|
أي عراق هذا ، بلا مسيحيين ؟!!
فالح حسون الدراجي
الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 14:42
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
قرأت خبرين صحفيين، فقلبا كياني، وعكرا مزاجي، بل وأشعلا النار في صدري، الخبر الأول،يتحدث عن سعي المسيحيين العراقيين،المقيمين في أمريكا وكندا وأستراليا،لمساعدة أقاربهم في العراق،على الهجرة الى هذه البلدان، والخبرالثاني،هو دعوة الكنيسة السويدية للحكومة،على منح المسيحيين العراقيين حق اللجوء في السويد، وأذا نجح هذان المسعان، فوالله لن يظل في العراق بعد اليوم مسيحي واحد، فيا للكارثة ، ويا لمصيبتنا جميعآ ؟! أغمض عينك،وتخيل معي العراق - لا سمح الله - بلا مسيحيين، ولاصابئة، ولا يزيديين، فهل يستحق حينها أن نسميه العراق؟! العراق الذي يسع أسمه لكل الطوائف والملل ، ففي كل حرف منه طائفة، وفي كل شهقة دين ، وفي كل نبضة طيف، فأذا كان المسلمون يمثلون حرف العين في كلمة (العراق) ، فأن المسيحيين يمثلون بحق حرف الراء فيها، ومثل المسيحيين، فأن للأخوة الصابئة حرفآ في كلمة العراق ، وللأزيديين الحق نفسه ، وكم سيكون جميلآ ، لو كان لليهود العراقييون وجود في هذا التشكيل الفريد !! مرة كتبت مقالة ، يتذكرها دائمآ معلمنا، معلم المحبة والجمال، البروفسورعبد الأله الصائغ، قلت فيها : ( أن الله أحب العراق فمنحه نعمة التنويع، ومثلما منحه ماء الفراتين والنخيل ، والأرض الآمنة التي لا تهتز ولا تختض أبدآ، ومنحه النفط الذي يجري من تحت أرضه ذهبآ، فأن الله منحه أيضآ نعمة الأطياف، والأقوام، والألوان، من العرب والكرد ،الى التركمان،ومن الكلدان والآشوريين،الى الشبك والأرمن،أقوام ولغات، أديان ومذاهب، أنها نعمة من الله حقآ، ومن يعترض على هذه القسمة الالهية، أنما يعترض على هبة الله وقسمته، وينكرفضل عطاياه، أذ كيف يريدالله للعراق أن يكون مضاء،بحزمة من الشموع الملونة، بينما يريده المنطفئون مظلمآ، لاتنيره غير شمعة واحدة ؟! أليس هذاعصيانآ على حكم الخالق، وماذا سيقول( المؤمنون) عنا، لو عصينا نحن - لا سمح الله - حكم الخالق، وفعلنا فعلتهم القذرة ، ففجرنا الكنائس، وعلقنا أسماء المسيحيين على الجوامع ، وقتلنا الطلبة المسيحيين، وفجرنا محلات غير المسلمين، ألا يوصموننا بالألحاد ، والكفر، وعصيان أمرالله، لأننا كفرنا بنعمته؟! ناهيك عن وصمة العمالة الجاهزة، التي لم يسلم منها حتى الشهداء !! وعلى ذكر العمالة ، ثمة حادثة مضحكة، وقعت في عهد نوري السعيد ، يوم تظاهرالوطنيون العراقيون، وهم يرددون هتافات ضد نوري السعيد شخصيآ، وحين مروا من أمام مركزشرطة السعدون، هتفوا بقوة : ( يسقط العميل نوري سعيد ... يسقط العميل نوري سعيد) فما كان من أفراد الشرطة، الذين كانوا يقفون في باب المركز،الا أن هتفوا مدافعين عن عمهم الباشا بهتاف معاكس، قائلين دون معرفة بما يهتفون : - (على أعنادكم، يعيش العميل نوري سعيد ) !! وعودة الى ثيمة الموضوع، فأني أعتقد أن أخلاء العراق من المسيحيين، هوعملية قصدية يراد منها تجفيف منابع الجمال في العراق، ويراد تصحره أيضآ، فقد أرقهم هذا القوس قزح العراقي !! فالمسيحيون العراقيون( كلدانآ وآشور) ليسوا أصل الحضارة العراقية ، وجذرها التأريخي فحسب ، وليسوا كفاءات العراق وأدمغته العلمية والطبية فقط ، أنما هم زهورالعراق ووروده، وعطرمحبته، وحلاوته وروعة فنونه، ناهيك عن أن فيهم، من قادعملية النضال الوطني، بجدارة وشجاعة متميزتين، كقيادة الشهيد يوسف سلمان( فهد )الذي أرتقى أعواد المشانق، وهو يهتف بأسم العراق!! فبأي حق أذن ، ينكرون على مثل هؤلاء النجباء عراقيتهم؟! وعدا جمال المسيجيين، وتأريخهم الحضاري، وتضحياتهم الوطنية، فأن لصحبة ورفقة المسيحي العراقي مذاقآ خاصآ، ونكهة فريدة ، وطعمآ لايشبهه طعم عند كل مسيحي الأرض،ففي هذه الصحبة ملمس ناعم كالحرير،ودفء مميزكحضن الأمهات ، ووفاء قل مثيله ، فالمسيحي العراقي لا يغدر بصاحبه قط !! ولا يخون محبه أبدآ أبدآ، أسألوني ، فقد أحببت يومآ عذراء من قوم عيسى ، وأنا فتى في أول العمر، وهي كذلك، وحين هاجرت مع عائلتها الى أستراليا ، ظلت وفية لحبي، فقد نقشت أسمي على زندها ( كأي معيدية من معيديات هور الصحين ) !! حتى أنها أضربت عن الطعام ، وأرتدت الأسود، وقاطعت كل شيء، لأجل حبيبها ( المسلم ) فأي نبل هذا ، وأي وفاء ؟! كان لها وجه مضيء ومستدير كالقمر، ولهاعينان خضراوان كالعشب، ولها فتنة لا تقاوم، كان أسمها ( ليلى يلدا )، وكنت أسميها ( أم وجه كمرة ، وعين خضرة ) !! وبقينا على أتصال بعد سفرها لعشر سنوات، أذ كانت ترسل لي الرسائل والمعايدات والهدايا ، وكنت أتصل بها كلما تتاح لي الفرصة، الى أن حلت( القادسية المصخمة ) ، حيث أخذت منا كل شيء، ولم أعد أعرف أين أصبحت( أم عين خضرة والوجه كمرة) !! أما عن علاقة المسلمين بأشقائهم المسيحيين العراقيين، فأعتقد أني سأكررالكلام ذاته، الذي قيل من قبل ألف مرة ، لو أعدته عليكم الوم ثانية، فقد كان العراقي لا يسأل عن دين، أو مذهب، أو قومية صديقه، والجارالعراقي لا يعرف دين جاره، الا في المناسبات والأعياد الدينية ، أذ كان المسلمون والمسيحيون معآ في كل شيء، لذلك تجد أن المسلمين يأكلون في مطاعم مسيحية ، وتجدالمسيحيين يأكلون ويشربون في بيوت أصدقائهم المسلمين دون أي سين أو جيم !! ولم يكن الأمر مختصرآ على المسلمين والمسيحيين فقط، بل كانت الشجرة العراقية ، تحمل أثمارالمحبة المزهرة ، من مختلف الأديان والألوان، مسلمبن ومسيحيين وصابئة وأزيديين ويهودآ،عربآ وكردآ وتركمان، كلدانيين وآشوريين وغيرهم، وحول أحبتنا الأكراد، أذكرأني بعثت رسالة الى أخي وزميلي رياض الحسيني، بعد أن علمت أن الأخوة الكتاب الأكراد ، قد أنسحبوا من أتحاد الكتاب والصحفيين في المهجر، أحثه فيها على رفض أنسحابهم، وبذل كل الجهود لأقناعهم وثنيهم عن الأنسحاب بمختلف الوسائل والمؤثرات، وأذكرأني كتبت له أقول: (عزيزي رياض، أن أشبه الأخوة الأكراد كملح الطعام ، فتخيل طعم الزاد العراقي حين يكون بلا ملح،أظن أنك ستتفق معي في أنه سيكون ماصخآ جدآ لا يطاق، ولا يذاق) !! لقد كنت ولم أزل حتى هذه اللحظة ، أعتبر الأكراد روح العراق، وليس ملحه فقط ، لذلك فقد كنت منذ صباي، والى اليوم أدافع عن حقوق الأكراد، ويشرفني أن أتلقى أول ( محمودي ) في حياتي، بسبب القضية الكردية ، حيث كنت أرافق شقيقي الشهيد (أبو سلام) وأساعده بحمل ( قوطية البويا الحمره ) ليخط هوعلى جدران معمل صادق الشكرجي في كمب الصليخ ،عبارة (السلم في كردستان) وقد أمسكوا به وبي، فأقتيد هوالى المركزليعتقل سبعة أيام ، في حين أنهم أطلقوا سراحي من الشارع لصغر سني، بعد أن ( صلخني المعاون براشدي محترم) !! ورغم أنف الطغاة والشوفينيين ، فسيبصم الحق والأستحقاق على ورق الأيام ، أعترافآ للأمم المقموعة والمظطهدة ، بحقها في تقرير مصيرها، ومستقبلها، وسيكون الكرد أول من سيأخذ هذا الحق، وينال هذاالأستحقاق ، وهو ليس منة من أحد ، بقدر ما هوثمن لأنهارالدم ،التي دفعها أشقاؤنا الأكراد، على مر الأزمان والحقب ، لذلك فأن للأكراد كل الحق في أتخاذ أي قراريجدونه مناسبآ لهم،ومناسبآ لطموحات أجيالهم المتطلعة للحرية، والخير،والسلام ، شريطة أن لا يفصم هذا القرارعرى الأخوة ، وسلسال المحبة مع كل أشقائهم ، العرب والتركمان والكلدان والآشوريين وغيرهم من طوائف العراق ، فأنا كعربي مثلآ، لا أريد لحريتي أن تأتي على جثة حرية الكردي ، أو التركماني ، أو غيرهما ، وأنا الشيعي أرفض لسلطتي أن تقام، على أعناق الأخوة السنة ، أو المسيحيين، أوالصابئة !! لذلك لا أريد لنبض الكردي أن يبتعد عن نبضي، بخاصة وأن ثمة فضاء الفدرالية القادر على أحتضاننا جميعآ !! صحيح أنا (الشيعي) أضطهدت ، وقمعت طائفتي ، من قبل السلطة الفاشية والطائفية ، وصحيح أنا العربي ( الشروكي) عانيت كثيرآ من تمييز السلطات الشوفينية، تمامآ مثلما عانى منها أخي الكردي، وصحيح أن من حق الشيعي المقموع ، والشروكي المضطهد ، أن يطالب بحقوقه المهدورة على أبواب ثمانين عامآ ، لكن ورغم كل ذلك الظلم، وتلك المعاناة ، فأن قلبي (أنا الشيعي العراقي، والعربي الشروكي) لم يزل ينبض بحب العراقي الآخر، دون أن أسأل عن قوميته ، أو ديانته ، أو مذهبه ، وشرطي الوحيد على محبته ، أن يكون عراقيآ ( فقط ) !! أجل لم يزل قلبي حديقة للحب والحياة والأمل، تتقبل كل قادم أليها بسرور، ليستريح على عشبها ، السني والمسيحي والصابئي،وكذلك العربي( الآخر ) الذي قمعني ثمانين عامآ ، وكذلك أخي الكردي والتركماني ، والكلداني والآشوري ، لأن الوطن للجميع ، والعراق لكل العراقيين، سواء من كان في الداخل أو في الخارج ، مسلمين ومسيحيين ومندائيين وأزيديين وغيرهم، نتقاسم جميعآ حروف أسمه الجميل، كما يتقاسم الأشقاء ميراث المحبة من قلب الأب، أو صدرالأم !! فتحية للمسيحيين الصابرين في الداخل، والمتشبثين برغيف تلكيف، وماء القوش ،وخضرة بطناية، ولكنة المصالوة المميزة، وذكريات بغداد الجديدة ، وملاعب الحبانية، تحية لهم وهم يدافعون عن العراق بأسلحة الحب ، والجمال والأبداع ، والأصرار على البقاء ، والتشبث بالجذر حتى الشهقة الأخيرة ، وتحية للأكراد العراقيين ، وهم يناضلون بيقين الأخوة الأبدية ، والمحبة العراقية ، من أجل حقوقهم ، وحقوقنا العادلة، في الحرية والفدرالية والديمقراطية ، وتحية لكل عراقي شريف يؤمن( بأن البقاء للأجذر) ... وهل هناك أجذر منا في الكون عرقآ، في عراقنا ، الأب والأم والأحبة ؟!! أخيرآ وأنا أكتب هذه المقالة ، سألني ولدي حسون ضاحكآ : ( بابا ، أذا ماكو بالعراق مسيحيين ولا أكراد شتسوي ) ؟! فضحكت وقلت له : ( أشيله وأذبه بالشط ) !!!!
#فالح_حسون_الدراجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|