثمار، بيروت، لبنان، ص 6 – 8. (3) أنظر: Muhammad-Ali Zainy, 2004, "The Iraqi Economy: Present State and Future Challenges". The Emirates Centre for Strategic Studies and Research, ِAbu Dhabi, UAE. (4) راجع الفصول الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من الكتاب المذكور في الهامش رقم (1). (5) نشرة الشرق الأوسط الاقتصادية، تموز/آب 1999، مصدر سابق. (6) للدلالة على فشل دولة العراق في الوقت الحاضر أنظر مكانة العراق بين دول العالم في المراجع العالمية التي تُنشر بهذا الشأن ومن بينها دليل التنمية البشرية الذي تُصدّره الأمم المتحدة، علامات مؤشر الفساد لدول العالم الذي يصدر سنوياً عن منظمة الشفافية العالمية، المؤشرات السنوية للأستقرار والنظام والأداء الحكومي التي تصدر عن مؤسسة "بصيرة الأنسانية"، ومن الجدير بالذكر أن آخر مسح للمؤشرات الأخيرة الذي أطّلع عليه الكاتب كان لسنة 2009، وقد حصّلت الحكومة العراقية على درجة صفر من عشرة بخصوص الأداء.
#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الرابعة) (1)
-
خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثالثة) (1)
-
خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثانية)
-
خارطة طريق إقتصادية (الحلقة الأولى)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة السادسة، وهي الأخيرة)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة الخامسة)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة الرابعة)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة الثالثة)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة الثانية)(1)
-
الفساد في العراق (الحلقة الأولى)*
-
صفقة الغاز مع شل مُدمّرة للصناعات العراقيية
-
نعم جولتي التراخيص النفطية هي تبديد لثروة الشعب العراقي، بل
...
-
الغاز الطبيعي العراقي: هدرٌ أم استغلال لمصلحة الوطن ؟
-
وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي
-
الاقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل
-
دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعر
...
المزيد.....
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
-
البنك الأوروبي: التوترات التجارية تهدد الاستقرار المالي لمنط
...
-
مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|