|
الورد.....والخبز
مؤيد عبد الستار
الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 14:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عاشت البلدان الاوربية تجارب طويلة أوصلتها الى ما هي عليه من ممارسة متميزة للديمقراطية في العالم،الديمقراطية التي يحاول الاستفادة منها كل من يريد الوصول الى حياة سياسية مستقرة في بلده ، ديمقراطية تخدم المجتمع، وتتداول فيه القوى والاحزاب السياسية السلطة، بواسطة صناديق الاقتراع لا بواسطة البنادق والدبابات. وليس غريبا ان الديمقراطية كانت غير معروفة لنا سابقا، ولا نعرف المقصود بالحملة الانتخابية ، فكنا نتصورها كالحملات التي كانت تجري في بلداننا حين تسنح فرصة ما لانتخابات او استفتاء تفرضه السلطة او الحكومة من أجل رئيسها أو أعوانه. و السويد مثلا، احدى البلدان التي يحلم الانسان بديمقراطيتها ، وشيوع مثالها الاسكندنافي في اوربا معروف للجميع، وبسبب ملاحقات نظام صدام حسين المقبور للعراقيين وصل عدد كبير من أبناء شعبنا المشردين الى هذا البلد حتى أصبحوا يشكلون مايعرف بالجالية العراقية في السويد. و مثل الالاف من العراقيين حط ركابنا في السويد اوائل التسعينات ، وذاك لان العراقي اصبح في عهد الحكم الاعوج ، جوالا ينافس الغجر في تنقلهم والبدو في ترحالهم وراء الماء والكلأ. وكان ان جاء موعد الانتخابات في السويد ، وهي التي يتقرر فيها اسم الحزب الذي سيحكم البلاد ، وكانت المنافسة على أشدها بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، وهو حزب معروف في السويد من اشهر قادته الزعيم الراحل اولف بالمه ، وحزب المحافظين الذي قاده السياسي السويدي المعروف كارل بيلدت. فوجئت يومها وانا أدخل السوق المعروف روزنجورد في حي المهاجرين بمدينة مالمو، بمجوعة من النساء يقدمن الورد الاحمر، وهو شعار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وظننت انهن يبعن الزهور دعما لحملة حزبهن ، واذا بهن يقدمن الزهور مجانا للناس، من أجل الدعاية فقط، ويطلبن منك بادب جم ، ان لاتنسى الحزب الاشتراكي يوم الانتخابات ، ويزودنك بورقة المرشحين، ويشرحن لك كيف تنتخب. كانت الزهور الحمراء تملأ السوق والبيوت والحي والمدينة، فعجبت من أين جاءوا بهذه الزهور في هذا الفصل الشتائي المثلج . اما في يوم الانتخابات، فقد فوجئ العديد من المهاجرين ، بنساء ورجال يطرقون الابواب في الثامنة صباحا ، وهم يحملون الخبز اليهم. اعتذرالبعض بانه لم يطلب ولم يحجز خبزا، فياتيه الجواب : انه هدية من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، كي يساهم في الانتخابات. وقد كنت شاهدت الانتخابات لاول مرة في بلاد الهند، اذ غادرت العراق عام 1979 الى الهند بعد أن أغلقت السلطات جميع منافذ السفر أمام العراقيين لترميهم في محرقة الحرب العراقية الايرانية، وكنت قد سمعت عن الهند بانها اكبر بلد ديمقراطي بعد بريطانيا ، ولكني لم اكن أعرف كيف هي الديمقراطية، لاني لم امارسها في وطني العراق الا بشكل ساذج في بعض الانتخابات المهنية والطلابية، والتي كانت إما مفبركة أو مزورة ، أو مفروضة. كان موسم الانتخابات في الهند موسم مسيرات واحتفالات ومهرجانات ودعايات واسعة لمجموعة مختلفة من الاحزاب والملل والنحل، وكان حزب المؤتمر الهندي الذي ترأسته انديرا غاندي آنذاك ، على راس قائمة الاحزاب التي تحصد الاصوات في الانتخابات لما لها من مكانة ولاسرتها واسم ابيها جواهر لال نهرو من سمعة كبيرة. حتى جاء اليوم الذي تحالفت فيه مجموعة من احزاب المعارضة ضدها وقدمت برنامجا مغريا للجماهير، واستغلت السلبيات التي وقع فيها حزب المؤتمر، فحققت فوزا على انديرا غاندي وحزبها. كان ذلك أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وما ان استلم تحالف الاحزاب السلطة ، حتى سعوا الى المغانم والمكاسب والمعاهدات التي تضمن لهم المال والمنافع على حساب الملايين الذين انتخبوهم. ولم يطل الامر اكثر من دورة انتخابية واحدة حتى سارع الناخب الهندي الى سحب تأييده لهذا التحالف الذي اخذ يتآكل قبل أن يسقط في الانتخابات مضرجا بدماء فشله وخيبته ، فلقنه المواطن البسيط درسا لن ينساه اي حزب او اي سياسي في الهند. اتذكر هذه المناسبات والالم يعتصر فؤادي لما أراه من سباق فرق الموت في وطني بضرب الناس بالقنابل والسيارات المفخخة ، بحجة تعطيل او افشال الانتخابات. فشتان بين من يقدم الخبز والزهور ومن يضرب الناس بالقنابل والرصاص. وأتساءل متى يفيق هؤلاء الذين يحلمون في فرض رؤيتهم المتخلفة على شعب لم ينتخبهم، ولماذا لايبحثون عن طرق أخرى أفضل من القنابل والاغتيال والخطفوالسيارات المفخخة للوصول الى كرسي الحكم ، فان كانوا مسلمين كما يدعون ففي الاسلام فسحة : ( وجادلهم بالتي هي احسن) ، وان كانوا غير ذلك فالانسان كما يقول الفلاسفة أثمن راسمال، واكرم المخلوقات، فلماذا هذه الاستهانة بالنفس البشرية، وإهدار دم النساء والاطفال الابرياء ؟ ان الانتخبات القادمة في العراق ، هي أول انتخبات ستتم دون هيمنة النظام الديكتاتوري السابق، وستشارك فيها العديد من الاحزاب العراقية المعروفة، وسيشارك فيها الكرد دون خوف من سلاح كيمياوي او أنفال، فالاحرى بجميع القوى الحريصة على مستقبل العراق، المساهمة في انجاح هذه التجربة كي يحصل العراق على متنفس في الساحة السياسية ويستطيع التعاطي والتعامل مع سلطة الاحتلال التي اقرتها الامم المتحدة . لم يبق سوى أشهر قليلة على الانتخابات المقرر عقدها في العراق، والمفروض أن تاتي حكومة شرعية منتخبة على إثرها، وهو ما يأمله الجميع، وينتظره أبناء العراق في الداخل والخارج، ورغم ضبابية الاجراءات المتخذة من أجل استكمال الاستعدادات لهذه الانتخابات، الا ان الامر الملاحظ هو ان السباق جار على أشده في كافة الاوساط لتحقيق أفضل النتائج، فالسلطة المؤقتة تريد نيل الشرعية من خلال حصولها على الاصوات اللازمة لها كي تستطيع الاستمرار بالحكم لفترة قادمة حتى تستطيع تثبت اقدامها بقوة لنيل السلطة المستقرة مستقبلا ، وهذا حق مشروع من حقوقها ، ولكن القضية الاولى التي على حكومة اياد علاوي أن تحققها هي المبدأ الديمقراطي النزيه، ولنا فيها أمثلة جميلة في العالم ، أولها مثال نلسن مانديلا ، الذي وصل الى الحكم وخرج منه نقيا نقاوة الماس الافريقي، وهو بذلك أرسى أساسا صلبا للديمقراطية في بلده الذي كان يحتج البيض بانه غير مؤهل لحكم نفسه. والمثال الثاني قريب منا، ويتمثل في تخلي سوار الذهب في السودان عن الحكم دون اراقة دماء . فخرج من السلطة تحيط به نظرات الاعجاب ، وتكفيه مفخرة في تاريخ بلاده و ستذكرها له الاجيال. وكما ان الفوز في الانتخابات ليس سهلا ، كذلك بالامكان أن يكون الفوز قريب المنال ، اذا آمن الشعب بان مصالحه ستتحقق على يد فلان من الناس أو الحزب الفلاني ، وكلنا يعرف مثال السيدة الراحلة انديرا غاندي التي خسرت الانتخبات في دورة انتخابية، وعاد الشعب بعد دورة انتخابية ثانية فجاء بها الى دست الحكم معززة مكرمة، لانه خبر غيرها فرضى بها عن طيب خاطر رغم السلبيات التي رافقت دورة حكمها. لا أجدني أحبذ الوعظ ولا أجيده، ولكني أرى من اولى واجبات العراقي المخلص لوطنه أن يساهم بما تسمح به ظروفه للوقوف الى جانب شعبه ووطنه في هذه المحنة التي ضاق الخناق فيها على رقاب أبناء شعبنا، وسمح لنفسه كل من هب ودب في أن يرسم الطريق غير القويم لبلدنا، فراح يفخخ السيارات، ويفجر الاطفال والسكان المدنيين في الشوارع الآهلة بالسكان ، والبيوت والازقة المزدحمة بالناس، حتى سالت دماء أهلنا أنهارا زكية بحجة محاربة امريكا، والمطلوب اليوم هو سد الطريق على هؤلاء الذين لايتوعون عن جزّ رؤوس البشر كالخراف دون وازع من الله ورادع من ضمير.
#مؤيد_عبد_الستار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النسر الاحمر في سماء القطب الشمالي
-
المجد لك في الاعالي
-
انهيار السلطة الثورية : ملاحظات سريعة
-
جريمة الاعتداء على المسيحيين
-
خطيئة مصر في رعاية المجرم صدام حسين
-
نداء الى السيد وزير العدل مالك دوهان الحسن المحترم
-
الشعب الكردي في كردستان تركيا يحقق أولى أمانيه المشروعة
-
الديمقراطية : فاكهة الرافدين المحرمة
-
الموقف من الجرائم والمسؤولية السياسية للقوى الوطنية العراقية
-
الطريق إلى بغداد
-
الخزي والعار لمن يلفق التهم : تضامنوا مع د. كاظم حبيب
-
حول تفجير مقر الحزب الشيوعي : الإرهاب سيف بلا رحمة
-
نداء إلى السيد آية الله السيستاني المحترم
-
مجسم الأشياء الهاربة
-
البحث عن رئيس مهزوم
-
يوسف إدريس ، شهادة في صدام
-
رئيس زائف متسربل بعار الهزيمة
-
موقع متميز يستحق المساندة والتقدير
-
مجلس الحكم العراقي : نحو اطار اكبر وتنظيم أشمل
-
الصحاف في قفص الاتهام
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|