أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رباح حسن الزيدان - الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية















المزيد.....

الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية


رباح حسن الزيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 23:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفاهيم أو المفردات الدينية تميز مفردة " علماني " ran ـ الصفة ـ، و التي لا تمتلك أية خاصة نوعية في التقديم الرسمي للدين أو داخل المفاهيم الدينية، و مفردة " رجل الدين" clerc، التي لديها موقع آثر في "الدور المشرف و القائد" في عملية إدارة المعتقد. ذاك التمييز يأخذ ،في البداية، معناه في قلب مجتمع أو طائفة من المؤمنين، مشاركا في تحديد الاختلاف بين الاختيار الديني البسيط و وظائف الكهنوت أو الإكليروس الرسمية الممارسَة و"المحترفة"، مقارنة مع الأولى. إذا توسعنا في المفهوم، فإن مصطلح أو صفة "علماني " تتعلق أيضا بالشخص الذي لا يقتسم " معتقدا أو إيمانا " معينا إلا الذي يعتقد به، ولكن ليس لديه أية سلطة من أي نوع تجعله يقرر قواعد الإيمان. مؤمن أو غير مؤمن، فالعلماني يعني بكل بساطة الإنسان، بالمضمون الشامل، الذي يفكر باستقلالية عن كل أنواع الطاعة و الخضوع
لا بد من الملاحظة هنا أن، المصطلح من أصل ديني ترك مكانا لمصطلح مختلف قليلا، حيث عندما تحدثنا عن " علماني" من أجل الإشارة إلى: إما حركة رأي مصمِّمٍ لفصل الفضاء العام عن الوصاية الكهنوتية لرجال الدين، و إما شخص يعمل على تحقيق هذا الانعتاق، و إما أيضا مؤسسات معرَّفة من خلال استقلالها الحاصل بالنسبة لتلك الوصاية : حيث نتحدث عن دولة علمانية، وعن مدرسة علمانية..
إن الإكليروس يتصف ليس فقط بممارسة الوظائف الدينية في داخل مجتمع أو طائفة من المؤمنين، ولكن أيضا يتصف بالطموح للسلطة الزمنية " الدنيوية" على كافة المجتمع. "هل سنقول أن هذا ينتج بشكل طبيعي عن كل دعوة أو تبشير ملازم لكل دين ؟ ربما الجواب بهذه الطريقة سيكون سريعا جدا. إنه سيكون أكثر إنصافا ودقة تمييز نموذجين أو طريقتين في توسع أو امتداد العقيدة أو الإيمان : الأول من خلال الشهادة أو الدليل الأخلاقي و الروحي، الثاني من خلال سلطان و نفوذ الزمني الدنيوي. والفكرة أن الدين هو "اقتناع شخصي للضمير" تعيد للظهور شرعية النموذج الأول، ولا شرعية النموذج الثاني. أما علاقات السلطة الروحية و السلطة الزمنية تضع الدين موضع الشك والارتياب ومعه أيضا الكهنوت أو رجال الدين . بالتأكيد سيحصل خطأ في الفهم إذا لم نقيم بشكل واضح نوعين من التمييز الجوهري، من جهة بين الدين و الروحية، من جهة أخرى بين الدين و الإكليروس".
فالحياة الروحية لا يمكن اختصارها بالدين، حتى ولو كان يشكل رمزا كبيرا. لأن الروح تعيش في ممارسة متعددة الأشكال للحياة الاجتماعية، في الثقافة الإنسانية بكل غناها. الفن، العلم، الفلسفة، جميعها تشكل على سبيل المثال أشكالا للحياة الروحية على نفس المستوى كما الدين، ولكن بطرائق مختلفة. الروح تبقى في العقيدة و الإيمان من غير شك، ولكن أيضا هي تعيش في التفكير العقلاني، كما الحال مع إبداعات الفنانين مثلا، وأكثر، في مختلف الإبداعات الثقافية.إذا الدين لا يمكن إذا أن يحتكر الحياة الروحية.
فيما يتعلق بمفهوم السلطة الروحية، لقد تم تمييزها بشكل تقليدي عن السلطة الزمنية أو الدنيوية، أي توجد داخل العصر، و من أجل الإحساس بطريقة وجودها الخاصة : فهي سلطة معنوية أخلاقية، لا تُطوِّر تأثيرها إلا ضمن احترام حرية المعتقد و الذي هي في الأساس تتوجه له. يبقى التمييز المتعلق بالدور المحتمل للدين في الحياة الاجتماعية، أو داخل فعّالية روحية لا يمكن اختصارها بهذا الدين وهذا أمر قاطع ونهائي.
Auguste Comte أشار إلى هذا الاختلاف فيما يخص الكاثوليكية : "الدين طالما بقي مسألة روحية أو أخلاقية معنوية، لديه وفق مؤسسي الفلسفة الوضعية فائدة و مزايا، كما هو حال الأشكال الأخرى من الحياة الروحية، الفكر العقلاني أو المعرفة العلمية،على سبيل المثال : السلطة الروحية تلعب الدور عن بعد فيما يتعلق بالمصالح الفورية التي يمكن أن تفصل أو تعارض الناس، و تحرر المعالم الأخلاقية، بل وحتى السياسية، من كل إكراه إيديولوجي. المشكلة أن هذا الشكل من الروحانية الحرة و البعيدة عن الطموحات السياسية و السيطرة كانت في مراحل قصيرة من تاريخ الإنسانية».
في الواقع،التمييز الجوهري بين الدين و الإكليروس هو ضروري جدا. الدين، كاعتقادٍ موحدٍ بحرية للمؤمنين، لا يستطيع ولا يجب أن يكون مختلطا مع الإكليروس، هذا الأخير الذي لديه مطامع دنيوية بالسيطرة والهيمنة ويتجسد بشكل واضح في أهواء ورغبات القوة العامة. أيضا الإكليروس يذهب أبعد من ذلك، أي من سلطته الشرعية ككهنوت له حدود ضمن مجتمع أو طائفة، ويدعي القدرة على تقديم وصياغة القوانين للآخرين.إن أي دين ،حتى من غير بنية كهنوتية داخلية، يمكن أيضا أن يمارس نفوذا تقريبا يشابه ممارسة الإكليروس، و ذلك عندنا يبدأ بتطوير وصاية على الفضاء العام.
أيضا " جماعات الضغط " التي تحاول علمنة الرؤية الدينية للمجتمع المدني تكون بذلك أصبحت قريبة من الإكليروس الديني ولكن بصفة الإكليروس العلماني. وينطبق هذا على رجال الدين الذين يتحدثون للطائفة أو المجتمع ويعتبرون أنفسهم كدليل أو مرشد لا يمكن تفاديه أو الاستغناء عنه في الحياة وهذا ما نلاحظه في المجتمعات الإسلامية. لكن لابد من القول هنا أن الفضاء العام لا يمكن اختصاره فقط لسلطة الدولة، ولكنه يتضمن حقوقا وقوانين أخرى تنظم العلاقات بين البشر.
المثل الأعلى العلماني، إذن، لا يدخل في أي حال من الأحوال في تناقض مع الأديان كما هي، و لكن مع إرادة النفوذ و السلطان التي تصف العديد من تحركاتها، التي تريد أن تتحول لقوة سياسية أو اجتماعية. ولا يقصد هنا أن نضع في المساءلة السلطة الروحية أو الدنيوية لرجل الدين داخل طائفته أو " تجمعه" الديني الخاص التي يمارس ضمنها هذه السلطة، حيث يحترم الحدود في هذه الحالة. لكن تلك السلطة تصبح غير شرعية عندما تبدأ بإعطاء نفسها أو تعطى نفوذا على العديد من المبادئ تتعلق بالمجتمع الإنساني بكليته. إذا كان لطائفة معينة صفة الأغلبية العددية في المجتمع، فهذا لا يعطيها إي حق سياسي أو امتياز دنيوي زمني، على حرية المعتقد بالنسبة للأقلية ( كما هو حاصل في الدول ذات الأغلبية الشيعية أو السنية) في بعض الدول العربية، والمساواة بين الجميع يجب أن تكون محترمة.
يوجد، بالنظر إلى ذلك، نظامين من السلطة يمكن تمييزهما، وهما يرتكزان على قواعد و أسس مختلفة. يمكن تمييزهما : لأنهما يلعبان أو يقومان بوظائف لا يمكن الخلط بينها.حيث أولا، علينا تعريف مبادئ و قواعد الحياة المشتركة للناس الذين هم أسياد لحياتهم و فضائهم الخاص، وثانيا، هو ممارسة "الأستاذية" في عملية التفسير لمعتقد ما، أو مذاهب مرتبطة به. فيما يتعلق بالقواعد الخاصة بهذه الوظائف، فهي بكل تأكيد ليست أو لا تتمتع بنفس الحدود. و يعني هذا في حالة مؤمنين بمعتقد معين في مجتمع ديني خاص، أو في حالة جميع السكان في بلد ما، مؤمنين أو غير مؤمنين.
الكهنوت الديني أو " رجال الدين " يخلطون، يربطون، ويخضعون الحالات و الأوضاع، أي بين نظامين للسلطة، و النتيجة : احتلال و استعمار الفضاء العام، وهذا احتمال كبير لحدوث عنف كامن أو صريح، فيما يتعلق بكل شخص غريب عن المعتقد " المرجع " أو الإيمان القائم ( و الأمثلة كثيرة في المجتمعات المسيحية القديمة في الغرب، والمجتمعات الإسلامية الحالية، وهي مستمرة أيضا في المجتمعات اليهودية و المسيحية الشرقية و خاصة العربية منها ).
بشكل واقعي كبير، هناك عدة أسئلة بسيطة توضح هذه النقطة. فهل لدي الحق بأن أكون ملحدا، مسلما أو مسيحيا، عندما يكون الكهنوت القائم الذي يستثمر الفضاء العام هو يهودي ؟ وهل يحق لي الإلحاد و تغيير إسلامي إلى دين آخر في مجتمع واقع تحت الاستثمار الإسلامي للفضاء العام ؟ وهل يحق لمسيحي مصري أن يؤمن بالمعتقد الإسلامي في مجتمع في طائفة خاضعة لكهنوتي مسيحي؟ وهل مواطن عربي ملحد في بلد عربي يعلن في المادة الأولى للدستور أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع يستطيع أن يقسم القسم الرئاسي في الدولة من غير العودة لنص ديني؟ وهل إذا كان الإسلام هو الدين الرسمي للدولة و قوانين الأحوال الشخصية مستمدة منه لا من قوانين التطور الإنساني، يستطيع الفرد (امرأة أو رجلا ) أن يطالب بالمساواة و العدالة في القناعات،الإيمان والقوانين؟
امرأة في الدول الإسلامية المنغلقة تريد الخروج في الشارع من غير حجاب أو نقاب هل هي حرة في ذلك من غير أن تكون خطرا على الأمن القومي؟ في الواقع، نستطيع أن نلاحظ ما يشبه نزعة تتردد دائما: هنا و حيث يكون الدين مسيطر "روحيا " يصبح مسيطرا أيضا من الناحية الرسمية، الأديان الأخرى، أو بشكل أعم كل التعبيرات و الأشكال الأخرى الروحية أصبحت مبعدة بأشكال و بدرجات مختلفة.
اضطهاد صريح أو إبعاد: و العنصرية يمكن أن تستكمل وفق نماذج متعددة. العودة إلى العلمانية، و استئصال كل مرجعية طائفية للفضاء العام، تضمن للأديان حرية و مساواة أكثر حقيقيةً أكثر من عندما تكون هي مسيطرة أو في العلاقة فيما بينها. هذا الاستئصال لا يعني بالتأكيد، أن القناعات أو الاعتقاد لا يستطيع ممارسة أي تأثير على مفاهيم القوانين المشتركة. ولكن في القانون، لا تستطيع بهذه الحالة التأثير من الآن فصاعدا، إلا من خلال وسيط وهو التعبير الحر ضمن مشاركة في حوار عام، وفي حالة جذب للقناعات الفردية ضمن احترام الحريات، و الاستقلالية في الحكم و التقييم. بشكل آخر للقول، السلطات الطائفية، في بلد علماني، ليست هي " فاعلة أو ممارسة" للأوضاع و الحالات القانونية أو منتجة لها، ولكنها أقطاب روحية حيث كل مواطن لديه الحرية بالاعتراف بها أو لا كسلطة.
"إن مبدأ السيادة الديمقراطية لا يستطيع من جهة أخرى قبول نوعين من " الممارسين أو المنتجين للقانون"، فردي يحمل صفة المواطن، و جماعي مثل جماعات الضغط التي لديها نظام الخضوع و الطاعة الدينية. هنا وضمن هذا المعنى أن العلمانية، على النقيض من الكهنوتية الدينية، تعطي بشكل متزامن معنىً للديمقراطية و استقلالية الحكم و القضاء: سيادة شعبية وسيادة فردية كأنهما متقابلين أو متناظرين في اللحظة التي لا يستطيعان فيها الاعتراض أو التدخل بين الإرادة العامة و المواطن السيد على أفكاره. وحدة العلمانية laos، و الشعب، تقرن أو توحد حرية المعتقد للأفراد و مساواتهم في الحقوق ضمن الشيء العام. كل امتياز إيديولوجي أو طائفي، أو كل نفوذ للمصالح الشخصية، ستشكل صعوبة أمام هذه الحرية.أنا إنسان قبل أن أكون مسلم، ملحد، مسيحي أو يهودي. الاختلاف الثقافي أو الديني المفترض أنه غير قابل للحل يعطي في معظم الأحيان اسمه و رداءه للمشاعر المظلمة للاستبعاد الذي يخلق العنف الذي نراه في الإعلام و تجذر في مجتمع تحول إلى بضاعة و دمرت كل معالمه".
التحزب و التجمعات الدينية و الطائفية، العرقية و الثقافية، تزداد و تتمدد لتعيد تسخين الذي " تم تبريده" بالقرب من القطب العلماني، ولتدمر بشكل منهجي أفكار التنوير و التسامح : الحريات السياسية، قيم الديمقراطية و المواطنة. نستطيع العودة هنا للحديث عن " السمو العلماني " ranscendence laïque،حيث كل الناس يتشابهون و يتحدون من خلال حريتهم، و أن يكونوا على مسافة واحدة من كل شيء يتعلق بالفضاء العام. تضامن كل إيجابي بين الاعتراف بالحرية الفردية و كل ما هو راق مشترك بين البشر. الحرية و المساواة : العلمانية هي تأكيد أصيل لمفهومٍ من الارتباط الاجتماعي الذي لا يوحد سوى الناس الذين يخلصون معتقدهم وقناعتهم من الخضوع الكهنوتي الديني الخاص، فالخير المشترك يتضمن و في الدرجة الأولى حرية الجميع، ورفض جميع أشكال التمييز الطائفي أو الديني.
إننا نستطيع نقد دين ما، أو أشكال الإلحاد الإنسانية، ولكن علينا احترام الحق في الاعتقاد.إذن، مسيحي، مسلم، يهودي، ملحد أو غنوصي جميعهم يستطيعون العيش معا في سلام، في اللحظة التي فيها الاختيار الروحي لكل منهم يبقى شأنا خاصا، بمعنى أنه لا يستطيع الإدعاء أنه يحكم الفضاء العام. وعكس ذلك يعني التحول إلى العنف بكل تأكيد.
كما ذكرنا سابقا، العلمانية لا يمكن اختصارها بمفهوم بسيط عن " دنيوية" الوظائف المدنية التي كانت مشغولة في الماضي من قبل السلطات الدينية. فمقولة كهذه ستفترض في الواقع أن نفس الغايات ستبقى أو يحتفظ بها من خلال تحول Métamorphose في النماذج أو الأشكال. في الحقيقة ليس هذا هو الحال."العلمنة" Laïcisation لا تقوم بأي تحول في المقدسات، ولا تؤسس أو توجد أي دين " دنيوي" أو "مدني": إنها تعيد تعريف،وفي نفس الوقت، غايات و أشكال السلطة السياسية، ووضعية الاختيار الديني، وتقود إلى بعدها الجوهري في حرية المسعى الروحي. فالمؤسسة الدينية ليست هي المؤسسة السياسية، و الله الذي تخلَّص من الانغماس و التلوث في السلطة الزمنية ليس هو القوة اللاهوتية/السياسية التي قامت بالشرعنة légitimation " العمودية " للسلطة الزمنية. حيث هذه الأخيرة حلت مكانها سيادة الشعب على نفسه".
إذن، العلمانية ليست فصل أو تحييد بسيط للطائفي confessionnelle. هذه الطريقة في التمييز، و التي هي سلبية بالمطلق، ليست إلا نتيجة للمقتضيات أو المتطلبات الإيجابية التي تعطيها معنى. هذه المتطلبات و المقتضيات تعود لما نستطيع أن نسميه تأسيس الحرية بشكل كلي و بشكل فردي: كلي لأن " المدينة أو الجمهورية" تتطلبه من أجل ممارسة المواطنة، فردي لأنه يؤدي للمساواة على صعيد الأخلاق كما السياسة.أما بناء الاستقلال العقلاني للشخص من خلال المعرفة، هو الذي يضمن القدرة على تجاوز الوصاية و معها جماعات الضغط. فالعلمانية هي مرتبطة بالتعليم و المدرسة، إنها مؤسسة عضوية في " المدينة" وليس "خدمة" بسيطة. فتحرير التقييم و قدرة المحاكمة الشخصية من كل أنواع الوصاية، سيسمح للمجتمع أن يقف أو يتمركز على مسافة من نفسه. و هذا ما يجعل بالإمكان خلق مرآة نقدية للثقافة الكلية أو الجمعية.
من أجل بناء مدنية سياسية حقيقية، تعنى بالمصلحة العامة، فكرة السيادة الشعبية يجب أن تترسخ داخل القلق في تعميم مرجعيات الدولة. فالفصل العلماني بين الدولة و الدين لا يعطي نفس المعنى بالنسبة لجمهورية أو "مدينة" ديمقراطية، حيث، وبدقة، المجتمع السياسي كتلك "الدولة" هو مختلط مع الحكم. لهذا السبب آليات تقديس السلطات التقليدية " الزعيم الديني أو السياسي " مثلا، لا يمكن أن تتحول أو تنقل إلى بناء للمدينة السياسية أو بناء مدني. إنها أي "آليات التقديس " لا تستطيع أن تتطابق مع المدينة السياسية، لا أن تقوم بوظائفها و لا أن تكون بنفس حالتها أو وضعها. فالمجتمع السياسي المضمون هو من خلال العلمانية و المساواة الأخلاقية للمواطنين، في نفس الوقت، كما الحرية في ممارسة معتقدهم، إنها " المدينة " هي التي تؤمن الحوار بين السيادة الجماعية و السيادة الفردية.
إذن، جلاء أو وضوح المواطن يتناسب أو يتكافأ مع العقل الذي ينقل إليه المعرفة و الثقافة، فإن عقيدته لن يكون مسيطرا عليها من خلال نفس العقيدة، أما المساواة الأخلاقية تعزز و تقوي الحرية الداخلية من خلال رفض إعطاء إي مميزات لاختيار روحي خاص. والدولة العلمانية تلحق أو تصل بالحيادية الطائفية قلق و هم التنفيذ الفعال لاستقلالية الحكم عن أي أو كل مواطن. كذلك تعرَّف الدولة العلمانية: أنها لا تحتاج لأي شرعية خارجية، ولا لتقديس خاص لتبرير الشكل الذي تمارسه: حيث تأخذ قوتها الوحيدة من انتماء مواطنيها الذي يفهمونها كشكل موضوعي لسيادتهم الخاصة.ضمن هذا السياق، شعور الانتماء إلى نفس مجتمع القانون و الحقوق، ضروري من دون شك بالنسبة لتلاحمه، يتعايش مع الوعي العقلاني للمبادئ التي تؤسسه بشكل شرعي: إنه يختلف عن أشكال التضامن و التلاحم التقليدية في المجتمع.
إذن، العلمانية لا يمكن فصلها عن مؤسسة تعمل بشكل صبور من أجل الفكر النقدي. هذا يعني تنفيذ و بشكل فاعل و في نفس الوقت ما يضع القوة العامة على مسافة من مختلف جماعات الضغط، و يعتق العقل عند الناس من كل هيمنة أو عقبة. إذن وفي وقت متزامن إنها العلمانية التي ترفع من القوة العامة وتعمم المبادئ، و المواطنين أيضا، ترفعهم و ترتقي بهم للاستقلال العقلاني. فالعلمانية بهذه الحالة تعيد المواطنين أسيادا على أنفسهم، قادرين على عيش انتماءاتهم بشكل واضح ومميز لإعطاء معنى لعالم مشترك فيه يمكن الحوار بشكل أكبر وأفضل مع الآخرين الغير منغلقين أو مسجونين في مرجعياتهم الخاصة.
هذا الحوار ليس له علاقة "بتوافق" بني كشكل من أشكال المخارج المشتركة أو تسويات بين المؤمنين بمعتقدات مختلفة: حيث هناك قلق في التفهم و الفهم المتبادل الذي يزيد من تفوق و تعالي " الخصوصية". كذلك ليس له علاقة " بالتوافق" الذي يؤدي للانغلاق ضمن الاختلاف أو المرجعية. ضمن هكذا سياق، العقيدة الدينية ليست منكرة أو أصبحت نسبية، ولكنها مدعوة أو منسوبة إلى لائحة من الوجود و من الحياة الروحية معترف بها في بعدها الخاص، من غير أي غموض. إنها رمز روحي من بين الرموز الأخرى، بلا خلط ممكن مع النزوع إلى البعد الكهنوتي، إلى تبشير غير متسامح، أو إلى تعصب و تزمت.
إن الإرساء أو الاستناد إلى تاريخ متفرد، بقايا و ترسبات إحساس أو شعور يطبع المتخيل و الذاكرة الإنسانية لمجتمع أو تجمع إنساني، لا يدخل في تناقض مع إعادة التأسيس العلماني، و لكن يستطيع التوافق بشكل كبير معها إذا كانت "سجلات" الوجود هي واضحة و مميزة. فالعقائد المتعددة المتعايشة بشكل سلمي من غير شروط أخرى، سوى احترام القواعد التي تسمح لكل واحد تقلد أو الانتماء إلى طائفته بحرية، و على قاعدة من المساواة الأخلاقية، لا يمكن أن توجد إلا في "فقط" الدولة العلمانية التي تستطيع بسبب حياديتها الطائفية ضمان ذلك، حيث لا يوجد أي اختيار روحي يمكن أن يكون لديه امتيازات على اختيارات أخرى، لا أحد يمكن أن يشعر بأنه ضحية للتمييز، هذا التمييز الذي سيكون في أقصى حالاته السيئة عندما نؤسس institutionnalisation مرجعية ما.إن القوة العامة في الدولة العلمانية قط" ستعود إلى المثال المؤسس لها وهو الخير المشترك للجميع.



#رباح_حسن_الزيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصبح الاسلام موضوع من لا موضوع له
- مفهوم العلمانية
- مفهوم المجتمع المدني العالمي
- رؤية هيجل للمجتمع المدني
- مفهوم المجتمع المدني
- العلمانية في الدساتير الفرنسية
- هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟
- إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا
- إدارة العلمانية في ألمانيا
- الولايات المتحدة : العلمانية والدين بين المجتمع و الدولة
- الثورة اليسارية في الاسلام
- المفاهيم المبهمة للعلمانية
- الجابري والاعراب نظرة ورأي
- موت النزعة الانسانية في العالم الاسلامي
- ابن خلدون ومكيافيلي في عيون الوردي
- من اسباب الخلاف بين الدين والسياسة
- أول أنتصار للدولة على الدين في الاسلام
- المعتزلة وتبني منهج العقل
- شر البلية ما يضحك
- تاريخ الالحاد


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رباح حسن الزيدان - الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية