|
كردستان بين دساتير وقوانين الأنظمة العراقية وأفعالها - القسم الأول
خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 14:48
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
القضية الكردية والجمهوريات العراقية الثلاث الى حكم نظام صدام حسين د. خالد يونس خالد- السويد
القضية الكردية بين الصراع والسلام من الصعوبة سرد تفاصيل دور عنصر الصراع في مقال موجز كالذي بين أيدينا ، إذ أمامنا عشرات الأمثلة المهمة في تاريخ الأزمات التي حكمت الشرق الأوسط منذ إنهيار الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية بعد الحرب العالمية الأولى. ووقوع المنطقة تحت سيطرة الكولونيالية البريطانية والفرنسية ثم الدخول في مرحلة التحرير وتأسيس الدول القومية. لكن شعوب هذه الدول القومية لم تذق طعم الحرية إلى اليوم بفعل تسلط الانظمة الشمولية على السلطة. وعلى أي حال يمكننا أن نورد هنا بإيجاز بعض الامثلة من بين هذه الأمثلة العديدة التي تقنعنا بدور القضية الكردية كعنصر صراع وسلام على المستويات الداخلية والأقليمية والدولية. وهذه الأمثلة تنطبق بشكل أو بآخر على كل من تركيا وإيران وسوريا مثلما تنطبق على العراق. ولكننا نعالج "كردستان العراق والأزمات التي تحكم الشرق الأوسط على المستوى العراقي" بإعتبار أن الموضوع هو موضوع الساعة. ولكي تكون لنا جميعا الدرجة الكافية من الوعي بالتاريخ لابد أن نرجع بذاكرتنا إلى قراءة التاريخ بوعي ، لكي لا تحدث نكسة جديدة للشعب الكردستاني وللعراق ، ولكي يتفهم الشعب العربي والأقليات القومية والدينية الأخرى في العراق حقيقة كون التاريخ علم المستقبل ، وأنه لا يرحم أحدا . ومن الغباء أن يغض الشعب الكردستاني الطرف عن التاريخ ، وهو ملئ بالمآسي والآلام . كما ينبغي ، لا بل يجب أن تفهم القيادات الكردستانية بأنه قد ولى زمن المساومات اليمينية واليسارية والعلمانية والدينية . فالأخوة يجب أن تكون على أساس العدالة والمساواة ، وبنفس الشروط في المعادلات الداخلية والأقليمية والدولية . وعلى الشعب الكردستاني أن يفهم بجلاء بأن الشعب العربي صديقه ، لكن الأنظمة الدكتاتورية والإستبدادية هي التي اضطهدت الشعب من عرب وكرد وأقليات . الجمهورية العراقية الأولى في 14 تموز 1958 والدستور المؤقت الاول بعد ثورة 14 تموز عام 1958 أعلنت الجمهورية العراقية الأولى، وأعلن الزعيم عبد الكريم قاسم سقوط القانون الأساسي العراقي لعام 1925 باعتباره قانونا مخالفا للأسس الديمقراطية، ثم أعلن الدستور المؤقت الجديد الذي أُعتُبِر الدستور العراقي المؤقت الأول في العهد الجمهوري. وجاء في مادته الثالثة: "العرب والكرد يعتبرون شركاء في الوطن الواحد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوطن الواحد". وبهذه المناسبة حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان قد تأسس في عام 1946 على إجازة العمل السياسي في العراق، كما رجع البارزاني مصطفى من منفاه في الإتحاد السوفيتي إلى العراق، واستُقبل إستقبالا حافلا. وهنأ الحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزاني السلطة العراقية الجديدة وزعيمها عبد الكريم قاسم ، كما أشاد بإعلان الدستور الجديد. وعلق الحزب الشيوعي العراقي على المادة الثالثة من الدستور قائلا: "كانت خطوة إلى الأمام ومكسبا معنويا وديمقراطيا، إذ اعترفت بالشخصية القومية الكردية واعتبرتها شريكة مع العرب في الوطن العراقي". (أنظر تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، بغداد ، آذار 1962، ص 17). وأعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان صدر في تشرين الأول عام 1958 مايلي: "إن الشعب الكردي مستعد للدفاع عن جمهوريته الديمقراطية الجديدة حتى آخر قطرة من دمه". (أنظر آشيريان، الحركة الوطنية الديمقراطية في كردستان العراق 1961-1968، ترجمة ولاتو، رابطة كاوا ، ط 1، بيروت، 1978، ص 66). ومن المفيد أن نذكر بأنه كان للكرد دور كبير في إخماد تمرد عبد الوهاب الشواف ضد الزعيم قاسم في مدينة الموصل العراقية عام 1959. وتوجه آلاف المسلحين الكرد وبمحض إرادتهم إلى الموصل لمقاومة التمرد والقضاء عليه دفاعا عن عبد الكريم قاسم والجمهورية العراقية الفتية. تغيرت الأوضاع السياسية بسرعة، حيث منعت الحكومة العراقية النشاط السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والتنظيمات السياسية الأخرى، وبدأت السلطات بملاحقة أعضاء الحزب الكردستاني المذكور ، وشن الجيش العراقي حربا ضارية ضد الكرد ، مما إضطر الكرد إلى تفجير ثورة 11 أيلول 1961 بقيادة البارزاني مصطفى. وهذا ما أضعف نظام الزعيم قاسم، وألهى الجيش العراقي بمعارك جانبية بين النظام العراقي والثورة الكردية. وبذلك ساهم الكرد في إسقاط الجمهورية العراقية الأولى، مما فسح المجال للبعث العراقي في تمرير إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، والذي أسس نظاما دمويا مستبدا مسلطا على رقاب الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته. الجمهورية العراقية الثانية وإنقلاب 8 شباط 1963 ومبدأ اللامركزية بعد إنقلاب 8 شباط وتشكيل الجمهورية العراقية الثانية ، إنعدم إلتزام الحكام بالدستور نهائيا، وكان الإرهاب والتعذيب والإعدامات السمات الأساية للنظام، إضافة إلى الجرائم البشعة التي إقترفها الحرس القومي ضد أبناء الشعب. لكن الثورة الكردية برهنت وجودها وقاومت السلطة البعثية مما إضطر النظام إلى الإلتفاف حول القضية الكردية وإصدار بيان 9 آذار المعلن في 11 آذار عام 1963. وجاء فيه: "لقد عاش العرب والأكراد كأخوة، يربطهم الوطن. ويعترف مجلس قيادة الثورة بحقوق الأكراد على أساس مبدأ اللامركزية. وهذا المبدأ سيدخل الدستور المؤقت والدائم وستشكل لجنة من أجل وضع برنامج واسع للامركزية". (أنظر أشيريان، نفس المصدر، ص 85). لكن لم يدخل هذا المبدأ في الدستور، ولم تُطبق اللامركزية عمليا حتى سقوط النظام. ففي أوائل شهر حزيران سيق آلاف الكرد إلى السجون، وألقي القبض على رئيس الوفد الكردي صالح اليوسفي الذي كان متواجدا آنذاك في بغداد. وتحديدا في 6 حزيران 1963 شنت القوات العسكرية العراقية هجوما واسعا على كردستان ومواقع البيشمه ركة الكرد والبارزاني. ومن الجدير بالذكر أن كل من جلال الطالباني وابراهيم أحمد كانا من القياديين البارزين الذين يُشهد لهما بدور ريادي في الحزب المذكور آنذاك. صرح الوزير العراقي طالب حسين شبيب في وزارة أحمد حسن البكر بأنه: "لا يجوز حتى الحديث عن منح الأكراد الحكم الذاتي وإذا لم يساوم الجنرال بارزاني بالقضية فإننا سوف نأجل القضية طويلا، وسنقضي على المتمردين دفعة واحدة". (أنظر آشيريان، نفس المصدر، ص 100). لكن بسبب قوة المقاومة الكردية المتواصلة أجبرت القوات العسكرية العراقية على التقهقر، وبرزت تناقضات في الحكومة العراقية، ومهدت السبيل لإنقلاب 18 تشرين الثاني عام 1963 وإقامة الجمهورية العراقية الثالثة .
الجمهورية العراقية الثالثة في 18 تشرين الثاني 1963 والدستور المؤقت الثاني في 4 نيسان عام 1964 وبيان شباط 1964 طلب عبد السلام عارف قائد إنقلاب 18 تشرين الثاني من قيادة الحركة التحررية الكردية تسليم الأسلحة إلى القوات العراقية والإستسلام. لكن القيادة الكردية رفضت ذلك وقاومت النظام العارفي وأرغمته بإصدار بيان 10 شباط عام 1964، وجاء فيه: قررت الحكومة "منح الأكراد الحقوق القومية في إطار الجمهورية العراقية وتثبيت هذا الحق في الدستور". لم يحدد البيان ما يعنيه بالحقوق القومية، ومع ذلك رحبت القيادة الكردية بالبيان. ثبت ذلك في الدستور المؤقت الثاني الصادر في 4 أبريل/نيسان عام 1964. لكن جاء في المادة الاولى من الدستور أن "الشعب العراقي جزء من الأمة العربية هدفه الوحدة العربية الشاملة وتلتزم الحكومة بالعمل على تحقيقها". وبذلك الغيت هذه المادة موقع الشعب الكردي واعتبره جزءا من الامة العربية . وجاء في المادة (19) من هذا الدستور: "العراقيون لدى القانون سواء . وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة . ويتعاون المواطنون كافة في الحفاظ على كيان هذا الوطن بما فيهم العرب والاكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية". كان هذا الدستور خطوة إلى الوراء بالمقارنة مع دستور الجمهورية الأولى ، فلم يوضح ما المقصود بالحقوق القومية للشعب وركز رئيس الجمهورية عبد السلام عارف السلطات بيديه، وأخذ يعدل الدستور كيفما شاء دون إعتبار لحقوق الشعب الكردي . مع نشر الدستور المؤقت الثاني أعلن النظام القومي العراقي إتفاق الوحدة بين العراق ومصر في 26 أيار عام 1964 دون ذكر أي شئ عن الحقوق القومية للشعب الكردي. ولم يعترف الدستور بأي تنظيم سياسي غير تنظيم النظام العربي العراقي وهو "الإتحاد الإشتراكي العربي"، وهذا يعني منع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان التنظيم الوحيد الذي يمثل الكرد آنذاك، بالعمل السياسي. ولذلك وصف الحزب الكردستاني هذا الدستور بأنه وثيقة رجعية بالنسبة للشعب الكردي. أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك طاهر يحيى بأن "الحكومة لا تستطيع أن تمنح الأكراد الحكم الذاتي لعدم وجود البرلمان المنتخب من قبل الشعب في البلاد. وبنفس الوقت اعتبر طاهر يحيى مطاليب الأكراد بتنفيذ إتفاقية 10 شباط (متطرفة) وأنها تعرقل الوحدة والصداقة مع العرب". (أنظر آشيريان، نفس المصدر ص 128). ثم بدأت الإصطدامات العسكرية بين القوات الحكومية والقوات الكردية. وأعلن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف "نحن لا نعطي أي شبر من أرض وطننا، سيبقى الوطن العربي للعرب". وزعم بأن الأكراد هم في الاصل عرب من سلالة (كرد بن عامر). لكن على النقيض من إعتبار الكرد عربا كانت الممارسات الإستبدادية ضد الكرد على أرض الواقع تؤكد بأن الكرد قوم آخر غير العرب. فقد صرح وزير الدفاع العراقي عبد العزيز العقيلي في 21 تشرين الأول عام 1965 في كلمة ألقاها في القصر الجمهوري بأن "القضية الكردية لا يمكن حلها إلاّ عن طريق الحرب" بينما كان وزير الداخلية العراقي صبحي عبد الحميد أكثر وضوحا بقوله "لا ينوي العراق الموافقة على الحكم الذاتي للأكراد لا اليوم ولا في المستقبل". (أنظر آشيريان، نفس المصدر، 130 و 132). لكن الثورة الكردية إستمرت في إمتصاص قوة الجيش العراقي وإضعاف الإقتصاد العراقي، وتشويه المركز الدولي العراقي. وحدث تقارب وتفاهم مع الحكومة العراقية للتوصل إلى (بيان 29 حزيران 1966) والمعروف ببيان رئيس الوزراء الجديد آنذاك عبد الرحمن البزاز، المتضمن خمسة عشر نقطة. حيث ورد في النقطة الأولى: "تعترف الحكومة بحقوق الأكراد في إطار الدستور المؤقت وسوف يشمل الدستور الدائم على هذه الحقوق المتساوية". لكن سقطت حكومة البزاز، وخلفه الضابط العسكري ناجي طالب الوزارة، ونسف الإتفاقية وعلق قائلا: "إننا لا نريد تحويل العراق إلى لبنان آخر". (أنظر أدمون غريب، الحركة القومية الكردية، بيروت، 1973، ص 94). وبهذا اقتنع الكرد أكثر بضرورة مواصلة النضال، وحصلوا على مساعدات إيرانية لضرب مواقع النظام العراقي. كما إتصل الكرد بالقوى العراقية المعارضة لإسقاط الجمهورية الثالثة عشية إنقلاب 17 تموز عام 1968، واقامة الجمهورية العراقية الرابعة. _____________________________________________ يتبع القسم الثاني: الجمهورية العراقية الرابعة واتفاقية الحكم الذاتي عام 1970 لتصفية القضية الكردية
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للكرد حق تاريخي وقانوني اجراء استفتاء في كردستان الجنوبية
-
العقلية الدينية السياسية الاسلاموية تسيء فهم التطورات على ال
...
-
عجز العقل السياسي العربي في مواجهة الأزمات التي تحكم المنطقة
...
-
العقلية التقليدية الكردستانية تخشى الوعي الاجتماعي
-
خيارات كردستانية لمواجهة التحديات الراهنة
-
كيف نواجه الإرهاب في كردستان ؟ القسم الاول
-
مواقف متباينة من القضية الكردية في النظام الدولي
-
تحطيم جدار الخوف لمواجهة الحرب النفسية ضد الشعب الكردستاني
-
اشكالية مفاهيم تسييس الإسلام وحزب الله وفصل الدين عن السياسة
...
-
الفقهاء يرفضون تسييس الإسلام وشرذمته إلى أحزاب إسلاموية - ال
...
-
من سيد قطب وتسييس الإسلام الى الأحزاب الإسلاموية وشرذمة الإس
...
-
سيد قطب وتسييس الإسلام ودحض أفكاره في التكفير والعنف - القسم
...
-
حسن البنا والدعوة الإسلامية ضد السياسة الحزبية وتسييس الإسلا
...
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 2-2
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 1-2
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الرابع
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الثالث
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمر عبر كردستان- القسم الثاني
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الأول
-
قراءة ديوان - أشعار منفية - للشاعر العراقي فوزي إبراهيم
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|